تأملات في الفكر والسياسة ((Meditations))

بقلم / عبدا لواحد شفا

@ هذه وقفات سميتها تأملات ، فكلمة تأمل يراد بها ( إعادة النظر مرة بعد مرة للتحقق والتثبت ) وهي مرادفة للكلمة تفكر ، رأيت فيها راحة للنفس والذهن، وأنها ليست من النتائج النهائية أو المسائل القطعية ، لكنها  تعتبر خروج من المألوف ومحاولة للتغيير والتجديد والتقديم فيما نظن أنها مقاربات جديدة ، ومن ناحية اُخرى أنها مرتبطة بالقراءة إذ أن القراءة والتأمل مولودان يخرج كل واحد منها من رحم الآخر ، فإن مات أو فقد أحدهما لحق به ألثاني ..

@ أن مفهوم المعارضة في الفقه السياسي الإسلامي يمكن أن تصل إلى استخدام القوة ،أو بتعبير آخر يمكن أن تكون معارضة مسلحة داخل الدولة وذالك متى ما( إعوج خط سير السلطان ) أو إهتزت مرتكزات النظام السياسي للدولة ،وهذا ظاهر من قول الصحابي لسيدنا عمر بن الخطاب والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بحد السيف ؟ هذا من حيث التأسيس والتأصيل للمسألة  ، أما التطبيق والتنشيط يحتاج إلى مراعاة الأحوال وفقه المآلات ودراسة المصالح والمفاسد للفعل السياسي .وهذا كله في ظل انظمة تعترف بالأحزاب أو تضيق عليها ،وتفتح الحريات ثم تغلقها ، أما نظام ( إسياس ) ليس موضعُ نقاش ؟.

@الأستاذ علي شريعتي يعرفُ المفكر بالمستنير ،ويشترط عليه  أن يمتلك رؤية شاملة منفتحة ومتطورة ،وقدرة على إدراك أوضاع العصر والمجتمع  الذي يعيش فيه ، ويذهب  شريعتي أكثر من ذالك  فيقول ( ويتحدد دور المفكر في إيقاظ ضمير المجتمع ومنح الناس الوعي الذاتي ،والتفسيرات الحياتية المختلفة للواقع الأخلاقي والاجتماعي والثقافي ،واستخراج المواد الخام للطاقات المعنوية الفكرية في تاريخ الأمة ).

أما الدكتور عبدالكريم بكار يرى المفكر شخص دارس أو متخصص في مجال محدد لكنه انطلق من هذا الخاص إلى العام وإهتم بالقضايا العامة للأمة أو الكلية  مثل قضايا النهضة والحضارة أو التخلف والإنهيار ؟ فبين هذين التعريفين شريعتي (الاتجاه الشيعي) وبكار (الاتجاه السني)  نجد الواقع الذي حولنا غني بالمفكرين  وعلى رأس القائمة محمد عمارة مجدد هذا القرن ،ومحمد كولن  وعلي النملة  والقائمة تطول وعليه يمكن أن نعلن أن ارتريا منطقة خالية من (المفكرين )!!؟؟.

@الابتعاد عن الانخراط في صفوف التنظيمات الارترية أمرُ حلو ومر ، حلوُ لأنه بعيد عن الإبداع والإنتاج والابتكار والتطوير  ،إذ أن العضو في التنظيمات هو هو وإن مرت عليه سنوات !  من ناحية أخرى عبارة عن آلة أو لوحة بشرية دعائية لأقوال القيادة ، ومرُ  كما قال أفلاطون  ( انك تنتهي محكوما بمن هم اقل منك ) وهذا أمر مشاهد في بعض القيادات الاسلاموية ،حكى لي صديق قديم وهو عضو في التنظيم الذي انقسم على نفسه (خمس مرات )أن إمكانيات الرجل الأول كبيرة ، فقلت له ماهي ؟ قال إذا رآك يوماً لاينساك، فضحكت وقلت له هذا رجل مخابرات ؟.

@المعتزلة فرقة ظلمت كثيراً من الطائف السلفية وذلك بتزوير نشأتها ،والصحيح أنها نشأت لظروف موضوعية وأسباب حضارية لاعقائدية كما تصور الرواية المشهورة ، ففي فترتها كانت هنالك فرق وفلسفات وأنماط وأنساق فكرية  لم يكن سلاح قال الله وقال رسول الله  سلاحاً مجديا ومقنعا لها،فكان لابد من خطاب كلامي يقوم على علم الحجة أو علم المنطق وهذا ما نجحت فيه المعتزلة ، أما ما يعشعشُ  في كثير من أذهان الناس من أن المعتزلة ومسألة خلق القرآن  فهذا فعلاً خلل منهجي عقدي لكن الفئة التي تبنت ذلك هي قلة قليلة لا تمثل جمهور المعتزلة.

