القائد الشهيد حامد صالح تركي … رجل أمة ووطن

بقلم المهندس سليمان فايد دار شح:

 

الشيخ حامد صالح تركي فارس يأبى الترجل عن صهوة جياد الحق والشجاعة والإقدام.. أرهق جسده رباطاً وعملاً وعطاءاً وعناداً في الحق وثباتاً في المبدأ وطريق العقيدة .

أبو ماجد ذلك القيادي التاريخي البارز في الحركة الاسلامية والثورة الارترية الذي لا تنال منه الخطوب ولا الشدائد.. قائد شجاع وسياسي محنك من الدرجة الأولى وإنسان ذو قلب يتسع للجميع، وجهه ترسم عليه بسمة عذبة تثير الدفء في قلوب الناس. كان – رحمه الله – مرتبطاً بأرضه وشعبه إرتباطاً وثيقاً لا ينفك عراه .

وعندما نكتب عن هذا القائد البطل والمفكر الإسلامي الفذ الذي امتلك من الأخلاق منظومة قيم متكاملة انعكست على سيرة حياته المليئة بالأحداث والمواقف الوطنية والأعمال الخيرية والإنسانية والدعوية، يقف القلم عاجزاً عن سرد مشاعر لا يمكن أن تكتب على صورة تواريخ ومحطات نضالية، حياة حافلة بالعطاء والنضال بدأ منذ بداية العمر الذي انقضى ولم ينقطع معه ذلك العطاء والبذل، كان – رحمه الله – الأب والأخ والصديق بكل مثالية، كان الشيخ المجاهد والمناضل الصلب الذي لا تثني عزائمه الخطوب كان عالماً من علماء المسلمين واسع المعرفة مستنير الفكر ذو قدرة مميزة في مخاطبة العامة والخاصة وداعياً وسطياً في حواره مع الأخير وفي تيسير الدين للناس كما اراده الله لهذه الأمة.

ولد في منطقة شمال قندع باقليم سمهر عام 1939م هـ تقريباً، نشأ وترعرع في بيت دين وعلم وفضل فكسب منه الخصال الحميدة مثل التدين والكرم والجود والشهامة، ظهرت عليه منذ صباه ملامح النجاب والذكاء الخارق والعمل في ما ينفع، حفظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة والقراءة على يد مشايخ قندع المشهورين، ثم تلقى تعليمه الأولي في السودان والمتوسط والثانوي بالأزهر الشريف، تخرج في السبعينيات من كلية الحقوق جامعة بغداد. وفور تخرجه التحق بصوف جيش التحرير الارتري، تولى خلال مسيرته النضالية والجهادية عدة مناصب تنفيذية وتشريعية في العمل الوطني والاسلامي، كان آخرها عضو مجلس شورى في الحزب الاسلامي للعدالة والتنمية الارتري – وممثلاً للحزب في التحالف الديمقراطي الارتري.

الرجل لم يكن دوره قاصراً على حزبه بل كان عطائه ممتد الى كل الشرائح والمكونات السياسية والاجتماعية الارترية. القائد الشهيد الشيخ حامد تركي أكبر من كونه رجل حركة وجماعة وتنظيم فقط بل كان رجل أمة ووطن، مسدداً وموفقاً، كان صاحب نظرة بعيدة ثاقبة كان بحق مثالاً للشخصية الوطنية والدينية المتسامحة الكفوءة والصبورة والمثابرة، بل كان بنكاً من الأخلاق الحميدة، أنها أخلاق منبعها مدرسة الإسلام العظيم التي تعطي الرجال وزنهم وللأبطال المجاهدين قدرهم والتي يجب أن يحتذى بها الأجيال المعاصرة والقادمة. عرف الناس الشيخ حامد تركي بهدوءه كالحمام ومتواضعاً كعشاء الفقراء، مخلصاً وفياً في صداقته عظيم الهمة نظيف القلب واليد، شديد الغيرة على محارم الله، أبي النفس لا يقبل الذل والهوان لنفسه ولغيره من الناس.

