المفوضية السامية والتمييز العنصري!
عبد العزيز احمد اسماعيل
Azizismail97@yahoo.no
المفوضية السامية التابعة للامم المتحدة، هي احدى ازرع المنظمة الدولية التي لها دور ملحوظ في مساعدة اللاجئين واعانتهم اثناء الكوارث المختلفة والنزوح الذي تسببه الحروب وغيرها من الكوارث الطبيعية، كما أن المفوضية السامية لها دور في تقديم وسائل تعين اللاجئين في حياتهم اليومية، إما دعومات مباشرة تتمثل في الجانب الغذائي، أو عبر تأهيلهم وتمليكهم وسائل لإعالة افراد الاسرة، وكما انها تستطيع بل من واجبها اعادة النازحين واللاجئين الى مواقعهم بعد زوال الاسباب التي أدت الى لجوئهم ونزوحهم، ومساعدتهم في الدمج والتكييف مع المجتمع بعد غيابهم سنين طويلة في الغربة عن وطنهم الأم.
قصة المفوضية السامية لشؤون اللاجئن الدولية مع الارتريين قصة طويلة وقد تحتاج الى صفحات أوسع لرصد آدائها وعملها وسط معسكرات اللجوء عبر أكثر من أربعون عاماً الماضية، وما يجعلني أثير هذا الموضوع في هذه الفترة بالتحديد، هو سلوك ونشاط المفوضية السامية لشئون اللاجئين الدولية تجاه الارتريين بعد نيل ارتريا استقلالها، وتكرار بعض الامور التي يراها اللاجؤن بأخطاء تُنصب للمفوضية السامية (مكتب السودان) الذي اتخذ في السنوات الاخيرة من مدينة كسلا محطة لادارة شئونها. هذه السلوكيات التي يتابعها اللاجئين والمختصين وخاصة في السنوات الاخيرة، تتسم بالغرابة من منظمة تتدعي انها تقوم على مساعدة اللاجئين بالتساوي دون فرز باعتبارهم هاجروا معاً ارضهم وقراهم نظرا لسياسات الاستعمار الاثيوبي الذي حرق القرى وشرد الشعب في فترة حرب التحرير الى السودان، كما انه يعاني الاستبداد وسياسة التفريق بين الشعب الواحد من النظام الحاكم بعد الاستقلال. المفوضية السامية ماقبل الاستقلال كان عملها يتسم بشيء من القبول مع شح ما قدمته من المساعدات في معسكرات اللجؤ، وكان اللاجئون ينظرون بالريبة في النقص الكبير من الخدمات المقدمة وخاصة في مجال الصحة والغذاء والتعليم، وأن معسكرات اللجؤ القابعة في احراش السودان لم تجد الرعاية بدرجة مقبولة في مجال الصحة وفقر العيادات للكوادر الطبية والادوية خاصة بما يتعلق بالاطفال والحوامل والامراض الموسمية التي كانت تتسبب في موت العشرات سنوياً، أما قضية التعليم اقتصرت في مراحل متقدمة لا تتيح لمجتمع ضخم بهذا الصورة أن يبني مستقبل وطنه ومجتمعه إن لم يستطيع توفير مقاعد معقولة في الجامعات، المفوضية باعتبارها جهة لها علاقات وامكانيات دولية وتبنيها هذا الاتجاه الانساني، والتي تعمل في دول أخرى بكيفية اكبر مما تقوم به تجاه الارتريين، كان من اولوياتها الاهتمام بهذه القضايا المصيرية للانسان الارتري اللاجىء، هذه الاشكاليات تعاظمت الآن والمفوضية رفعت يدها تماما من الخدمات الضرورية لاستمرارية الحياة، إن لم يتعلم الابناء وان لم تُقدم خدمات صحية للانسان، وكاننا نحكم عليه بالموت البطيء والاندثار، الامراض تنهش في اجساد الآلاف من اللاجئين، كما الجهل يقتل عقول مستقبل الاجيال كاملة، لذلك سوف نجد بعض سنوات طويلة أمة هزيلة تحمل أمراضا متعددة، وسياسة التجهيل اكبر آداة لقتل الامة وتركها في زيول الامم ترعى من خشاش الارض، وتكون بذلك لا دور لها ولا تقوى على أن تعيش حياة الامم الاخرى. وهنا يتبادر الى ذهني سؤالٌ ربما يتدارك في اذهان الكثيرين، وهو ما هي العلاقة بين ما يقوم به النظام الارتري في سياسته المجتمعية القائمة على التفتيت ونشر النعرات القبلية وتجهيل الاجيال باتخاذه سياسة تعليمية متخلفة (تعليم لغة الام)، وحصر الاقتصاد في يد افراد من مجتمع أو في يد النظام؟ وبين ما تقوم به المفوضية السامية لشئون اللاجيئن الدولية في سياستها تجاه اللاجئين الارتريين في السودان أو في أي دولة اخرى ورفضها المستمر بعدم تقديم الخدمات الاساسية لهم المتمثلة في التعليم والصحة والتأهيل وغيرها من الخدمات المنصوص عليها في وثيقة عملها وتركهم مجهولي المسئولية؟ ربما المقارنة هنا بين الجهتين قد لا تتناسب من حيث مفهوم المقارنات، لأن الاولى مسئوليتها تجاه شعبها لا كثير جدل فيه. هذا السئوال مطروح الآن بشدة بعد أن تواترت انباء عن عمل المفوضية في معسكرات اللاجئين بشرق السودان وتميزها بين اللاجئين فيما يعرف ببرنامج التوطين في بلد ثالث بعد رفضهم العودة الى وطنهم الذي اصبح جحيما لا يطاق حتى على القاطنين فيه الان وهم يخرجون يوميا بأعداد كبيرة، ورفض النظام المستمر باعادة اللاجئين الى أماكنهم الاصلية.
قصة المفوضية الجديدة التي تتسم بالظلم الواضح في وجه النهار تقول أنها أصبحت مثل الحكومة الارترية في برامجها وسلوكها عندما تجدده خلال عشرة اعوام مضت مرتين. الكل يذكر ما قامت به المفوضية في العام 2003م بما يعرف (بالفحص القانوني) الذي قسم اللاجئين الى مستحقي الاقامة في السودان وغير مستحقين، بعد لقاءات تمت في مكاتب المعتمدية لحماية اللاجئين التابعة للسودان، وفي تلك الفترة كان الناس يستغربون هذا السلوك الذي قسم اللاجئين الذين خرجوا من وطنهم لاسباب معروفة للعالم، ويحملون جميهم اقامات اللجوء (بطاقة لاجئ) في السودان معتمدة على اتفاقية اللامم المتحدة للاجئين 1951م فيعاد تصنيفهم الى مستحق وغير مستحق للاقامة في السودان مما تبعته خطوة أخرى وهي جمع اللاجئين في معسكرات محددة غير مهيئة تماماً، تم هذا الاجراء ولم نسمع أو نقرأ للحكومة السودانية تصريحا بشكوتها من استمرار اقامة اللاجئين على اراضيها، أو تزرعت ضيقا من وجود اللاجئين الارتريين في السودان بما يلزم ذلك اتخاذ المفوضية اجراء الفحص الذي اجرته قبل اكثر من عشرة اعوام، هذا الاجراء تسبب في معاناة اخرى للاجئين، حيث اعتبره البعض بأنه تهجير داخل بلد واحد يقيم فيه، اضافة الى انعدام التهيئة لتسكين اكثر من عشرة الالاف في منطقة واحدة لا توجد فيها مياه شرب صالحة ولا ارض زراعية يستفاد منها بطريقة جيدة، والعجيب ان المفوضية التي اعتبرت هؤلاء بأحقية الاقامة في السودان لم تقدم لهم المعينات الكافية لحياتهم العادية.. اذا لماذا اجرت الفوضية السامية هذا الاجراء وجمع اللاجئين في مناطق محددة ولم نرى أن السودان طرد الذين رفضوا عملية الجمع ودمج اللاجئين في مخيمات محددة؟ بل هناك تصريحات لبعض المسؤلين انهم قالوا لم يجبر أحد من اللاجئين بمقادرة اماكنهم، وهنا يتضح لنا أن في الامر كان شيئا غير معلوم، وبذلك تكون المفوضية هي المسئولة عن اللاجئين وما يحدث لهم من سياسة التشريد الوقع على أكثر من نصف مليون لاجىء في السودان. نواصل….
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25374
أحدث النعليقات