الهروب من الحقيقة سوقنا الرائجة
مصطفى كــردي
ترددت كثيرا قبل ان اكتب قرائتى النقدية لبعض ممارساتنا السياسية . وخطابنا الثقافى والإجتماعى. لأننا وخلال مسيرتنا الطويلة. لم نألف مثل هذه الكتابة. ولأن الكتابة بصورة تختلف عن المألوف وتجنح لإخضاع المسلمات أو ما يحلو لنا ان نسميها الثوابت. للبحث والدراسة والتمحيص مجلبة لسؤ الظن.
وهذا ربما فسر عدم وجود أدب السيرة فى تراثنا السياسى . ولا نقول أدب الإعترافات . ومعظم من تصدوا للعمل الوطنى واسهموا فيه . لم يكتبوا مذكراتهم لأنهم يعتبرون كتابة المذكرات . والإعتراف باخطائهم وايجابياتهم نوع من جلد الذات والمباهاة . تلزمهم فضيلة التواضع وافضلية السبق أن يحيدوا عنها . في حين أن القراءة النقدية تلعب دورا كبيرا في تقييم المسيرة من حيث هى . وتحول دون تكرار المثالب والأخطاء التى لازمت البدايات .
ومنذ أن نشرت مقالى – فقدان الواقعية علتنا المزمنة – تلقيت العديد من الرسائل من الأصدقاء والأحباب الذين وان ابدوا اعجابهم بالمقال عموما . شكوا تفصيلا من صراحته الزائدة . وأنه – المقال- يسهم في حالة الإحباط التى نعانى منها . ويكرس مواعين جديدة لليأس والإستسلام والإحساس بضالة الذات . وانفلات المطالب عن الواقع الذى عرته المقالة .
وحقيقة فان مقالى مجرد محاولة هادئة للتفكير بصورة واقعية فى التحديات التى تجابهنا بعيدا عن التبسيط والمبالغة .
وبحكم التصاقى بواقعنا ومعايشته عن قرب من خلال المتابعة النظرية والممارسة العملية . أعرف جيدا الفرق مابين الواقعية والوهم المطلق . والهامش مابين الممكن والمرتجى . ولا يعكس مقالى حالة احباط شخصى أو عام . وبالتالى لا يجنح الى الإستسلام السلبى . ومن الخطأ الفادح تلقى النص على اساس انسجامه الأبجدي مع تصوراتنا ومحاذيرنا . لأن مثل هذا التلقى المنمط والمقاربات المنفلته عن حقيقة الواقع تقفل عناصر اساسية من المشاهد الحقيقية . والتحديات التى لابد لنا من مواجهتها مع انفسنا قبل الاخر . وكل ذلك بهدف التفكير بطريقة أفضل . لأننى من القائلين أن المقالات والمنابر التى تتناول قضايانا لا تقتصر وظيفتها في مجرد التغنى بامجاد الماضى – تأسيس الرابطة . الحركة . الجبهة … الخ – وتخدير النفس واختزال الخصم والصراع مع مشروعه الكبير والخطير فى قوالب أوليه . بل لابد من أن تقودنا المقاربة الواقعية التى لا تقفز فوق الحقائق . ولا تمتطى سنام الوهم الى طرق ومسالك جديدة فى التعاطي مع واقعنا المتشابك . وممارسات الشعبية المنفردة بالسلطة فى تناغم مع تراث ثقافى واجتماعى ودينى اقصائي . وان نسعى جادين لصياغة وطن يؤمن بالجميع من خلال تحالف حقيقى مع كل مكونات شعبنا . عن طريق الإعتراف الحقيقى بالخصوصية مع التعدد وفصل السلطات . والتشارك بين المراكز والأقاليم . والقبول بالالية السياسية فى التعاطى مع الواقع كما هو .
كما قصدت ان نبتعد عن الخطاب الذى ينمط مسارنا وكتاباتنا ورؤانا . حتى نتمكن من وضع رغباتنا وامالنا ومشاريعنا الثقافية والإجتماعية والسياسية فى صياغها الصحيح وقياسها الأكيد. لأننى من المؤمنين – الى حد بعيد – أن هناك مفارقات صارخه تعتري فهمنا وتؤثر في تعاطينا مع كافة الاشكالات وتمظهراتها . وهناك ايضا خيارات صعبة تظلل رغباتنا لابد من مواجهتها . ومحطات عديدة في خطابنا وممارساتنا غير مطروقة . لأننا نمارس السياسة والكتابة حولها وكأنها عملية تاريخية اجتماعية محضة . بمعنى ان السياسة عندنا تحولت الى وسيلة اجتماعية مغرقة فى وصف الذات . ومستمدة من رومانتيكية الوعى التاريخى المتأرجح مابين المبالغة والتبسيط . لدرجة ان من يكتب في شئوننا ينتابه شعور بأنه لابد من أن يكتب بطريقة معينة . وهذا معناه الإرتكاز التام على النصوص التاريخية . ودغدغة الناس بماضيهم الذى لم تتم قرائته بصورة كاملة ونقدية حتى الان . ليظل المتلقى يقرأ ما يجره دوما الى ذلك الماضى . وبالتالى دوران الجميع فى نفس الساقية . وتنميط الطرح وبقائه – الطرح – دوما خارج اسوار الحقيقة .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6894
أحدث النعليقات