المعاهد الإسلامية في كرن
الحلقة الأولى
المعاهد الإسلامية في كافة المدن الإرترية المسلمة تعد أهم حقل من حقول التعليم الإسلامي في البلاد، وأهم معلم من معالم المسحة الإسلامية للمدينة، تؤسس أول ما تؤسس بمبادرة أهلية، تحفزها الغيرة على الدين، وضرورة تربية الأبناء على تعاليمه، وتقوم حين تقوم على دعم ومساندة الإدارة الأهلية، وعلى وجه الخصوص مؤسسة الأوقاف الإسلامية، التي تتكفل بمرتبات المعلمين، وتوفير المستطاع من لوازم التدريس، ووسائل إيضاح المعرفة.
أول معهد إسلامي في كرن.
أول معهد إسلامي عرفته مدينة كرن في تاريخها الحديث هو ( معهد الدين الإسلامي بكرن) أسسسه الشيخ القاضي موسى آدم عمران عام 1961 م طبقا لما ذكره الدكتور بيان صالح في رسالته العلمية (الدعوة الإسلامية في إرتريا).
ما زال هذا المعهد على ما كان عليه، من يوم أنشئ، فصوله الدراسية جزء من مبنى جامع كرن العتيق، وملاصقة له، بدأ أول ما بدأ بالمرحلة الإبتدائية، وهي ست سنوات، وأحسب أنه تطور إلى مستويات عليا، ما بعد المرحلة الابتدائية.
مشايخ المعهد.
لقد درَّس في هذا المعهد مشايخ أجلاء، وعلماء أكْـفَـاءٌ، مقتدرون، لكن ليس فيهم أزهري واحد، وإنما تخرج بعضهم في معهد أمدرمان الإسلامي، بينما البعض الآخر تخرج على يد هؤلاء المشائخ، من أشهرهم مؤسسه القاضي موسى آدم عمران رحمه الله، فقد كانت له الصدارة في مدينة كرن، والإمامة في مجالسها، والوجاهة بين علمائها وقضاتها، متوسط القامة، خافت الصوت، أنيق الملبس، يعتمر عمامة أشبه ما تكون بالعمامة الأزهرية، ويرتدي قفطانا عريض الأكمام، من تحته جلابية بيضاء، تلقى تعليمه الشرعي بمعهد أمدرمان الإسلامي، وتخرج فيه، لم أسمع منه درسا، إذ لم أكن طالبا من طلابه، لصغر سني وقتها، سألني عنه وأنا طالب في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أحد الدكاترة السودانيين، وأظنه يدعى (ود الأزرق) التقيته في الجامعة، وزامله في الدراسة، بمعهد أمدرمان الإسلامي، عندما علم أني طالب من إرتريا، حدثني عنه بصفته أحد الذين شاركوه في التحصيل العلمي، بمعهد أمدرمان الإسلامي، من الطلبة الإرترين النابغين، فأخبرته أنه أحد أشهر قضاة إرتريا، عمل في ميدان التعليم الإسلامي، ويسكن مدينة تدعى كرن.
له سجل حافل بالمواقف السياسية الإيجابية في المسألة الإرترية، لا سيما فيما يتعلق من الانضمام لإثيوبيا، تعرض لمضايقات، وسجن من المستعمر الإثيوبي “كان من أبرز مؤسسي حزب الرابطة الإسلامية الأرترية وزعمائها، وقد تولى رئاسة فرع الرابطة بكرن، وكان من الزعماء الوطنيين المشهود لهم بالثبات والجد والإخلاص.
أثنى عليه سماحة المفتي إبراهيم مختار رحمه الله ذاكرا براعته في قيادة الرابطة بقوله (وقد أدار دفتها مع رفقائه بحكمة، ونزاهة وإخلاص، و تولى رئاسة فرع الرابطة بكرن). لمزيد الاطلاع على سيرته الذاتية زر موقع المفتي ثم انقر على (التراجم).
وآخرون من غيره كان لهم باع طويل، وإسهام كبير في التدريس والتعليم، بهذا المعهد، منهم من تخرج من معهد أمدرمان الإسلامي كالقاضي محمد إدريس عثمان رحمه الله، والقاضي أبوبكر صالح، وغيرهما ممن لم يكونوا من خريجي إمدرمان، ولكن حققوا من النجاح العلمي ما أهلهم للقضاء والتدريس في المعهد، منهم الشيخ محمد إدريساي رحمه الله، وكانت له دروس عامة في المسجد، واظب عليها إلى أن توفاه الله تعالى، والشيخ حاج حامد حمد رحمه الله، وإن كنت لست على يقين من أن الأخير، لم يتخرج في معهد أمدرمان، والأستاذ إدريس آدم، والاستاذ محمد مرانت، مدرس الفقه، الرجل الثائر الذي بلع ورقة خطاب آت إليه من الجبهة، ضبطه المخبر وهو يستلمه يدا بيد، فمزقه وبلعه، كان لنشاطه السياسي نزيل المعتقل، يمضي فيه أعواما، ثم لم يلبث أن يعود إليه، وآخر اعتقال له كان على يد الجبهة الشعبية، وما زال في عالم المجهول، والأستاذ رمضان رحمه الله مدرس الجغرافيا، والرياضيات، والخط العربي، كان مرحا سمحا، قوي الإرادة والإدارة، في التحكم على الفصل الدراسي، وضبطه، وافته منيته بجدة في الثمانينيات فيما أذكر، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه وجميع من قضى نحبه من مشائخنا وأساتذتنا الفردوس الأعلى.
