المعارضة الإرترية وأزمة القيادة وقفات مع صاحب ” الضرب المبرح “
بقلم : سليمان يبتيت محمد
كلمة لابد منها:
بادئ ذي بدء أجد لزاماً علي أن أتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على المواقع الوطنية الإرترية الإلكترونية ومواقفهم التي تنضح وطنية صادقة ، والتي أتاحت المجال للكثيرين ، من عرض إنتاجهم الثقافي والمعرفي وبلورة أفكارهم ورؤاهم في كثير من القضايا التي تتصل بحياة المواطن وهمومه ، كما أشكر عبرهم كل الأقلام الوطنية الشريفة التي ما فتئت تقدم عصارة جهدها وفكرها لأبناء جلدتها ، وكشف وتعرية مخططات النظام المشبوهة ، وعدم الركون إلى الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع ، والتحرر من سياسة الاسترقاق والاستلاب والهيمنة الثقافية ” للتجرنيا ” الرامية إلى صوغ المجتمع الإرتري المسلم صياغة جديدة أدواتها التغريب والإحلال والإبدال ومسخ الشخصية الإسلامية السوية ، وإنتاج المزيد من الأدمغة المفخخة ، الخاوية من كل قيمة ، والمتصادمة مع فطرة الله التي فطر الناس عليها (عبر ما يبثونه من سموم قاتلة في قناتهم المسماة زورا قناة إرتريا ) ، فلهم كل الشكر على العودة بالناس إلى سيرتهم الأولى ، مااستطاعوا إلى ذلك سبيلا ، ولأن الناس أعداء ما جهلوا ، ولأن النفوس اعتادت على الخنا والخضوع ، فلابد من أن تجابه أفكارهم ومساعيهم للتشويه ، فعليهم أن يوطنوا أنفسهم على تقبل ما تقذف به ” النيت ” من حمم قد تطال أفكارهم ، ومبادئهم ومنطلقاتهم ، وقد تتعداه إلى أن يصيب الرزاز المتطاير أشخاصهم ، وإني لعلى ثقة بأنهم مدركون لتبعات ما تأتي به كلماتهم الجانحة والمغردة خارج السرب ( زعموا ) فكونوا كما أنتم .
وبعد هذا البوح أدلف مباشرة إلى لب الموضوع :
مدخل للنقاش: ” رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب “
من السهل على المتتبع للأحداث إدراك أن المعارضة الإرترية تعاني ما يشبه الفراغ في القيادة ، وهو فراغ ألقى بظلاله على كل شيء في واقعنا الإرتري بدءً من المتصدرين لقيادة التنظيمات المعارضة ، وصولاً إلى رجل الشارع الإرتري العادي الذي لم يعد يفهم حقيقة ما يجري .
لا أحد ينكر مواقف التنظيمات الإرترية ومجاهداتها كل حسب قدرته وإمكاناته ، في مواجهة النظام الباطش ، وأجهزته القمعية ، لكن تظل تلك الاجتهادات والمحاولات مجرد اجتهادات ، تراوح مكانها ، مالم ينتقل التحالف من مربع القول والشعارات إلى ساحة الفعل المؤثر ، وسوف لن تكتب لمحاولاته الخجولة فرصة للحياة من دون وقفة جادة لبلورة الكثير من القضايا الملحة وفي مقدمها ضرورة إيجاد قيادة ، فاعلة ومؤثرة تترجم الأقوال إلى حقائق وأرقام .
