المكونات الإرترية والدولة المدنية في المؤتمر الوطني للتغيير الديمقراطي
المفاهيم القومية:- كلمة القومية تعني وتفهم بمعاني ومفاهيم مختلفة من الأفراد والجماعات فكل ينظر إليها من منظاره المكاني والزماني والظرفي ثقافيا وسياسيا وحقوقيا.
وفي مجال العمل السياسي، فالقومية تُعنى، في جانبها الإيجابي، بالمحافظة على الحقوق والعدالة والسلام وقد تتحول إلى سلاح مدمر ينهي الشراكة الوطنية لأن من أهدافها السياسية الأساسية بناء وطنا قوميا .
وعلى المستوى الوطني قد تكون القومية الدافع الأساسي لحركة التحرير الوطنية وفي المقابل يمكن أن يتحول هذا الدافع في الداخل الوطني إلى تيار يميني عنصري متعصب لعرق أو لغة أو ثقافة. وفي حال تطورها في هذا الاتجاه تتحول إلى توجه شوفيني عنصري وكره الآخر المخالف أو المختلف وحتى إن كان شريكا وطنيا.
لذا هناك متسع لسوء الفهم لمدلول الكلمة كمصطلح لغوي ومفاهيمي وكظاهرة ، والكلمة بحد ذاتها كلمة محايدة وعند استخدامها في المجالات والأهداف المختلفة تتحول إلى ظواهر مختلفة وفق الاستخدام والأهداف والأغراض المراد تحقيقها، وبالذات في مجال العمل السياسي والدعاية السياسية والحشد الجماهيري الذي تلعب فيه النخب دورا رئيسا.
ونحن هنا لسنا بصدد الغوص في المفاهيم الفلسفية لهذا المصطلح ومكوناته على ضوء الفلسفة الألمانية التي تعتمد البناء القومي على أساس اللغة المشتركة أو الفلسفة الفرنسية التي تعتمد الرغبة في العيش المشترك كل ذلك بجانب دور الدين والتأريخ والمصالح المشتركة في كلا الفلسفتين.
ونحن بين مصطلحين يعرفان المكونات الإرترية ولكل واحد منهما انعكاسات سلبيه وإيجابيه على مستقبل وحاضر إرتريا وإن كان بنسب متفاوتة ، هما مصطلح التقسيم القومي ومصطلح التقسيم الاثني والذي هو تعبير عن الهوية الاجتماعية وتستند على ممارسة ثقافة معينة والاعتقاد بالأصل والتأريخ المشترك والشعور بالانتماء إلى الجماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع الآخرين.
والأسئلة التي تفرض نفسها على أي تجمع سياسي إرتري هي أي من المصطلحين نعتمد في تعريفنا للمكونات الإرترية ؟ ولماذا ؟ ومن الذي يحق له تحديد هذا التعريف ؟ وهل هناك مكونات وهويات رئيسية جامعة تتوافق عليها هذه المكونات والهويات الفرعية ؟
إن التقسيم القومي والفلسفة القومية هي السائدة في الواقع السياسي الإرتري اليوم وهي فرضت من سلطة فوقية هي النظام الحاكم بالرغم من الرفض الشعبي لها وعدم إقرارها حتى من الكوادر الأساسية في الشعبية التي رأت بأن المعايير العلمية للتقسيم القومي لا تنطبق على المكونات الإرترية ، فالأستاذ إدريس أبعري، فك الله أسره، يذكر في معرض حديثه عن هذا الأمر: (…..أقول جماعات لغوية ،لأن معنى القومية لا ينطبق علميا على كل الجماعات اللغوية الإرترية ، إذ الجغرافية والدين والمفاهيم المتباينة لذات عرقيا وتاريخيا وثقافيا شروط أساسية للقومية )
بجانب ذلك كله إن المعنيين بهذا التقسيم وجلهم مسلمون شككوا في نوايا هذا التقسيم ووجدوا فيه تعارضا مع الكثير من موروثاتهم الدينية والثقافية وإخلالاً بموازين مصالحهم الوطنية الجماعية، لذا وقفوا منه موقف الرفض والشك وتسبب ذلك في ضعف الثقة المتبادلة على المستوى الوطني، وهذا يكفي لعدم تبني هذا المشروع.