والأستاذ إدريس آدم هو المدير الحالي للمعهد، والقائم على أمره، مثقف ماهر، ذو خلق ودين، ولا نزكي على الله أحدا، تخرج على يديه عدد كبير من الشباب، عهدته مدرسا لمادة النحو العربي، مجدا في إيصالها إلى وعي الطالب بأيسر العبارات، حازما في متابعة الطالب ومساءلته عن حفظ إعراب الجمل المطلوب منه حفظها.
أيضا درس في المعهد شيخ أمحراوي يدعى الشيخ داود رحمه الله، كان قويا في النحو العربي، متقنا له، كشأن كل العلماء الإثيوبيين، يعرب الآجرومية جملة جملة، وكلمة كلمة، ويقوم بتدريس التفسير للعامة في الجامع بعد صلاة العصر، يلقي درسه هذا باللغة العربية، والناس من حوله يفهمونه، كل على قدر وعيه، ويصغون إليه باهتمام، دائم الابتسامة، يقابل طلابه بوجه طلق، ولا يفوتونه من غير مصافحة، إذا ما رأوه في طريقهم، رحمه الله رحمة واسعة، حيا وميتا، وكان هو من جانبه، يداعبهم، ويمسح على رؤوسهم، ويدع لهم، فقد غادر البلاد بعدما ساءت الأحوال، وفقد ابنه منصور في الجيش الإثيوبي، في عهد منجستو هيلي ماريام.
مناهج المعهد.
أما مناهج المعهد فقد كانت من المناهج الأزهرية: متن العشماوي، والعزية، والرسالة، وأقرب المسالك في الفقه المالكي، والعقباوي للدرديري، ومذكرة التوحيد، ثلاثة أجزاء فيما أذكر، في العقيدة الأشعرية، والتحفة السنية شرح الآجرومية، وقطر الندى وبل الصدى، في النحو العربي، إلى غير ذلك من مقررات أخرى، في البلاغة، والأدب، والأخلاق، والحديث، والسيرة النبوية.
وهي مناهج قوية، ما كانت تتناسب في صياغتها وأسلوبها، مع أعمار الطلاب، ومستوى وعيهم بنصوصها، وقدرة إدراكهم لمضمونها، فما كان لهم من سبيل في التعاطي معها غير حفظها عن ظهر غيب، من غير فهم لكثير من تقريراتها، ليصبوها كما هي في ورقة الامتحان، وقليل من كان يفهم معناها، ويعي مدلولها، ويفقه نصوصها، ويعرف مرجع ضمائرها، ويناقش مسلماتها، وبالذات من أبناء المدينة الذين قليلا ما كانوا يكترثون بأهميتها، وكثيرا ما كانوا يملون من تدارسها، ولا يجدون متعة في قراءتها، على خلاف أبناء الريف الذين كانوا يعكفون على مذاكرتها، يوما بيوم، ويتدبرونها ساعة بساعة، يحبسون عليها أنفسهم، كما كنا نشاهدهم في ركن من الجامع، بعد صلاة العصر، من كل يوم، يتحلقون على كتاب من الكتب المقررة عليهم، يقرأونه صفحة بعد أخرى، ويتداولون معا شرح الأستاذ لجمله، ثم في اليوم التالي يسألونه عما أغلق عليهم فهمه، واستعصى عليهم إدراكه، وبهذا يهضمونه هضما، ثم ينجحون فيه بجدارة.
وقد استطاع هؤلاء بهذا الجهد، وبهذه الجدية في الدراسة والمدارسة أن يؤسسوا أنفسهم تأسيسا علميا، أقل ما يقال فيه أنه مقبول، وأن يزودوها بحصيلة علمية شرعية، مكنت لاحقا نفرا غير قليل منهم، من مواصلة تعليمهم في الجامعات الإسلامية بالسودان والسعودية، وأو صلت بعضا منهم إلى مناصب القضاء الشرعي، والتصدي للوعظ في المساجد، أوالتدريس في المعاهد، كما أن البعض الآخر من هؤلاء عجز عن التعامل مع هذه المناهج، بالرغم مما بذله من جهد في فهمها، فأصيب بالإحباط والتراجع عن طلب العلم، إلى حيث كان راعيا، أو مزارعا، أو متاجرا، بين القرية والمدينة، أو بين إرتريا والسودان.
الحصول على هذه المناهج.
لم تكن للمعهد قدرة على توزيع الكتب المقررة على الطالب مجانا، أو حتى على الأقل استيرادها، ومن ثم بيعها عليه نقدا، وإنما يلزم الطالب بشرائها، من حيث يجدها، وليس هنالك مكتبات توردها، وإنما غالبا ما توجد مع بعض باعة الكتب الذين يفرشون ما يجلبونه من المكتبات السودانية، عقب صلاتي الظهر والعصر على أبواب جامع كرن، وأحيانا على أبواب بعض المتاجر في السوق.
