النظام الأرترى يزرف دموع التماسيح على د. جون قرنق
الطاهر أبو نوره
أسمــــــــــــرا
بعد مقتل د. قرنق فى حادث الطائرة اليوغندية تظاهر أركان النظام فى أسمرا بإبداء الجزع والفقد لرحيل زعيم الحركة الشعبية أكثر من أبناء السودان الأوفياء لقضية السلام والحريصين على الإستقرار والأمن والطمأنينة فى كل ربوعه .. بينما هم فى حقيقة الأمر قد كانوا يضمرون الشر وسوء النية لكل أهل السودان وحتى قرنق نفسه الذى تعمد ببعد نظره أن لا يذكر حكومة أرتريا بكلمة لا عند توقيع إتفاقية السلام النهائية فى يناير 2005م فى إستاد نيروبى – كينيا ( بينما ذكر كل الدول خاصة تعدادها بالإسم بما فيها أثيوبيا ) ولا فى الخرطوم حيث ذكر وشكر من بين الدول التى ساهمت فى ســلام الشمال / الجنوب أثيوبيا وأغفل أرتريا ، وذلك عند مراسم تنصيبه نائباً لرئيس جمهورية السودان فى الخرطوم فى 9 يوليو 2005م .
وعند حادث وفاة قرنق أرسلت حكومة أسياس أفورقى الحاقدة ببرقية للقائد سلفاكير تعزية وفى مخالفة لكل الأعراف الدبلوماسية تعمدت أن تغفل بعث رسالة للرئيس السودانى الذى كان الراحل نائباً له الى حين وفاته فى 30 يوليو 2005م .. مما يدلل على سوء القصد والمرامى التى ظل نظام أسياس يحاول جاهداً تحقيقها فى علاقته مع الحركة الشعبية والتى تستهدف أول ما تستهدف وحدة السودان أرضاً وشعباً والنيل من السودان وإبقائه نهباً للنزاعات والفتن والتوسع فى أراضيه جنوباًً وشرقاً .. ويدور فى كواليس النظام المعزول حديثاً عن أطماع أسياس فى أراضى شرق السودان ودلتا القاش وطوكر ..إلخ بالإعتماد على شرازم معزولة فى مؤتمر البجا لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة ، كما يطمع أسياس فى تخطى لكل الشعب السودانى ، وهو الذى لا يبلغ تعداد بلاده الثلاثة ملايين ( أصغر عدداً من أمبدة وما جاورها ) أن يمد تأثيره ليحكم الجنوب – وهذا حلم أبعد من النجوم – من خلال علاقته مع الحركة الشعبية والتى ترفض فى صميمها هذا التوجه وترى خطره على الجنوب قبل الشمال .. ولكن قيادة الحركة كانت براغماتية كعهدها ولا تفوتها روح الخبث فى توجه أسياس ، بيد أنها حاولت أن تستفيد من نظام أسياس حتى النهاية والى حين إكمال بروتوكولات السلام مع الإنقاذ ، وذلك ببيعه عبارات الثناء والمجاملة والمديح فى كل مرة تجتمع فيها هيئة قيادة التجمع فى أسمرا بينما كانت عين قرنق على أثيوبيا وهمه هناك لأنه حرص بإستمرار على ذكرها وزيارتها سراً وتوطيد علاقته معها ..