إضافة لذلك إن المسلمين الإرتريين ليس لديهم إشكالية في قبولهم بتعددهم الإثني والتعامل معه بالاعتراف والاحترام المتبادل والبحث عن المشترك الإسلامي في مابينهم ودعم المشتركات الوطنية بالتوازي والتوازن. الإشكالية في الطرف الآخر من المعادلة الوطنية الذي يريد فرض الوصاية عليهم واختيار تعريفات ومسميات تضعف من دورهم ومكانتهم الوطنية، وهذا ماينبغي لأن نتنبه إليه جميعا أفرادًا وجماعات، وهذه الأفكار والمشاريع لا تقابل بالعواطف أو بالرفض السلبي وحده، بل بفكرة مقابل فكرة ومشروع مقابل مشروع. وإذا كنا أبدعنا في الماضي في الاتيان بالأفكار ونجحنا في تحديد وسائل بلوغها وتحقيق الحفاظ على المشروع الوطني في مراحل تطوره التاريخي المختلفة، فكيف نعجز اليوم في الإبداع وابتكار وسائل ناجعة للدفاع عن حقنا ومكتسباتنا ومصالحنا الإستراتيجية وترتيب أولوياتنا؟؟
الإشكالية في ظني على المستوى الوطني لم نؤهل سياسيا وذهنيا للعيش مع دوائر من الهويات المتعددة والتوازن بينها ووضوح المشتركات والمصالح ضمن كل دائرة من الدوائر على المستوى الوطني والديني والوشائج (الإثنيه والقبلية والإقليمية). إن الذهنية الإرترية أصبحت معبئة إما بأحلام ثورية لا تراعي ولم تراع الواقع وخصوصياته أو ذهنية (حدي لبي حدي هذبي) قلب واحد، شعب واحد التي اكتوى بنارها الجميع وكل القلوب.
لذا لا بد في هذه المرحلة وهي مرحلة الدولة والمصالح أن نتحدث عن أمة المواطنة وأمة العقيدة وعن ثلاثة مستويات من المشتركات الوطنية والدينية والوشائجية (الإثنية- القبلية – الإقليمية ..الخ) شرط أن نوجد نظم وقوانين تدير وترتب أولويات هذه المستويات بالتوافق.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذه التعددية القومية التي يتغنى بهاء النظام حققت العدالة والاستقرار ؟ أم عقدت مشكلة إرتريا وزادت من حدت الصراع الداخلي؟
ما هو الأفضل لإرتريا ،التركيز على ثنائيات مكوناتها الحقيقية الراسخة في وجدان الإنسان الإرتري والتي شكلت ولازالت تشكل قناعته ومواقفه السياسية وقيمه الاجتماعية وعلاقته ببعده ومحيطه،أم التعدد القومي المصطنع؟
لأيهما نجد في إرتريا ملامح واضحة في المواقف الوطنية المصيرية والتاريخية وعند الحديث عن التمثيل والتوازن الوطني: للمشاعر القومية ولغات التجمعات؟ أم للثنائيات: الدينية؛اللغوية،الاجتماعية،الثقافية،التاريخية ؟ ووثيقة مجلس إبراهيم المختار التي وجدت قبول منقطع النظير من المسلمين خير دليل على ذلك إذ تحدثت عن الثنائية بالأرقام والإحصاءات وتحدثت عن المسلمين وغياب تمثيلهم في الدولة ولم تتحدث عن غياب مكنوناتهم بالرغم من أهميتها.