والحصول على هذه المقررات كان عسيرا، فمنها ما يوجد على حالة جيدة، ومنها ما أنهكته أيد عديدة، وعبثت به الأرضة، بعض صحائفه ممزقة، والبعض الآخر ملصقة، ولكنها الإرادة مع الحاجة، تجعلان منه سلعة لا بد من شرائها، سعيا وراء المعرفة الشرعية، ورغبة في تحصيلها، ولو بأغلى ثمن، وعلى أي شكل.
ومما يأخذ على الخطة التعليمية لبعض المعاهد خلوها من تدريس اللغة الإنجليزية، وكذلك الأمهرية، لغة الحاكم المستعمر، وهذا خطأ أدى إلى عزل طالب المعهد عن طالب المدرسة، وأوجد حاجزا نفسيا وثقافيا بينهما، ولعله كان رد فعل غير موفق على الخطة التعليمية للمستعمر الإثيوبي الذي نحى اللغة العربية من خطته التعليمية، والثقافة الإسلامية من منهجه التربوي، لكن جرى تداركه في عهد منجستو بالتصحيح والمراجعة، فأدخلت بعض المعاهد مناهج الدولة ضمن مناهجها، كما أن إدارة التعليم مدتها بمدرسين من عندها، على نفقة الوزارة، وبهذا صار طلاب المعهد موصولين بطلاب الوزارة، ينافسون في الامتحانات الشاملة، ويحققون نجاحا، ويتفوقون على نظرائهم في المدارس الحكومية.
والإسلام أبدا ما حظر على أتباعه تعلم لغة بعينها، بل على العكس من ذلك طلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من زيد بن ثابت تعلم العبرية “قال زيد: فما مر بي نصف شهر حتى تعلمتها له، قال: فلما تعلمتها كان إذا كتب إلى اليهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم”
يقول المباركفوري في شرح هذا الحديث: لا يعرف في الشرع تحريم تعلم لغة من اللغات، سريانية، أو عبرية، أو هندية، أو تركية، أو فارسية”. انظر:تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 7/497 ـ 498
في الحلقة القادمة
القبول في المعهد شروطه وكيفيته مع ذكر معاهد أخرى.
فتابع معنا
وكتبه/د. جلال الدين محمد صالح
لندن
7/4/2005
————————————————
المعاهد الإسلامية في كرن
الحلقة الثانية
القبول في المعهد شروطه وكيفيته.
ما كان القبول في هذا المعهد ـ أعني معهد الدين الإسلامي بكرن ـ يتحقق إلا بعد اجتياز الطالب المتقدم لامتحان مقابلة ومعاينة تجريه له اللجنة المختصة، ثم تقرر بشأنه ما تراه مناسبا، وأهم عامل مساعد في قبوله بعد العمر المناسب وهو ستة عشر عاما فيما أذكر أن يحسن قراءة القرآن على الأقل نظرا في مصحف، ومن هنا ظلت وستظل العلاقة التعليمية بين الخلوة القرآنية ( القرآن) والمعهد علاقة وثيقة وحميمة، في الإرتقاء بمستوى الطالب العلمي، إذا تعتبر الخلوة حتى هذه اللحظة الرافد الأول في تغذية المعاهد الإسلامية بالطلاب، سواء كانت هذه الخلوة في القرية، أو المدينة.
ويوم المقابلة لا بد أن يأتي الطالب بولي أمره، إن كان في سن يتطلب ذلك، وإلا أعفي من ذلك فقد كان في المعهد طلاب كبار فاتهم التحصيل العلمي، وهم صغار، فأرادوا تعويض ذلك وهم كبار، ومثل هؤلاء كانوا ولاة أنفسهم، وقد رأينا ضمن طلاب معهد كرن من كان في سن الأربعين والثلاثين، وهو في المرحلة الابتدائية، يشارك من دونه في السن الجلوس على مقاعد التحصيل العلمي، وما كان المعهد يمنع التحاق من هو في مثل هذا العمر، مادام يرى فيه الرغبة الملحة.
معهد عنسبا وازنتت.
بعد حريق وازنتت عرفت مدينة كرن معهدا ثانيا هو (معهد عنسبا وازنتت) للبنين والبنات معا، وقد اشتهر بين العامة باسم معهد ( بيت جوك)، أسسه الشيخ محمد علي زرؤوم، وعلى ما يذكر الدكتور بيان في رسالته العلمية ارتقى به مؤسسه من حلقات دروس ووعظ إلى خلوة قرآنية، ثم إلى معهد إسلامي منظم عام 1963 م.
وفي عام 1968 م دخل مدينة كرن واتخذ من منزل سكني بحلة السودان مقرا له، بمعاونة بعض أهل الخير، لم تكن له هيئة تدريس متفرغة، وإنما المتقدمون من طلابه يدرسون الذين من دونهم، واليوم استقل بمبنى حديث خاص به، كما أن إدارة الإفتاء الإرترية أضحت تمده بمعلمين من البعثات الأزهرية إلى إرتريا، هذا إلى أن عددا كبيرا من أبنائه الخريجين الذين قدموا للتدريس فيه بعد تخرجهم من الجامعات السعودية، ما زالوا رهن الاعتقال لأسباب مجهولة، وعلى رأسهم ابن شيخ المعهد، الأستاذ عبد العليم محمد علي زرؤوم، فك الله أسره.
