المثبطون والتقاعس عن التغيير

الإنسان يتاثر بما يسمع وبما يقرأ وبما يشاهد ، وغالب الناس يتفاعلون بالمؤثرات قبل التفكير فيها والتأمل في عواقبها ، ولذلك الإنسان في حاجة أن يسمع دائما للكلام الإيجابي الذي يدفعه الى الخير ويبعده عن الشر ، وفي حاجة لقراءة مقولات وحِكم هادفة تصقل مواهبه وترفع مخزونه المعرفي المثمر ، وهو اشد ما يكون في حاجة لمشاهدة مواقف نبيلة وعظيمة من اهل العزائم .

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ   ***   وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ

وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها   ***   وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ .

المتقاعسون يتحججون بالجيوب وأهل العزائم تدفعهم للنجاح العقول :

تجد المتقاعس دائما يبحث عن عوائق ومتاريس يضعها أمامه ويخضع لها ، وأغلب هؤلاء يتحججون بعدم قدرتهم المادية ، فإذا أراد أن يعترض على مديره في العمل فكر في قطع رزقه ، وإذا أراد أن ينكر منكر فكر في فقد وظيفته ، وإذا أراد أن يطالب بحقوقه فكر في سلامته . ويستمر على هذا الإنبطاح ويلعب الأقزام والأنجاس بكيانه وتبول الكلاب في راسه .

أما العاقل فيتعفف عن السفاسف ، ويترفع عن الدنايا ، ولا يقبل الإهانة والإذلال ، فتسموا روحه عن شهواتها ، ويحثه عقله للصعود في مدارج الكمال ، فيكره ان يعيش تعيسا ذليلا ، وأن يموت ضعيفا حقيرا .

المتقاعس يؤجل ويسوف وصاحب الهمة يعمل وينفذ :

الكثير من الناس يملكون أفكارا جميلة ، وأهدافا نبيلة ، ولكن القليل منهم من يقرر أن يعمل ويقوم بما يؤمن ، وغالب الناس يدفنون افكارهم في مقابر اليأس،ويرمون بها في غياهب الضعف ، فيحلمون أن يكون الدم وردة حمراء ، وأن يكون القيد سوار وضاء ، وأن تفهم الإهانة على انها نكتتة بلهاء ، يُشتَم عرضه فيشكر ، وتنتهك حرمته فيصبر ، وتصلب ارادته فيصفق وينهق ، يتجرع العلقم فيقسم أنه عسل ، ويزرف دموع الذل ويحاجج انه يستطيع أن يريَ الناس بريق أسنانه من بين شحوب الوجه ، وأن يرسم بألم قلبه سعادة مصطنعة، هكذا تمضي أيامه !! نهاره ليل وليله نهار ” يخشى تكاليف النجاح ” لأنه يعلم ليس للنجاح حدود ولا نهاية ، وليس لمطالب العقل ميدان يسعها ، ولا محيط يحملها ،ولا سماء تظللها ، فهو يدفع صاحبه لنيل ما هو اوسع من حدود الأرض وأبعد من نجوم السماء. يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ( إن لي نفساً تواقة. وما حققت شيئاً إلا تاقت لما هو أعلي منه. تاقت نفسي إلي الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبدالملك فتزوجتها. ثم تاقت نفسي إلي الإمارة فوليتها. وتاقت نفسي إلي الخلافة فنلتها. والآن  تاقت نفسي إلي الجنة فأرجو أن أكون من أهلها. )

، اللهم انا نسالك عيش السعداء ونعوذ بك  من عيش التعساء نسألك عز الكرماء ونعوذ بك من هوان الجبناء .

المثبطون يقتلون الأفكار ويجهضون على الأعمال :

غرق رجل في امواج البحر ، فجاء مثبط يعزيه ، ولما علم أن جد المرحوم كذلك ابتلعته أمواج البحر ، اعترض على حفيده أن يعمل في البحر ، فقال له الرجل: وانت أين مات ابوك؟ قال على فراشه ، وجدُك ؟ قال على فراشه ؛ فقال له :إذن كيف تنام على نفس الفراش؟ .

المثبط إذا قلت له عندي فكرة : قال لك : لقد فكر فيها قبلك كثير من الناس ، فإن قلت له هي جديدة : قال لك لم يجربها أحد: فإن قلت له جربت : قال لك : إذن لن تنجح ابدا. إذا قلت له حكومتنا تقتل الناس : قال لأنهم مجرمون : وإن قلت له لم يجرموا شيئا : قال : يمكن صادقوا المجرمين ! ، وان قلت له لم يعرفوا أحد من هؤلاء : قال لك ربما مروا من نفس الشارع الذي مرَ به هؤلاء ! .

ما اقلَ أهلُ العزائم والتغيير :

لا ينبغي  لمن اراد رفع راية الحق أن يلتفت حوله ، ولا أن يستوحش طريقه ، بل يمضي الى مقصده ولو خلا الطريق الا منه ، وانظر الى موقف الخليفة الراشد ابوبكر الصديق رضي الله عنه عندما قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه :   “يا خليفة رسول الله! ارفق بالناس، فإنَهُ لا طاقة لنا بقتال العرب جميعاً” فوثب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وأخذ بلحية عمر وقال: “رجوت نصرتك، وجئتني بخذلانك، أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام؟ بماذا أتألفهم بشعر مفتعل أم بسحر مفترى، هيهات هيهات مات النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي، وتم الدين أو ينقص الدين وأنا حي!  والذي نفسي بيده لأقاتلنهم ما استمسك السيف بيدي والذي نفسي بيده لأقاتلنهم ولو خذلتموني جميعاً، والذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه“. إنها العزيمة انهت فتنة المرتدين .

تناغم الكلمات والأفعال :

عندما كنت اكتب هذه الكلمات كانت حناجر الشباب المصري تهتف بإسقاط نظام مبارك الظالم ، وقد سبح فكري بعيدا وتجاوز  المحيطات وعبر الأنهار ، رحل هناك خلف البحر وخلف الصحراء ، رحل هناك الى مرتفعات اسمرا وجزر دهلك ، وجبال عنسبا ، وصحراء بركة ، وهضاب الساحل ، وقرى حماسين ، وتلال دنكاليا ” الى مسقط الرأس وموطن الصبا ” حيث يموت الناس هناك ، حيث يضرب الظلم بخيامه ، حيث تؤيم الحرائر ، وتيتم الفتيات ، حيث القيود في المعاصم ، وتجرُ الأرجل بالجنازر ، وتعصب الأعين بالشراشف ، وتحذُ الرقاب بالمناجل ، حيث قلَ النصير والمعاون ، وسكت ابناء عواتي البواسل ، ونام أهل الهمة في مضجع الكسل ، وجبن أبناء الابطال الأكارم .

المثبط قدوته الشعوب الخانعة :

المثبط كلما طلبت منه النهوض تشبث بتلابيب الأرض ، وساخ بقدميه فى شرايين التراب ، ويشير اليك ان تلقي الخطب العصماء على شعوب العالم الذليل ، وأن تنير دياجير الليل البهيم ، وكأن بلده قد نفضت عنها غبار الذل وصعدت فوق الثريا . إخوتي وأخواتي  لا ينبغي أن يعشعش فينا اليأس ويسيطر فينا الجبن ، فلن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على ان يضروك بشيئ لم يضروك الا بشيئ قد كتبه الله عليك ، ومن خذل مظلوما وهو قادر أن ينصره اذله الله على رؤوس الخلائق .

محمد جمعة ابو الرشيد .

Mja741@hotmail.com

 

 

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=11140

نشرت بواسطة في فبراير 17 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010