تثبيت حق تقرير المصير
نظرية حق تقرير المصير التي انطلقت كمحدّد أساسي لمصائر الشّعوب بعد الحرب العالمية الأولى باعتبارها الوسيلة المثلى لحلحلة قضايا الشّعوب التي قُدّر لها أن تخرج من الإستعمار والدول الأخرى التي مُنِيت بالهزيمة في الحرب، إلا أنّ النّظرية في جوهرها لم تبدأ في ذلك الوقت حيث أنها كانت محلّ دراسة عبر التاريخ البشري إذ أنها تُمثّل مصير الإنسان منذ ولادته وقراراته الأولى برفضه أشياءاً وقبوله بأخرى ثم يتقدّم به العمر فيمارس حقه في الإختيار ويقرّر فيما سيكون مئاله في قادم الأيام ويتطوّر معه ذلك حين يكون في جمعه الخاص داخل أسرته وتتطور مع ذلك متطلّبات هذا الحقّ فيقرّر ماذا سيفعل أفراد الجمع الصغير في مصائره وصولاً إلى الجمع الأكبر حيًاً فمدينة فإقليماً وتتعاظم المهام كلما إزداد العدد وإزدادت الرقعة الجغرافية كما تؤكده دراسة قام بها عدد من أميز المتخصّصين في سيكولوجية الشعوب في جامعة لشبونه مارلين سيلفا، مارتا ماركيس وبيدرو تيكسييرا، حيث يؤكدون من خلال النظرية أنّ تعاظم العدد وإتساع الرّقعة الجغرافية يؤدي بالضروررة على تشعّب المصالح والعلاقات ومن ثم يحتاج إلى المايستروا الذي يقود وينسّق المصالح المشتركة ويحافظ في نفس الوقت على الخصوصية إستناداً إلى التعريف القائل بأنّ الدّفع الذاتي الخاص بالطبيعة البشرية التي تميل دائما إلى مناطق الأمان الخاصة بها المتمثلة في أن تكون الإدارة والحكم ذاتيا إستناداً إلى موروثات وثقافة الشّعب، الأمر الذي يرتقي بالمجتمع إلى الإحساس الفعلي بأنّه المصدر لكل الأحداث حوله والملهم لكل التّصرّفات الحاكمة في شأنه من خلال إحساسه بالمشاركة في كل عناصر العمل الإدراي، وأنّ النّظام الذي يتم من خلاله إدارة كافة شؤون مجتمعه مصدره القِيَم والمباديء المنطلقة من موروثاته، ثم هناك النقطة الأخيرة والمتمثلة في الإنتماء بالتأثير الإيجابي إستناداً إلى المعطيات المشتركة للمجتمع ومن ثمّ الإنتماء إلى الحدث بشموليته، إنتهى الإقتباس.
وبما أنّ النظرية تحمل في طياتها ما يؤكّد ويضمن حقوق الشّعوب منذ نعومة أظافر أفرادها وصولاً إلى الجمع الغفير المُسمّى شعباً بأرضه وثقافته وجواره وكل تعقيدات علاقاته ومصالحه، فإنّ النظر إليها بواقعية والإعتماد عليها كمحدّد أساسي لمصائر الشعوب يكون ضرورة تتطلّبها الطبيعة البشرية فرداً وجماعةً.
وقبل أن نوجّه بحثنا إلى مدى أهمية تثبيت المبدأ كمحدّد أساسي لمصائر الشعوب، فإنّ إطلالة سريعة على قانونية المبدأ قد تكون مفيدة. وبما أنّه مبدأ يحقق للفرد ثمّ للمجتمع الحُرّية المطلقة في الإختيار فإنّ عمل الهيئات الدّولية والأممية على تثبيته كان أمراً طبيعيّاً، وقد نجد أهم تطوّر في هذا المبدأ هو الإشارة إليه عندما ورد “مبدأ الحقوق المتساوية وتقرير المصير للشعوب” في المادة 1، الفقرة 2، والمادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة (مقدمة حق تقرير المصير في القانون الدولي) وبما أنّ الهدف من تثبيت حق تقرير المصير للشعوب يتمثّل في تحقيق إرادة الشعوب في أن تحكم نفسها بنفسها وفقاً لأعرافها ومعتقداتها وعدم إنسحاقها تحت وطأة الأغلبيات الفضفاضة المعنى والمضمون، فإنّ العمل على تثبيت التفاصيل الدقيقة وضمان تحقيق العدالة داخل الكيان ذاته يحتّم وجود آليات ضابطة ونظم للحكم الذاتي الداخلي المصغّر، وتقسيم المهام بحيث يكون الأقرب لحياة الفرد يتم التقرير فيه في الكيان الأصغر الذي يعيش فيه. ومن هنا يكون تقرير المصير داعماً للعمل المُشترك مع ضمان الإحترام المتبادل وتثبيت الحق في حماية الذات بناءاً على القانون الحاكم في الدولة أو الكيان المعنِي.