ما دعاني لكتابة هذه السطور هو ذلكم المقال المنشور بتاريخ 4/12/2006م على صفحات كل من (عونا والنهضة وفرجت ) وكاتبه الأخ محمد محمود عبدالله والذي أنحى باللائمة على الأقلام المنتقدة لمسيرة التحالف ودوره الريادي ، كوعاء وطني جامع لكل الأطياف السياسية وأن ما تحقق تحت مظلة هذا الكيان عجزت عن تحقيقه التنظيمات الإرترية فرادى ،( على حد قوله ) وأن على المنتقدين الرفق بالتحالف ، حتى لا يأتي يوم يتحسرون فيه على عدم وجود هذا الجسم المعارض ، وقد أخذ الكاتب على المنتقدين استعجالهم لأحرازالنصر، وجني الثمار قبل أوانها وقيام أسبابها ، وعزا ذلك إلى الظرف الإقليمي والدولي غير المواتي لهكذا مطلب ، وقد عاب الكاتب على المنادين بالحل العسكري وتبني خيار المقاومة المسلحة في مقاومة النظام – وهو على شرعيته- إلا إن الكاتب يرى إن المزاج العام للجماهير الإرترية في الداخل غير ميال إلى هذا الخيار كونه يؤجج صراعات وحروب آن لها أن تخمد بعد التحرير ، ثم بين الكاتب أن التحالف يواجه أزمة مالية خانقة ، لم يتمكن معها من عقد مؤتمره الدوري ، وليس بوسعه توفير تذاكر لقياداته ، ناهيك أن يفي بالتزامات إيجارات مكاتبه ودوره ، ثم ختم مقاله مقدماً نصحه للخائضين في عرض التحالف أن يختاروا بين أن يكونوا مسوقين لهذا التحالف كونه البديل الأوحد للنظام أو أن ينتهجوا طريقاً آخر ويتقدموا الصفوف ، في إشارة إلى الضيق بالنقد ، حين قال في لهجة حازمة ” ولا يقولن أحد ان لم تكن لديهم القدرة فاليتنحوا جانباً ، هم لم يجحروا الطريق على أحد فمن يأنس على نفسه الكفاءة فاليتقدم ” .
* من خلال حديث الأخ الذي أسهب في تعداد محاسن التحالف ومزاياه يتضح أنه قريب من دوائر القرار في التحالف، لذا سنخاطبه على أساس أنه ناطق باسم التحالف حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك.
في البدء يجب أن نقرر أن اختلاف وجهات النظر ليس عارضاً ممرضاً ، ولكنه ظاهرة صحية ، وإن التعددية بمفهومها الواسع ، تتعدى الفهم الضيق المحصور في التعددية السياسية للتتجاوزه إلى التعددية في الفكر والتعددية في وجهات النظر.
لا أشك مطلقاً أن للكاتب قراءته الخاصة لمسار الأحداث وتفاعلاتها ، ويجب علينا احترامها واستصحابها ولكنها قطعاً ليست الصحيح المطلق حتى نسلم بها ونقبلها على علاتها .
وقد أحببت وانطلاقاً من مفهوم( اختلاف وجهات النظر لا يفسد للود قضية)، أن أناقش الكاتب فيما تطرق إليه في مقاله المذكور.
· فالكاتب الكريم خالف فيما خلص إليه من نتائج ما استهل به مقاله ، حيث أبان أن النقد البناء ضروري لتصحيح المسار ، ثم ما لبث أن نسف كلامه الجميل ، بتلكم الجملة المستفزة للقارئ والمتابع للمشهد السياسي الإرتري ، حين رفع شعار من ليس معنا فهو بالضرورة ضدنا ، وهذا لعمري نهج فرعوني ، لا يتسق والفطرة السليمة التواقة إلى الحرية والانطلاق ، فضلاً عن المواثيق الدولية الداعية إلى إشاعة حرية الرأي والتعبير ، وليس صحيحاً أن كل من انتقد يروم لنفسه مكاناً ، ليتصدر الصفوف ، وعلى فرض أن من ينقد واقع التحالف وإخفاقاته المتكررة في خلق أرضية حقيقية وإحداث اختراق لهذه العزلة المصطنعة – وأقول مصطنعة لأن التحالف لم يستطع أن يتجاوز محيطه المحلي ، حتى نحكم عليه إن كان فعلاً يتعرض لحصار فرضته ، ضرورات المرحلة أم لا – قد يرغب أن يكون له إسهام في حلحلة قضايا أمته ، أقول ليس ذلك عيباً ، بل هو حق مكفول للجميع بمقتضى العرف والدستور ، وقد فات على الأخ الكريم أن التحالف نفسه لم يأخذ تفويضاً من الشعب الإرتري ليكون ممثله الأوحد ، والناطق باسم الأغلبية الصامته ، فعلام الحجر على الناس من فرص التعبير عن خياراتها واصطفاء قادتها وممثليها ؟ فضلاً عن أن سياسة فرض الوصايا وتكميم الأفواه من شأنه أن يؤسس لعمل سياسي قاصر لا يستند على رجلين .