@أجمل ما قرأتُ للإمام الشيرازي فيما يتصلُ بالإمامة والسلطة هو القدرة السياسية ،ويذهب الإمام في تعريفها كالأتي (بأن توفر وتجمع السلطة في يد فئة أو شخص واحد وبالتالي تتوفر لهذا الشخص قدرة وقوة سياسية وعبر هذه القدرة يتحكم بأمور البلاد وشؤونه ،ويعتقد الشيرازي أن تمركز القدرة السياسية في يد فئة أو شخص هو الطريق إلى الدكتاتورية ،والحلُ في رأى الشيرازي بنظرية ما يمكن تسميته (بتقييد الدولة ) وذلك لا يكون إلا بتوزيع القدرة ،وتوزيع القدرة أمرُ جذري لا فوقي فيلزم ان تتقابل القدرات ببعضها مع بعض من أصل الأشياء،كالأحزاب المتعددة التي تنشأ وتنمو نمواً متقابلاً في مختلف فروعها الثقافية والإدارية والسياسية والعسكرية وغيرها ، كل قدرة تقابل في نفس مجالها قدرة أخرى ، وبالتالي تكون نفس القدرة في امن وسلام ، ويكون الناس في امن وسلام .

@ الموقع اللكترونية الارترية تبدوا متشابه إلى حد بعيد ،وذلك ما أن تتصفحُ مقال في موقع ما ،إلا وتجدُ نفس المقال بنفس الاسم في موقع آخر طبعاً حجة بعض الكتاب التواصل مع اكبر عدد من القراء ،وهذه الحجة على وجاهتها ألا أنها شديدة ضعيفة من عدة وجوه أولا القلمُ المميز لا يبحثُ عن القراء بل القراء هم الذين يبحثون عما ينفعهم ،ثانيا التواصل مع القراء يكون بإنتاج فكر متعدد متنوع وذلك بالكتابة لكل موقع في قضية منفردة ،والأمر أيضا متعلق بالمواقع نفسها فلابد أن تبحث عن خصوصيتها  وعن ما يميزها من الأخرى وإلا ستُدخل حالة من (الزهد)  في المتابعين والقراء .

@ الحرية في الغرب  مصطلح فلسفي  مختلف حوله باختلاف المدارس الفلسفية نفسها ، البعض يرجعه إلى جذور الفلسفة اليونانية (السفسطائية ) التي تعني القدرة على تحقيق فعل أو امتناع فعل دون الخضوع لأي ضغط خارجي ،أو أن المجتمع لايتطور إلا بحرية الفرد المطلقة .                             لكن عندي أنها لا تنفصل عن الهوية الثقافية  والمرتكزات الفكري أي امة ،فاللبرالية في الغرب مثلاً أعطتهم الحرية لكن لم تعلمهم كيفية الاستخدام  الصحيح لها؟ فالحرية لايمكن بأي حال من الأحوال أن تكون إيذاء مشاعر الآخرين والحط من كرامتهم والمسُ من مقدساتهم وإشاعة الفوضى بإصدار أفلام ساقطة الشكل والمضمون ، ولعمري هذا لايصدرُ إلا من نفوس حاقدة مليئة بالكراهية  ، فالإسلام اليوم لا يعيش في مرحلة القوة أي بمعنى  ليس في عصر الفتوحات والغزوات والانتصارات حتى نقول لحق بهم أذى أو ضرر ومن ثم صدر ما صدر منهم ؟ والحرية التي يتشدقون بها مكتوبة الصلاحية والاستخدام لطرف واحد لهم لا لغيرهم !؟ نعم ليس هم سواء فعقلائهم منهم من أنكر الحرية المطلقة  فمثلا كارل ماركس يرى (أن الحرية لا تنفصل عن قوانين المجتمع ) وأرسطو قال عنها (اختيار  الشيء الوسط .  فمن المنظور الإسلامي أن تعدد الاختيارات وتنوع الآراء ليس امراً طبيعيا فحسب بل يعد شيئا إيجابياً ،ومن ناحية أخرى مرغوب في ذاته ،ولهذا قال الأمام الذهبي في تفسير الآية (ولو شاء الله لجعل الناس امة واحدة….) قال وللاختلاف خلقهم .

 فالإسلام  قرر حرية الوجود بحفظ الحياة والأحياء ونهى عن سب الذين يدعون من الله ، ونهى عن قتل النفس ، بل حافظ على النفس قبل أن تولد فحرم الإجهاض  قال الغزالي (الإجهاض جناية على وجود حاصل ) .

صفوة القول لا نريد أن نقول أن الحرية تستمد عافيتها من الفضاء الإسلامي ،ولكن ندعوا إلى الوعي السليم بمعاني الحرية الإنسانية ومحاولة الفرز بين الحرية المنحطة والحرية المتحضرة ،،،،

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26298

نشرت بواسطة في أكتوبر 7 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010