الولايات المتحدة الافريقية
خالد عثمان
أول ما أدركت الدنيا وبدأت في التعرف علي الاشياء رأيت في مدينة عطبرة السودانية من منزل يقع في شرق المدينة ولايوجد بعده اي عمران صحراء قاحلة تتخللها بعض اشجار الدوم التي انبثقت هنا وهناك تدل على مجرى نهر عطبرة الموسمي، كانت هي شرق افريقيا بالنسبة لي، في بعض الاحيان كانت تأتي بعض المجموعات من قبايل البجة وينصبون خيامهم الوبرية يقضون بعض الوقت ويرحلون، الي اين ؟ ولم يكن احدنا يدري.
وفي الديوم الشرقية بدأت في التعرف علي شعوب اخرى طلبت اللجؤ في السودان، نفس الملامح لا يمكنك التفريق بين الأثيوبي والأرتري وفي بعض الاحيان السوداني وعاش الجميع في مودة والفة انسانية رائعة.
و عندما ضرب الجفاف الشهير في الثمانينات من القرن الماضي شرق افريقيا اجتمعت الدول الست التي تأثرت بتلك الظاهرة المناخية في عام 1986 وهي دول جيبوتي، اثيوبيا، كينيا ، الصومال ، السودان ويوغندا وكونت ما اصطلح علية بالمنظمة الحكومية لمكافحة الجفاف والتنمية (الإيجاد (IGADD . وتم قبول دولة ارتريا في القمة الرابعة التي عقدت في اديس ابابا في عام سبتمبر .1993.
وبالرغم من تكوينها لمكافحة الجفاف والتصحر الا ان الإيجاد اصبحت ملتقى للقادة في تلك المنطقة لمعالجة الامور السياسية والاقتصادية في محتوى إقليمي مما دعاهم لعقد اجتماع عقد في عام 1995 لتعديل لائحة انشاء الإيجاد ليشمل اهداف اخرى ولزيادة التعاون بين الدول الاعضاء وتم تعديل اسم المنظمة ليصبح الهئية لحكومية للتنمية ( (IGADويظل النطق كما هو (إيجاد).
اقليم الايجاد عانى من الحروب المستمرة والنزاعات الداخلي ولازالت الجفرافيا في حالتها العدائية بسبب البنية التحتية الضعيفة وغياب التنمية..
اديس ابابا او الزهرة الجميلة اذا صحت التسمية كانت المفأجاة بالنسبة لي ، اول مانزلت في مطارها استقلبني ضابط الجوازات بلغة امهرية فصيحة ورددت بإنجليزية تشوبها لكنه معروفة وكان رده بلغة سودانية نحب ان نسمعها من ابناء الملك سليمان وقضيت اجمل أيام حياتي مع الامهرة واجتمعت باصدقاء لي في اثيوبيا وتجولت في فنادقها الشهيرة واستمعتنا بليلها ذو الندى المتساقط ابدا ، ينسيك الهموم ويدور بك في اجواء من الفرح الذي ينبعث من موسيقي المنتدى الدائر في قمة فندق وابشبيلي، ومن بهو فنادق أفريقيا وقييون.
شعب واحد منذ مملكة اكسوم تجري فيه دماء ذات سمرة محببة, كل اسباب ودوافع الوحدة متوفرة وتجري بينها انهار مشتركة, قبائل موزعة بين الاقطار المختلفة وكل ماتريده الشعوب هو العزيمة الصادقة لإيجاد دولة القرن الافريقي.
تبلغ مساحة الولايات المتحدة الامريكية 9631000 كم2 ويبلغ تعداد سكانها حوالي 240 مليون نسمة حسب آخر التقديرات لعام 2004 والولايات المتحدة الامريكية تعتبر أحد أكثر الدول تنوعا في الاعراق والثقافات و يمكننا ان نطلق عليها لقب دولة المهاجرين الاولى وهي من أواخر الدول التي تشكلت في العصور الحديثة. وتبلغ مساحة دول القرن الافريقي الخمسة مجتمعة وهي دول السودان،الصومال جيبوتي، ارتريا وأثيوبا ما يقارب الاربعة مليون ونصف المليون من الكيلومترات المربعة وبعملية حسابة بسيطة نجد هذا الرقم يمثل 45 % من مساحة الولايات المتحدة الامريكية. كذلك يبلغ تعداد الولايات المتحدة الامريكية حسب آخر تقديرات هذا العام 2004 حوالي 240 مليون نسمة ويبلغ تعداد مواطني الدول القرن الافريقي مجتمعين حوالي 120 مليون نسمة حسب آخر التقديرات لعام 2003 اي نصف سكان الولايات المتحدة الامريكية.
