اللاجئون والخيارات الصعبة
محمد محمود عبد الله
يعرف اللاجئ حسب معاهدة اللأمم المتحدة عام 1951م بشأن اللاجئين هو ” الشخص الذي يتواجد خارج بلده الذي يحمل جنسيته بسبب مخاوف حقيقية من اضطهاد بسبب العرق ، او الدين ، او الجنسية ، او بسبب انتمائه الى طائفة اجتماعية معينة أو ذات رأي سياسي ، وغير قادر ، أو راغب بسبب هذه المخاوف من الاعتماد على حماية دولته أو العودة لبلده ” وزادت عليه الاتفاقية الافريقية (( منظمة الوحدة الإفريقية)) بشأن اللاجئين اضافة مهمة وهي ” او بسبب اعتداء خارجي احتلال ، هيمنة أجنبية أو أحداث خطيرة تؤثر على النظام العام ” ويختلف ذلك عن طالبي الهجرة لتحسين اوضاعهم الاقتصادية وانطلاقا من هذا التعريف فان اللاجئين الارتريين في السوان ومنذ تدفقاتهم الاولى عام 1967م اثر الابادات الجماعية التي قامت بها اثيوبيا لقرى كاملة انطبقت عليهم صفة اللاجئ واستحقوا الحقوق التي نصت عليها المعاهدة المذكورة في موادها من 12 ــ 30 ولم تتوان المنظمات الانسانية وعلى راسها المفوضية السامية لشئون اللاجئين في تقديم ما يلزم من الاحتياجات الضرورية لهؤلاء اللاجئين في سنينهم الأولى من اللجوء وان لم يبلغ ذلك الى درجة ما يأخذه اللاجئون في مناطق اخرى من العالم الا ان هذه المعونات بدأت تتقلص تدريجيا .
تحرص المنظمات الاغاثية التي تعنى بتقديم المعونات للاجئين وعلى رأسها المفوضية السامية لشئون اللاجئين دائما على انهاء معاناة هؤلاء اللاجئين من خلال طرحها للبدائل المعروفة وهي :
1. العودة الطوعية : وهي اعادة هؤلاء اللاجئين الى مواطنهم الاصلية بعد ان تكون الاسباب التي اضطرتهم الى اللجوء قد زالت وان لا شيئ يهدد حياتهم وحرياتهم
2. سياسة الاندماج : وهي ان يقبل بلد اللجوء الاول ادماج هؤلاء اللاجئين في مجتمعه بحيث ينصهرون فيه بشكل توافقي ويصبحون جزءا اصيلا منه
3. اعادة التوطين : وهو اعادة توطينهم في بلد ثالث اذا رفض بلد اللجوء الاول ادماجهم وتعذر موضوع عودتهم الاختيارية الى موطنهم الاصلي
فأي الخيارات هي المتاحة والمرغوبة لللاجئ الارتري ؟؟ نستطيع ان نؤكد خلال تلك الفترة التي ناهزت الأربعة عقود ظل اللاجئ الارتري يحلم بالعودة الى دياره ولذا لم يفكر بالاندماج في بلد اللجوء كما لم يطالب بنقله الى بلد ثالث لاعادة التوطين ولذالك كانت فرحته عام 1991م عارمة لمجرد سماعه اخبار تحرير ارتريا واصبح اغلب هؤلاء اللاجئين يتصرف بنشوة وكأنه استرد الفردوس المفقود مع اقرار الجميع بالمكاسب التي تحققت لهم في ارض اللجوء وبخاصة في مجال تعليم ابنائهم.
