ا رتريا والسودان : تحالف بين نظامين أم تعايش بين شعبين ؟؟

الحلقة الثالثة : التعايش بين الشعبين عمر جابر عمر

الجوار بين الشعوب يفرض ضرورة التعايش فيما بينها ولكن من أجل تحقيق ذلك التعايش وضمان استمراريته لا بد من تطبيق شعار ( حسن الجوار ) – ذلك ما فشل فيه النظام الأرترى منذ الأستقلال وحتى اليوم مع كل دول الجوار. حسن الجوار يعنى احترام خصوصية الجار – مصالحه وأمنه والبحث عن المصالح المشتركة بين الشعبين. اذا لم تحسن معاملة جارك فى المسكن رد الفعل المباشر هو أن يقطع عنك جارك السلام! وعلى مستوى الدول يكون معنى ذلك أن دولة الجوار لن تكترث بما يجرى لك حتى وأن استشعرت خطرا قادم اليك فهى لن تقرع جرس الأنذار ! هذا حدث بالضبط للنظام الأرترى فى حرب بادمى – لم يجد صديق أو جار ينجده أو يحذره.

ومن أجل تطوير وتعميق علاقات التعايش لا بد من توظيف الوشائج المشتركة ( الأجتماعية والثقافية ) وبناء جسور الأتصال والتواصل الى تكونت بسبب التمازج والمصاهرة والتلاقى فى المعتقدات والقيم.

ذلك تحقق عبر التاريخ كما رأينا فى الحلقة الأولى – ولكنه كان حراكا عفويا وتلقائيا فرضته ظروف بعضها طبيعى وبعضها استثنائى. كان يفترض بعد استقلال الدولتين ( أرتريا والسودان ) أن ترتقى تلك العلاقة وتتوسع وتمد جسورها وجذورها الى كل بقاع القطرين ولكنها بدلا عن ذلك أصبحت عرضة لأمزجة الحكام ومطامعهم الآنية وأهدافهم الضيقة والمتمثلة فى الأحتفاظ بكرسى الحكم بأى ثمن كان حتى ولو على حساب تعايش الشعبين..

فى مرحلة الثورة كانت هناك عوامل تساهم فى تخريب العلاقة بين الشعبين – أهمها عناصر الأستخبارت الأثيوبية وذلك أمر مفهوم ومتوقع. ولكن تلك المخابرات لم تكن تعمل بمفردها بل جندت بعض الأقلام من الصحفيين للكتابة فى اتجاه تخريب تلك العلاقة سواء كان بالتشكيك فى أهداف الثورة أو فى ابراز الأعباء التى يتحملها المواطن السودانى نتيجة وجود اللاجئين الأرتريين. وربما كانت أشهر محاولة فى ذلك الأتجاه كتاب الصحفى ( أحمد طيفور ) الذى أشرفت عليه المخابرات الأثيوبية اعدادا وطباعة وتوزيعا.

ولكن الرد جاء من أهل الدار – من الصحفيين السودانيين الشرفاء وكشفوا اللعبة وأجهضوها فى المهد.

ثم كانت الحملة المسعورة والمشبوهة على اللاجئين الأرتريين فى الصحف من خلال مقالات ورسوم كاريكاتورية جعلت الأرتريين بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة يشعرون با لهوان والضعف وعدم وجود من يدافع عنهم. كانت فترة حرجة اختلطت فيها القيم والأولويات وفقد الناس الأتجاه والتوجه وكان لابد من أن نأخذ ( أمورنا بأيدينا ) نظرا لحساسية الموضوع والتضليل الكبير الذى مورس والذى ينطبق عليه قول :

حق يراد به باطل ). كتبت موضوعا ردا على الحملة بعنوان : اللاجئون الأرتريون المفترى عليهم

ونشرته الصحف السودانية مشكورة – هدأت الحملة وتلك كانت خطوة لأعادة الأمور الى الطريق الصحيح وتحجيم عناصر التخريب التى تصطاد فى المياه العكرة. بعد سنوات زرت معسكرات اللاجئين ووجدت قصاصات ذلك المقال فى كل بيت من بيوت اللاجئين !

