القرن الأفريقي الجديد ومستقبل الجغرافيا السياسية في الإقليم
بقلم : دكتور الجبرتى
اصطلح السياسيون والباحثون علي تسمية أقصي منطقة شرق افريقيا باسم القرن الافريقي، لمشابهتها للقرن الممتد الي خارج القارة الافريقية نحو المحيط الهندي . وقد نال القرن الافريقي حظه من البحوث التاريخية والدراسات السياسية والاستراتيجية والجيوسياسية . وذلك لاسباب الحراك السياسي الذي يمر بها منذ العقود الثلاثة السابقة وحتي اليوم . اشهرها حرب التحرير الارترية ضد المستعمر الاثيوبي . وأخيرا . أصبح الصومال بعد سقوط دولته النظامية بداية تسعينيات القرن السابق ، هوعنوان هذا القرن وما يدور حوله من من حديث واحداث محلية داخلية فيه واقليمية امتد اليها اثره . و يشمل القرن الافريقي في العرف السياسي القائم ، دول كل من دولة جيبوتي والسودان واثيوبيا .
استلهمنا اسم الموضوع من من اسم ومقترح اعادة ترسيم وتخطيط منطقة الشرق الاوسط ، تحت اسم وفكرة الشرق الاوسط الجديد . والذي تجري صياغة وهندسة حدوده ومكوناته الجديدة ، في ولادة قيصرية متعسرة يشهدها ويشارك فيها كل دول الاقليم ومعظم الدول الاستعمارية القديمة اضافة الي القطب الدولي الكبير الولايات المتحدة الامريكية ، واخيرا دخل الدب الروسي وريث الشيوعية والاشتراكية السوفيتية السابقة بقوة لينال حظه من هذه الكيكة الشرق أوسطية .
المتابع لاوضاع القرن الافريقي خلال العقود السابقة ، يلاحظ التدهور الكبير في كل مقومات الدولة الصومالية ، ومساهمة دول الجوار في ذلك ، اضافة الي محاولات التدخل من القوة الدولية فيه ، لتحقيق ووحماية مصالحها . وبتقسم الصومال الي دويلات متفرقة أصبح نموذجا وبيئة جاهزة لتنفيذ أية خطة دولية واقليمية فيه ، لتشكيل القرن الافريقي الجديد . والاقليمية .
فجنوب الصومال دولة قائمة بذاتها تصارع نفسها ومجتمعها وتعاني امراضها ، ولم تستطع كل المحاولات الدولية والتدخلات الاقليمية اخراجها من الوحل الذي تغوص فيه عميقا . ولا يخفي ان ضعفها وتشتتها وهشاشتها القائمة سيجعلها مطية سهلة لتحقيق مصالح الاخرين واطماعهم وهذا طبيعي جدا في السياسة الدولية .
الدولة الارترية الوليدة ، هي الاخري الاكثر هشاشة وضعفا في مقوماتها السياسية والاقتصادية . فارتريا منذ اختيارها للاستقلال عن اثيوبيا أواخر القرن السابق ، لم تستطع تحقيق اي تقدم او استقرار داخلي او خارجي ، مما جعلها مهددا للاستقرار السياسي والاقتصادي بل والاجتماعي لدول الاقليم اجمع . فقد عجز النظام الارتري عن مواصلة ما حققته الثورة الارترية بالاستقلال عن ارتريا ، رغم توفر كل الامكانيات المحلية والفرص الاقليمية والدولية لها لتكون رقما اقليميا ودوليا علي كل الأصعدة .
وتعتبر ارتريا ونظامها القائم ، الاضعف بين دول الاقليم ، اقتصاديا وتماسكا اجتماعيا . اذ ليس هنالك ادني فكرة عن اسلوب الادراة السياسية الداخلية او الخارجية والاقتصادية للدولة الارترية حتي اليوم . اضافة الي تمدد الفجوات الاجتماعية بين الوسط السكاني الارتري ، التي لم تكن ذا بال في السابق ، فقد عمق النظام الخلافات والاجتماعية والدينية بين افراد المجتمع الارتري ، في الناحية الاثنية والناحية الدينية .وزاد من ذلك تكوين كل الاثنيات والجهويات الدينية الارترية خارج ارتريا لمنظمات سياسية مناوئة لبعضها وللنظام . وبذلك اصبح الوضع الارتري ملغوما لا يمكن التنبؤ بما يمكن ان تؤول اليه الاوضاع الارترية ، في حالة حدوث اي تغيير في البلاد . وهو ما يجري التخطيط له من قبل مجموعات المعارضة الارترية بالتعاون مع جهات اقليمية ودولية .
