المؤتمر العام للتحالف خطوة هامة على طريق تعزيز معسكر المعارضة
التحالف الديمقراطي الإرتري |
مكتب الإعلام |
19.06.2006 |
لا يختلف اثنان على أن الشعب الإرتري عانى في تجربته السياسية على مدى ستين عاما من طغيان عقلية سياسية قاعدتها الفكرية إقصاء الرأي الآخر. ولكن برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات إيجابية تدل على أن هناك تحولا وأن اتسم ببطؤ نحو الاتجاه الصحيح. وإذا استثنينا النظام الديكتاتوري الحاكم ، فأن غالبية القوى السياسية الناشطة على المسرح السياسي الإرتري اليوم بدأت تعي أهمية إحداث تغيير في العقلية والنهج الذين ظلا يهيمنان في التعاطي مع الرأي الآخر. وإن أبرز حدث يعكس بداية الإنفكاك بين فكر إنغلاقي وانفتاحي يتجسد في قبول قوى سياسية متعددة ذات مذاهب فكرية وسياسية متباينة للعمل سوية على أساس برنامج حد الأدنى لتغيير النهج الديكتاتوري في بلادنا . فاتفاق الجميع في مارس 1999 م لتأسيس التحالف الوطني الإرتري ما هو إلا تعبير عن التغيير الجاري في الفكر السياسي الإرتري .
إن وصول القوى السياسية الإرترية إلى هذا المستوى من الوعي يعبر عن أول خطوة هامة في السير نحو الاتجاه القويم. بيد أنه حري بنا أن نلتفت إلى نقطتين هامتين. الأولى أن التقييم العقلاني لأي إنجاز سياسي بالضرورة لا يتم خارج إطاره التاريخي .والثانية إن الإنجاز السياسي يقاس على أساس معنوي، إذ أن النتائج المعنوية هي التي تتحول في المحصلة النهائية إلى نتائج مادية على الأرض.
بالعودة إلى المرحلة التي سبقت تأسيس التحالف ، فأن معظم التنظيمات التي أقامت التحالف لم يكن لها معرفة مسبقة لبعضها البعض. كما أن الأحكام التي كانت تطلقها ضد بعضها لم تكن عن معرفة بل من تحامل سياسي أو فهم تاريخي مغلوط . فالعلاقة بين التنظيمات كانت أشبه بسكان العمارة الذين يتعاركون على كل شيء بما في ذلك على المنافع التي يستفيدون منها جميعهم. فالعلاقة اليومية إذن كانت تتسم بالتوتر والمهاترة والإساءات ضد بعضهم البعض. فالتحالف الذي جاء من هذه الخلفية لم يكن متوقعا منه أن يعالج كل القضايا المطروحة أمامه ببساطة ويسر. ولهذا كان من المستبعد أن تأتي المداولات الشاقة والمضنية التي كانت تجري بين التنظيمات أثناء التأسيس بحلول سياسية وتنظيمية جذرية تقفز بالمعارضة لتلعب دورا سريعا وحاسما.
ولكن مع كل هذه القصور التي لازمت التحالف منذ نشأته الأولى ، فأن الانتقال من حالة التشرزم والتنافر التي سادت الساحة السياسية الإرترية إلى حالة يبحث فيها الجميع عن الحلول للمشاكل تعتبر بكل المعايير نقلة سياسية كبيرة لا يقلل من أهميتها. ومن المؤكد أن التحالفات الجبهوية التي تتكون من قوى تتباين في رؤاها السياسية وبالتالي تختلف في منطلقاتها عند تعاطيها مع قضايا سياسية مستجدة، لا يمكن أن تشهد موافقها التناغم والانسجام وحركتها الاستقرار ، وهو أمر طبيعي. فالمهم في الأمر هو ، إصرار الجميع المحافظة على هذه المظلة السياسية وفتح الباب أمام قوى خارجها للانضمام إليها لتصبح إطارا جامعا للمعارضة كافة.