قضية أخرى تتعلق بالتعايش وهى فى الوقت الحاضر مثار نقاش وجدل بين الأرتريين: الأستقرار فى السودان واعتباره وطنا بديلا !؟ الأرتريون المهاجرون الى أوربا وأمريكا وكندا وأستراليا اتخذوا من البلاد التى استقروا فيها وطنا بديلا بكل ما تعنيه الكلمة – لماذا يحرم الأرتريون فى السودان من هذا الحق؟

الأختيار يجب أن يكون طوعيا وهو أصلا بسبب انسداد فرص المستقبل أمامهم وصعوبة مواجهة تحديات الحاضر. ولكن ما نطالب به بالتحديد هنا هو أن يكون لذلك المواطن الذى أرتضى السودان وطنا بديلا حرية النشاط والتعبير عن رأيه فى كل القضايا بما فيها قضايا وطنه الأصلى ( أرتريا) ! ذلك ما يجده الأرتريون فى بلاد المهجر – ألأرتريون فى أستراليا يتظاهرون ويهتفون ضد النظام الأرترى تحت حماية البوليس الأسترالى ! كذلك الحال فى أمريكا وأوربا. لماذا يحتكر المركز فى الخرطوم القرار وصلاحية التعبير عن الموقف؟ هل تم استيعابهم وتوطينهم ( الأرتريين) لأعطاء أصواتهم فقط فى الأنتخابات ؟

ما هى حقوقهم وكيف يمارسونها ؟ لا بد للمؤتمر الوطنى الحاكم أن يستوعب درس الجنوب ولا يكرر الأخطاء والخطايا التى أرتكبتها النخب السودانية الشمالية منذ الأستقلال وحتى اليوم.

بعد الأستقلال كانت هناك وحدة عسكرية فى تشكيلة الجيش السودانى أسمها ( الأورطة الشرقية ) تعبيرا عن مساهمة أبناء الشرق فى الدفاع عن الوطن . وقد قاتلت تلك الوحدة فى جنوب السودان لسنوات ولكنها عندما عادت الى الشرق وجدته بحاجة الى من يدافع عنه !؟ كان الشرق وما يزال بحاجة الى بناء – تنمية – عدالة ومساواة هل ما تزال النخبة الشمالية تنظر الى الشرق باعتباره ( أورطة شرقية ) على مستوى أوسع وأشمل وأن مهمته هى اطفاء الحرائق فى بقاع السودان الأخرى فى حين أن منطقته لا تجد من يطفىء حرائقها ؟ أم أنها تنظر اليه كأحتياطى بشرى يمكن توظيفه للتنمية فى مشاريع بعيدة عن متناول واستفادة أهل المنطقة ؟ أم أنه مجرد دائرة انتخابية تتدفق عليه الأموال أثناء التصويت وبعد ذلك يتم اغلاق الملف حتى الأنتخابات التالية ؟ هذا ليس تدخلا فى شئون السودان الداخلية – انه حوار من أجل بناء تعايش حقيقى ودائم بين الشعبين الأرترى والسودانى. ما يصيب الشرق يصيب السودان كله ومن ثم يصيبنا نحن فى ارتريا وبصفة خاصة فى غرب ارتريا. النظام الأرترى لا يعنيه شرق ولا غرب – تعنيه سلطته بأى ثمن حتى لو كان على حساب استقرار السودان ووحدته. لماذا وضع المركز ملف العلاقات الأرترية – السودانية فى أيدى حكام الولايات الشرقية ؟ ولكنها صلاحيات تنفيذية فقط وليست تشريعية ولا يشارك فيها أبناء المنطقة اذا نجحت جنى ثمارها المركز واذا فشلت يقع العتب واللوم على حكام الولايات !

