اليـوم العــالمــي للأســرة

بقلم/ كـرار هيـابو (أبو علي)

hiabu1_k@yahoo.com

 

يحتفل العالم في مثل هذا اليوم 15 مايو من كل عام بيوم الأسرة ، والأسرة كيان له أهمية في قيام المجتمع ، وهو نواته ، والأسرة التي تبدأ بالثنائي زوج وزوجة ، تصغر وتكبر بحجم وعدد افرادها من الأبناء ، وهناك أسرا صغيرة وأخرى كبيرة وفي كنفها يتربى الأبناء وتحت مسؤولية ورعاية الوالدين.

اعتقد أن أسعد أسرة على الأطلاق كانت أسرة سيدنا آدم عليه السلام ، اذ كان هو وزوجه في الجنة ، قبل أن يغويهما الشيطان ، فيهبطا الى الأرض مطرودين ، ليواجها مصائب الحياة الدنيا ومتاعبها ، بعد أن تبدل بهما الحال وبات عليهما أن يكافحا في سبيل الحياة ومواجهة عنتها ، وكانت حياتهما قبل ذلك ملؤها السعادة والهناء .

وقد تعددت بعد هبوطهما أنماط الأسر ، وكذلك أنماط الحياة . وهناك أسر لا تتشابه في الأحوال ولا تتقارب في المستويات . ولا تخرج أسرتي عن هذا أو ذك ، وكذلك أسرتك عزيزي القارئ ، فليست أسرتانا كاسرة سيدنا آدم.

حين خرجتُ الى هذه الدنيا ، وكنتُ التاسع لأسرتي بين عشرة أبناء ، ورابع خمس ذكرو ، وجدت نفسي بين أثنتين أو ثلاثة من النسوة اللائي كن بصحبة أمي يوم مخاضها ، وساعدنها في التخفيف من آلام ذلك اليوم حتى تخلصتْ ، وتخلصتُ بدوري من مظلة الإنزال بعد أن هبطتُ الى الأرض ، وارتطمتُ بفرش ’ البرش‘ الخشن الذي كانت تفترشه أمي على الأرض .

 ويومها أدركتُ أن أمامي رحلة أخرى غير تلك التي خضتها قبل مولدي ، وقد حبست أنفاسي ولم أنطق ببنت شفة ، وحتى الصراخ المعتاد الذي يطلقه القادمون الجدد من أمثالي لم يكن متاحا لي ، ولم أتمتع به لأن احداهن حشرت في فمي خرقة مليئة بحبات الشعير المخلوط بالذره الشامي تيمنا بي لأكون فلاحا ناجحا في المستقبل ، وسبب آخر لوضع الخرقة هو خوف القرويون من أن يسمع العدو الذي كان قريبا منا الصراخ فيرسل جنوده من ’الكومانديس‘ الذين لا يتورعون في التنكيل بالناس مثل بقر بطون الحوامل ، وقتل الأطفال في المهد.

النسوة اللائي رافقن أمي في المخاض كن شقيقاتي ، ولم تكن القرية مستقرة بعد حيث دأب الأهالي على الإختباء في التلال والأودية السحيقة والأدغال حتى المساء ، ثم يعودون بعد الغروب حين يجمع العدو قواته بعد تمام المساء وينتهي بكل جندي من جنودهم الى الخندق ، وهكذا فان الذي يولد نهارا يتعرض لضوابط صارمة من الأسرة تفاديا للمخاطر . ولم يكن الوالد مقيما مع الأسرة بل كان مقاتلا ثوريا لا يأتي الا مصادفة أو حين تمر سريته بالمنطقة في طريقها لآداء مهمة عسكرية حول أسوار المدينة القريبة ، فينتهز الفرصة ويتخلف عنهم سويعات قلائل يقضيها بيننا سرعان ما يقتفي بعدها أثر زملائه ويلحق بهم .

انها المرات الوحيدة التي مارس فيها والدي حياته الأسرية كأب ، لذلك فان عدّ ايام الحمل عند أمي يكون أسهل ، وكانت من القلة القليلة ممن يعرفون التواريخ والأيام ، وبعض المناسبات كيوم عاشوراء ، وعيدي الفطر والأضحى ، وعيد القيامة وشم النسيم ، ويوم دعاريت ودبرسينا ، والأيام التي لا يسمح فيها بالزراعة وايام الحصاد . وقد كنت من بين الذين يعرفون تاريخ ميلادهم بالفترة من النهار واليوم والتاريخ فضلا عن العام بينما كان أقراني تؤرخ لهم التواريخ بحسب ما يذكره أهل القرية من الأحداث التي تقع بين الحين والآخر ، كعام الجراد مثلا وعام الطاعون ، وعام القطار الذي أنزلت منه الثورة سائقه واستمر في رحلته الى أن دخل المدينة .  والمذابح كيوم عونا ( أمعل عونا) وعد ابراهيم وعام تفجير الثورة الأرترية . وبحسب أهل القرية ومنهم أمي بالطبع فان ميلادي يؤرخ على النحو التالي : ( سنت لحامد ود عواتي فقريا تا ) .

هكذا تنقضي حياة الناس في مجتمعات ظلت تعيش جل عمرها تحت الإستعمار . والمجتمع الدولي وهو يحدد يوما للأسرة ، كان لزاما عليه تحمل مسؤلياته المضاعة في حماية الأسر التي تقضي يومها وليلها تحت الخنادق ، وأن يعمل على إعادة الحياة الآمنة والمستقرة الى ربوع تلك المناطق حتى ينعم الناس بما حباهم الله به من خيرات وفيرة . ان كثير من المجتمعات ، وفي أماكن عدة من العالم لا تشاطر هذا المجتمع أعياده ولا تعرها وزنا لسبب بسيط هو عدم التوافق بين مجتمعات العالم المتحضر وذلك المتخلف ، فالعالم المتحضر تعيش مجتمعاته حياة طبيعية آمنة ومستقرة وخالية من المهددات كالمجاعة والأمراض والحروب وحتى الكوارث الطبيعية ، بينما تعيش مجتمعات العالم الثالث وسط جميع هذه المهددات دون استثناء .

ان قصصا مأساوية مازالت تتكرر كل يوم ، بل كل لحظة وفي أكثر من بلد من بلدان العالم الثالث على وجه الخصوص ، ولا يزال المجتمع الدولي ممثلا في الجزء المتحضر منه لا يحرك ساكنا ، ولا يقدم مواساته لمصابي الجزء الآخر من الضفة الأخرى.

 

الأخ حسن الخليفة:-

كلماتك أسكتت الكثيرين منهم ، والزمتهم حدهم ، أتوقع أن ينزل مؤشر حركة الرسائل في بريدي الإلكتروني ولو قليلا. كم كنت أتمنى لو يفعلونها ويرسلوا رسائلهم ولو مرة على الهواء ويضعونها فوق سطح المكتب (الكمبيوتر) ليقرأها الجميع . ربما استأذنك لأرمي بها بعضهم ان عادوا بنفس أسلوبهم المتكرر.

وبالنسبة للمحارب الذي أطال الاستراحة فاني اضم صوتي الى صوتك وصوت قرائه وأقول له: إن الليل ما زال طفلا يحبو واننا مازلنا بحاجة الى كلام الليل.

 

قبل الوداع:

تفارق كيف تخلينا لشوق وذكرى ماضينا

كيف من بعدك يكون الحال وكيف تصبح ليالينا

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6311

نشرت بواسطة في مايو 17 2005 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010