ولم يؤثر عن اللاجئين الارتريين طوال فترة تواجدهم في السودان ما يخل باصول الضيافة ولم يتورطوا في اي اعمال تنافي القانون بل انهم كانوا يتنازلون طواعية حتى عن بعض حقوقهم المشروعة مثل الاحتججات والمظاهرات السلمية عندما قصرت المفوضية السامية في الوفاء بالتزاماتها تجاههم في السنوات الاخيرة ، وهنا ينبغي ان نسجل للسودان صوت شكر لرحابة صدره وكرم ضيافته وليس ذلك من قبيل المجاملات فان الارتريين الذين عبروا المحيطات وتعايشوا مع شعوب مختلفة يظلون يذكرون للسودان فضله وطيب معشر اهله
العودة الطوعية في ظل نظام الشعبية
بعد التحرير اعلن عن برنامج العودة الطوعية من السودان واستبشر الجميع بهذا البرنامج وظهر التباين في الأرقام الحقيقية بين الحكومة الارترية والمفوضية السامية والعدد الحقيقي لهؤلاء اللاجئين حيث اعترفت المفوضية السامية بحولي 333,100 لاجئ وحكومة الجبهة الشعبية 500,000 لاجئ الا ان الرقم الحقيقي كان يفوق 750,000 لاجئ ، حسب الاحصاءات الميدانية التي قام بها بعض الباحثين وافقت المفوضية أخيرا على العدد الذي حددته حكومة الجبهة الشعبية وبدأ المشروع ببرنامج العودة التجريبية في نوفمبر 1994م لتستمر الى مايو 1995م وتم من خلاله اعادة 23423 لاجئ الا ان تجربة العودة كانت قاسية جدا على هؤلاء اللاجئين حيث تمت اعادتهم الى معسكرات الاعتقال الجماعي وليس الى موطن الأباء الذي حلم به الجميع من اجل لم شمل الاهل ، والاحباب ، ومرابع الصبا ، وتبخر حلم الأمن والعزة القعساء ، وانتفى توفر العيش الكريم ، وايجاد مأوى لائق ، وفرص تعليم للابناء ونتيجة للحالة التي عايشوها اضطر بعضهم لهجرة عكسية ورفض العدد الاكبر من اللاجئين الباقين في المخيمات في السودان فكرة العودة الى وضع هكذا مظلم
استؤنف برنامج العودة مرة اخرى تحت ضغط التهديد حينا ، واساليب الإغراء احيانا أخرى في الأعوام من 2000م الى 2004م وكان افضل من سابقه نوعا ما ليصل العدد الكلي العائد حسب الاحصائيات الى 104323لاجئ ، وكانت حكومة الشعبية قد اشترطت لتنفيذ مشروع العودة الطوعية مبلغ { 2690000000 }دولار امريكي وافقت عليه المفوضية والمانحين بعد حوارات مضنية الا أن اللاجئ العائد الذي اعتبر حينها مصدر رزق اضافي لحكومة الشعبية لم يتلق منها ما كان مقررا له من مبالغ حسب الاتفاقية ، من بناء منزل أو استلام مبلغ لاستئناف الحياة ، الا قليل من الذرة ، وخيام لا تصمد طويلا امام الرياح ومن بني له بيتا كان كقفص دجاج تحشر فيه كل ارواح الاسرة جميعاها مهما كان عددهم.
وكانت المفوضية تأمل ان تنهي ملف اللجوء الارتري في نهاية 2004م وشرعت في اجراء الفحص القانوني لرافضي العودة باعتبارهم قلة في رأيها ولكن التدفقات المستمرة للاجئين الشباب والعوائل كما أن اطلاع المفوضية على حقائق الاشياء في ارتريا اضطرها الى اعادة النظر في الموضوع برمته
خيارات المفوضية
لم تستطع المفوضية ان تحسم خياراتها بشأن ملف اللجوء الإرتري فهناك اكثر من رأي داخل المفوضية فمنهم من يرى :
