المفوضية السامية والتمييز العنصري!(2)

عبد العزيز احمد اسماعيل
لم تجد قضية اللاجئين الارتريين في السودان وغيره من الدول المستضيفة الاهتمام لمشاكلهم الكثيرة والمعلقة، هذه القضية المسكوت عنها دولياً وإقليمياً أصبحت الآن مؤرقة عندما تُهَمش بهذه الصورة الغير مقبولة والانتهاكات تجاوزت القضايا الانسانية والحقوق الى جريمة بيع اللآجئين والاتجار بهم، وانتشار هذه الظاهرة وسط مخيمات اللاجئين الارتريين بشرق السودان وبيعهم الى عصابات في سيناء واسرائيل والمنظامات صامتة لم تحرك ساكنا، مع ملاحظتنا بتحرك المجتمع الدولي ومنظماته بسرعة في قضايا مشابهة على المستوى الاعلامي في أبسط صوره. مفوضية شئون اللآجئين الدولية تتحمل العبء الأكبر في هذا الشأن ، لكن عندما تساهم هي بذاتها في تعميق المعاناة، يصعب تفسير نوع المسئولية المزدوجة بالظلم والأمل، والمسئولية هنا على ثلاثة اطراف، الاول النظام الارتري عندما رفض استعادة شعبه الى وطنهم، والمفوضية السامية عند ما تركتهم في العراء دون مسئولية ، وعلى الحكومات المستضيفة يجب ان لا تصمت أكثر من هذا فهي لديها الحق في تحريك الملف والبحث في ايجاد حلول مناسبة للآجئين، ولا يمكن أن تسكت على ظلم مجتمع بأكمله والتفرج الى انتهاك حقوق الانسانية التي كرمها الله وجعلها في أعلى درجة المخلوقات.
الأمر الغير مقبول من المفوضية في هذه الأيام بمعسكرات اللاجئين هو تقسيمهم الى مستحق للتوطين وغير مستحق، ويعتبر التقسيم تمييزاً صارخاً من المنظمة الدولية لشعبٍ هاجر في ستينيات القرن الماضي بسبب الاستعمار الاثيوبي ودماره، واستبداد النظام وممارسته التشريد والتعذيب وسياسة التفريق بين مكونات المجتمع الارتري منذ الاستقلال، فاللآجئون عندما خرجوا من أوطانهم لم تكن لأسباب طائفية أوقبلية، ولم يخرجوا من شرق ارتريا أو غربها، بل خرجوا جميعاً من الظلم الواقع عليهم، ومن كل اقاليم ارتريا دون فرز، ولا أحد يستطيع أن يميز الجموع التي تدخل من بوابات السودان الشرقية بدقة الى أي اقليم أو قبيلة ينتمون. أما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الدولية الممثلة في مكاتبها بالسودان استطاعت أن تميز بينهم وتقسمهم الى قبائل وقع عليها الظلم من النظام الأرتري، وأخرى لم يقع عليها الظلم عندما شرعت في الأسابيع القليلة الماضية بحملة تسجيل وحصر لأسماء أسر تستحق التوطين في بلد ثالث حسب تقدير المفوضية، حيث ادرجت المفوضية اربعة قبائل من بين عشرات القبائل الارترية يستحقون ازالة الظلم الواقع عليهم، هذا ما يحدث الآن في معسكرات اللآجئين بشرق السودان. واتعجب كثيرا ؛ عندما اتخذت المفوضية قرارها المميز بين مكونات المجتمع الارتري الذي يسكن معاً(جارٌ بجار)، هذا يسجل اسمه لانه مظلوم ومضطهد من النظام الارتري، وجاره لأكثر من أربعون عاماً لا يسجل اسمه لأنه لم يقع عليه الظلم من النظام الحاكم في ارتريا، ولأنه لا ينتمي أيضا لتلك القبيلة المصنفة لدي المفوضية والمستحقة لاعادة التوطين. نريد أن نفهم ما تفعله المفوضية السامية عندما تميز بيننا، وكيف يتقبله الناس وهم يرون ذلك أمام أعينهم؟.
المفوضية السامية عندما تقسم اللاجئين الارتريين بهذه الصورة الغريبة تجعل طرفاً ضد طرف، وتزرع الفتن بين مكونات الشعب الواحد، كما أننا نستنتج من هذا التقسيم بأن القبائل المستثناء من الحصر الذي على أساسه سيتيح بتوطين اللاجين في بلد آخر، تقف مع النظام في سياسته وتسانده في ما يقوم به من استمرار الوضع الحالي في الوطن. إن ما تقوم به المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الدولية في السودان هو عمل غير قانوني وغير إنساني ويصب في مصلحة النظام الارتري، بل تتطابق هذه السياسات مع برامج النظام القائم