اللامركزية الدستورية ودورها في السلم الاجتماعي
بقلم / محمد عمر مسلم
الإنسان اجتماعي بفطرته يميل للتعايش مع أخيه الإنسان وإن اختلفتت الديانات والأعراق والثقافات، كما يوجد في الإنسان نوازع إن فعلت في ظرف ما قد تهدد التعايش السلمي بين البشر، من تلك النوازع نزعة الشيطان العدو الأول للإنسان، نزعة الاختلاف والتنوع، ونزعة الرياسة والاستعلاء، ونزعة الاستئثار والاستيلاء على كل شيء، و نزعة الهوى والشهوات، يجد المتأمل لتلك النوازع دور كبير فيما شهده العالم من حروب وصراعات وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فمن ينسى الحرب العالمية الأولى والثانية، وحروب أوروبا وأمريكا الدامية قبل أن يستقر بهم الحال، ومن الشواهد الحاضرة في عصرنا صراع الأنظمة المستبدة مع شعوبها، و صراع العرقيات والطوائف في العديد من الدول، كل ذلك على حساب التعايش السلمي في تلك الدول، مع ذلك كان لعقلاء البشرية ولازال دراسات واجتهادات مستمرة لحل المشكلات والأزمات التي تعكر صفاء التعايش السلمي بين البشر، وذلك من خلال وضع أنظمة حكم عادلة تنظم وتضبط تفاعلات الشعوب فيما بينها على نحو يحقق السلم الاجتماعي في ظل دولة المواطنة العادلة، وذلك من خلال الحد من إعادة تدوير الأنظمة الدكتاتورية والشمولية، ومعالجة ما تخلفه الأنظمة المستبدة من آثار مدمرة في العلاقات الإنسانية، من تلك الأنظمة اللامركزية الدستورية التي نجحت في تحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية والتعايش السلمي وذلك من خلال معالجة دستورية لقضايا السلطة والثروة والحقوق والخصوصيات الثقافية والدينية لمكونات المجتمع من منطلقات قيم العدل والمساواة بين البشر، القضية الأولى / جعل النوازع المهددة للسلم الاجتماعي حبيسة النفس لا تغادرها إلى دائرة الفعل والتأثير الضار بالمجتمع أي الحد من صناعة دكتاتوريات في المجتمع، القضية الثانية / ترك مساحات واسعة للنوازع الإنسانية للتفاعل والتنافس الايجابي لإشباع طموح الإنسان دون أن يشكل ذلك تهديد للسلم الاجتماعي، القضية الثالثة / صيانة وحماية الخصوصية الدينية والثقافة للإنسان لحفظ تميزه في المجتمع القضية الرابعة / معالجة قضايا السلطة والثروة معالجة عادلة تحظى برضى الجميع.
لا ينظر عند التقسيم الفدرالي لحجم الدولة ولكن ينظر لمسألة التجانس بين السكان، ففي المجتمعات غير المتجانسة تراعى مسألة التجانس والتقارب بين سكان كل ولاية، بينما في المجتمعات المتجانسة تراعى الجغرافيا، وسر نجاح اللامركزية الدستورية نشأتها الدستورية التي تعطيها قوة وحماية بخلاف اللامركزية الإدارية التي تخضع لإرادة الأغلبية البرلمانية والسلطة المركزية المنشأة لها، عليه تعتبر اللامركزية الدستورية من أفضل الحلول لمنع الصراع بين مكونات المجتمع غير المتجانسة، وللحفاظ على التنوع في ظل وحدة الأرض والشعب، بخلاف النظام الدكتاتوري الذي بنى وحدته المزعومة على إنكار الثنائية الدينة والثقافية في المجتمع، اللامركزية الدستورية تعطي للأقلية حق النقض ضد أي قرار يصادر حقوقها الخاصة والعامة، وتحقق التوازن بين السلطة المركزية، والسلطات المحلية، وتقضي على مظاهر التسلط والاستبداد في المجتمع.