وبما أن الحق في تقرير المصيرللشعوب يجب تثبيته باعتباره حق تكفله الأخلاق والفطرة والمنطق، إذ يعتبر الحق في ممارسة تقرير المصير أول إختبار للإنسان منذ أن استخلقه الله على الأرض كما تثبته النّصوص العقدية والحكاوي المتوارثة، وأنّ الإنسان حين مارس حقه في الإختيار كان أنجح وعاش في سلم ووئام، ولذلك فإنّ القانون الدولي قد إعتبره حقّا مُثبّتاً بتدرّجه، وفَصَّلَ دقائقه في الفصل الثاني منه حيث يثبت هذا الحق للشّعوب (وليس للخرائط فقط) خاصة في الفترة التي تلت سقوط جدار برلين، وهذ يضعنا أمام تساؤل ضروري فيما يخص الصدام المحتمل بين مبدأ هذا الحق المثبت للشعوب ومبدأ السيادة، وهذه النقطة تحديداً توضحها الدكتورة روضة عمار، أستاذ الإقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، حيث تقدمها لنا في شقين:
أولهما، داخل الدول وإستناداً إلى دساتيرها، حيث نتأكد من خلاله من ممارسة الكيانات المترابطة ثقافيا وإجتماعيا وسياسيا ودينيا داخل الدول كامل حقوقها في أطرها الديمقراطية، ولا يعني ذلك الإنفصال بأي حال من الأحوال طالما ظلّله الحكم الرشيد بصفة عامة.
وثاتيهما بحسب الدكتورة روضة هو الذي ينظمه القانون الدولي فيما يخصّ شعب ما، له وجود تاريخي مشترك يعاني من الإحتلال الأجنبي، أو تسلّط دولة أو مجموعة من الدول مما يترتّب عليه حرمانه من ممارسة سيادته وإستقلاله وإقامة نظام سياسي وإقتصادي وإجتماعي يرتضيه.
وبما أنّ المبدأين وأعني بذلك مبدأ السّيادة الإقليمية ومبدأ حق تقرير المصير، من المبادئ الأساسية في القانون الدّولي وأنّهما في ذات الدّرجة من الأهمية رغم وجود شيء من التّعارض بينهما مما يعني أنّ الإخراج الجيّد لسيناريو الحلّ المُحكم الإعداد والمُتَعمّق في التوقُّعات يكون بمثابة الخطوة الأمثل، بحيث يكون بعض المرونة في مبدأ السّيادة الإقليمية إذا تعارض مع الإرادة الجمعية للشعوب.
ولأنّ محاولات توفيق السّيادة الإقليمية مع إرادات الشّعوب في إطار خرائط مصالح المستعمر (لا أكثر) قد تكون مستحيلة، ولا أقبل في ذلك بأمثلة الدّول القمعية، وعليه أرى أنّ المرونة في مبدأ السيادة نفسه تكون ذات أهمية قصوى وصولاً إلى الحلول الوسط التي ربما يكون لها دور فاعل في ضبط علاقات الدّول وإجبارها على العمل التوافقي بينها مما يعني ردع النّزاعات الإقليمية وتحقيق التواصل الطبيعي بين الشعوب ومن ثم تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح بين الدول تحكمه صلات حقيقية وليس صلات مُدّعاة كما هو واقع بنا الآن، وعليه أرى أن لا شيء يكون ضابطاً لعلاقات الدّول أكثر من تأثير الشعوب المُتشاركة السّيادات والحكم الذّاتي العابر للحدود، ممّا يلزم الأنظمة بانتهاج الحكم الرّشيد حيث أنّه سيكون المخرج الوحيد المتاح لها في هذه الحالة.
وبما أنّ الحكم الرّشيد في حدّ ذاته يعتبر الهدف الرئيسي للمجتمعات المتحضرة والأخرى الساعية إلى التحضّر فإنّ الوصول إلى الحكم الرشيد تحت ضغط مبدأ حقّ تقرير المصير المثبّت يطرح تساؤلاً يمكن الردّ عليه عبر محاور ثلاث:
– حسن الإدارة يكون أوّل منطلقاته الإنتماء والتفاني، كما يؤكده ميشيل دي فريس في دراسته “تحدّي الحكم الرّشيد” ويستمرّ في توضيحه قائلاً إنّ ذلك لن يتأتّى إلّا تحت الضّغط والمراقبة اللصيقة للقوى الممثلة للشعب ممّا يعني أنّ الإنتماء للشّعب والتّفاني في خدمته لا يمكن ضمانهما إلّا بأن يكون الفرد الحاكم من المجتمع، والضوابط والقوانين التي يتبعها هي جزء من ذات المجتمع ونابعة من موروثاته وقناعاته.
– أجندة العمل الواقعية قد تكون منطلقاً أساسيا للحكم الرشيد وهذه لن تجد من ينزلها على أرض الواقع تطبيقاً عمليّاً إلّا الذي على صِلةٍ عضوية مع أطراف المجتمع المطلوب السّعي لنهضته.
– ثم يستمرّ صاحب الدراسة أعلاه بالإشارة إلى مشاركة الجمهور عن قرب في وضع الأولويات ومن ثم توجيه المؤسسات نحو تحقيق مصالح الشعب، وهذا لن يتأتى إلّا من خلال تحقيق صلات شعبية حقيقية ومن ثم التّشارك الحقيقي في القرارات المحققة للمصالح الشعبية.