على تقسيم المجتمع الارتري تقسيما ظالماً لم يتوارثه المجتمع، وتفتيته باساليب مختلفة واضحة للعيان، فلا يمكن لمثل هذه المنظمة أن تسلك في تعاملها مع قضية لها ما يقارب الخمسون عاماً بهذه الطريقة وهم سواء في المعاناة والظلم واللجوء، نستغرب أكثر عندما تجعل المفوضية ممن يساند النظام في استمراره  ويستمد قوته منهم على رأس قوائم المظلومين، وتهميش الفئات الارترية الاخرى التي تحترق بنيران اللجوء في اكواخ تقتلعها الريح حينما تشاء، هذا ظلم بواح من منظمة دولية تتدعي مساعدة اللاجئين والمنكوبين. والاعجب من كل ذلك أنها اتخذت هذا القرار مستندة على دراسة قامت بها إحدى الباحثات من دولة النرويج تحدثت فيه عن الاضطهاد والظلم الذي يمارسه النظام الارتري على شعبه، هذا ما قاله مدير مكتب حماية اللاجئين بمدينة الشواك السيد السر خالد، عندما سؤل بخصوص ما يجري من تمييز بين اللآجئين. ويشمل حصر اللآجئين بهذا التصنيف حسب ما اتخذته المفوضية السامية كل المعسكرات بدءاً من معسكر عبودة ، وود شريفي، فاو، شجراب، أم قرقور، وتم بالفعل إرسال وفود من مكتب المفوضية السامية بمدينة كسلا وبالتحديد من قسم الهجرة على رأسه السيدة سبنة والسيدة ياجورسين، وتم تسجيل حوالي (92) أسرة بمعسكر عبودة.
إن هذا الامر جد خطير على وحدة الشعب الارتري الذي عاش معاناته معاً، فلا يمكن أن يقبل هذا السلوك من المفوضية السامية في وقت يئن فيه كل المجتمع مما يقوم به النظام تجاهه، وتتململ فيه كل ارجاء الوطن في الداخل وعلى أبواب الانفجار من سطوة النظام الذي أفرز نظرية الهروب الجماعي في كل مستويات الدولة من سياسيين وجيش وطلاب وفرق رياضية وفنانين، وآخره هروب أفراد الفريق المشارك في أولمبيات لندن قبل أيام، فكيف يُقبل من المفوضية هذا التصنيف والشعب يعيش واقعاً أشبه بالهروب الجماعي من استبداد النظام؟ كان للمفوضية أن تبحث عن حلول واقعية لما يعانيه اللآجئ الارتري في المخيمات من دون تجزأة، وكنا قد استبشرنا خيراً بزيارة المفوض السامي لمعسكرات اللاجئين بشرق السودان في الشهور القليلة الماضية، والتنسيق بين الاجهزة الامنية السودانية وبينها لتأمين اللاجئين من تجار البشر التي إستباحت المعسكرات، ولكن سرعان ما خذلت المفوضية الامل الذي بامكانه أن يعيد قضية اللاجئين الارتريين من أولويات المفوضية وايجاد حلول ناجعة لها، عندما تتخذ خطوة خطيرة على وحدة الشعب بالتمييز بينه وتقسمه الى صنفين، مظلوم وغير مظلوم.
يجب على منظمات حقوق الانسان الدولية والمجتمع المدني الارتري والتنظيمات الارترية واللاجئين في المعسكرات أن لا يصمتوا على هذا الفعل، وخاصة ملتقى اللاجئين الارتريين وغيرها من المنظمات ذات الصلة بشأن اللاجئين، لان هذا الامر يمس تماسك الشعب ، كما أن المستفيد من هذا التقسيم هو النظام الارتري بالدرجة الاولى عندما تريد المنظمة الدولية التي لها حادثة تاريخية معروفة في اربعينيات القرن الماضي عندما تعمدت الصمت على أطماع القوى الكبرى ضد استقلال ارتريا وبيعها لتكون جزءا من أثيوبيا، والتي ربما تقاطعت برامجها هذه المرة مع النظام وعلى رأسها في السودان من كان في أعلى مستويات الدبلوماسية الارترية السفير الدائم لارتريا في الأمم المتحدة. فبقض النظر عن محاسن ومساوء التوطين في بلدان أخرى يجب على المنظمة أن تفهم بأن الشعب الارتري اللآجئ عاش معاً في المعسكرات (45) عاماً ويجب أن يكون معاً في تصنيفها، لأننا لا يمكن أن نفهم نوع الظلم الذي يقسمهم الى طرفين.
Azizismail97@yahoo.no
المفوضية السامية والتمييز العنصري! »  1

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25488

نشرت بواسطة في سبتمبر 2 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010