وتاريخيا فأن القومية في أوروبا استغرق بناؤها وقتا طويلا وفي أثناء هذا البناء تم صهر وإبادة أعضاء الأقليات الإثنية التي لا تنتمي للأسطورة القومية الأكثر نفوذا وإمكانية.
وهذا هو الواقع الذي نشاهده بوضوح في إرتريا اليوم إذا قبلنا تبني هذه الفلسفة حيث هيمنة قومية واحدة ولغتها وثقافتها مما تسبب في أزمة الثقة بين المكونات الإرترية ،ونتيجة لأزمة الثقة هذه فإن النخب التي تبنت هذا التقسيم لأسباب مختلفة ربطت ذلك بحق تقرير المصير خوفا من أن يتكرر تأريخ القومية في اوروبا في الواقع الإرتري وهو في طريقه لذلك، مما يسبب في المستقبل تهديد الوحدة الوطنية التي ناضل من أجلها الشعب الإرتري لستة عقود من الزمان سياسيا وعسكريا مما يؤكد إن الانعكاسات السلبية لهذه الفلسفة في واقعنا الإرتري ظاهرة وبينة وإن تبنيها والاستمرار على هذا النهج سيدخل إرتريا في مأزق قد يصعب الخروج منه .
لهذا كله نجد إن المفهوم الإثني هو أقرب للواقع الإرتري إذ يفتح المجال لكل فئة إرترية ترى نفسها مميزة في جانب من الجواب التي تعرف بها هويتها الفرعية الخاصة ضمن دوائر من الهويات الوطنية بدون أن يتهمها أحدا بالدونية الوطنية (تِحْتِي هقراونت)، مما يثري الوطن ويشعر كل مواطن بانتمائه لهذا الوطن وتساويه في الحقوق والواجبات ويزيد الثقة المتبادلة بين هذه الإثنيات وعيشها الآمن ضمن وطن واحد تحرص على حمايته وعلى وحدته.
ولتعزيز هذا البناء الوطني يمكن تجميع هذه الإثنيات والمكونات الإرترية في مكونات ثنائية كما ذكرنا سابقا وهي التي تبرز عندما تعبر إرتريا عن نفسها في البنية الكلية وتحقق لكل مكوناتها الانتماء والتوازن والعدل ويجد فيها كل مواطن إرتري نفسه ومصالحه .
هذه الثنائيات هي ثنائيات: الدين، الإسلام والمسحية ، اللغة العربية والتجرينية ، الثقافة الإسلامية العربية والثقافة المسيحية التجرينياوية ،المجتمع المسلم والمجتمع المسيحي والانتماء الأفريقي والعربي ومن خلال هذه الثنائيات يعبر عن الهوية الوطنية الإرترية .
وفي ظل هذه الثنائيات هناك دوائر من التعدد والهويات الفرعية كما أشرنا سابقا،التعدد الإثني واللغوي والمناطقي والقبلي والمذهبي والفكري، لابد من إقامة التوازن بينها والاعتراف بها والنظر إليها بعين الاعتبار والعدل في التنمية والسلطة والثروة والتعبير عن نفسها في وطن يعتمد مفهوم الوحدة في ظل التعدد واللامركزية في الحكم، ودولة مدنية راشدة تتعامل مع هذا التعدد والتنوع بإيجابية وكمصدر نماء وتطور وتحمي كل ذلك بنصوص دستورية . وهذه الدولة المدنية الراشدة يجب أن تنطلق من المكونات الإرترية الأصلية وتعتمد في مرجعيتها على معتقدات الشعب الإرتري وأعرافه وقيمه وثوابت تعايشه وتعترف بتعدد مكوناته وتتبنى كل ذلك في بنيتها وقوانينها وسياساتها لبناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات الديمقراطية والرفاهية والتنمية المتوازنة واللامركزية في الحكم.
محمد نور كراني
ستوكهولم – الســويد
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=18441
أحدث النعليقات