ومناهج هذه المعهد كانت على غرار مناهج معهد كرن، تشترى من الباعة التي يجلبونها من السودان، وما كانت تختلف في مضمونها، وصياغتها عن مثيلها في معهد كرن، وما أعتقد أن التعامل معها كان يجري بوعي وإدراك، بل كانت تغيب حفظا، والطالب يلقن تلقينا، ثم يكتب ما لقن وحفظ على ورقة الامتحان نصا، كما صاغها مؤلفها، هكذا كان دأب المعاهد كلها في تسيير العملية التعليمية.
معاهد أصحاب اليمين.
بعد ذلك شهدت كرن ميلاد معاهد أصحاب اليمين التي أسسها والدي المرشد الإسلامي الشيخ محمد صالح حاج حامد رحمه الله، وقد أحدثت معاهد أصحاب اليمين تحولا جذريا في الخطة التعليمية، حيث أدخلت مادة اللغة الإنجليزية، والأمهرية، وفي مسألة المناهج الشرعية تبنت المنهج السلفي، ومن ثم أحدثت توجها جديدا في فهم الدين والعقيدة، يعود بالأمة إلى ما كان عليه السلف الصالح، وسهلت توفيره، للبنين والبنات، بكميات كبيرة، لكن عرضها ذلك لفتنة كبيرة، لا يناسب المقام الحديث عنها بتفصيل، ويكفي أن معاهد أصحاب اليمين تغلبت على تلك الفتنة، وجعلت من المنهج السلفي حتى اليوم منهلا ينهل منه المسلمون، وعلى ضوء من تعاليمه، يجددون معتقدهم، ويفهمون أمور دينهم.
كان من أوائل من درس في مؤسسة أصحاب اليمين الشيخ محمد آدم إدريس وما زال، والأستاذ محمد أدم دويدة، وما زال رهن الاعتقال، وهو من خريجي معهد الدين الإسلامي بكرن، ثم الشيخ محمد سراج الهرري إثيوبي خريج كلية الشريعة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ومبعوث دار الإفتاء بالسعودية، ثم الأستاذ حامد عثمان من آل الشيخ، أحد من درس في المدارس الحكومية الإثيوبية، ثم الشيخ محمد سعيد عافة خريج كلية الشريعة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ومبعوث دار الإفتاء بالسعودية، ثم الأستاذ حسنين عافة رحمه الله أحد أقدم من درس في المدارس الحكومية الإثيوبية، ثم الشيخ حسن حمزة، سوداني خريج كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية ومبعوث دار الإفتاء بالسعودية في الثمانينيات غير أنه لم يتمكن من الدخول إلى كرن، وأخيرا عاد بعض خريجي أصحاب اليمين الذين أكملوا دراساتهم الجامعية في الجامعات السعودية والسودانية، ليقوموا بأمر التدريس والدعوة.
وتزايدت المعاهد بعد ذلك وتكاثرت، ذكر منها الدكتور بيان في رسالته معهد النور الإسلامي بكرن الذي أسسه الشيخ إبراهيم سعيد محمد عام 1967م، وعلى ما أفاد الدكتوربيان صالح أن هذا الشيخ درس الفقه في شندي بالسودان، ايضا معهد الإرشاد الديني الإسلامي بكرن في حي حشلا، تأسس عام 1972 م، ومعهد الإمام البخاري الإسلامي بكرن الذي تأسس عام 1989 م على يد الشيخ فايد عثمان أحد خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وربما تكون أنشأت معاهد أخرى لا علم لي بها.
في الحلقة القادمة
طالب المعهد في أول يوم من حضوره.
فتابع معنا
وكتبه/د. جلال الدين محمد صالح
لندن
11/4/2005
————————————————–
المعاهد الإسلامية في كرن
الحلقة الثالثة
طالب المعهد في أول يوم من حضوره.
جرت العادة في أول يوم من حضور الطالب في الفصل الدراسي بعد إتمام إجراءات قبوله أن يتعرف على فصله الدراسي، وعلى زملائه في الدراسة، وعلى أساتذته، ويتعرف عليه أساتذته، ويسمع منهم بعض التوجيهات والإرشادات المهمة في حياته التربوية، والتعليمية، انضباطا بقيم الإسلام وأخلاقة، فيسمع من الأستاذ أول ما يسمع ما ينبغي عليه فعله، أو قوله إذا أكل، أو شرب، من نحو: بسم الله، وإذا دخل على قوم من نحو: السلام عليكم، وإذا عطس من نحو: الحمد لله، وتشميته للعاطس الحامد بقوله: يرحمك الله، ورده بقوله: يهديكم الله، ويصلح بالكم، وإذا نام من نحو: اللهم باسمك أحيا وأموت، وإذا استيقظ من نحو: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، وإذا ما دخل الخلاء من نحو: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وإذا ما خرج منه، من نحو: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
وهكذا يسرد عليه الأستاذ ما يراه ضروريا له في تربيته الإسلامية، ويوضح له مكانة الأستاذ ومنزلته، وما يستحق من احترام، وتقدير، وتوقير، ويردد على مسامعه الأبيات الأولى من قصيدة شوقي الشهيرة، والتي مطلعها:
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا .
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا.
وكانت هذه القصيدة أحد أهم القصائد التي حفظنا أبياتا منها، وكنا ننشدها في نهاية اليوم الدراسي، إلى جانب نشيد المعهد، وهو لشاعر سوداني قاله في (معهد أمدرمان الإسلامي)، كنا نحفظه من غير أن نعرف اسم قائله، ومن غير تدبر معانيه، الغاية منه بالنسبة لنا كانت ترويح النفس بالصوت الندي، في حين هدف المعهد من تحفيظه لنا أياه، كان تشرب حب المعهد، وغرس الارتباط الوجداني به، وبيان أهميته في حفظ الدين، واللغة العربية، وأول أبيات هذا النشيد يقول:
هلموا هلموا إلى المعهد إلى الدين والعلم والسؤدد.
إلى لغة الضاد كي نهتدي إلى الحق والخلق الأمجد.
حباه الإله بقرآنه وأولاه فضلا بإحسانه.
ولغة الضاد هي اللغة العربية، وهي وسيلة الهداية، لأنها أهم آلة في قراءة النص الإسلامي وفهمه، والمعهد هو ميدان تحصيلها، وحقل تعلمها، والنبوغ فيها، يتعلم فيه الطالب قواعد النحو العربي، وقواعد الخط العربي، من رقعة، ونسخة، ويحفظ فيه شيئا من قصائد الأدب العربي، ونثره، ويتعرف على بديعه وبليغه، وكان هذا هو الواقع، وما زال حتى اللحظة، من بعد أن جرى حذفها من المدارس في العهد الإثيوبي الاستعماري، ويجري الآن التضييق عليها تمهيدا لتقرنة المجتمع، في عهد الشذوذ الثقافي، والهيمنة الشيفونية.
وكان شعر الغزل من أحب الأشعار إلى نفوس كثير من الطلاب المراهقين، كلما تلى عليهم الأستاذ شاهدا من شواهد النحو، من الأشعار الجاهلية، موضوعه الغزل، استراحت له نفوسهم، وتداولته ألسنتهم مرار وتكرار، وجعلوا منه مادة مشاغبة على الأستاذ، يودون منه تسليط مزيد من الأضواء عليه، ومن أعظم ما قرأنا من النثر العربي في الأدب، واستحوذ على إعجاب كثير منا نص أدبي بعنوان: المرأة المتحدثة بالقرآن.
في هذا اليوم يجري الأستاذ مع طلابه الجدد محاورة في النطق العربي، فيحذرهم من نطق أخطأ فيه أحدهم، ويوجههم إلى ما هو أصوب وأسلم، وكذلك في التلاوة القرآنية.
ولا بد أن يأتي طالب المعهد وهو يرتدي زيا عربيا، جلابية، وعمامة، وإلا فطاقية، ويمنع منعا باتا أن يأتي حاصر الرأس، أو مرتديا زيا أفرنجيا ( البنطلون وقميصه)، إذا ما سار طلاب المعهد في الطرقات، بثيابهم البيض، ساعة الفسحة، أوحين الإنصراف، بدت مجاميعهم كحبات برد منتشر، كذلك الفتيات عليهن أن يلبسن لباس الحشمة والوقار، ولا يبدين من زينتهن إلا ما ظهر، كالوجه والكفين، يجسدن العفة، ويترجمن معنى الحياء.
وتبدأ الحصة الدراسية في المعهد الساعة الثامنة صباحا حتى الثانية عشر ظهرا، من كل يوم، عدا الخميس والجمعة، فإنها أيام عطلة وإجازة، وهي ثلاثون دقيقة فيما أذكر، تتخللها زمن الفسحة، أيضا ثلاثون دقيقة، يستريح فيها الأستاذ من عناء التدريس، ويتوزع فيها الطلاب على المقاهي في السوق لتناول الإفطار، هذا بالنسبة لمعهد الجامع، القريب من الأسواق التجارية، لمن كانت هذه عادته من الطلاب، وإلا فغالب الطلاب يفطرون في بيوتهم، وكان في معهد دار السلام لأصحاب اليمين بائع شاهي، كنا ندعوه بعم حامد إن لم تخني الذاكرة، وكان شرطيا أحيل للتقاعد، ينصب أدواته على باب المعهد، ويتجمهر عليه الطلاب، ويشتري منه الأساتذة، ويعود إلى داره برزقه الحلال، يسد ما نقص من نفقة العيال.
الامتحانات.
تجري الاختبارات في المعاهد الإسلامية مرة واحدة في نهاية العام الدراسي، والاهتمام بها يشغل حيزا كبيرا من ذهن كل طالب، ففي يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان، والإخفاق في الامتحان يعني إضاعة عام من العمر بجانب أنه أمر محرج للطالب، سواء بين زملائه، أو أسرته، لذا لا غرابة أن يكون هاجس الامتحان هو الهاجس الأكبر الذي يدفع الطلاب إلى القراءة، والمذاكرة، والحفظ، في كل المؤسسات التعليمية.
