المتابعة
بشرى بركت
الاسبوع الماضي كان حافلاً بالتفاعل المباشر على غير العادة، فقد ورد الي عدد لا بأس به من المراسلات الإلكترونية، أحتفظ ببعضها مع عظيم تقديري وإحترامي لما طرحت بها من آراء ومقترحات، إلا أن هناك آراء واستفسارات يكون مكانها النقاش بينكم فها انا ذا آتيكم ببعض منها لعلها تجد مكانا ضمن اهتماماتكم، هذا مع احتفاظي بالأسماء.
—
الرفض القطعي للفكر الفدرالي وتثبيت حق تقرير المصير إستنادا إلى أنّه ربما يمثّل التّخلي عن أجزاء هامة في مجتمعنا والتي ظلت في حال عدم وئام ثقافي مع جوارها ومن ثم سيستفرد بها هذا الجوار اذا ما تم فصله إدرايا بموجب الخرائط المقترحة، ويشير تحديدا إلى ألأقليات السكانية التي لاتتواءم مع الأغلبيات الثقافية التي تم على أساسها التفكير في الخريطة بامتدادتها:
عنصرين هامين يمكن من خلالهما الإجابة على هذ التساؤل (التخوّف) المنطقي والمحق:
– أولهما يتمثّل في أن السعي كله نحو دولة علمانية محكومة بدستور فدرالي علماني يلتزم به الكل ومن ثم يحق للفرد والمجتمعات الصغيرة أن تضمن حقوقها التاريخية والوطنية بناءا على الدستور الفدرالي الذي سيحدّد سيادة المواطن عليه أيّا كان أصله وموطنه ممّا يعني أنّ أيّ إقليم فدرالي سيكون حاميا لكل إرتري إستنادا إلى الدستور الفدرالي.
– العنصر الثاني، بموجب الفكرة التي سيتم طرحها بشكلها التفصيلي قريبا، يتمثّل في أنّ الأقاليم الفدرالية ستضم داخلها أقاليم للحكم الذاتي المصغّر بحيث يتم الفصل بين السلطات فيما بينها بما يضمن خصوصيات المجتمعات الصغيرة داخل الأقاليم خاصة وأن هذه المجتمعات المصغرة لها ايضا امتدادات داخل الدول المجاورة ومن ثم يلزم التفاوض حول ذلك مع دول الجوار إذا ما تم توفير البيئة الإقليمية المناسبة للأقاليم المتداخلة.
—
تساؤل آخر ورد عن مفهوم السيادة التقليدي الذي سالت وتسيل بسببه الكثير من الدماء وفقدت من أجله أرواح تفوق الخيال وعما اذا كان هذا الطرح سيدخل مفهوم السيادة التقليدي في الإعتبار من عدمه.
– الإجابة على هذا السؤال تستدعي التدقيق في مقال ((مثلث العفر)) والمقالات التي تلته حيث أن السيادة بمفهومها التقليدي ستذهب مع الدولة بمفهومها التقليدي ومن ثم الحديث عن حل غير تقليدي يستدعي وضع ضوابط على السيادة نفسها فالمطلوب هو سيادة إرادة الشعوب الجمعية والتي ترتكز على الضروري من أولوياتها ومن ثم لا سيادة لقانون ولا لحدود ولا لفكر طالما انّه لا ينطلق من ارادة الشعوب الجمعية ومن ثم نرى انّ السيادة غير الخاضعة لإرادة الشعوب لا مكان لها.
—
نقطة أخرى نضيفها إلى هذا المنطق وهي المرتبطة بالسؤال التالي والذي يرتكز على حق الشهداء، وقد يكون الشهيد حيثما سقط في حالةٍ من الفكر الفاضل في أعلى مستوياته ومن ثم وصوله إلى المراتب الأعلى في العطاء، وهذا جانب مهمّ من حديثنا عن أن حقّ الشهداء أولوية قصوى، ذلك لأنهم سقطوا تباعا من أجل مستقبل أفضل لشعوبهم داخل أوطانها وعليه يكون الأجدر بنا أن نهتم بروح رسالتهم وأصل أحلامهم وآمالهم وهو تحقيق إرادة شعبهم وإحتفظه بخصوصياته والعمل المستمر على ترابطها الإيجابي مع جوارها الداخلي والخارجي. وأعلم وتعلمون يقينا أن لا أحد قد سقط وفي قلبه ذرة من الرغبة في الهيمنة على شريكه في الوطن بقدر سقوطه وهو يحلم بالمدينة الفاضلة في وطنه بكل ما فيه لكل من فيه ومن ثم كل من يقوم على العمل العام ويستنكر وينكر ارداة الشعوب المطلقة بادعاء حق الشهداء لابد ان يراجع رؤيته وموقفه.
—
تساؤل وردني في مراسلتين رائعتين تؤكدان على المفهوم العام داخل الوطن ولكنهما تستنكران فكرة فتح الحدود إستنادا إلى المفهوم الداعي إلى مناطق الحكم الذاتي المتداخلة بين الدّول.