تلك سياسات لا تحقق تعايش حقيقى بين الشعبين. النظام الأرترى ليس بمقدوره ولا هو راغب فى خلق تعايش حقيقى ودائم بين الشعبين بل يشكل عقبة أمام ذلك الهدف.أن أرتريا تعيش حالة من الأختناق السياسى

لا تسمح بالتفاعل والتواصل مع الآخر – وما نتطلع اليه كشعبين ( أرترى وسودانى ) يختلف تماما عن تصورات وبرامج الأنظمة :

@ نريد استذكار واستحضار تاريخنا المشترك.

@نريد تفعيل وتقنين العلاقات الأجتماعية والثقافية.

@ نريد استقرارا وسلاما يحكم حدودنا المشتركة ويجعل منها واحة لقاء ومنطقة عبور وجسر تواصل.

@أن شرق السودان وغرب أرتريا تجمع بينهما بنية ثقافية عميقة الجذور فى التاريخ ويربط بينهما نسيج اجتماعى لا تشكل الجغرافيا السياسية وعلامات الحدود عائقا أمامه. كل ذلك يمثل ( استراحة) لاستئناف المسيرة على طريق واحد ممتد عبر الماضى ويعبر الحاضر ويتجه نحو مستقبل مشترك.

تطوير وتقوية العلاقات الأقتصادية والتبادل التجارى خاصة فى مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعات الخفيفة وحرية الأنتقال للأفراد عبر الحدود. يجب على المؤتمر الوطنى – نظاما وتنظيما – اعادة قراءة الخارطة السياسية والأجتماعية الأرترية والأنحياز الى من هم أوسع وأبقى وأقرب اليه. هناك عشرات الآلاف من الأرتريين فى دول المهجر يتطلعون الى السودان والى أهلهم فى شرق السودان ويطلبون لهم الأمان والسلام.. لا يقبلون أن يرونهم هدفا لحملات الجبهة الشعبية وابتزازها السياسى والمالى. لا بد من زرع الثمار الطيبة لتنبت حصادا مباركا طيبا تجنيه الأجيال القادمة بدلا عن الأحقاد والخوف والعذاب. .

بذلك التفاعل والتلاقى الجزئى بين شرق السودان وغرب أرتريا يكتمل التفاعل والتعايش الحضارى بين السودان وأرتريا انها بوابة الدخول الى عالم واسع من الثقافات المتنوعة والأعراق المتعددة والديانات المختلفة السودان وشعبه فى قلب وعقل كل أرترى – ليس هناك مدينة تغنى بها وغنى لها الأرتريون مثل كسلا – كانت البوابة الى الخلاص من جحيم الأبادة والحرائق – كانت الحضن الدافىء الذى استقبل اللاجئين والديار التى أعطتهم الأمن والأمان.:

وليست كسلا وحدها التى تغنى بها وغنى لها الأرتريون – بورتسودان بكل أحيائها وبحرها وتراثها والقضارف بخريفها ومزارعها ومحاصيلها وكل المدن السودانية التى استقبلتهم وأستقروا فيها أصبحت موطنا لهم.

ولا بد أن أختم بقصيدة شاعر القطرين وأبن الشعبين ( كجراى ) حيث يقول:

ها أنا رغم كل المسافات يمتد فى ظلمة الليل صوتى

قد تعودت فى زمن الزيف أن يصبح السجن بيتى

أعرف اليوم أن الطغاة أعدوا مشانق أعدائهم

وأقاموا تماثيل أمجادهم !

واستقلوا بصنع القرار

فوق أرض بوار

مولد الشمس لن يتأخر

فا لفجر أغنية لقدوم النهار !

.

أن ما يربط الشعبين الأرترى والسودانى أكبر وأبقى من الأنظمة وطموحات حكامها – ان ما يجمع الشعبين كما قال الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل هو ( … أكبر مما يجمعنا بأى بلد آخر حتى لو كان شمال الوادى ) وبدورنا نؤكد له ( أن ما يجمعنا مع السودان أكبر مما يجمعنا بأى بلد آخر حتى لو كان جنوب الهضبة )

كانرتريا وأثيوبيا – من أطماع الملوك الى صراع الديوك !؟ الله فى عون الشعبين الأرترى والسودانى

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10249

نشرت بواسطة في يناير 11 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010