اعتاد طلاب المعهد أن يعتمدوا في مذاكرتهم لمقرراتهم على الملخصات، وهذه الملخصات عبارة عن أسئلة، وأجوبة، يضعها أحد أنجب الطلبة، شاملة كل مفردات المقرر، وكل مواد الدراسة، ثم يعكف عليها قراءة، وحفظا، وكان يلقب مثل هذا الطالب بـ( شمددة) ويستعيرها منه الطلبة الآخرين من زملائه، لينافسوه على الحفظ على الـ( شمددة) وهو بدوره يحرص على عدم فقد كراسته، وإضاعتها، لأنها أمان نجاحه، وقارب عبوره بتفوق، لذا لا يمنحها لكل من هب ودب، وإنما لمن هم أقرب إليه، وألصق به.
ولأن المنهج التعليمي كما أسلفت فوق مستوى فهم الطالب وإدراكه فإن كل ما يهم الطالب هو حفظ المقرر بهذه الطريقة ليجتاز السنة الدراسية إلى التي بعدها، ولا يعنيه بعد ذلك البرهنة على قدرته في فهم وشرح ما درس.
الامتحان يكتب على السبورة ( التختة) كما كنا نسميها، داخل الفصول الدراسية والأبواب مغلقة، والطلاب جميعهم خارج الفصل، وأول ما تحين ساعة الدخول، وليس هنالك جرس يدق، وإنما صوت يرفع، ونداء يوجه، يدخلون فصولهم، ويحررون أجوبتهم، والأسئلة المكتوبة مصاغة بطريقة تستهدف التعرف على حفظ الطالب وتغييبه للمادة، وليس اختبار فهمه، وعمق مقدرته على استيعاب المادة وشرحها، إذا ما طلب منه ذلك، أو تطبيقها عمليا في حياته الثقافية، فتأتي الصياغة على نحو: عرف كذا؟، وعدد أقسام كذا؟، واذكر قول كذا؟، ولا تكون على نحو اشرح، وصحح، واكتب نصا من عندك تبين فيه حكم الفاعل، والمفعول، والحال، وكيفية كتابة العدد من حيث موافقته للمعدود تذكيرا وتأنيثا مثلا في مادة النحو العربي، ولا يطلب من طلاب الفصول المتقدمة مناقشة ما يدرسون من الآراء الفقهية داخل المذهب المالكي، وتحديد الموقف منها اتفاقا، أو اختلافا، حسب الدليل، من الوحي، تدريبا لهم على إثبات الشخصية، وربط الفقه بنصوص الكتاب والسنة، وتمرينا على الإبداع في الفهم، لأن الطريقة التعليمة المعتمدة في كل المعاهد لا تتأسس على هذه الرؤية، ولا يقوم الأستاذ أصلا في ساحة التدريس بمناقشة الآراء الفقهية التي يدرسها، وإنما غالبا ما يقدمها كما هي، ومهما قيل في نقد هذه الطريقة فإنها أقصى ما استطاعت قدرات المعلمين والقائمين على التدريس تقديمه في ذلك الحين، ونقد هذه المنهجية لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من جهد وعطاء هؤلاء المعلمين الذين كان لهم الفضل الأكبر في تخريجنا وتعليمنا، وإنما فقط جرى التنبيه على قصورها إلفاتا للنظر إلى أهمية وضرورة إجراء عملية تطوير شاملة في المعاهد الإسلامية.
يكتب الطالب من حفظه ما تسعفه به ذاكرته، ويخرج من فصل الاختبار ليتحاور حول ما كتب مع زملائه، ليعرف أين زل القلم، وأين استقام، فمنهم من أجاب على كل الأسئلة، ومنهم على جلها، ومنهم على قليل منها، ومنهم من أخفق تماما.
ويصحح الأستاذ أوراقه، فينجح من ينجح، ويرسب من يرسب، ويوم إعلان النتيجة يكون الفرح، أو الحزن، ولا تعلن النتيجة إلا في يوم الآباء، في حفل توزيع الشهادات، على الناجحين ومعها الجوائز، على المتفوقين.
في الحلقة القادمة
يوم الآباء وحفل توزيع الشهادات.
فتابع معنا
وكتبه/د. جلال الدين محمد صالح
لندن
15/4/2005
——————————————-
المعاهد الإسلامية في كرن
الحلقة الرابعة
يوم الآباء وحفل توزيع الشهادات.
تعلن نتيجة الامتحانات في حفل يحضره الآباء، وتوزع فيه الشهادات، ويكافأ فيه المتفوقون بجوائز تشجيعية، يجري هذا الحفل في ساحة المعهد، وبالنسبة لمعهد الدين الإسلامي، المعهد الأقدم في كرن، في داخل الجامع، يدعى إليه بجانب الأباء الوجهاء، والفضلاء، والقضاة، وأعيان المجتمع، و عند بعض المعاهد، لا بد من حضور السيد عبد الله بن السيد بكري المرغني رحمه الله، ويكون لهذا الحفل عريفه من الأساتذة، يرحب في كلمته بالحضور، قائلا لهم هذه العبارة المعهودة التي طالما أسمعهم إياها في كل عام، عند هذه المناسبة: أيها الآباء: إن المعهد منكم، وبكم، وإليكم… وقد حفظناها من كثرة تكرارها.