1. إن لجوء الشعب الإرتري نتيجة لظروف قاهرة وحقيقية تندرج ضمن المادة (1) فقرة {أ} فقرة فرعية (2) من معاهدة اللاجئين ووفق المبدأ المنصوص عليه في المادة 33 من المعاهدة الخاصة بوضعية اللاجئين ، والتي تقول (( بأنه لا يحق لأي دولة طرد أو إعادة اللاجئ بأي شكل مهما كان الى الحدود أو الأراضي التي يمكن أن تكون فيها حياته أو حريته معرضة للتهديد على أساس العرق ، الدين ، الجنسية أو الانتماء الى فئة اجتماعية معينة أو ذات رأي سياسي)) واذا كان البعض يرى في الديكتاتورية شيئا طبيعيا فهناك نذر حرب ماثلة بين اثيوبيا وارتريا عان الشعب الارتري ويلاتها في السابق وبناء على ذلك يقترح اصحاب هذا الفهم استمرار الدعم ويقترحون تقليلا للنفقات ضم المخيمات الباقية وهي {15} مخيما من اصل {27} مخيما بحيث تصبح {4} مخيمات فقط
2. وهناك البعض يرى أن المفوضية لا يمكن ان نستمر في دعم هؤلاء اللاجئين الى مالانهاية وبخاصة في ظل شح الامكانات وتزايد بؤر التوتر العالمية واحجام المانحين ، ويعتقدون ان مايعاني منه الشعب الارتري ليس هو شيئا استثنائيا بعد التحرير بل هو امر طبيعي ومألوف في عالم الديكتاتوريات المنشرة اصلا في انحاء مختلفة من العالم
3. ويقترح البعض أن يطلب من الحكومة السودانية دمج هؤلاء اللاجئين وصهرهم في السودان والمفوضية تقوم مقابل ذلك باعادة تاهيل المنطقة التي ظلت ضمن مخيمات اللاجئين ويجابه هذا الاقتراح برفض السودان للفكرة ورفض اللاجئين لها ايضا ويتمسكون بحقهم في العودة الكريمة الى وطنهم فهم لم يلجأوا بحثا عن ارض جديدة ولكن بحثا عن حماية مؤقتة والاقتراح السليم في رأي هؤلاء اللاجئين هو ان يتحرك المجتمع الدولي ويضغط على النظام الديكتاتوري في ارتريا حتى يغير من مسلكه ويعيش في امن مع شعبه وجيرانه
4. تنطبق صفة اللجوء في رأي المفوضية على البعض من اللاجئين القدامى وقليل من اللاجئين الجدد ولا تنطبق على الشباب الهارب من ارتريا بل هم في رأيها طالبي هجرة لتحسين وضعهم الاقتصادي ويستدلون على ذلك بان المفوضية استطلعت اراء الكثيرين منهم فلم تكن لجلهم مطالب حماية اينما كانوا وانما بحث عن فرص الهجرة الى الغرب ، والمسجلين من الشباب يفوق عددهم ( 13000 ) لاجئ حسب احصائية المفوضية ولا يوجد منهم في مخيم {كيلو 26 } المخصص لهم الا مجموعة قليلة فقط وهو دليل واضح في راي المفوضية ان هؤلاء يملكون من المال والطموح ما يمكنهم من تدبير حالهم
ونتيجة لهذه الحيثيات يتوقع ان تتخذ المفوضية بعض الاجراءات الصارمة
1. ان ترفع المفوضية يدها من الدعم المقدم ومع انه ينحصر الآن في الذرة والزيت والبقوليات فقط وهو مع قلته ومحدودية اصنافه الا انه يمثل مصدرا مهما لسد الرمق لعدد من الاسر الفقيرة التي لا تجد حيلة العمل ولاتهدي لسبيل الهجرة والعودة واذا اختفى هذا فسيكون الضرر المحقق على هؤلاء كبيرا جدا
2. ان يتم دمج المخيمات وهي ايضا حالة تعتبر ضارة بهؤلاء اللاجئين الذين استطاعوا على مر السنين ان يشيدوا منازلهم كل حسب استطاعتهم وتمكنوا من التأقلم مع الظروف المعيشة في مخيمهم القديم مع قلة او انعدام معونات المفوضية في الفترات الماضية ثم ان تجربة نقل لاجئي { سمسم والحواتة} جنوب القضارف قبل عامين في مخيم واحد هو مخيم {ام قورقور} الواقع بين كسلا والقضارف تعتبر كارثية على عدد كبير من هؤلاء اللاجئين
3. ان ترفض المفوضية قبول اللاجئين الجدد وهي حالة ايضا مأساوية حيث سيعيش هؤلاء من دون هوية وفي ظل قرار السلطات السودان تقنين وجود الاجانب في العاصمة الخرطوم والمدن الرئيسة وقد بدأت بحملات ( كشات ) لضبط الوجود الأجنبي وتحديد وضعه القانوني ، كان من نتائج هذه الحملات التحفظ على اعداد كبيرة من هؤلاء اللاجئين الجدد وللأسف ان عددا منهم لا يحمل اي هوية مما سيعرضه للمعاناة واعادته الى مخيمات اللجوء التي لا تتوفر فيها مقومات الحياة المناسبة لهؤلاء الشباب اللاجئ الذي لم يعايش في الماضي حياة القرى وضنك العيش واكثر من ذلك الفراغ القاتل في تلك المخيمات