ومنذ توقيع إتفاقية السلام فى يناير 2005م كان الرجل حريصاً على الإيفاء بروح ونص إتفاق السلام ، ولم يصرح فى أسمرا أبداً بكلمة مناقضة تنال منه ، ولحظ هذا عناصر قيادة النظام وتبرموا فيما بينهم بأن قرنق لم يذكر أرتريا ضمن دول الإيقاد التى ذكرها ( كينيا – يوغندا – أثيوبيا – جيبوتى .. إلخ ) وأشاد بدورها عند توقيع إتفاق السلام ولكنهم كتموا ذلك على مضض وزاد غيظهم أكثر حين رأوا قرنق يتحرك كشريك للإنقاذ فى مساعى القاهرة للتقريب بين الحكومة السودانية والتجمع .. وأحس هؤلاء أن قرنق يحاول بجدية إنهاء أى وجود للتجمع فى أسمرا بعد دخول الحركة الشعبية لداخل السودان وإنهاء وجود قواتها فى شرق السودان كما ان الرجل حسم كل محاولات نظام أسياس لإبقاء كرت التجمع فى يده لأطول فترة ممكنة حتى لا يبقى وحيداً فى العراء ، وذلك أثناء إجتماعه مع هيئة قيادة التجمع ومكتبه التنفيذى وحتى مع متمردى دارفور ومؤتمر البجا ، فقد إنحاز لروح الشراكة وحسم النزاعات صغيرها وكبيرها فى السـودان كمناخ لازم وأساسى لتطبيق إتفاق السلام ، وقال أن على الجميع ( أعضاء وقيادة التجمع ) العودة للوطن وعدم التلكؤ فى ذلك .. وقال لهم أن كل المسائل ستحل مع حكومة الإنقاذ وقال لمتمردى دارفور ( حركة تحرير السودان ) ولعناصر مؤتمر البجا أن الحركة الشعبية كشريك للإنقاذ ستعمل على عودة السلام والإستقرار لكل من غرب السودان وشرقه من موقعها كشريك فى كل الهموم والمشاكل الجهوية خارج الجنوب .. وهذا الموقف وهو فى طريقه الى القاهرة ومنها الى الولايات المتحدة الأمريكية ( فبراير ) كان له أثره الحاسم على قيادة التجمع وعلى رأسها الميرغنى والشيوعيين ( الآخرين مقتنعين أصلاً بالعودة للوطن ) فى وقت علا الصياح فى أسمرا من قبل عناصر نظام أسياس وبعض المرتزقة من غرب السودان وشرقه حيث طالبوا أن يحاكم قادة الإنقاذ أمام محكمة الجنايات الدولية فى لاهـاى وذلك على أثر صدور قرار مجلس الأمن وقائمة كوفى عنان فى هذا الخصوص .
كذلك جاء موقف قرنق المذكور فى ذلك التاريخ لطمة لنظام أسياس الذى يريد بأى ثمن أن يتبنى عناصر سودانية ككرت بيده وان لا يذهب الجميع ( فصائل التجمع ) ويتركوه بلا شئ . وحاول النظام على إستحياء وفى تجربة ومحاولة ماتت فى مهدها إقامة تجمع بديل من بعض العناصر الهزيلة من مجموعة حركة تحرير السودان والعدل والمساواة وتيسير محمد أحمد ، وهم من فاقدى أى مصداقية وليس معهم أحد .. كل هذا بإسم (المهمشين فى الغرب والشرق) تحت أكذوبة هيمنة السودان الأوسط عليهم وتهميشه لهم وإستغلالهم تحت ( آيديولوجيته ) العربية والإسلامية .. ولكن هذه الأكذوبة لم تكن لتؤسس أساساً أو قاعدة ينطلق منها المهمشون المزعومون هؤلاء ، وظلوا كالأشباح الطريدة الهائمة على وجهها ..وأضاف نظام أسياس وعناصر قيادة حزبه فشلاً آخر الى فشلهم المستمر فى النيل من السودان ووحدة شعبه وأرضه .
الراحل قرنق لم يكن مصدر راحة كما أراده أسياس ونظامه ، فقد كان يتملكهم الغيظ عندما رأوه فى الخرطوم وفى غيرها بعد أدائه القسم كنائب للرئيس يتصرف ببساطة السودانيين وعفويتهم فى حركاته وسكناته وفى إنسجام مع الرئيس البشير ونائبه على عثمان لأخ حميم قابله الرجلان بمثلها ، وعلى نحو أحس النظام المفلس وأربابه أن الطائر قد طار والى الأبد من القفص فقد كانوا يبنون أوهاماً تبخرت فى صيف السودان الحار .