ثم يتناوب على منصة الخطابة أمام الحضور المتفوقون من الطلاب، من بعد أن يحضروا تحضيرا جيدا، ويدربوا على إلقاء كلماتهم تدريبا حسنا، وغالبا ما تكون كلماتهم حول فضل العلم والعلماء، بعضها من إنشائهم، وكثير منها منقول من بطون الكتب الصفراء، وينشرح صدر الآباء لسماع هذه الخطب من أبنائهم، وتنفرج سرورا وفرحا تجاعيد جباههم، وتتقدم فرقة الإنشاد لترديد نشيد المعهد، ونشيد الآباء، وربما تكلم بعد ذلك كله شيخ المعهد، وتحدث عن دور المعهد وأهميته لأجيال المسلمين، ثم يكون بعد ذلك تسمية الناجحين، وتوزيع الجوائز على المتفوقين منهم.
تسمية الناجحين وتوزيع الجوائز.
في هذه اللحظة من السنة الدراسية كلها يتميز الطالب الناجح من الطالب الراسب، والمتفوق من المتوسط، أو المتدني، في هذه اللحظة من الحشر الأصغر، يتصبب العرق من الجميع، خوفا وفَـرَقًا، ولا يتوقف إلا حين يسمع الطالب اسمه مع الناجحين، أما المتفوقون الثلاثة فهم أول من يستريح عن دقات القلب المتلاحقة، والمتعالية، إذ بأسمائهم تستهل قائمة الناجحين، وتقدم إليهم جوائزهم وهي عبارة عن قطعة ثوب أبيض من البوبلين مقرونة بعمامة لمن حاز منهم المرتبة الأولى، ومن غير عمامة لمن جاء في الدرجة الثانية، أوالثالثة. وما عدا هؤلاء يعطون فقط شهاداتهم المجردة، أما الراسبون فتسقط أسماؤهم، كما سقطت قدراتهم العلمية، فلا تدعى أسماؤهم، ويحرمون من الشهادة، وكل من لم يسمع اسمه يعلم أنه قد رسب، ويظهر البؤس والحزن على وجهه، ويحاول قدر الإمكان إخفاءه، ويتوارى عن الأعين، وتكون هذه اليوم بالنسبة له يوم كآبة وحزن، وليس هذا فحسب، بل بعض الآباء يحرج برسوب ابنه، حين يخرج من ساحة المعهد من غير أن يسمع اسم ابنه، وربما انهال على ابنه بالسباب والشتائم، إن لم يكن بالضرب، إذا ما تقابلا في البيت، ومن الآباء من لا يكترث، ولا يبالي، ولا ريب الأول أفضل من الثاني، لكن لا يتحمل التقصير، ولا يستحق اللوم، فليس له من القدرات العلمية ما يستطيع به مساندة ابنه على الدراسة علميا، وكل ما يستطيعه هو توفير سعر الكتاب والدفتر، والسؤال عن مدى إلتزام الابن بحضور الدراسة، وعدم التغيب عنها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
دور المعهد في نشر المعرفة بين المجتمع.
لقد سد المعهد في ميدان المجاهدة الثقافية ـ أينما وجد من أرجاء الوطن الإرتري ـ ثغرة لا يستهان بها في بناء الشخصية الإرترية المسلمة، وتثبيت هويتها الإسلامية، واستطاع بإمكاناته المحدودة أن يحد من تأثير الهجمة الثقافية التي شنها المستعمر الإثيوبي، بتنمية مشاعر الولاء الثقافي للغة العربية، وتعميق قيم الدين في الأنفس، وربط المجتمع بمظاهر الإسلام التربوية، وتأسيس الدارسين فيه تأسيسا علميا حسنا، منه انطلق وعليه استند كثير منهم في مواصلة تعليمهم الجامعي، بعد الخروج من الوطن، والانتشار في الأوطان العربية، في مختلف التخصصات العلمية والأدبية، إذ ظهر منهم الطبيب، والصيدلي، والأديب، والعالم الشرعي، وأثبت كثير منهم قدراته العلمية، وكفاءته في التحصيل العلمي، سواء في الجامعات السودانية، أو غيرها، وحتى الذين انخرطوا في ميدان العمل والاستثمار وجدوا في حصيلتهم المعرفية من المعهد سندا قويا في مزاولة أعمالهم التجارية، بل واتخذوا منها مصدر إلهام في التثقف الذاتي، واكتشفوا فيها قابلية الازدياد والنمو، حين تعهدوها بالتغذية المعرفية، والمتابعة للمنتجات الثقافية، وبهذا كون عدد منهم نفسه بنفسه ثقافيا، بناء وتأسيسا على حصيلة المعهد المباركة.
وكتبه/د. جلال الدين محمد صالح
لندن
15/4/2005
————————————————–
المعاهد الإسلامية في كرن
الحلقة الأخيرة
واقع المعهد الإسلامي
تحديات وحلول.