إن الضعف القائم والهشاشة المعاشة للواقع الارتري ، جعلها تتزيل كل قوائم الفساد وحقوق الانسان والصحافة والتعاون الاقليمي والدولي . اضافة الي النزيف الهائل والمستمر من السكان ،والذي جعل اكثر من نصف سكان الدولة لا جئين في كل دول العالم . وهوما يضيف المخاوف من مستقبل التعايش الاجتماعي والديني في ارتريا المستقبل .
اما في الدولة السودانية ، فبعد سيطرة مجموعة الاسلاميين علي الحكم نهاية القرن السابق ، ومعاداة المجتمع الدولي لهم ، وتفعيل كل وسائل القوة السياسية والحربية لاسقاط نظامهم ،وصمودهم امام كل ذلك . فقد تمكنوا من التخلص من اكثر الاجزاء اضرارا بالاستقرار السياسي والاقتصادي للسودان ، بإعطائهم حق تقرير مصير جنوب السودان ومن ثم انفصاله . وهو ما جعل الدولة السودانية تستقر لفترة وجيزة ، حرك بعدها المجتمع الدولي اطرافه مرة اخري ليعيش الصراع بشد الاطراف في جنوبه الجديد وغربه وشرقه . وسيظل السودان يدفع ثمن محاولته الانتماء للفكر الاسلامي والعربي ، ومحاولاته تصدير ذلك علي المستوي الاقليمي والدولي . ولن تتوقف محاولات الغرب من تغيير النظام في السودان ، ولن يرضي عن كل تنازل يقدمه النظام السوداني .
ويسمر الصراع في منطقة دارفور السودانية ضمن خطة الدول الغربية لاضعاف ومعاقبة النظام السوداني ، بشل حركته نحو الاستقرار والتنمية ، وصولا الي فصل غرب السودان . اضافة الي ذلك نجد الحروب التي تشنها المجموعات المتمردة في جنوب كردفان والنيل الازرق ، والتي تباركها ايضا الدول الغربية وتدعم مطالبها ، وتجعلها مطية لاستمرار الضغوط السياسية الدولية علي النظام السوداني .
استطاع النظام السوداني ان يتوصل الي اتفاق وحوار مع اهم ما يعطل استقراره ومحاولاته التنموية ، وهي المعارضات المسلحة في الشرق والغرب والجنوب ، فتمكنت من فرض نوع من الاستقرار والسيطرة شبه الكاملة علي الاوضاع الميدانية في مناطق الحروب . كما استطاعت ايضا تفتيت واختراق معظم المعارضات السياسية ، وجرها نحو الحوار والعمل السياسي وتحييدها في المحاور التي تمس وحدة السودان في المنظمات الدوليةوالاقليمية .
رغم كل الجهود التي بذلها السودان ، الا ان استقراره مرهون بمزاج المجتمع الدولي ، والذي تسيطر عليه رغبة تقسيم السودان ، بناء ا علي فكرة بريطانيا المستعمر السابق للسودان ، والمتحكم في مصيره في الاوساط الدولية . فالحركات المتمردة في دارفور ما تزال تحلم في الانفصال وتقرير مصيرها متبنية الخريطة السياسية التي رسمها الغربيون لتقسيم الجزء الغربي من السودان ، ااضافة الي ذلك الحركات المتمردة في شرق السودان والتي تعتبر النواة المدفونة لتنفيذ مشروع تقسيم شرق السودان . والتي يمكن تنشيطها لخنق السودان في شرقه ، بتزكية الصراع القبلي والجهوي ، وبدعم من دول الجوار التي ترعاهم .