إن من أهم مقومات الشخصية العامة الاتزان في التعامل مع الآخرين ، وتقبل الرأي والرأي الآخر ، وعدم الضيق بالنقد ، فأين هذا من شعار الناطق باسم التحالف : ” لا أريكم إلا ما أرى ” فما تعيبه على أسياس كيف تستسيغه لنفسك ؟
يقول الكاتب إن الجلد الكثير للتحالف ونقده سيصيب القائمين عليه بالإحباط، وأقول: إن الشرفاء حين يتقدمون الصفوف ويتصدون للهم العام لا ينبغي أن يثنيهم عن عزمهم أو يفت من عضدهم تخذيل متخاذل أو تطاول جاهل ، ديدنهم وشعارهم ( خذ ماصفى ودع ما كدر ) وَمن تقاصرت همته عن صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر ، ومتى ما انفعل القائد بهموم مواطنيه وتفاعل مع قضاياهم الملحة التفاعل الصادق في الداخل والمهجر التفوا حوله وأعانوه ، والتمسوا له الأعذار والمخارج في حال عجز عن تحقيق آمالهم وتطلعاتهم أيًا ما كان ذاك العجز لظرف ذاتي أو موضوعي .
· قد اتفق مع الكاتب الكريم فيما ذهب إليه من أن المزاج العام للشعب الإرتري قد تغير بعد التحرير تجاه حاملي السلاح ، وبات ينظر إليهم بمنظار الريبة والتوجس لا سيما بعد الأعمال غير المنضبطة التي قامت بها بعض الفصائل مما أوغر الصدور ورسخ النظرة السوداوية لكل ماهو معارض للنظام ، والتساؤل الذي يطرح نفسه ماهو دور التحالف من إيضاح الصورة للرأي العام الإرتري بأن هذا السلاح موجه في الأساس لهذه الطغمة الحاكمة في أسمرة ، وأن العمل العسكري إنما هو أمر عرضي اقتضته ضرورات المرحلة الراهنة وهو مرهون بوجود النظام الجاثم على الصدور .
وفي ظني أن المبادرة بشرح الملابسات والدوافع للعمل العسكري في هذا الظرف الحساس، وتعرية المتجاوزين في حق الشعب أمام الرأي العام كفيل بتغيير الصورة الذهنية النمطية السائدة نحو الأفضل.
وغني عن القول بأن أي عمل سياسي لا تسنده ذراع عسكرية لا يمكن أن يؤتي أكله ، خاصة مع نظام مستبد لا يؤمن إلا بمنطق القوة ، وأمامنا شواهد كثيرة كان الفيصل فيها للمقاومة ، فهلا راجع التحالف قناعاته بهذا الخصوص .