وهم حالياً حين تظاهروا بالحزن على فقد قرنق لا يعدو ذلك إلا أن يكون رياءاً ونفاقاً فقط فهم حقيقة يعرفون أن الأمور قد تبدلت تماماً ولكنها تمثيلية داخلية بغرض الإستهلاك المحلى للإيحاء بأن لهم دالة وأن لهم حليف فى جنوب السودان مع فقدهم العلاقة السوية فى جنوب السودان والأمر فى خاتمة المطاف لا يزيد ، فى أحسن الفروض عن خداع للذات يعانى فيه نظام أسياس من عزلة داخلية مع شعب أرتريا ومن عزلة خانقة على المستويين الإقليمى ( الإتحاد الأفريقى ) والدولى ( أوروبا والولايات المتحدة ) والأمم المتحدة وبات يتعلق بحبال الهواء فى ظل أزمة إقتصادية وسياسية وإحباطات على كل مستوى وعجز تام وهو يرى النظام الأثيوبى يكسب الجولات بالنقاط وبالضربات القاضية على حد سواء فى علاقاته بالعالم .. ويدرك أسياس ونظامه أن أمريكا وأوربا ونظام الأمم المتحدة بما فى ذلك مجلس الأمن يقفون فى صف أثيوبيا دعماً إغاثياً وتنموياً ودبلوماسياً وسياسياً رغم ان كل هؤلاء يصرحون أن أرتريا كسبت حكم قرار مفوضية الحدود الدولية فى 13 أبريل 2002م .
وبسبب هذه العزلة يتصرف النظام كالقط المحاصر فى غرفة فقد حاولوا أن يكونوا موجودين بأى ثمن فى مراسم جنازة د. قرنق فى جوبا حتى يوهموا الآخرين فى داخل أرتريا وخارجها أن لهم شأناً ، لذلك أتوا عبر كينيا فى وفد عالى المستوى بقيادة وزير الخارجية ووزير الدفاع والجنرال تخلى منجوس قائد المنطقة الغربية وعبد الله جابر مسئول الشئون التنظيمية فى حزب أسياس .. ولكن دون أن يحس بهم أحد .. وطوال أيام العزاء التى أقامها التجمع فى مقره بأسمرا ، لم يوقفوا الرقص والمهازل التى كانت ضمن برامج مهرجان أرتريا حدادا على صديق مزعوم ولكنه مرض النفاق الذى جبل عليه الخائفون الذين يضمرون للسودان الشر ويردون جميله غدراً وتآمراً ضده مع كل شيطان وساع للنيل من وحدته وسلامة أراضيه وهم رغم الضربات المميتة التى تلقوها لا يألون جهداً فى الكيد والغور وتعطيل سلام السودان .. وآخر محاولاتهم اليائسة فى هذا المضمار تطويل مفاوضات أبوجا وعرقلتها بكل مناورة ممكنة لأطول مدة ممكنة حتى لا تهدأ الأمور فى غرب السودان وتستقـر حتى ولو بيد عناصر معزولة ومحدودة العدد من أبناء تلك المنطقة .
ومن امارات غلهم على السودان أصابهم غم وإكتئاب شديد عندما إتصل الرئيس بوش الإسبوع الماضى بالرئيس البشير مؤيداً خطوات السلام والإستقرار فى السودان وإجراءات الحكومة فى السيطرة على الأوضاع فى البلاد وتعزيز المشاركة مع خلف قرنق فى قيادة الحركة الشعبية الفريق سلفاكير ، وزاد هذا الإتصال من يأسهم لما ينطوى عليه أيضاً من تحذير لهم لعدم التمادى فى المسألة السودانية التى حسمت بإتفاق السلام الشامل برعاية كل العالم وعلى رأسه الأمم المتحدة وأمريكا وأوربا وأفريقيا .
إن هذا النظام المعزول يقف الآن على شفا الهاوية والسقوط .. فقد حذره مندوبو الإدارة الأمريكية وممثلوها من مغبة إشعال حرب مع أثيوبيا لأنها ستعنى نهايته وأنها مغامرة خاسرة فى كل حال .
ومن مظاهر عزلته وأزمته الداخلية سياسياً وإقتصادياً ، أن الناس يهربون منه فى كل إتجاه رفضاً لسياساته التعسفية .. كما يفر الإنسان من الجرب . وكل التقديرات تقول أنه بمجرد أن تفتح الحدود مع السودان بشكل عادى ولو لفترة قصيرة فإن معظم سكان البلاد سهربون الى السودان ليتركوا هذا النظام الإستبدادى الفاسد الفاشل لمصيره فى مهب الريح .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6182
أحدث النعليقات