عاش حياته من أجل ارتريا وقدم لها أعز ما في سنوات عمره، خاض مع رفاقه المناضلين معارك التحرير حتى تم تحرير البلاد وفي مرحلة ما بعد التحرير واصل جهاده حتى آخر لحظة من حياته من أجل إقامة دولة العدل والقانون في أرتريا.

كان الرجل محبوباً عند رفاقه المجاهدين وعند كل من عرفهُ، سعى جاهداً طيلة حياته في كل خير يعود على الوطن والشعب. كانت علاقته طيبة بكل أطياف المعارضة الارترية، كان أحد الشخصيات الوطنية العفيفة والنزيهة وذات تاريخ ناصع، كان رجلاً صادقاً في جميع مواقفه الوطنية وما قام به من تضحياته عظيمة في سبيل دينه ووطنه وشعبه لا تعد ولا تحصى، كان له فضل كبير في إصلاح ذات البين وفض النزاعات بين الأفراد والجماعات يمتاز بالكرم الفياض واغاثة الملهوف والوقوف إلى جانب الضعيف ومساعدة المساكين، وكل من عرفهُ في ارتريا والسودان يعرف مناقبه الحميدة.

كان – رحمه الله – وحدوياً ورجل وفاق واتفاق يسعى لإزالة الخلافات وتقريب المسافات بين القوى الوطنية الارترية، كان يصف ظاهرة الإنقسامات بين القوى الوطنية الارترية المعارضة للنظام بالخطأ الأعظم وكان يرى أن النظام الشمولي الديكتاتوري في أسمرا هو الوحيد المستفيد من ذلك، وكذلك عُرف عنه سعيه الدؤوب لوحدة الصف الوطني الارتري وكان يؤكد أهمية الأدوار النضالية للجميع مع كل ألوان طيفها السياسي والفكري وضرورة تنافسها وتفاعلها وتعايشها بشرف، وبغير القبول بهذا الفهم لن يستيطع الشعب الارتري إقامة ديمقراطية حقيقية.

كان القائد الشيخ الشهيد الشيخ حامد تركي يدعو وينصح دائماً الشباب بالعمل وفق العلم والمعرفة ومتابعة حركة التاريخ بوعي وإدراك ومسئولية والأبتعاد عن ردود الأفعال والعصبية وتحيكم العقل والمنطق في كل التصرفات الحياتية والعملية.

كان يقول – رحمه الله – ” لابد .. أن نأخذ في الإعتبار أن الإسلام والمسيحية والثقافة العربية وثقافة التجرنية هما أقرب للتعايش أكثر من أطروحات التنظيرات التي تحلق بعيداً عن الهوية الثنائية للشعب الارتري”.

وكان يقول : ” لكي يحقق الشعب الارتري أهدافه لابد له من أن ينطلق من فهم واقع الشعب الارتري وذلك بالتأكيد على الهوية الثنائية أي الاعتراف الكامل بكل مستحقاتها الحقوقية والوطنية على كافة الأصعدة والمستويات في مرافق الدولة والحياة العامة”.

لقد كان القائد الشهيد الشيخ حامد تركي مدرسة وصاحب رسالة يقف كالطود الشامخ بين دعاة الإصلاح، رجل متعدد المواهب والملكات يعمل في جميع الواجهات فهو المتحدث المؤثر والمؤلف البارع والمجاهد الصادق الأمين والمناضل الثائر والسياسي البارع، ذو حزم ودهاء موصوفاً بالشجاعة والإقدام والثبات في العهد والوعد والمبدأ.

كان قائداً كبيراً من قادة الفكر العربي الإسلامي، والتوجيه وإمام فذ من أئمة الفكر والدعوة والتجديد، كان مدرسة متكاملة من مدارس الدعوة الوسطية وهب حياته كلها للدعوة منقطع إليها في حماسة وتفان لذلك كان أشد ما يحز في نفسه التراخي في تبليغ دعوة الله والعمل بالإسلام، كان في كل فترات حياته مدافعاً قوياً بالحجة والمنطقة وبالحكمة والموعظة الحسنة داعياً إلى التمسك بشرع الله وكان لا يهاب التهديد أو الوعيد من أي جهة مهما بلغت منزلتها وسطوتها، كان رائداً من رواد الوسطية والإعتدال في كل شيء يكره التشدد والتعصب كان يتضايق ممن يفرق الجماعة الإسلامية بأفكاره المتعصبة التي لا تخدم الدين والمسلمين والوطن وكان يحب الإعتدال والوسطية في الأمور ويرى أن تناقش الأمور على ضوء الواقع والمعطيات بما يتنسجم مع شرع الله.

