المواطنة العادلة ودورها في السلم الاجتماعي
بقلم / محمد عمر مسلم
المواطنة انتساب وانتماء لوطن، وعقد وشراكة ومفاعله بين المواطنين لإشباع حاجياتهم المادية والروحية والفكرية والأمنية ، وقد تنتقص المواطنة عندما تحتكر فئة قليلة السلطة والثروة وتحرم البقية، عندها تفقد قيمتها ومخرجاتها الإيجابية كما هو الحال في إرتريا، بالمقابل عندما تتجسد مفاهيم المواطنة في واقع الشعوب يتحرروا من قيود العصبيات الجاهلية ليلتحموا في فضاء أوسع وأرحب ( فضاء المواطنة ) يلبي حاجياتهم المادية والمعنوية.
المواطنة،، تعني الشراكة والمساواة في الحقوق والواجبات، شراكة في السلطة وخيرات البلاد، ومساواة في القيم الإنسانية المنبثقة من وحدة أصل التكوين للإنسان، ومن تلك القيم حق الحياة والكرامة والحرية والاعتقاد، إذ لا يشترط لمنحها تجانس في العرق والدين والثقافة بين البشر، فالأنظمة التي حققت في مجتمعاتها المواطنة الفاعلة استطاعت من استيعاب وإدارة اختلافها وتنوعها دون إقصاء أو تهميش، الأمر الذي حقق تفاعلا ايجابيا أثمر مع الوقت شراكة حقيقية وثقافة وطنية كانتا سببا في الاستقرار والسلم الاجتماعي، لعل ما تحقق للأنظمة الديمقراطية في هذا الجانب كان وراء استقرارها ونهضتها وسلمها الاجتماعي، أما الأنظمة الدكتاتورية فقد فشلت في استيعاب وإدارة تنوعها واختلافها، بل جعلت من التنوع والاختلاف منطلقا للاستبداد والظلم بعدما حرمت شعوبها من المواطنة العادلة، ما كان سببا في حرمان شعوبها من نعمة الاستقرار والسلم الاجتماعي والتطور في ميادين التنمية المختلفة.
المواطنة العادلة مثل التفاعل الفيزيائي تحافظ على خصائص مكونات المجتمع من معتقد وثقافة وقيم، وتبني مجتمعا موحدا متماسكا كالجسد الواحد تربط بين أعضائه روابط وجسور من الثقة والإخاء والتكافل والتعاون والتكامل والتعاضد والتقارب والتصاهر، فالمواطنة العادلة تبني مجتمعا متجانسا يحمل خصائص مكوناته دون إسقاط أو إقصاء، بينما المواطنة في ظل الأنظمة الدكتاتورية تثمر مجتمعا متنافر غير متجانس بسبب سياسات التهميش والإقصاء تجاه بعض مكوناته، الدكتاتورية في فعلها وتأثيرها في المجتمعات أشبه ما تكون كفعل وتأثير التفاعلات الكيميائية في المواد المتفاعلة، ففي كلتا الحالتين يتم تدمير وتكسير لروابط ينتج عنه مخرجات جديدة تختلف في صفاتها وخصائصها عمن وقع عليه فعل التكسير والتدمير والتفكيك والتحليل والتذويب والإبدال والإحلال، فمثلا إحراق ورقة ( تفاعل كيميائي ) ينتج عنه مادة الكربون وهي تختلف في صفاتها الكيميائية والفيزيائية عن صفات الورقة قبل حرقها، كذلك الحال بالنسبة للأنظمة الدكتاتورية والشمولية تسعى لفرض عقيدة سياسية معينة في المجتمع، فتبدأ بعمليات التكسير والتدمير والصهر والتذويب والتفكيك والإبدال والإحلال على حساب المنظومة الاجتماعية والثقافية والحقوقية لمكونات المجتمع، ما يترتب على ذلك مظالم عظيمة ومفاسد جسيمة كهدر الكرامة وقمع الحريات والتهميش والحرمان والإقصاء والقمع والإذلال والاضطهاد، ونتاج ذلك مجتمع مشوه لا يعكس خصائص مكوناته المختلفة إنما يعكس خصائص المغتصب للسلطة والثروة، مثال على ذلك الجبهة الشعبية التي مارست سلوكا دكتاتوريا ضد الشعب لفرض برنامجها الاقصائي في المجتمع الإرتري، وجندت لذلك إمكانات الدولة من إعلام ومال لصهر مكونات المجتمع في مشروع التقرنة، فكان أن فقدت بقية المكونات ثقافتها وهويتها وخصائص تميزها في المجتمع، وقد أفرزت تطبيقات المشروع الطائفي مجتمعا مشوها متنافرا غير متجانس ذو ثقافة وهوية واحدة، الأمر الذي دفع ببقية مكونات المجتمع الإرتري للوقوف صفا واحدا في وجه النظام الدكتاتوري لاسترداد الحقوق وتصحيح الاختلال الذي أحدثه النظام في المنظومة الاجتماعية والثقافية والدينية.
