النظام الارتري يتحلل عضوياً
الحسين علي كرار
عندما يتقادم البنيان ويؤول للسقوط يقوم مالكه بترميم ما تلف منه ، فالملاك يهمتمون بأبنيتهم بالصيانة الدورية مبكرا لاستمراريتها قبل موسم الأمطار ويخسرون في سبيل ذلك أموالا طائلة من جيوبهم ، فإذا حدث فيها الإهمال بالطمع والجشع يعرفون حتما ستسقط فوق هاماتهم ، فتقتل الأرواح وتتلف الممتلكات ، وعند العجز في إعادة بنائه أو إزالة ركام مخلفاته ، تقوم البلدية بإزالته بعد الإنذار بالكتابة على جدرانه بالقلم الأحمر تالف للإزالة ، وذلك لنظافة المدينة وللمحافظة على البيئة ولحماية صحة المواطن ، والنظام الارتري تقادم خلال العشرون عاما فلم يقم لا بترميم جدرانه المتساقط ولا بصيانة الثقوب التي تسربت من خلالها المياه ، فأصيبت جدرانه وسقوفه بالشقوق ، وتآكلت بعوامل التعرية كل مرافقه فأصبحت تتساقط مرفقا مرفقا وذراعا ذراعا ، فحزبه الذي يدعي أنه سلطان الحكم تبعثرت قوته ، وقيادته أما وضعت في السجون أو اختارت اللجوء أو سلكت الخيار الأسهل والمفضل وهو الخضوع لولاية الزعيم ، فطغت عليه الدكتاتورية الفردية وساد ت عقلية المنتفعين من بقى من قيادته فسقط الحزب ، وفي السياسة الداخلية جعل الشرعية للقوة المطلقة لأن في عرفه من يملكها يملك السيادة ولذا طبق الميكيافلية لحماية الأمير من المتآمرين ففقدت الدولة السيادة وسقطت ، وفي الاقتصاد جعل حلمه الأكبر تقليد الصين العظمي التي بالانغلاق والسخرة هزمت الغرب اقتصاديا متوهما أنه يملك إمكانات الصين المغلقة التي لا يملكها من أراد تقليدها ، ففقد الاقتصاد وسقط وفي القوة جعل مثله الأعلى كوريا الشمالية العنيدة التي توهم أيضا بالانغلاق والسخرة هزمت الغرب ، وأجبرتهم في دفع الإعانات لها خشية طيشها ، فطبقها على دول الجوار بيد فاضية من القوة فانكشف ضعفه وسقط ، وفشل في إدارة الدولة التي نخرها سوس الفساد وسرقة الأموال العامة والرشوة التي أصبح سلطانها ادفع وتأخذ ما تريد من اسمرا إلى تل أبيب فانعدمت النزاهة وسقطت الإدارة ، وتساقطت المرافق العامة الواحدة تلو الأخرى فالتعليم العالي الأكاديمي سقط بتفكيك جامعة اسمرا وأصبحت المستويات الدنيا تخرج الأميين بلغة الأم التي وضعها ، وانتهت وانعدمت الخدمات العامة من توفير مياه الشرب والعلاج وإقامة المراكز الصحية وإنشاء الطرق و مد شبكات الاتصال و الكهرباء حتى عدادات الكهرباء أصبحت من النوادر وما كان سابقا من منشآت انتهت بالإهمال يبكي فوق أطلالها البواكي.