ما تشهده ساحة المعارضة من سمينارات في العاصمة الإثيوبية حراك حميد وظاهرة صحية تأتي بعد جمود طال أمده، لا أستبعد وجود اهتمام ملحوظ بالشأن الإرتري من دوائر إقليمية و دولية لدواعي أمنية وسياسية في المنطقة، و قد يكون من مظاهر الاهتمام هذا الحراك السياسي الذي ترعاه القيادة السياسية الإثيوبية، إذااستبعدنا نظرية المؤامرة قد يكون من أهداف الحراك تقيم المعارضة بأطيافها المختلفة، وتوحيد رؤيتها حول القضايا التي ستطرح في المؤتمر المرتقب، فاءن كان هذا هو الهدف فهي خطوة تمهيدية موفقة وتسخين سياسي سيساعد في نجاح المؤتمر العام، هناك من ربط الحراك السياسي بدور مشبوه للدولة المضيفة منطلقا من بعض المظاهر والسلوكيات التي سبقت أو صاحبت تلك السمينارات، إثيوبيا لها أخطاء تاريخية في الشأن الإرتري، الخطأ الأول الاحتلال وقد دفعت ثمن ذلك سياسيا واقتصاديا وتنمويا خلال ثلاثين عاما، الخطاء الثاني رهانها على طرف بعينه ظنا منها أنه سيرعى مصالحها، ولكن من راهنت عليه صار عدوا يهدد مصالحها وأمنها واستقرارها آخرها محاولة تفجير مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، مع كل ما سبق تظل إثيوبيا دولة مهمة لما لها من إرث تاريخي حافل وثقل سياسي مؤثر يمكنها من لعب أدوار إيجابية مهمة لأمن واستقرار المنطقة، ولا أظن دولة بحجم إثيوبيا تتمتع بقيادة سياسية واعية تعيد أخطاء الماضي في الشأن الإرتري بعد تجربة مريرة عايشتها مع نظام دكتاتوري في إرتريا، فإثيوبيا اليوم مطلوب منها أن تلعب دورا مهما في الشأن الإرتري بشرط أن تقف على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب الإرتري، لأن سياسة الاعتماد على مكون واحد جنت منها المرارات والخيبة، إنفراد النظام المستبد بالسلطة في إرتريا لم يكن لصالح الشعبين الإرتري والإثيوبي، ومصلحة الشعبين تستوجب على النظام الإثيوبي أن يقف مع أمال وطموحات الشعب الإرتري بعيدا عن سياسات المحاباة لطرف بعينه والتي ثبت فشلها عمليا وقد دفع فاتورة الفشل الشعبين الإرتري والإثيوبي، الشعب الإرتري يثمن عاليا لإثيوبيا استضافته على أرضها وينتظر منها دعما حقيقا في هذه المرحلة.
كلمة أخيرة أتوجه بها إلى المعارضة لا ترتبكوا ولا تنزعجوا من كثرة السمينارات فهي من مظاهر الحشد والتعبئة والإعلام تقوي الشوكة وتظهر القدرة فسمينار لقيادات التنظيمات وآخر لفئة النخب وثالث للمرأة الإرترية، إنه حراك سياسي لم نشهد له مثيل في الماضي، البعض رأى في ذلك خلط الأوراق ومؤامرات تستهدف جهة دون أخرى، فلنفرض بوجود مؤامرة الحل في نظري مواجهتها في عقر دارها وإجهادها وعدم تمريرها ولا يتم ذلك إلا بالمشاركة الجادة والفاعلة، فالشعب الذي حارب محتلا يفوقه عددا وعدة ثلاثين عاما وأجبره على الاندحار لا تنطلي عليه المؤامرات خاصة بعدما تسلح بالوعي والمعرفة والتجربة، هذا ما نعتقد فيمن كتب له الحضور لأنه ينتمي إلى شعب عظيم تكسرت على صخرة صموده جميع المؤامرات ونال استقلالا ناجزا ومشرفا، إن وجد بيننا من يتآمر على الشعب فلن يفلح وسينكشف أمره للشعب ولو بعد حين، وبنظرة ايجابية للسمنارات نجد فيها تفعيل لدور النخب والمرأة وفي ذلك دعم وتكامل مع دور التنظيمات السياسة بل الحاجة تستوجب عقد المزيد من السمنارات على كل الأصعدة لتحقيق وحدة الرؤية والموقف تجاه مجمل القضايا الوطنية، فتثوير كافة فئات المجتمع من متطلبات تحقيق النصر على الدكتاتورية، شاهدنا وحد الشعب المصري مسلمون ومسيحيون وقفوا على صعيد ميدان التحرير ضد الدكتاتور فكان النصر حليفهم، ونحن اليوم أحوج ما نكون لعقد سمينارات مماثلة لشبابنا وطلابنا وعمالنا ومناضلي الرعيل الأول حتى تتكامل الجهود وتحشد الطاقات لمعركة الحسم .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17218
أحدث النعليقات