المعارضة الإرترية والغياب الإعلامي
لا يشك أحد أن الإعلام في وقتنا الحاضر يعد السلاح الأمضى في تغيير أوضاع معينة أو تثبيتها أو كشف حقائق أو تزييفها أو تشكيل رأي عام في قضية من القضايا سلبا أو إيجابا ، ومن ثم اعتمدت عليه القوى العظمى في تحقيق أهدافها فدفعت به جنبا إلى جنب مع الدبابة والصاروخ ، ولم يكن في كل التجارب أقل منهما مضاءا والأمثلة على ذلك تعد من المسلمات المكررة .
وليست القضية هنا انعدام هذه الرؤية أو غيابها أو تجاهلها لدى المعارضة الارترية فهي بكل ألوان طيفها السياسي تدرك أكثر من غيرها بأهمية هذا الموضوع ودوره في الصراع مع النظام المتسلط المستحكم بمصير شعبنا الارتري، ولكن القضية تفسير هذه النظرة إلى واقع ملموس وحقيقة معاشة من خلال توظيف الإمكانيات المتاحة لإيصال رأيها حول المواضيع المهمة والملحة والتي تتعلق في الأساس بمعاناة الشعب الإرتري الذي لم يجد وللأسف الشديد من ينقل حجم مآسيه عبر الوسائط الإعلامية الدولية المؤثرة ، تلك المعاناة التي لو علمت بها الوسائل الإعلامية الهادفة والجريئة لتفضلت بإبرازها على كل الأصعدة ولألجمت بالتالي رأس النظام الديكتاتوري البغيض عن التبجح كل يوم في مناسبة وغير مناسبة من أنه النظام الأمثل والأفضل في المنطقة إن لم يكن في العالم كله ، الأمر الذي لا يملك المرء حياله إلا أن يتدرع بالصبر والصبر! وحده ليقول ” إذا لم تجد من يفضح مستورك القبيح الكالح فاصنع ما تشاء” وكان آخر هذه الترهات تلك التي قالها في مقابلة مع قناة النيل الإخبارية المصرية إبان زيارته لمصر مطلع الأسبوع الماضي .
وإن واقعا مثل الذي يعيشه الشعب الإرتري من انعدام أبسط المقومات للعيش مطلق العيش لهو مادة إعلامية بجدارة تحتاج إلى من يؤطرها التأطير الإعلامي الذي من خلاله يتبنى الحلول والمعالجات ويوضح الأهداف التي نشأت المعارضة كل المعارضة من أجلها وظلت تعمل دون كلل في مواجهة النظام المتهالك وذلك من خلال التقارير المكتوبة والمصورة لمعاناة الارتريين في الداخل والخارج واللجوء المستمر الذي تشهده الحدود الارترية السودانية والأثيوبية وحتى ذلك الذي تشهده البحار والمحيطات الموصلة إلى أوروبا وسط مخاطر الضياع والموت المحقق والذي تناولته وكالات الأنباء العالمية في إطار ما يسمى بالهجرة غير الشرعية التي ظلت تشهدها سواحل أوروبا دون الخوض في ما وراءها من أسباب دفعت بأولئك الشباب من الجنسين أغلبهم في سن الشباب المبكر دفعت بهم إلى ركوب الأمواج بحثا! عن الملاذ الآمن وإن أدى ذلك إلى فقدان الكثيرين منهم ، وهذه هي الأخرى مهمة الإعلام المعارض إذ هو وحده الذي يفقه أن وراء هذه الهجرة بهذه الصورة التي لم تحدث حتى إبان الاستعمار الأثيوبي وراءها يأس من الحياة في ظل نظام جند كل ما يملك في قهر الشعب وإذلاله وتجويعه وتجهيله وإفقاره وذلك من خلال ما يسمى زورا بالخدمة الوطنية التي ما هي إلا وسيلة ناجعة لتحقيق كل المعاني التي ذكرت ، فتصيب الشعب في أعز ما يملك من شباب لا تتاح لهم عمدا الفرص الدراسية بل تسد الأبواب أمامهم في مواصلة التعليم من خلال السياسات التجهيلية المحكمة وفي نفس الوقت لا تتاح لهم فرص العمل أيا كان نوعه فالشركات يملكها النظام والبقالات والمقاهي وصالونات الحلاقة ينافس فيها النظام شعبه المقهور، بل الأدهى من ذلك يبتكر النظام من الوسائل ما يتمكن به أكثر من الاستيلاء على ممتلكاتهم من خلال الغرامات التي يفرضها على العجزة والمسنين بحجة هروب أبنائهم من أداء الخدمة ، أي نظام هذا لا يجد من الإعلام المعارض ما يستحقه من كشف وفضح وتعرية في الفضائيات العربية المؤثرة كقناة الجزيرة التي لا يجد المراقب في خارطة أعمالها شيء اسمه ارتريا! إلا من خلال الحديث عن الصومال أو السودان ، فهل القناة مع ما عرف عنها من جرأة في الطرح وشفافية في التناول واعتماد مبدأ الرأي والرأي الآخر حتى في المحيط الأقرب، لها تحفظ في كل ماله علاقة بإرتريا والنظام الفاسد فيها ؟ ومع استبعادي لهذا الاستنتاج إلا أن الأمر ظل معروضا لدى كثير من الأوساط العامة الارترية والتي تعزو الأمر في الآخر إلى أن الخلل يكمن فيمن يتصدون للعمل الإرتري المعارض فهم المناط بهم طرق أبواب الجزيرة بإلحاح حتى تقتنع الجزيرة بالمشكلة فتدرجها ضمن أجندتها ومن خلال برامجها التوثيقية والحوارية.
ثمة من يقول أن المعارضة الارترية على مختلف تنظيماتها تمتلك مواقع الكترونية في الانترنت تعبر من خلالها عن مراميها وأهدافها ونشاطاتها ، وبالمقابل فإن هناك من يقول إن هذه المواقع لا تمثل الحالة المطلوبة ولا تشبه الوضع القائم ولا ترتقي بما تنقل إلى تغطية الحاجة ، فهي في مجملها مواقع تعبر فقط عن لسان الحزب المعين من خلال الأنشطة التي يقوم بها الحزب ودرج معظمها على هذا النحو ، وفي نظري فإن المواقع الارترية الحزبية مواقع للحزب فقط يكتب فيها أنصاره وربما يتصفحها هم فقط حيث ينقصها التجديد والتنويع وروح الديمقراطية وتقبل الرأي الآخر المخالف والمنتقد فليس في تصميمها ما يدعو إلى الحوار المعارض الهادف ، وهي بهذا الوضع لا تمثل الإعلام الذي ننشد .
بقي أن نقول إن على التحالف الوطني مسئولية جسيمة فيما يتصل بإعلام الرأي العالمي عن الرزايا والمصائب التي تعيشها أمتنا الإرترية بين صمت الجهات المسئولة من التحالف وما تنضوي تحته من تنظيمات وبين تجاهل الأجهزة الإعلامية التي سمت نفسها الرأي والرأي الآخر وظلت تتجاهل ارتريا بكل ما فيها من مشاكل ومآسي.
حامد صالح محمد
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7044
نشرت بواسطة فرجت
في يناير 17 2007 في صفحة المنبر الحر.
يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0.
باب التعليقات والاقتفاء مقفول
أحدث النعليقات