الدور المنتظر من الجاليات الارترية
كان قرار المفوضية السامية اغلاق ملف اللجوء في 2004م ولكنها تحت ضغط الواقع في ارتريا اقتنعت باستمرار البرنامج وقد زار عدد من مناديب المفوض السامي خلال تلك الفترات واطلعوا على تقارير جد مأساوية مما دعاهم لمقابلة الحكومة الارترية والتباحث معها حول تحسين ملف حقوق الانسان وانهاء اسباب اللجوء وهو امر مقدور فيه اذا ما خلصت النوايا ولكن تبين للمفوضية عدم حرص حكومة ارتريا على عودة مواطنيها بل ان الواقع يقول انها بلد طارد لمواطنيه في ظل السياسات الحالية ، وقد كانت قناعة مندوب المفوض السامي الحالي الى السودان السيد / كرستاندي اجي وهو كامروني الجنسية استمرار دعم اللاجئين الارتريين ومعقولية ظروف لجوئهم ، وقد رد على القائلين : ــ بان اللاجئين الجدد يعتبرون كلهم طالبي هجرة وليس حماية ــ : ان من بين هؤلاء ضباط وابناء تجار وموظفين كبار في الدولة لم تكن تنقصهم الرفاهية في بلدهم
ان مثل هذه المواقف تحتاج الى دعم معنوي ووقفة مشرفة من قبل اصحاب المشكلة وتضافر جهود جميع الارتريين الحادبين على مصلحة هؤلاء اللاجئين الذين ينتظرهم مستقبل قاتم في ظل السياسات الجديدة فالعدو من ورائهم والبحر من امامهم وبند الانقطاع من بينهم ان لم تتحرك الفاعاليات الارترية وبخاصة في دول المهجر فالتحركات التي تتم في السودان تعتبر صرخة في وادي سحيق ليس لها صدى اعلامي سواء كان من الملتقى او من لجان المخيمات ، فملتقى اللاجئين الارتريين مثلا التقى اكثر من مرة المندوب السامي ولجان اللامم المتحدة ومعتمدية اللاجئين ورفع مذكرات عن ظروف اللاجئين ومعاناتهم في المجالات المختلفة وليس آخرها مطالبته معتمدية اللاجئين بالسودان ان تعيد النظر في ظروف اللاجئين الجدد باعتبارهم لم يألفوا حياة المخيمات والقرى ولأنهم شباب في سن الدراسة فلابد من الرعاية التعليمية لهم ، كما طلب من المعتمدية ايضا التحرك لدى السلطات السودانية لأن تراعي ظروف هؤلاء اللاجئين حال الحملات التي ستقوم بها ، ولكن كل ذلك سوف لايقنع المفوضية او المانحين باستمرار دعمهم ، كما لم يؤثر اعلاميا اعتصام الشباب اللاجئ امام المفوضية السامية في الخرطوم يوم 21 نوفمبر 2006م مطالبا بحقه القانوني لأنه لم يجد التغطية الاعلامية المناسبة ، وهكذا ستذهب نداءاتهم ادراج الرياح فهل يتحرك الأخوة في الجاليات الارترية في الغرب لانقاذ اخوانهم وعكس اوضاعهم ومطالبهم الانسانية الى المجتمع الدولي وبخاصة مفوضية اللاجئين في جنيفة والمنظمات الحقوقية والاغاثية في بلدان الغرب المختلفة ، ويمكن للمقيمين في بلدان الشرق الاوسط ايضا بدور مشابه وحث المنظمات الاغاثية في تلك البلدان حتى تسعى من اجل توفير الدعم المادي وتغطية بعض المطالب الضرورية لهؤلاء اللاجئين ؛ ان الوقوف مع هؤلاء الممتحنين في محنتهم الجديدة والتي اصبحت مثار شماتة النظام الارتري اليوم يعتبر واجبا متعينا لامناص عنه فمتى متى متى ياترى يتحرك اهل القلوب والعقول والإمكان ؟؟
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6823
أحدث النعليقات