من ثمار المواطنة العادلة الوطنية الصادقة التي تدفع المواطن للبذل والعطاء والتضحية من أجل حماية الوطن، فالمجتمعات المشبعة بالمواطنة العادلة تكون غنية بالوطنية التي تفيض حبا وولاء وتضحية وعطاء من أجل الوطن شعبا وأرضا، يدوم استقرارالدول مع العدل وانتفاء الظلم، ومن العدل، المساواة والعدل في المواطنة، فالدول الديمقراطية حققت قدرا كبيرا من المواطنة العادلة لشعوبها كانت أساسا للاستقرار والسلم الاجتماعي، أما المجتمعات التي تشح فيها المواطنة العادلة تجف فيها ينابيع الوطنية فتعاني من ضعف الولاء وقلة العطاء وفقدان الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي، وما تشهده منطقتنا من ثورات شعبية في بعض الدول كان من أهم أسبابه فقدان المواطنة العادلة ما حرم مواطني تلك الدول من التمتع بحقوقهم المدنية والسياسية.
كلما لاحت في الأفق أجواء إيجابية، خرج الوجه الطائفي من قمقمه ليفسد تلك الأجواء، ففي مقال بعنوان ( الجمهورية العربية الإسلامية لإرتريا ) بث التيار الطائفي سموما وأكاذيب ليفسد على شعبنا وحدة صفه وتماسكه في مواجة النظام الدكتاتوري، وذلك من خلال الطعن والتشكيك على وطنية المعارضة والتشويش على جهودها الرامية لإسقاط النظام، كان هذا التيار خلف المشروع الطائفي الذين كان وراء ميلاد الجبهة الشعبية، وقد تدثر فترة التحرير برداء الوطنية لإخفاء مشروعه الاقصائي، أما بعد الاستقلال أدار ظهره لشركائه وتنكر لتضحياتهم، وأماط اللثام عن وجهه، وعمل لفرض مشروعه الطائفي الاقصائي مستغلا السلطة والثروة، والمتتبع لمواقفه المخزية من قضية الاستقلال، والوحدة الوطنية، والمواطنة العادلة يعرف حجم الخطورة التي يشكلها على وحدة الكيان الإرتري أرضا وشعبا، وقد أثبت التاريخ التسلسلي لهذا التيار خطورته على وحدة الشعب، بل ودمويته فلم يتورع عن هتك الأستار وسفك الدماء وسجن الأحرار وسرقة مقدرات الشعب .
لا يختلف المقال في مضمونه عما جاء في بيان تأسيس الجبهة الشعبية ( نحن وأهدافنا ) إذ طفح بالعدائية لكل ما هو إسلامي وعربي في إرتريا، فقد استغل بخبث ومكر وكيد للإسلام والمسلمين في إرتريا ظاهرة ( إسلام فوبيا ) التي عمت الدول الغربية بعد أحداث 11 سبتمبر ليرهب ويخيف المسيحيين من شركائهم المسلمين ليجهد بذلك طلائع وبشائر وحدة حقيقة تشهدها ساحة المعارضة، كما تضمن المقال دعوة ضمنية للغرب للإستقواء بهم ضد المسلمين كما فعل أسلافهم في الماضي للقضاء على جبهة التحرير الإرترية، أيضا فيه تشويه لمجاهدات ونضالات المسلمين ضد النظام الدكتاتوري، من خلال تصويرها على أنها استهداف للمسيحيين وقد ساق الكاتب ما يجرى في الصومال وأفغانستان بصورة مشوهة ومنفرة ليثبت دعواه الباطلة في حق المسلمين، وهنا أشير لبعض ما جاء في مقدمة المقال، ثم أترك التعليق للقارئ، بعد الهجوم على ما أسماه السلفية والوهابية والإسلام التقليدي سرد الكاتب أوهاما لن تجد لها مكانا إلا في مخيلته المريضة، والهدف منها هدم الثقة و بث الفرقة والعداوة بين المسلمين والمسيحيين ليبقى الدكتاتور حاكما مدى الحياة ( سيخير المسيحيين بين اعتناق الوهابية وبين الرحيل والقتل وحرق كنائسهم وتدمير أديرتهم القديمة، ومصادرة أملاكهم الخاصة ومواشيهم واستبدال لغتهم باللغة العربية، وجعل إرتريا عضوا في الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ) كأني بالكاتب يعيش بأفكاره وتصوراته الخاطئة في العصور المظلمة التي شهدتها أوروبا، ولا أظن عقلاء المسيحيين الوطنيين يوافقونه في ذلك، كما أني على يقين بأن الساحة المسيحية والمسلمة تتمتع اليوم بقدركافي من الوعي يمكن الشركان من تفويت الفرصة على من يهدد وحدتهما أرضا وشعبا ومن البشائر ما تعيشه الساحتين المسلمة والمسيحية من بوادر الثقة وصدق النية،ما يجعل الشريكين أكثر إستعداد من ذي قبل للخروج من الأزمة التي صنعها النظام الدكتاتوري،يمكن الإطلاع على المقال من خلال هذا الرابط http://www.wdbna.com/2010/09/islamic-arab-republic-of-eritrea/
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=16847
أحدث النعليقات