المضحك المبكي
تجربة الجبهة ليست سبة ولاهي نيشان بل هي مثلها مثل أي مقاومة وغيرها من كبسولات لغوية تحاول تلخيص حزمة من الأفكار السياسية والاتجاهات العامة والتجليات السلوكية المرتبطة بتلك المرحلة
فقط هؤلاء الذين يحاولون أن يتعلموا حتى أخر يوم في حياتهم يؤمنون بأن النفس البشرية في تفاعلها مع الواقع أكثر تعقيدا من أن نكبسلها في كلمة أو كلمتين ،هم أيضا من يشعر بالإهانة حين يعمد آخرون في كبسلتهم عندما يختلفون معهم لمجرد أن هؤلاء غير راغبين في قبول فكرة لا توافق منطلقا تهم أو ربما حتى غير قادرين على بلوغ نقطة الصفر المحايدة وهي النقطة الحاسمة التي لديها يمكن للإنسان أن يبدأ عندها في التعلم الصحيح ومن ثم يمكن أن تتاح أمامه بعد ذلك فرصة الطرح المستنير والحكم العادل
ورغم إدراكنا حقيقة أن ثقافتنا ثقافة شفهية في أصلها وعاطفية في جوهرها فقد كانت مقدمة ضرورية بعدما أثارت بعض المقالات في المواقع الإلكترونية من ملابسات
ورغم إن الأمر يتعلق بما حدث قبل نحو نصف قرن من الزمان فلا يوجد لدينا الآن كثير من الشك في أننا لا نزال أسرى تلك الحقبة الزمنية الحاسمة في تاريخنا الحديث وأننا لا نزال مفتونين بتفاصيلها لأننا لم نصارح أنفسنا بعد بأخطائنا ولم نسع إلى فرصة حقيقية للتعلم من الدرس ومن ثم فإن حالنا لا يختلف كثيرا عن حال مريض نفسيا لا يزال في حاجة إلى صدمة واقعية تتيح له فرصة التصالح مع الذات عسى أن يتطور منها إلى طور التصالح مع الأخر
أن فريقا بعينه في هذا البلد يحاول استغلال ذلك لتحقيق أغراض مرحلية عن طريق إهالة القاذورات على تجربة الجبهة بعدما انتقلت إلى ذمة الله قبل ثلاثين عاما ولا نستطيع أن نردها ولكن المقصود أن لا نكرر تجربة الجبهة الوطنية التي انصهرت فيها كل القوى الوطنية من الشعب الارتري قبل ان تصاب بميكروب حزب العمل الهدام الذي سرق الجبهة من الشعب وقدمها على طبق من ذهب إلى الجبهة الشعبية الطائفية الحاكمة اليوم في أرض الوطن المسجون
ومما يؤسف له أن تلك الأغراض المرحلية للفريق الذي هو منا وعلينا تتفق مع أغراض إستراتيجية للفريق الذي ليس منا بل علينا طول الخط
إن هذه الحقيقة في حد ذاتها تمثل قمة المأساة وإلا فأي مأساة أكبر من أن تحاكم الجبهة وتجربتها بعد ثلاثين سنة وان الحنين الى الجبهة وايامها ماهو إلا الهروب من واقعنا الأليم الذي عجزنا أن نواجهه وبالتالي نحاول أن نتذكر أيام الجبهة بأي صورة حيث أضاعت علينا فرصة ذهبية لبناء مجتمع مدني وانتهى عصرها بضياع الأرض والكرامة وليس في هذا حكم على الجبهة بقدر ما فيه من حكم على ما نعيشه اليوم
إن ثمة مفهوم أفقيا يتمثل في الجغرافيا السياسية التي لها ثوابت لا تتغير وثمة مفهوما رأسيا يتمثل في التاريخ الذي هو بطبيعته البحتة متغير وحين يعز على المرء فهم جانب من التاريخ وما أكثر هذا في بلادنا فإن من الحكمة أن نسترشد بالثابت وحين يختلط علينا الأمر في ثوابتنا فإن شهادة العدو تتحول فجأة إلى أهم ثابت والى أكثر المراجع صدقا والحقيقة أن أعداؤنا لا يزالون يكرهون تجربة الجبهة وهذا هو السؤال الحقيقي الذي ينبغي علينا أن نجيب عنه إن كان لنا أن نبدأ في فهم أنفسنا
محمد احمد إبراهيم
m-ahmad-e@hotmail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9843
أحدث النعليقات