مرة أخرى أضافت المعارضة إنجازا آخرا في مارس العام الماضي عندما وسعت المشاركة في التحالف السابق لتشمل قوى سياسية كانت تعمل خارجه وأعلن عن قيام كيان جديد تحت اسم التحالف الديمقراطي الإرتري. وبهذه الخطوة نستطيع القول بأن معظم قوى المعارضة السياسية الفاعلة ضد النظام قد تأطرت تحت هذه المظلة. فمؤتمر قوى المعارضة الذي انبثق عنه التحالف الجديد قد أدخل بعض التعديلات في النظام الأساسي والميثاق السياسي.
نحن نسعى لتأسيس نظام ديمقراطي على قاعدة التعددية السياسية في إرتريا. فالتحالف الديمقراطي الإرتري شكلا ومضمونا إلى حد ما يعطي صورة مصغرة للنظام الذي نطمح على إقامته في المستقبل بعد تكملة نواقصه . فهناك فرق شاسع بين حالنا الآن والحالة التي سننتقل إليها بعد سقوط النظام. يرتكز نشاط التحالف حاليا على الميثاق السياسي والنظام الأساسي وهما عبارة عن وثيقتين منبثقتين تمخضتا عن اتفاق سياسي بين قوى سياسية. فالاتفاق السياسي إذن يلزم الأطراف التي أبرمته قانونيا ولا يمثل بحال من الأحوال الشعب الذي لم يكن طرفا فيه. الأمر الذي يعني أن الميثاق السياسي يمكن فهمه على أساس أنه ليس ملزما للشعب بل موجها إليه. أما في ظل النظام الديمقراطي المرتقب إقامته في إرتريا مستقبلا فأن الدستور الذي يقره الشعب بإرادته الحرة سيكون المرجع القانوني الوحيد والموجه لنشاطات الدولة والشعب ، وأن جميع المواطنين سيصبحون ملزمون على احترامه وتنفيذه .
ماذا نعي بعبارة الميثاق السياسي للتحالف ليس ملزما للشعب بل موجها إليه ؟ نعني بذلك أن الالتزام القانوني والسياسي إزاءه يقتصر على قواعد التنظيمات التي وقعت الاتفاق. أما عندما نقول موجها للشعب، فأن ذلك يعني أنه خطاب موجه لعامة الشعب ليقتنع وليقبل مضمونه ليسهم بدوره في تحقيق الأهداف التي تدعو المعارضة إليها . مجازا يمكن تشبيه الأمر بالبضاعة التي يطرحها التاجر في السوق حيث إن تميزت بالجودة وجدت الشاري وإن وصمت بالرداءة فقدت شاريا. وفي كل الأحوال أنه في غياب مساندة قوية من الجماهير للهدف المنشود فلا غرو في أن يفضى في النهاية الجهد المبذول للوصول المبتغى إلى نتيجة غير ذي معنى.
يعيش النظام الديكتاتوري حالة من التردي من كافة الجوانب، ويجمع شعبنا على سوءاته ويحمله مسئولية ما وصل إليه الوضع من انحدار. ولا شك أن شعبنا يرغب التغيير وأن الظرف قد أيبح ناضجا . إلا أن التحالف الديمقراطي الإرتري لا يزال لم ينجح إلى الآن في تحويل هذا السخط الشعبي إلى قوة مادية على الأرض للتعجيل بعملية التغيير . هل السبب للدهاء الذي يتمتع به النظام ؟ هل هناك خلل في الخطاب السياسي للتحالف يحول دون استمالة الجماهير العريضة إلى صفه ؟ أم هناك عجز في أداء التحالف ؟ هل يستقيم المنطق أن نرجع أسباب الحالة التي يمر بها التحالف إلى شح الإمكانيات المالية فقط ؟ وهل يمكننا تبرير وضعنا وإلقاء اللائمة على نظرية المؤامرة ؟
نعم ، لقد قام التحالف منذ تأسيسه بنشاطات لا بأس بها في المجال السياسي واستطاع الحفاظ على المظلة كمكسب سياسي عظيم. ولكن ذلك لا يكفي في أن يؤهله في أن يطرح نفسه كبديل للنظام القائم في إرتريا كما لا يلبي متطلبات المرحلة التي تقتضي أن يراجع تجربته بجدية. فعلينا أن نحدد مواطن الخلل بدقة لتفاديها مستقبلا إذ أن الدعوة إلى مثل هذه المراجعة يجب ألا تخضع لتفسيرات سياسية التي لا تعود بالنفع على الجميع . ويجب أن نجعل مرشدنا الشفافية إذ أن جميعنا يناضل من أجل إحقاق الحق . فوطن لا يتسع ولا تترجم فيه مثل الديمقراطية والمساواة والعدالة ويحكمه القانون من المؤكد أن يصبح واهنا ومعرضا للاضطراب دوما. وبالتالي جميعنا يناضل ويضحي من أجل انتصار هذه القيم السامية .