حدثني أحد رفاقه المجاهدين عنه قائلاً : ” شيخنا الجليل أبو ماجد .. الليل قيام والدعوات تنطلق ، والعين والقلب يخشع كان يحاول أن يرضي كل من يتصل به ولكن لا يتجاوز عن حق أو يتقاضى عن باطل أو يقر ظالماً، كان يحمل هم الأمة الإسلامية في هذه الفترة الحرجة من عمر الدعوة لذلك لا تخلو محاضرة من محاضراته ولا درس من دروسه عن هذا الهم الكبير .. كان طيب المعشر لين الجانب وقمة في التسامح مع كل من عاشره، لذلك التف الناس حوله أحبوه في الله، كان الشيخ يتمتع بجاذبية نادرة لمن يستمع إليه، كان يتحدث في الشريعة والقانون والأدب واللغة وفي سائر الفكر والسياسة والثقافة والتنظيم والإدارة ومكارم الأخلاق كان عطائه متواصلاً لخمسون عاماً دون إنقطاع ولم ينصرف عن النضال الوطني وعن الدعوة قط ، كرس حياته في نشر الفكر الإسلامي المعتدل الوسطي”.

نذكر فيما يلي شذرات من مناشطه الدعوية والساسية والمناصب التي تقلدها في الحركة الإسلامية والثورة الارترية:

  • من أوائل المناضلين في صفوف جبهة التحرير الارترية عند تأسيسها.
  • كان من أوائل الطلاب الارتريين الذين انضموا الى صفوف جبهة التحرير الارترية عند تأسيسها في القاهرة بزعامة الزعيم ادريس محمد ادم.
  • من المؤسسين للإتحاد العام لطلبة ارتريا.
  • نائب رئيس محكمة الاستئناف العليا بجبهة التحرير الارترية يشهد له الناس أنه كان مثال للقاضي العادل، وكان رئيس المحكمة حينذاك رفيق دربه الشيخ الجليل والقائد العظيم الشهيد محمد اسماعيل عبده.
  • شغل بجبهة التحرير الارترية والحركة الإسلامية مناصب سياسية عديدة.
  • باحث وكاتب له عدة مؤلفات ومخطوطات في مجالات متعددة – سياسية ودينية وفكرية وإجتماعية وثقافية -. ومن أهم مؤلفاته كتابه القيم : ” ارتريا والتحديات المصيرية” الذي يُعد من أهم وأفضل المراجع التاريخية لتاريخ الشعب الارتري وكفاحه المسلح.
  • كاتب متميز له عدة مقالات سياسية ودينية وثقافية في الصحف والمجلات والمواقع الاسفيرية.
  • مؤرخ مُلم بتاريخ ارتريا وشرق السودان.
  • عضو مشارك في العديد من الروابط واللجان والمنظمات السياسية والإجتماعية والدعوية على المستوى المحلي والعالمي.
  • من الداعمين للمنظمات والروابط والاتحادات الطلابية والشبابية الارترية.
  • له مشاركات وحضور واسع في المؤتمرات والمهرجانات العربية والاسلامية والعالمية.
  • عضو اتحاد الحقوقيين العرب وخبير قانوني.
  • أحد الرموز السامقة في الحركة الإسلامية الارترية.
  • أحد مؤسسي الرواد الاسلامية الارترية في عام 1981م.
  • من مؤسسي حركة الجهاد الاسلامي الارتري .
  • أحد مؤسسي حركة الخلاص الاسلامي الارتري أي الحزب الاسلامي للعدالة والتنمية لاحقاً.
  • عضو مؤسس للتجمع الارتري المعارض في عام 1999م .
  • أحد مؤسسي التحالف الديمقراطي الارتري. وكان يمثل الحزب الاسلامي للعدالة والتنمية في التحالف لمدة عشر سنوات. وكان له دور كبير في بلورة فكرة وأهمية التحالف.
  • من القيادات الوسطية المعتدلة في حقل الدعوة والنضال الوطني لأكثر من نصف قرن.
  • نشر الدعوة بكل شجاعة في أوساط جيش التحرير الارتري إبان الكفاح المسلح. وعلى إثرها تم اعتقاله عام 1978م من قبل قيادة جبهة التحرير الارترية – ذات التوجه الشيوعي المعارض للإسلام والعروبة-. وبقى في السجن ثلاثة سنوات ثم أطلق سراحه وواصل بعد خروجه من السجن نضاله الدعوي والوطني بكل عزيمة وتحدي وإصرار.
  • من الأعمدة الفكرية والمنظرين لمسار الحركات الاسلامية في ارتريا.
  • رمز من رموز التوحيد والدعوة في أفريقيا.
  • عضو في عدة جمعيات لتحفيظ القرآن الكريم في معسكرات اللاجئين في السودان.

