القرد فى عين أمه ،،،حمـــــــــــــار
لأن لكل مقام مقال، أريد أن أنوه إلى أن عتاب البعض عن النظرة السوداوية أو الرمادية والحقائب الفارغة التى أجلبها للقراء خالية من الوطن إلا من الخيال القصصي كما يتردد، و التى تعكسها مقالاتى، ليست عبثا ولا تكسيرا للمجاذيف، وليست هناك عنترية في كتابة مقالات لا يجنى من ورائها سوى المقت والبغض من النظاميين والمعارضين على حد سواء،، إذن فهو المقام الذى يفرض على المقال، مقام الساحة السياسية التى لم تتقدم قيد انملة خلال ثلاثون سنه من الثورة وعشرون سنه من النكسة والوكسة، ولا أدرى كم عقودا من ثورة شباب التغيير هى الأخرى، ولكن دعونى أفسر معنى المقام والمقال بضرب أمثلة حية..
عندما كنت أدرس بالجامعة، كانت لدينا نشاطات أدبية، وفى إحدى المرات طلبت منى عضوة نشطة فى الأسرة الأدبية – وهى صديقة مقربة في ذات الوقت – كراسة خواطرى لتنتقي منها شيئا لندوة شعرية ولكنها قامت بالإطلاع على خواطرى كلها فوجدت مقالة كنت قد كتبتها عن مباراة فريقنا الإرترى (البحر الأحمر) مع فريق الإسماعيلي، هذه المباراة تمت على الأراضى المصرية، وكانت الصحف المصرية وقتها قد بالغت فى توقعاتها لفوز الإسماعيلى بدرجة مستفزة وقد وصفوا الإسماعيلي بالأسوود وأنهم سيفتكون حتما بفريقنا حتى أن الصحف توقعت أن تحسم المباراة بسبع أهداف للإسماعيلى أو عشرة مقابل صفر لإرتريا، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهيه سفن الإسماعيلية بل ومصر كلها برها وبحرها، وفاز الفريق الإرترى بالمباراة، فكتبت فى دفترى الخاص عن المباراة تعليقا بما معناه أن الفأر على صغر حجمه وقلت حيلته قد يغلب الأسد على ضخامته ومكانته وقوته،وكيف أن فريقنا فتك بالإسماعيلي – رغم أننى أثناء مشاهدة المباراة كنت ألمح تأثير (الزقنى والإنجيرا) على صحة لاعبينا ،وفيتامينات (الباباى والبلس) فشلت فى إظهار اللياقة البدنية المطلوبة لمواجهة فريق كالإسماعيلى،وكنت أخشى الهزيمة النكراء كلما لحظت الترسانه الغذائية تنطق على أجساد لاعبى الإسماعيلى- ولكن الله سلم وحدثت المعجزة ، فأعادت لى صديقتى دفترى وقد كتبت لى فيه ملحوظة بأنها صدمت في لأنها كانت تعتقد أن ولائى لمصر وحبى لها كان يجب أن يكون أكبر من أن أشمت فى الفريق الإسماعيلى أو أفرح لأى هزيمة تحل بمصر، وخرجت بالموضوع من الملاعب إلى السياسة وأنهم خير أجناد الأرض ومن أراد بمصر سوءا…….الخ، فدافعت عن حبى لبلدى وولائي لها وكتبت لها ردا واضعة فيه بلادى فى مكانته وأنها فى الفضل لا تقل عن مصر ففيها رفع اول آذان وكانت ملاذ المهاجرين، وأن لكل منا وطنه الذى يعشقه حتى النخاع ، وأن عيشى بمصر وحبى لها لن يقتلعنى من جزورى ،ووو… الخ وبالغت فى إظهار عظمة بلدى وإعتبرت أن ما صدر من صديقتى هو إهانة لدولة ولم أرجع عن رأيى حتى جاءنى إعتذار رسمى و مكتوب من الأسرة.. لقد كان المقام هنا مقام فخر وإعتزاز لذلك كتبت بكل ما أوتيت من حبر كيف أننى أفخر ببلدى وأعتز بها ورسمت صورة إرتريا التى لم اراها حتى اليوم فى عيني صديقتى وكأننى بالقرد في عين أمه غزاااااااااال.
لقد أضطررت إلى ذكر هذه الواقعة لكى أثبت أن المثل السابق عندما أضطر إليه فى مقامه فأنا أجعل من بلدى غزالا وكحيل العين أيضا،، ولكن فيما بيننا كشعب وجالية وأمور داخلية ، ليس لنا أن نتفاخر بشىء لا يدعوا للفخر ولا الإعتزاز لا من النظام ولا من معارضيه، اللهم سوى ما فعله عواتى ورفاقه المخلصين لإرتريا، وما سوى ذلك فهى أحداث قد تكون مهمة وكبيرة ومؤثرة نوعا ما ، لكنها لا ترقى لأن تكون موضع فخر،، الساحة السياسية الإرترية لم تفلح حتى الآن فى صنع حدث نفخر به وندافع عنه، ولم تخلق لنا فكر ولا طريقة نؤمن بها ونعتنقها، سوى التخبط وإنعدام الثقة فى أنفسنا جيلا بعد جيل،و كلما إنقضت عقودا من الزمان زادت عقدتنا ،وكلما فارقنا قائد أو مناضل تعهدنا بنقل رفاته لإرتريا ذات يوم، وأخشى أن تكون هذه الوصية وهذا العهد هو الموروث الوحيد الذى نجنيه من النضال لنتوارثه (أجيال ورا أجيال تولد بغير أرضنا، ونوصى بيها عيال تنقل رفات بعضنا) ،،، لذلك فإن القرد لا محالة سيكون فى عين أمه حمار أو فى أحسن الأحوال يظل قرد.
وشباب التغيير لست ضدهم وتمنيت أن يصنعوا لنا مجدا يسجل باسمنا، لكن وضعية التغييرفى حالتنا مختلفه وشبابنا متفرقون فى كل بقاع الأرض، ورأيت أن ساحتنا السياسية التى لا تشبع من الأحزاب والتكتلات والتحالفات والتخالفات والإتحادات والإنشقاقات والمناضلين والمناضلات واللقاءات والسيمنارات والتآمرات والمؤتمرات ، لم يكن ينقصها أن يضاف إليها شباب تغيير بدون تغييرات، أو ثورة جديدة بدون مؤثرات، مع الإعتذار لكل الشباب والشابات الذين خرجوا فى مصر للتظاهر أمام السفارة الإرترية ووقفوا أمام نقابة الصحفيين هؤلاء فقط أقدر رغبتهم فى التغيير، وأحترم غيرتهم على بلادهم وخروجهم عن السفارة رغم إحتياج البعض للتعامل معها، وأحيي كل من خرج دون خوف من الملاحقة أو المضايقة له أو لأهله من قبل النظام فى بلاد لا توفر لهم الحماية من الهوا الطاير.
بقلم : حنان مران
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17358
أحدث النعليقات