· إن المبررات التي ساقها الكاتب الكريم لحجب الدعم عن التحالف ليست كافية ، فالذي يولد بلا مخالب ولا أسنان ، لا يمكن لأي دعم مهما كانت قوته أن يهبه القدرة على الافتراس ، وفاقد الشيئ لا يعطيه ، كما أن المعطيات الحالية لا تحمل أي مبشرات إيجابية للشعب الإرتري بل على العكس تنبئ عن ضعف شديد للتحالف ولعل أبرز هذه المعطيات تتمثل في التشرذم والتشظي السياسي لقوى المعارضة الإرترية فضلاً عن الضعف والهزال الذي حال دون ممارسة التحالف لدوره الطليعي بفاعلية منتجة .
ثم أليس مدعاة للتندر أن يطلب الكاتب الكريم ممن يتهمهم بإدماء جسد التحالف المنهك نقداً وتقريعاً، بتسويق هذا الجسم المتهالك حتى تفتح له أبواب الدعم ؟ أليس هذا كافياً للتدليل على أن التحالف قد بلغ حداً من الضعف أضر باستمراريته وصيرورته ؟ أم أن الضعف في نظر الكاتب له أعراض أخرى غير العجز عن سداد إيجارات المكاتب واستصدار تذاكر السفر ، فضلاً عن منازلة النظام وتلك مرحلة دونها خرط القتاد ! أم يريدنا أن نرفع في وجه التحالف شعار ” ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ” فنوسم بالعصيان ويبوء التحالف بالهوان !
وتأكيداً لما بدأت به المقال أقول : إننا كإرتريين لا نعرف أقدار الرجال إلا عندما يرحلون ، فإن فقد الراحل الرمز عثمان صالح سبي عشية الاستقلال كان فاجعة كبرى وخسارة أليمة لنضالات المسلمين الإرتريين في ذاك المنعطف الخطير ، لما كان يتمتع به من صفات قيادية وكاريزما شخصية ومؤهلات أكاديمية ، وقبول دولي واسع ، وهو ما يعوز قياداتنا الحالية ، تماماً كما كان لغياب المناضل عبدالله إدريس –شفاه الله – عن المسرح السياسي الإرتري في الوقت الراهن انعكاساته السلبية على واقع المعارضة ذات التوجهات العروبية والإسلامية لما يمثله من ثقل نضالي وقبول إقليمي كان يمكن أن يلعب دوراً حيوياً ومؤثراً في رد الاعتبار للمسلمين الإرتريين ، فلتتضافر الجهود لجسر هذه الفجوة المتمثلة في إيجاد قيادات قادرة على تحمل استحقاقات المرحلة والعبور بالصف المعارض إلى بر الأمان .
ومن خلال هذه السطور أتمنى مخلصاً أن يعاد النظر في كثير من القضايا الملحة والجوهرية وفرز الأولويات في برامج المعارضة ، والتركيز على طرح المشاريع الفكرية والبرامج الإصلاحية والتنموية لمرحلة ما بعد أسياس .
وإنني إذ أسوق هذه الملاحظات وأنتقد بعض الممارسات الضارة بوحدة التحالف ككيان جامع، هدفي إصلاح الخلل والحفاظ على المكتسبات حتى بلوغ الغايات المرجوة بإذن الله.
– ومن أجل تعزيز وتكريس المنافسة الحرة بلا حجر ولا وصاية..
– ولضمان صيرورة وسلامة المسار الوحدوي لهذا الكيان..
– ورغبة في إبراز الوجه المشرق للتحالف ككيان جامع لكل الأطياف السياسية ..
– وتفعيلاً لقيم العدالة والمساواة والحرية في الرأي والاختيار والتعبير ..
– وحتى لا تكون الإطلالة خجولة والخطى وئيدة نحو الديمقراطية الحقة ..
– ولأن التحالف وجد ليبقى وليستمر شامخاً شموخ جبال الوطن الشماء بإذن الله ..
نأمل تلافي الأخطاء والتحرر من العراقيل المصطنعة والبيروقراطية العمياء التي تطل برأسها لتقصي الأكفاء وتجعل من الدهماء أهلاً للحظوة والاحتفاء .
وكل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الفداء ..
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6957
أحدث النعليقات