ومعلوم أن التحالف الديمقراطي الإرتري يتعرض في هذه الفترة لحملة مسعورة وجائرة من عدة اتجاهات . طرف تحركه أجهزة استخبارات النظام وطرف ثاني ، وهو الأوسع، لا يوافق على مضمون الميثاق . وتحت تأثير هذه القناعة يتحرك ضد التحالف وبه يخلق بيئة غير صالحة لا تساعد في أن يحشد التحالف أوسع قطاع جماهيري خلفه. أما الطرف الأخير، وربما تحركه جهات دولية ، فهو تيار تخريبي جل همه تسميم الرأي العام الإرتري والعالمي والاستهتار بنضالات شعبنا والإساءة إلى أشرف المناضلين . وبغض النظر عن المنطلقات الحقيقية التي ينطلق منها هذا التيار في حملته المسعورة ضد التحالف، لا شك أنه بجانب الخدمة الجليلة التي يقدمها للنظام القمعي ، يحاول أيضا إعادة إنتاج التناقضات الثانوية التي تجاوزها شعبنا من خلال النضال. وإن ذلك ينطوي على أبعاد خطيرة لكون التحالف يمثل مركزا سياسيا مهما للمعارضة في هذه الحقبة. ويحدث هذا كله على الرغم من أن التحالف لم يخف يوما عيوبه وإبداء استعداده الدائم لمعالجة أي خلل لتصحيح مسيرته. ومع ذلك توجه إليه رماحا سامة مصوبة إلى قلبه. إذا ماذا نفعل وكيف نتصدى لهذه الهجمة ؟
من المحاسن التي حصدناها من التجربة التي خضناها سوية كأعضاء في التحالف أننا تعرفنا على ببعضنا البعض. وبالرغم من اختلافات طفيفة التي يبرز بين حين وآخر هنا وهناك فيما بيننا أو تبدو مؤثرة في علاقات الثنائية للبعض فلا يجب أن نسمح بها لتكون سببا تعمق خلافاتنا أو توسيع الهوة فيما بيننا حتى لا نعطي فرصا للأعداء ونخدمهم دون وعي مجانا، لأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا . فثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر والاحترام المتبادل التي بدأنا على إشاعتها في أوساطنا ينبغي حمايتها. وكذلك بما أن تطبيقات الديمقراطية تمر بمثل الظروف التي خضناها في تجربة التحالف فعلينا أن ننظر إلى أية ظاهرة تطفح على السطح كمسألة عادية يجب أن نتعاطي معها ضمن هذا الفهم السليم . علينا أن ننظر إلى الأحداث بعيون مفتوحة لإدراك مرامها بهدف التعامل معها بأفق أوسع وبعقل مدرك. فالديمقراطية في الممارسة هي مخاض وتتطلب الصبر حتى تتثبت دعائمها ، فلنجعل من تجربتنا رصيدا يخفف من أعبائنا في المستقبل .
إن المقاربة الصحيحة لمعالجة أية مشكلة تبدأ بالإقرار بوجودها ومن ثم تحديد أسبابها عندئذ يمكن إيجاد الحل الناجع لها. فلنتعامل مع واقعنا بروح من المسئولية لأننا نهدف أولا وآخيرا حماية التحالف وتقويته عبر توسيع قاعدة المشاركة الشعبية . فلنجعل من المؤتمر العام للتحالف إذن حدثا نقوم به مسيرتنا وخطوة نعزز بها معسكر المعارضة وتماسكه .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6959
أحدث النعليقات