لقد عرج النظام ليختصر مسافة الإنماء حسب زعمه فحمّل هذا الجيل تكلفة المستقبل ، فقام بتجنيد كامل الشعب في الخدمة الإلزامية المجانية التي لا نهاية لها مع الحروب العبثية ، فقتل الحاضرون جوعا ، ولم يترك للقادمين ربحا ، ليس بالإهمال فحسب وإنما بعقيدة ادعاء المعرفة والتكبر والتجبر والغطرسة والطغيان والتطرف والبطش التي مارسها في إستراتيجيته للهيمنة والاستمرارية في الحكم ، فأطلق يد الأمن والاستخبارات واحتمي بقوة الجيش الذي كان يوما قوة الشعب في التحرير حتى أصبح الأمن هو الدولة الفعلية ، فحجر على الحاكم والمحكوم وعبث بأرواح البشر وأدار عصابات التهريب بدقة من أسمرة إلى تل أبيب وأرجاء العالم يبيع البشر وأعضاء البشر حيث يشاء وأين يشاء عبر عصابات الجريمة المنظمة التي لم تستطيع أن تحد منها كل أجهزة دول الجوار حيث أصبح التهريب الأكسوجين الذي يتنفس من خلاله الهواء ، وهكذا وجد نفسه غارقا في أعماق البحار العميقة بعد مجيء الثورات العربية وذهاب القذافي واستئصال الجيش المصري رؤوس عصابات الجريمة المنظمة في سيناء فانقطعت شرايينه التي كانت تمده بالدولارات غير الشرعية عبر التهريب إلى إسرائيل وبيع البشر وأصبح كذيل الثعبان يرقص على امتداد الأراضي الارترية من الم الخسائر بعد أن عجز أن يؤمن حتى الضرورات لقواته المسلحة التي جعلها رأس حربة لطموحاته الخارجية والمؤتمنة في حمايته من الداخل فانفرط عقدها بين إفلاسه و مطالبها بعد أن لحقت بها الهزائم المتلاحقة من القوات الأثيوبية وفقدت هيبتها وجرح كبرياءها وكثر الهاربون من صفوفها وبهذا التململ العسكري والانفلات الأمني الذي امتهن الجريمة المنظمة فقد أصبح يفقد ركيزتين أساسيتين منضبطتين كان يعتمد عليهما فبدأ يوزع السلاح على القاصي والداني من الشعب لا يميز بين الصغير والكبير، والأعمى والمريض كأنه يعبئ لحرب وشيكة واقعة عليه، بينما الإفلاس يضرب أطنابه خزينة الدولة العاجزة حتى عن استيراد ضرورات الحياة اليومية لهذا المواطن المسكين الذي يعبئ لحماية قاتليه ، ويطلب من المغتربين جلب أموالهم للاستثمار مع أن الثقة فيه من خلال السوابق مفقودة فأصبح كالظمآن الذي يلهث وراء السراب ، ومن السخرية أن يخرج في فضائيته بمشروع استثمار جديد لا يملك رأسماله ولا المستثمرين فيه لما يسميه بأسمرا الجديدة كما يدعي في رسومات كروكية أفخر من مباني المدينة الحالية ليلهي بها الواهمون ، لقد انعزل النظام وعزل الدولة وفقد الأصدقاء وجلب الحصار الخارجي الذي خنق به الشعب و تحمل عبئه الثقيل المواطن البسيط الذي تعوزه لقمة عيشه اليومية ، وتقرير الفاو اعتبار ارتريا في الذيل من الدول الفقيرة خير شاهد علي ذلك ، وهكذا تعطلت سير عربة الحياة اليومية المواصلات قطع الغيار البنزين صيانة المنشآت الدوائر المدارس المستشفيات المزارع تامين الضرورات الحياتية كلها تكسرت وتكسر النظام بالفضيحة عند كسارات تهريب البنزين في الحدود السودانية عاجزا عن استيراد ه من الخارج بالعملة الأجنبية فيعمد بسرقته عن طريق التهريب من دول الجوار المحروجة ، وتتلاعب عصابات التهريب بالجازولين المهرب المغشوش بالماء فيكون ضحيته مرة ثانية هذا المواطن المسكين الضحية الذي دفع ثمنه ولا يستطيع استخدامه كوقود إضاءة ، لقد انتهى النظام بعد أن عجز وانهار وبعد أن فقد أدنى مقومات الاستمرارية في الحكم وتوفير أدني ضرورات المعيشة وتحول إلى ركام هامد كتب الشعب الارتري عليه بالقلم الأحمر ((للإزالة )) فأصبحت نهايته معلومة وبديله مجهول وهكذا تسقط الدكتاتوريات وتترك الخراب والدمار والفراغ والانفلات والفوضى لمن يخلفهم في الحكم وبوادر تلك الشواهد ظاهرة للعيان في الساحة ولكن تبقى إرادة الشعب الذي فجر الثورة وانتصر ورفض الشمولية والقهر وهو المقتدر الذي سيرسم سياسة المستقبل الصحيحة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26724
أحدث النعليقات