الموت في وراء الحدود
بقلم / روماي خليفة
من يتطلع لخارطة الشتات الإرتري قد يصاب من دهشة لما يجري لهذا الكم المهاجر الذي دفعته الظروف القسرية ليحمل أحلامه الى المهاجر والمنافي ، وفي نفوسهم الأسى والمظلومية والحزن يظل يلاحق هذا الشتات حتى النهاية العمرية خصوصاً أولئك الذين أقل ما كانوا يتمنوه أن يحصلوا في النهاية على متر من الأرض تأوي إليه نعوشهم في راحتها الأبدية فليس أجمل على المناضل أقتربت نهايات أحلامه من فصولها الأخيرة أن يجد مقبرة في الأرضي الإرترية المحررة كآخر محطة تستقر عندها النهاية التي ابتدأت بختم جواز السفر وانتهت بختم آية الفاتحة. شيئ محزن عندما يكون أحلامهم هو تراب ارتريا ولم يجدوه ثم يدفنون بهذا الشكل المأساوي في الخارج!! لو كانوا في أي بلد متحضر لعمل لهم صروحا من الذهب وفاء لما منحوه لوطنهم من نضال وفاء وعطاء واخلاص, أن الدولة التي لاتفكر بتكريم مناضليها أينما كانوا ، ربما لن تستكمل النهايات السعيدة لمشاريعها . وأنا أعرف معانات ذوي هؤلاء النائمون في مقابر الغربة أحدهم قال لي لماذا يدفنون أباؤنا واخواننا في المنافي وهم يخدمون هذا الوطن؟ ما هي حقيقة المشكلة التي يعانونها هؤلاء مع الموتى؟ فلماذا يفعل النظام هذه الفعلة الشنعاء إن لم يكن هناك شيء غير عادي في الأمر؟ قلت له هؤلاء مخلوقات من جيل الكماندوس لقد بانت معادنهم الرديئة في كونهم لصوص وقتلة جاؤا لينهبوا خيرات ارتريا وكل هذه الأساليب هي وقاحة وهستريا, والنظام معروف طائفي وحيد الاتجاه يسير خلف دعواته الفكرية نحنان عيلامانا, ويوم تنكشف الوثائق وتنفضح الأكاذيب سيعرف الجميع زيفهم المخادع للمواقف الوطنية, كما أني على يقين سوف يأتي اليوم الذي نسمع فيه من يضع مشروعا وطنيا متكاملا لنقل رفات المناضلون من منافيهم واقامة الصروح التي تليق بهم لأنهم يمثلان لهذا الوطن قيمة نضالية تاريخية كما قيمة الأهرامات عند أهل مصر وتمثال الحرية عند أمريكا. والبعض من هؤلاء لهم الفضل شخصياً على إسياس وكلهم سجلوا مواقف وطنية وكافحوا بالكلمة وكل الأشكال الكفاح المشروعة والحقوا الأذى بالمحتل وألياته وطائراته وعملائه ومخططاته الإستراتيجية. وكانوا مناضلون شرفاء لا تهدأ ثورتهم أمام إثيوبيا.
والأمة، ، لا يشكلها الحاضر ولكنها نتاج تاريخ طويل، فهي ليست الأجيال الحاضرة فقط بل أيضا الأجيال السالفة وفي أحيان يكون صوت الأموات أعلى من صوت الأحياء وما تركه السلف أعظم وأسمى مما أنجز الخلف، ثقافة الأمة وهويتها ليس نتاج الحاضر ولكنه حصيلة تراكمات الماضي، ولذا فتاريخ كل امة أو شعب نتاج كل الأجيال، الأحياء والأموات، تاريخ ملك للجميع وليس ملك لحزب أو زعيم ولا يجوز لأي حزب أو زعيم أن يُعيد صياغة تاريخ الأمة حسب مشيئته وأيديولوجيته فيتجاوز مرحلة ما أو شخصيات ما لا لشيء إلا لعدم توافقهم مع إيديولوجيته ومرتكزات سلطته … تاريخ الشعوب هو تاريخ انجازاتها وعثراتها، فالأجيال اللاحقة تُراكم على ما أنجزت الأجيال السابقة وتستفيد الأجيال اللاحقة من تجارب الأجيال السابقة، صحيح أن التاريخ لا يمنح شرعية سياسية دائمة لأي حزب أو زعيم ولكن الأمم التي تحترم شعبها هي التي تحترم تاريخها ورموزها التاريخية وخصوصا إن كانت هذه الرموز علامات فارقة في تاريخها وصانعة أمجاد هي موضع فخر للأمة بل وإن كانت انجازات متواضعة أو جهودا لم يُكتب لها النجاح، فحامد ادريس عوتي لم يحرر ارتريا من الاحتلال الإثيوبي ولكنه فجر ثورة وسطر في تاريخ الشعب الإرتري سطور عز وفخر وادريس محمد أدم وعثمان صالح سبي قادوا الثورة سياسياً ولم ينتصروا فيها ولكنهم أسسوا لحركة نضالية حررت ارتريا لاحقا.
القراءة المجتزأة والانتقائية للتاريخ الذي كتبته هقدف من لحظة وصولها للسلطة وهي تتطلع لقيادة الأمة، جعلت التاريخ الإرتري يقرأ من فترة وجود هذا الحزب على مسرح الحياة السياسية وذلك بالتجاهل وتشويه تاريخ الآخرين لفرض تاريخ جديد مشوه أيديولوجياً من خارج السياق الوطني يؤسس لوجودها وبرر جرائمها ، هذا التلاعب بتاريخ الأمة لن يرحمهم فيه الشعب الإرتري ولا التاريخ الوطني يفسح لهم مجال, وكما تجاهل هؤلاء التاريخ الوطني للأمة فالأمة ستلفظهم بمجرد انتهاء تسلطتهم على البلاد .لأن التاريخ مرتبط بثقافة وتراث الأمة وصانع شخصيتها ومنهم تستخلص الدروس والعبر، كما الوفاء الوطني يحتم على الأمة أن تحترم هذا التاريخ ورموزه الوطنية.
بقلم / روماي خليفة
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=97
أحدث النعليقات