مما سبق فان استقرار السودان ووحدته ما يزال مرهونا برغبة المجتمع الدولي والمستعمر القديم ورضائهم علي نظام الحكم القائم في السودن . و هي مهما حدث من تنازلات وتغييرات لن ترضي باستقرار الفكر الاسلامي والعروبي ، لانها تعتبره المهدد لاستقرار ومستقبل المنطقة والاقليم . وسيظل السودان علي نار هادئة يسخنها الغرب حين لاخر .وسيكون السودان مكان الضعف السياسي علي المستوي العربي والافريقي ، غير معروف المصير ، متقلبا في محاولاته للاستقرار والتنمية .
و سيساهم الفساد الاداري الرسمي والسياسي السائد في السودان ، في لعب دور مضاد لاستقرار السودان الاقتصادي والسياسي ، وهو لا يخلوا من تدخلات خارجية لافساد محاولات النظام السوداني للاستقرار والتنمية .وزاد اثره بعد اصبح ثمة وصفة ملازمة يوصف بها النظام السوداني بين الاوساط الاقتصادية الاقليمية والدولية ، واصبح مدعاة لهروب وابتعاد فرص الاستثمار الخارجي الضخمة والمفيدة .
استطاع الاسد الاثيوبي من النهوض بعدكبوته الطويلة تحت النظم الاقطاعية ثم النظام الشيوعي السابق . فبعد تغيير النظام الشيوعي علي يد المجموعات القومية المعارضة ، والتخلص من معضلة الصراع الارتري الاثيوبي ، باعطاء ارتريا حقها في تقرير المصير . حققت اثيوبيا استقرارا سياسيا واجتماعيا كان هو المعوق الاكبر للتنمية في اثيوبيا . وافاد كل ذلك في تنفيذ برامجها لواسعة في التنمية الاقتصادية والسياسية وجذبها لرؤوس الاموال الخارجية ، لما تمتعت به من قوة في ادارة مؤسسات دولتها ، ووعي عال لمواطنيها بعد مشاهدتهم لما يصنعه الاستقرار والحوار والديمقراطية النسبية بهم .
بعد وصول الي الاستقرار المحلي ، عمدت اثيوبيا الي تثبيت موقعها الاقليمي والدولي . فتمكنت بذلك تلميع شخصيتها اقلميا ودوليا ، فنالت بذلك رضاء المجتمع الاقليمي الدولي ، واصبحت مرجعا للقوة الدولية والقارية والاقليمية تتراس وتتبني حل مشكلاتهم وترعي مصالحهم . واستطاعت بذلك ن تكون المحرك القاري القوي ، المساهم في ترتيب البيت الافريقي الداخلي عامة ، والقرن الافريقي خاصة .
فعلي المستوي الاقليمي في القرن الافريقي ، اصبحت اثيوبيا هي القوة التي لايمكن القيام باي دور فيه بدون اذنها ورضائها ، علي كل الاصعدة السياسية والاقتصادية . فهي تتحكم اليوم بمصير الاستقرار في الصومال سلما وحربا . اضافة الي تحكمها المباشر وغير المباشر في الدولة الارترية الوليدة ، كعادة الدول المستعمرة السابقة . اذ لن تستطيع اية قوة اقليمية او دولية في التعامل مع الدولة الارترية الا بعد رضاء اثيوبيا وموافقتها . وقد لا حظنا ذلك خلال مشاركتها الفاعلة في تحالف صنعاء الذي ضم السودان واليمن للعمل ضد النظام الارتري ثم اختصاره عليها حاليا . ثم تبنيها لكل القرارات الدولية الصادرة في كل المجالات ضد ارتريا .
ان وقوع اثيوبيا بين اكثر دول المنطقة هشاشة وضعفا ( الصومال وارتريا ) اضافة الي السودان الذي لم يستطع ان يحقق الكثير اقليميا ودوليا ، سيجعلها سيدة القرن الافريقي بلا منازع بل وشرق افريقيا . وستزيد فرصتها في ذلك يوما بعد يوم ، اذا استمرت في بناء دولتها وتحقيقها للمزيد من الاستقرارالداخلي والنمو الاقتصادي المتسارع . وخلال العقد القادم وبناءا علي ما يجري في جنوب المنطقة العربية والاقليم من اعادة صياغة للوضع العربي ، ستظهر ملامح القرن الافريقي الجديد بل وشرق افريقيا الجديد الذي ستقوده اثيوبيا الحديثة .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=35571
أحدث النعليقات