تتمتع دول القرن الافريقي بميزات لاتتوفر للولايات المتحدة الامريكية الا وهي وحدة الشعوب الاثنية ووحدة التاريخ المشترك والتداخل الانثروبولوجي فالولايات المتحدة قامت على اكتاف المغامرين البيض الذين اندفعوا نحو مناجم الذهب وداسوا على قبائل الهنود الحمر ، على تاريخهم وثقافاتهم ولم تشككل الولايات المتحدة الامريكية الابعد استقلالها عن بريطانيا العظمى في عام 1776 بينما نجد ان دولة القرن الافريقي كانت موجودة منذ الآف السنين وشملت كل حود دول القرن الافرقي بل أمتد تأثيرها الي شبه الجزيرة العربية بعد ضمها لليمن في القرن الثالث الميلادي. وتمتع دول القرن الافريقي بثروات هائلة أهمها على الاطلاق المياة التي يوفرها نهر النيل والانهار المنحدرة من الهضبة الاثيوبية وجبال البحر الاحمر الذي يمثل منطقة استراتيجية استفاد منه الاكسوميين من قبل عندما استفادوا منه في تأسيس مملكتهم في عام 500 قبل الميلاد بسيطرتهم على التجارة بين الممالك المروية ومملكة سبأ اليمنية.
ولكن يبدو ان الصراعا ت القبلية الضاربة في أعماق التاريخ وتجدد الصراعات السياسية سيكون العائق الاساسي امام وحدة شعوب تلك المنطقة ولكن يمكن تبنى خيار وحودوي تدريجي على قرار الانموذج الاوربي.
الاتحاد الاوربي هو عبارة عن تحالف سياسي اقتصادي بين 25 دولة تتشارك في رقعة جغرافية من القارة الاوربية بشقيها الشرقي والاغربي . وتعتبر الدول الاوربية أكثر الدول تغيرا في الخمسن عاما الماضية وقد ساهم إدخال العملة الاوربية في توفير فرص إقتصادية هائلة برغم كونه عبئا على دول أخرى.
مبدئيا تتفق الدول الاوربية في روئيتها للمستقبل ولكن يتفاوت الحماس من دولة لأخرى تجاه التغييرات المتسارعة والمستمرة، بل اصبح الخوف يسيطر على بعض الدول الغنية من الآثار السلبية المرتيطة بضم دول اوربا الشرقية الفقيرة.
في العام 1845 حث الروائي الفرنسي فكتور هوغو حوكومات اوربا على الوحدة، وقبلها لم تحظي فكرة الوحدة بأي تأييد ، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية توفر حد أدنى من التعاون وتم التوقيع على اتفاقية باريس والتي صادقت عليها ستة دول هي المانيا الغربية، فرنسا، لوكسمبرج، هولندا وايطاليا. اتفاقية باريس كانت اتفاقية إقتصادية إقليمية معنية بالاستثمار في الفحم الحجري والحديد الصلب ، وكانت هذه الصناعة هي العامل الاساسي في نشؤ الحروب . بعد ستة أعوام اخرى وقعت الدول الستة على إتفاقيتي السوق المشترك والطاقة الذرية. بعدة ذلك اختارت هذه الدول الاندماج فيما تعارف عليه بالاتحاد الاوربي، بعد ذلك توالت الدول في الانضمام الي ذلك الاتحاد حتى وصل الي 25 دولة حاليا.
