اللاجئين الأرتريين رحلة معاناةٍ لم تنتهى بعد !
(1)
إن الشعوب الأفريقية مُعظمها عانت من حياة اللجوء والتشرد بسبب الأستعمار مرة وبسبب الأنظمة الشمولية التى تُمارس الإستبداد مرةً أخرى فتخرج الشعوب عن أوطانها مُكرهةً مُجبورة بسبب ممارسة التضييق وسلب الحريات ، والشعب الإرترى هو نموذج حى تنطبق فيه جميع مُعاناة اللجوء حيث الحرب والدمار والإبادة فى عهد الإستعمار، والفقر والجوع والجهل والمصيرالمجهول لمستقبل أجيالها فى معسكرات اللجوء بدول الجوار وفى داخل وطنها بسبب سياسات النظام الحالى والذى ينتهك جميع الحريات والحقوق للمواطن.
(2)
أرتريا دولة تتكون من مجموعات سُكانية مُتعددة الأعراق والثقافات والديانات تتسم بالإنسجام التام بين مجموعاتها السكانية حيث تعايشت هذه المجموعات السكانية فى سلام وأمان ردحاً من الزمن فجاءت الحقب الإستعمارية تحمل بذور التفتيت لوحدة هذه المجتمعات بتقسيمها ليتسنى لهم السيطرة عليها ونهب ثرواتها ومواردها ، ووقوع أرتريا فى موقعٍ جغرافى ذات عمقٍ إستراتيجى مُهم لكل الدول المُطلة على البحر الأحمر أيضاً كونها البوابة الجنوبية المُشرفة على مضيق باب المندب جعلها دولة تتكالب عليها الدول الإستعمارية طمعاً فى موقعها وجغرافيتها ومواردها ! وهو بالضبط ما حدث لأرتريا حيث تعرضت لحقب إستعمارية ٍمُتعددة من العهد التركى والإيطالى والبريطانى وأخيراً الإستعمار الإثيوبى.
(3)
كان الإستعمار الأثيوبى هو الأسوأ فى العُهود الإستعمارية التى توالت على ارتريا وبدأت قصة الإستعمار الأثيوبى بفرض الأمم المتحدة قراراً وبتواطوء مع بعض الدول بربط أرتريا بإتحاداٍ فيدرالي مع إثيوبيا دون العودة للشعب الإرتري وأخذ آرائه ومصالحه بعين الإعتبار بموجب قرار للأمم المتحدة رقم 390/ أ /5 في عام 1952م ثم أنقلبت أثيوبيا على القرار الأممى وضمت أرتريا إليها قسراً وهكذا بدأت محنة الشعب الإرترى حيث قامت أثيوبيا بإبادة جماعية عبر حرق القرى بسكانها فى المرتفعات وإرتكابها لمذابح فى عونا وأم حجر وغيرها من المناطق ونهب ثروات السكان المختلفة وأتبعت فى ذلك طريقةً مُمنهجة قوامها إجتثاث الشعب الإرترى وتهجيره بإتباع سياسة الأرض المحروقة مما أجبر السكان للجوء لكل من السودان واليمن وجيبوتى وغيرها من بقاع العالم بحثاً عن الحياة والأمان !
(4)
بعد اللجوء بدأت حياة الكفاف لشعبنا بالمعسكرات حيث أنعدمت أبسط مقومات الحياة حيث الخيام التى لاتقى حر الصيف وبرد الشتاء وتفشى الأمراض بسبب إنعدام الرعاية الصحية المُتكاملة ونقص التغذية بالمعسكرات وبالجُملة فالبؤس والمعاناة هو مايظلل حياة الناس بالمعسكرات زائد منعهم من حرية الحركة والعمل حيث أن الخروج من المعسكرات يُعرضهم للمسألة القانونية وفق قانون البلد المُضيف فأزدادت بذلك معاناتهم ولاتزال .
(5)
فيما يتعلق بالعملية التعليمية فى المعسكرات فليست هنالك رعاية وإهتمام بالجوانب التربوية والتعليمية وبالطبع فمن يكون بحاجة للطعام والشراب يكون من الصعب عليه أن يهتم بالتعليم أو يطالب به مما يجعل الجهل أكثر إيغالاً فى مجتمعاتنا فى معسكرات اللجوء ! هذا بالطبع ينتج أجيالاً غير مُتعلمة وفى أحسن الأحوال لن تستطيع إكمال دراستها بسبب الظروف ، صحيح أن هنالك مدارس لكنها فقيرة من حيث منهجها وجودة التعليم فيها ، هذا وأن مسيرة التعليم غالباً ما تتوقف عند مرحلة الأساس بسبب الظروف والإمكانيات وعدم قدرة الطلاب بمواصلة دراستهم خارج المعسكرات .
(6)
إنصافاً نقول أن الأمم المتحدة مُمثلةً فى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقوم بتخفيف المعاناة بتقديم الخدمات والحماية فى جوانب مختلفة ولكن طول مدة لجوء الشعب الإرترى والتى لا تزال مستمرة يؤثر بشكل أو بأخر فى تقديم خدمةٍ أفضل لشعبنا مُضافاً لذلك تعدد بؤر المشاكل والصراعات التى أنتجت حالات لجوء فى أكثر من دولة قلل إهتمام المجتمع الدولى باللاجئين الإرتريين فى اليمن والسودان وأثيوبيا رغم حالة البؤس فى تلك المعسكرات وحالة القمع التى يعيشها شعبنا بالداخل والتى زادت من معدلات اللجوء ، أنتجت قلة إهتمام المجتمع الدولى بشؤون اللاجئين الأرتريين وبعدم إكتراثهم بسياسة القمع الممنهجة من الدولة الأرترية أدت لتفاقم ظاهرة الهروب الجماعى لشباب أرتريا بصورةٍ يومية وغرق مئات الشباب الأرترى فى عمق المحيطات والبحار مشهداً مألوفاً فالهروب من المعسكرات والوطن والمخاطرة والمجاذفة بالحياة صار أسلوباً وطريقاً للحياة لأن النظام الإرترى والمعسكرات قتلت الأمل فى النفوس وفرضت الموت الرحيم على مستقبلهم ومصيرهم !
(7)
عليه وبمناسبة يوم الاجىء العالمى الذى يُحتفل به عادة ًفى ال20 يونيو من كل عام نشكر جميع الشعوب والدول التى وقفت ومازالت تقف مع شعبنا ونشكر جميع المنظمات الإنسانية والحقوقية وعلى رأسها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم للمتحدة لتخفيفهم معاناة شعبنا فى الشتات ولكننا نطالبهم فى الوقت نفسه بالوقوف على حجم معاناة شعبنا فى المنافى والمخيمات والعمل على تقديم خدماتٍ أفضل لهم ووضع تصورات حلول لوقف معاناتهم أو بالمساهمة الجادة فى تغيير النظام من المجتمع الدولى أو بالتوطين فى بلداٍ ثالث خاصة وأن الدول التى تستضيف اللاجئين الأرترين تعيش هى نفسها حالة من عدم الإستقرار السياسى والإقتصادى والأمنى مما يُفاقم حجم معاناة اللجوء أكثر كما أن أرتريا لاتلوح فى أفقها أية تباشير إنفراج لأزماتها فى المدى القريب .
محمد رمضان
كاتب أرترى
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37341
أحدث النعليقات