على الرغم مما سبق ذكره من إنجازات المعهد الديني في المجتمع الإرتري بشكل عام والكرني بشكل خاص، فإن المعهد بواقعه الحالي لا يمثل الحالة المرجوة منه وله، سواء من حيث تعدده، أومن حيث علاقاته ببعض، وتنسيق خططه التعليمية، ومن هنا مازال المعهد يواجه أصنافا من التحديات الذاتية، ربما تجعل منه ظاهرة سلبية، إن لم يبادر على تلافيها، وتأتي على رأس هذه التحديات الذاتية الأمور التالية:ـ
أولا: غياب رؤية تعليمية محددة الأهداف.
إن وجود رؤية واضحة الغاية، ومحددت الأهداف لأمر ضروري، لكل مؤسسة تعليمية، أو شركة اقتصادية، أو منظمة سياسية، أو اجتماعية، وإلا تكن حالة من الضبابية ينجم عنها التخبط، والعشوائية القاتلة، وحيث أن المعهد مؤسسة تعليمية لا بد من أن تكون له غاية يسعى إليها، وأهداف يعمل على تحقيقها، وإذا كانت غاية المعهد هي تعميم المعرفة الإسلامية في المجتمع على أصول صحيحة، ومنهجية منضبطة، لا إفراط فيها، ولا تفريط فإن أهدافه التي يعمل من أجلها يجب أن تكون أهدافا مقيسة، ومحددة، ومتكاملة مع حاجة المجتمع.
ثانيا: تأمين المصدر الاقتصادي للمعهد.
المال عصب الحياة، وشرايين البقاء، وما لم يؤمن المعهد مصدر تموينه، فإنه يبقى عاجزا عن أداء رسالته الدعوية، والمعاهد الإسلامية في مجتمعنا تعتمد على هبات المحسنين وتبرعاتهم، وليست لها مصادر ذاتية تؤمن استمراريتها، متى ما نضب وتوقف عطاء المحسنين، وهو أمر متوقع، إذا ما طرأ طارئ، وحدث سبب، ومن ثم فإن إنشاء أوقاف تعود على المعهد بعائد مالي أمان من التوقف، وضمان لاستمرارية المعهد.
ثالثا: تأمين مستقبل الطالب التعليمي.
التفكير في تأمين مستقبل الطالب التعليمي، والعمل بكل جدية على حمايته من الضياع في ساحة المجهول، ضرورة لا بد منها، وأمانة يلزم الوفاء بها، ولا يكون ذلك إلا بوضع خطة تعليمية توصله إلى كليات الجامعة الوطنية، ولا تجعله يقف دونها، حائرا لا يدري ماذا يفعل.
رابعا: وضع مناهج تعليمية مناسبة.
على أساس من هذه الخطة التعليمية توضع مناهج تعليمية، تلبي الحاجة الشرعية، وتستجيب لمتطلباتها، التزاما بغاية المعهد، وفي الوقت ذاته تضع نصب عينيها تأمين مستقبل الطالب التعليمي،الأمر الذي يعني ضرورة تكامل هذه المناهج مع المؤسسة التعليمية الرسمية، بحيث يتمكن طالب المعهد الانتقال إلي المؤسسة الرسمية، ومواصلة تعليمه من خلالها حتى مراحله العليا.
خامسا: تنظيم العلاقة الداخلية بين المعاهد.
العلاقة الداخلية الحالية بين المعاهد، تشوبها حالة من الفوضى، وعدم التنسيق في المواقف والرؤى، ومحاولة استئثار كل معهد بالوجاهة والصدارة لذاته، ومهما كانت دوافع هذه الفوضى وأسبابها، فإنها في النهاية تعود بالضرر على رسالة المعهد، وتمكن المغرضين من الانقضاض عليه، وتزهد المجتمع من الإقبال إليه، ومن ثم لا بد من تجاوز هذه الحالة السلبية بتأسيس مجلس التنسيق المشترك بين المعاهد الإسلامية في كل مدينة، يتواثق على أهداف ولوائح عمل تضبط مساره، وتنظم سيره، من خلاله تنسق المعاهد على المواقف المشتركة بينها، وتواجه تحدياتها الخارجية، ومن خلاله تعمل على تطوير أدائها التعليمي.
المعهد والتحدي الموضوعي.
يتمثل أهم تحدي موضوعي يواجهه المعهد في استهداف وجوده من الاتجاهات المعادية للإسلام، والمتشبعة بمعتقدات تخريبية إفسادية، ترى في رسالة الإسلام عائقا يحول دون انتشارها وهيمنتها الفكرية، وترى في المعهد مصدر تخلف فكري، واضطراب وطني، وتحاول هذه الاتجاهات المعادية للإسلام إستغلال ما يمكنها استغلاله من التحديات الذاتية، إلى أقصى حد، في سبيل الوصول إلى ما تهدف إليه من القضاء على المعهد، وإزالة وجوده نهائيا، أو على الأقل تهميشه، وتشويهه، بغية عزله عن التأثير في مجريات الحياة الثقافية، والتعليمية، والصراع مع مثل هذه الاتجاهات ماض ما بقي صراع الحق مع الباطل، لكن الإصلاح الداخلي لسير المعاهد على النحو الذي أشرت إليه، يعد أحد أهم عوامل التغلب عليها، والتصدي لها.
وكتبه/د. جلال الدين محمد صالح
لندن
27/4/2005
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8124
أحدث النعليقات