– أسعدني هذا الإقتناع بمجمل الفكرة بقدر ما أسعدني طرح التساؤلات حولها بقوة والتأكيد على عدم منطقيتها في شأن فتح الحدود لكلّ الإحتمالات، لأنه بالفعل يكاد تطبيقها يكون ضربا من الخيال، وأسعدني أكثر بأن مجمل الفكرة تفاعلت مع فكر أعزائي القراء ومن ثم أنتجت عما يشبه بقبول مشروط بعموم الفكرة. وهنا ادرك وتدركون سادتي انّ المشروع القاضي بالحكم الذاتي المتداخل والذي قد يكون أمر تطبيقه واقعيّاً حين نصل إلى مرحلة من الوعي الإقليمي والقبول بفكرة الحل الشامل من قبل كلّ الدول المتشاركة الثقافات والشعوب، وهذا الأمر يكاد يكون صعباً تنفيذه على أرض الواقع المعاش ومن ثم يكون أمر تطبيقه سابقاً لأوانه مع التأكيد على أنّ الفكرة الجوهرية لا بد أن تبقى قناعة إرترية مشروطة بإقتناع مطلق بها من قبل دول الجوار الساعية إلى حلول جذرية بعيد متاهات التوفيق بين التناقضات، الأمر الذي لايمكن التوفيق بينه إلا بإحقاق الحق وإعطاء كلّ الحق للشعب في التصرّف في مصيره حين يرى أنّ الواقع المعاش يسبب له إضطهاداً ممنهجا ولإستئصالا منظماً. وهذا لابد أن يتضمّنه الدستور الفدرالي الإرتري بشروطه الواضحة.
– نقطة أخرى لا أغفلها وهي أنّ الأطماع التاريخية للأنظمة، والتي لن ننتهي! ولن تغفل تلكم الأنظمة الأفكار المنفتحة وستسعى لإستغلالها لصالح أطماعها التوسعية. ولكن الأمر هنا مختلف، فالقبول بتطبيق الفكرة بين الدول يشترط الإلتزام بكل ما فيها أوّلاً وثانيا يشترط أن لا يصب في مصلحة جغرافية لكيان قائم، ثم أنّ الأسقف الزمنية ستعمل على بسط السيطرة الشعبية على كلّ مفاصل المشروع ومن ثم الشرعية الشعبية ستحكم كل هذه التفاعلات ولها، حين تسود، أن تفعل ما شاءت.
– النقطة الأهم التي ترتكز عليها الفكرة هي أنّ الأنظمة التي لا تقرّ بالطرح بمجمل مافيه ولم تعمل على تطبيق مفهوم الحكم الذاتي المتداخل لا يمكن أن تتبنى المشروع ومن ثم الأمر في مأمن المخاوف التي قد تساورنا.
—
هذه النقطة تحديدا كان مثار استهجان لأحد المراسلات حيث يقول صاحبها بأن التفكير بهذا المنطق يعتبر بمثابة الدعوة المفتوحة لإثيوبيا بفتح باب الأمل لأطماعها التاريخية في النفوذ إلى البحر الأحمر عبر الإستفادة من الطرح الدّاعي لتداخل السيادات وتحقيق حرية الحركة للشعوب في مناطق سياداتها المشتركة.
لا أنكر هذه المخاوف ولكني على يقين تام بأن ثلاث نقاط جوهرية قد تحول دون الوقع في المحظور
– الأنظمة التوسعية لا تحتمل قوة القانون والسيطرة الشعبية الحاسمة، وأنّ الفكرة في جوهرها تمثّلها هاتين القوتين.
– إن إرتضو بذلك ما المانع في أن يستفيدوا مما توفر لجزء من شعبهم فتداخل المصالح وترابطها يؤدي دائما إلى الحرص على الإستقرار المتبادل ومن ثم نحقّق الهدف الأسمى.
– والنقطة الثالثة وهي الأهم، إن ارتضو بما نقول فسنحقق تقوية مؤكّدة لشعب العفر اقتصاديا وسياسيا حيث أنّه وحده سيكون صاحب الحق في التحرك الحر داخل ذلك الإقليم المتداخل ومن ثم يتم الخصم سياسيا واقتصديا من الجزء الطامع في أرضنا في إثيوبيا لصالح الحليف الدائم لنا، وهذا سيكون إنجاز غير مسبوق، وللتوضيح أكثر يرجى مراجعة مقال ((مثلث العفر)) فإنّه يتضمن بعض التفاصيل والإحتمالات.
– أما بخصوص السيادة القطرية فإنها لن تتغير بموجب الفكرة الرئيسية، والمنطق القائمة عليه.
—
بريد إلكتروني آخر كان ربما شديد الحدة قوي الحجة، ولكن في إطار غير المطروح ضمن الفكرة، فقد عبّر عن قلقه من مشرع التقسيم القديم المتجدّد الذي ترمي إليه الفكرة بحسب فهم صاحبته.