هذا هو القمة السامقة الشيخ القائد الشهيد الشيخ حامد تركي الموجه والناصح لمن حوله، فهو موجود بما وجه وعمل، تأثر به كل من حولهُ لأنه رجل، نعم الرجل مازال بيننا ومعنا بذكراه الطيبة العطرة وفضائله الحميدة ومواقفه الوطنية الشجاعة، ستظل ذكراه باقية في قلوبنا تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل ويستمدون منها معاني وقيم المحبة والإخلاص والوفاء للدين والوطن والشعب إلى أن يرث الله تعالى هذه الأرض ومن فيها.

لا شك أن الشعب الارتري خسر برحيله شخصية وطنية وفاقية كبيرة وعلماً من أعلام الوطن ومن أكرم وأغلى رجال أرتريا ونحسب هو من قال الله في مثلهم : ((مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)).

اللهم أجزل له العطاء بقدر ما أعطى وبذل، اللهم أنه عبدك آتاك وليس له زاد إلا تقواك، فأبسط يا أرحم الراحمين يدك إليه وأجعله مع الكرام البررة المتكئين على الآرائك وأسقه برحمتك من الرحيق المختوم. وأجعله من الذين في سررُ مرفوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة.

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=31725

نشرت بواسطة في أكتوبر 14 2014 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

2 تعليقات لـ “القائد الشهيد حامد صالح تركي … رجل أمة ووطن”

  1. محمد ابراهيم

    الشيخ حامد صالح عمر ( ابو ماجد ) رحمه الله رحمة واسعة ؛ و اسكنه فسيح جناته مع الصديقين و الشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا…
    كان رحمه الله مجاهدا مؤمنا بقضيته استراتيجياً في كتاباته و تحليلاته السياسية و التاريخية و الثقافية لمكونات الشعب الارتيري وعناصر وحدته الوطنية وهو الذي اجلى بكل وضوح سبل وطرق الوصول الى تلك الوحدة الوطنية الارتيرية بحيث تستوعب حقوق و وجبات كل فرد او مجموعة فيها …
    اللهم اجزه عنا خير الجزاء وتقبله بقبول حسن واجعل البركة في ذريته يا ارحم الرحميين….

  2. تسلم يمينك استاذ سليمان جزاك الله خيرا وجزاء يكافئ جميل ما كتبت، عندما يرحلون العمالقة الكبار الجبال الشم يكون ارثهم بقدر قاماتهم وبقدر عطائهم يكفيهم شرفا أنهم تركوا لنا جيلا يعد من أنبل وأعظم ما نملك جيل يمتلك المبدأ الرصين والأخلاق الفاضلة جيل يعد من أكثر النخب كفاءة على كل المستويات جيل سوف يكون هو الأقدر والبديل الأوحد الذي سوف تؤول إليه مسؤولية قيادة هذا الشعب الأرتري الذي عانى وتضرر من قصور الجهلاء وأخطاء المغامرين على مر العصور.

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010