كما ذكرنا سابقا يمكننا الجزم بان كل مقومات الوحدة لدول شرق افريقيا متاحة وان الدافع لذلك الاتحاد او تلك المنظمة الاقليمية ايضاء قوي وجذاب ولكن كيف يمكننا تخطى العقبة السياسية ، والعقبة السياسية تحتاج الي قادة ملهمين ولديهم شخصيات قوية ويفضل من لديهم الكارزيما والمقدرة علي قيادة الشعوب. والشخصية ذات الكارزيما لايمكن صناعتها ولكن يمكن تحفيزها بالادب والفن وكلنا علي دراية بالمقدرات الاعلامية التي كان يمتلكها النظام الاشتراكي او الشيوعي في العقد الخامس والسادس من القرن الماضي وكيف صنعت الآلة الإعلامية الضخمة شخصيات اسطورية بعد الحرب العالمية الثانية وكيف كان المقابل مردودا ضخما من الثورات الثقافية والبناء الضخم للبنيات التحتية والنمو الاقتصادي والابداع العلمي ، ماو تسي تونغ في الصين، لينين، استالين في الاتحاد السوفيتي، نكروما وجمال عبد الناصر في افريقيا والي الآن فيدل كاسترو في كوبا.
ولكن الآلة الاعلامية لابد لها من نظرية وفلسلفة يعتنقها القائد ومنظمات امامية تخلق الحدث المتواصل، أستراليا مثلا تقوم على فلسفة التعددية الثقافية والنظام الديمقراطي الحر هذا ما نراه في الواجه وتكشفه اجهزة الاعلام بصورة مكبرة ومتقنة تساهم في تفعيل العملية الديمقراطية وضمان المشاركة الكاملة للجميع في النظام السياسي. هناك صورة أخرى لانراها وهي القوى الاقتصادية للشركات الضخمة المتصارعة على مصالح يغفل عنها المواطن العادي . ويظهر بصورة متفردة في هذه الصناعة القائد الذي يجيد الحديت وتصفيف شعره حسب الموضة ويعرف الاتكيت وادب المصافحة.
الدعوة الي الوحدة لابد ان تأتي من اديب اوفيلسوف ولابد من فن يرافق تلك الدعوة ، علينا جميعا ان نساهم في تلك الدعوة للاتحاد بوضع الاساس النظري لها ومتابعة الحركات الثقافية العالمية للننهل منها ولنأخذ منها ما يلائم بلادنا ويمكن ان تكون البداية هنا بصناعة فن يمثل جميع بلدان المنطقة ولتتبنى المنظمات التي تحمل هموم تلك المنطقة منافسات ادبية تنظر لوحدة القرن الافريقي ودعم زيارات للنابغين من الشباب والادباء لزيارة منطقة القرن الافريقي والتحدث مع الشخصات المؤثرة في البلاد المعنية وكذلك إطلاق يد الصحافة لكشف المماراسات الديكتاتورية والفساد لرأي العام العالمي.
إن الاعلام الواعي يمكنه ان يسهم بصورة في فاعلة في إنجاز ما نطمح اليه. ان نشر ثقافة الوعي والديمقراطية يمر عبر بوابة الصحافة والآن عبر الانترنت ، الصحافة الموجهة الي شعوب المنطقة برسالة واضحة وقوية، وعلى المنظمات ذات الصلة القيام بمشاريع تهدف الي خلق هوية تؤمن بالوحدة الافريقية والمصير المشترك.
ان إيجاد التجمعات الأفريقية هو الطريق الأقصر نحو الوحدة الأفرقية الشاملة ، ونجد ان البناء قد أكتمل بالفعل لتجمع غرب افريقيا الاقتصادي ، وتجمع دول الساحل والصحراء، فهل نحلم بقيام تجمع شرق افريقيا على اساس منظمة الايجاد بعد الانفراج الاخير في العلاقات السودانية الارترية.
الطريق شاق وشائك حتى اذا اتضح ….ولم يتضح بعد . والهدف بعيد جدا …..حتى اذا تم الاتفاق عليه ولم يتفق عليه بعد. والآمال معقود على أجيال لم تأتى بعد…فدعونا نحلم.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6792
أحدث النعليقات