– هنا أؤكّد أنّ فكرة التقسيم بمعناها القديم قد عفا عليها الزمن وأنّها لم تعد ذات نفع ومن ثم الفكرة تتمثّل في إخراج جديد للتعايش داخل الوطن الواحد أولا، ثم التأثير إيجابا في الوسط الإقليمي لتحقيق التعايش بشكله الشامل من خلال تحقيق طموحات الشعوب ومنحها الحق في أن تقيم المعوج من الأنظمة حتى لو استدعى الأمر التلويح بإنفاذ الحق في تقرير المصير إذا ما تم الإضطهاد الممنهج لفئة ما من قبل فئة أخرى يسعى الحكام لتحقيق هيمنتها.
—
وبما لا يختلف عن سابقته ذكر لي أخاً كريماً بأنّنا إن قمنا بتحقيق مثل هكذا مشروع فإنه قد يأتي بما تحلم به الكيانات الإقصائية التي تزكم الأنوف هذه الأيام من تحقيق لإبعاد الشّعب عن بعضه وتأكيد لمصير التقاتل الأبدي غير المبرّر.
– هذا تخوف مشروع بالفعل ولكن ومع التقدّم المطّرد لهذه المجموعات، الإقصائي منها والفارّ بنفسه إلى مجاهل الجوار فإنّ الأمر سيتطوّر أكثر وسيتوغلون إلى أعمق مما هم عليه، والإجراء الذي يضع حدّا لما يحلمون به من إستغلال لأزمات قائمة – وكأنها من صناعة الشعوب أو كأن الوضع القائم أبديّاً، فإنّ الوضع الأسلم هو التمكّن مما يحاولون استغلاله وضبطه على أسس من القانون ومن ثم سحب البساط من تحت أقدامهم، وبناءاً عليه يستطيع الشعب الإرتري العيش في وئام اساسه الإحترام المتبادل تفرضه قوة القانون وسطوة نظام الحكم والإختيار السليم للشعب الإرتري.
فالتخوف من استمرار الوضع على ما هو عليه يلزمنا أن نقوم بابتداع حلّ ما يكبح جماح الجماعات التي تقتات على حالة عدم الإستقرار وفقدان البوصلة. وهذ يؤكّد أن الفكرة قد تقضي بشكل كلّي على كل الطفيليات العابثة بمستقبل بلادنا وأبنائنا.
—
تساؤل أخير أتناوله اليوم يتمثّل في واقع تقرير المصير وتطبيقاته حول العالم ومنطقتنا بصفة خاصة وما اتى به من خراب بحسب تعبير القارئ الكريم.
– أولاً لا أنكر أنّ الواقع الذي تم في ظله ممارسة الحق في تقرير المصيرفي بعض المناطق كجنوب السودان مثلاً، حيث أنّه كان مسحوباً تحت تتابع المرارات المتتالية ومن ثم لم يتمكن الشعب من الإختيار الطبيعي بعيداً عن الشحن العاطفي وسطوة السلاح الحاكم. وبغض النظر عما اذا كان الإختيار طبيعيا والنتيجة النهائية حتمية، فإنّ الأرقام كانت ستختلف بعض الشيء إذا ما تم ممارسة الحق في أجواء طبيعية خالية من الشحن العاطفي وبطش السلاح الحاكم.
– النقطة الثانية التي أودّ أن تكون محل اهتمام من جميعنا وهي ماهية الهدف من إقرار الحق في تقرير المصير، وبحسب رؤيتي هو الردع لكل من يحاول أن يبطش بفئة ما وينتزع حقوقها ويعبث بمقدراتها بشكل ممنهج مما يعني أنه بذلك يصنع خللا إستراتيجيا ستوقفه الفئة التي يدعي عمله لصالحها إذ أنّ التأكيد على تحقيق هذا المبدأ سيجبر الشعوب على التخلي عمن يزايد باسمها ويضهد الآخر لأجل تحقيق سطوتها ومن ثم يكون المخرج الوحيد تحقيق العدالة بقوة إرادة الشعوب في العيش في وئام.
– وأخيراً فإنّ الحق في تقرير المصير بالشروط والأسقف الزمنية التي نعمل على تحديدها سيجعله قوة في يد الشعوب ضد الأنظمة المستبدة وسيجعل الحاكم الحالم بالإستبداد وإضطهاد فئة ما لصالح أخرى، أو يحاول إضطهاد الشعب باستغلال حالٍ ما، يفكر مرات ومرات قبل أن يحطم عواميد المعبد فيسقط كل شيء فوق رأسه كما في الأسطورة، ذلك لأنّ الشعوب ستوقف من سيعبث بمقدراتها تحت وطأة قوة القانون والحق المثبت في تقرير المصير.
بشرى بركت
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41877
أحدث النعليقات