فيما يخصّنا
قبل أن أخوض فيما يخصنا من هذا الشأن أريد من كلّ منّا أن ينظر بمنطقية وعقل إلى الخريطة السياسية والإجتماعية الإرترية بوجهيها الحاكم والمعارض، وليضع كلّ منّا أي تنظيمين أو مؤسّستين أو مجموعتين في المقارنة واضعا في الإعتبار الإنتماء لبعضهما وإمكانية وجود أسباب للإستمرار بينهما، وبشيء من العودة إلى القرن الفائت من الزّمان وعلاقة المجموعات الإرترية ببعضها وبالجوار الجغرافي!! وفي هذا الصّدد ربما رأيت أن أضع الجدول التالي ليكون داعما أساسيا لأسباب المقارنة، مع العلم بأنّ النقطة الوحيدة التي أرمي إليها تتمثّل في أنّنا بالفعل شعبٌ واحدٌ، ولكنّه متشعّب التراث والأولويات، ومن ثَمّ نجد أنّ ما يجري ليس إلّا إمتداداً طبيعيّا لما جرى في سالف العصور. راجع مقال إرتريا الفدرالية للتأكيد على بعض التفاصيل الحاكمة.
الزمان | الأول | الثاني | الحاجز الجغرافي | العلاقة |
---|---|---|---|---|
أواخر القرن التاسع عشر | يوهانّس ومن تبعه | أمراء وممالك العفر والمديرية الغربية | سيتيت ثم التضاريس | نزاع وقطيعة ومشروع إبادة |
أوائل القرن العشرين | تقااطع وتشارك في الحرب على المستعمر الإيطالي والمصري رغم وجود بعض الحركات النّازقة | |||
منتصف القرن العشرين | حزب الوحدة مع إثيوبيا | المطالب التحررية تحت قيادة الرابطة | رغم بعض الإستثناءات 3 أقاليم ضد 5 | تآمر وإغتيالات |
الستينات والسبعينات | الكوماندوس | الثورة | رغم بعض الإستثناءات 3 أقاليم ضد 5 | إبادات جماعية |
أواخر السبعينات وحتى التحرير | بعد إنعدام الثقة التي سببتها الأحداث السابقة كان هنا تردّد، ولكن شعبيا توحّد الإرتريون في العمل التحرّري يستثنى من ذلك الأجنداث الخفية والتصفيات المستهدفة لمشروع نحن وأهدافنا | |||
فترة الإستقلال قبل الحرب الحدودية | أجندة نحن وأهدافنا | من ليس ضمن الأجندة | رغم بعض الإستثناءات 3 أقاليم ضد 5 | مصادرة حقوق – أراضي – حريات – تهجير قسري |
بعد الحرب الحدودية وضعف النظام | محاولات توحيد العمل المعارض حتى أتت شوارد النّظام وتملكت السّاحة وأهدرت كلّ الجهود وتدخّل نظام مقلي في ذلك وانتهى الأمر إلى الفشل الذريع | |||
تبعات عدم العمل المعارض الفاشل | الأقازيان ومشاريع الإستئصال والتهجير | المنخفضات ومشروع الهروب | 5 ضد 3 بالنسبة للمنخفضات وكلّ الأرض للأقازيان. | القطيعة الشاملة |
وأخيراً الكوليرا في أم قراقور برمزيته | لا اهتمام على الإطلاق | إستنفار شامل | دليتي فتحي مقابل المعارضة التقليدية | حتى العلاقة الإنسانية بدت كأن لم تكن |
التوقعات | جماعات التناطح ستعمل في مشاريعها التخريبية وستتهدد البنية الجغرافية للدولة الإرترية مما قد يحتّم المواجهة المدمّرة والتفكيك غير المحمود، لا قدّر الله!! علماً بأنّ السيطرة الكاملة والنّشاط المتكامل يكاد ينحصر فيهما !! | |||
المقترحات | إستناداً إلى الأحداث التاريخية وترسباتها فإنّ إعلان كيان فدرالي يضع في الإعتبار التفاوض مع دول الجوار مستقبلاً حول تأسيس كيانات فدرالية متداخلة تحقّق مناطق تكامل بين الشعوب ومن ثم الأنظمة وذلك مع التأكيد على حق تقرير المصير المشروط. |
الملاحظة الرئيسية في هذا الجدول هي أنّنا حين إحتدمت الأزمات توحّدنا وحين خفّت وطأتها أقبلنا على التناطح والتناحر، ممّا يعني ضرورة إيجاد طريقة مُثلى للتعايش الذي ينظمه القانون التوافقي كما في كلّ الدّول المتحضّرة مع العلم بأنّني أتحدّث إليكم عن كامل إرتريا وليس عن فئة ما أو إقليم ما.
فأوّلاً علينا الإقرار بأنّ تثبيت حق تقرير المصير وتحقيق الحكم الرّشيد يكوّنان الضامن الرئيسي لوجود الوطن الواحد فالإحساس بالتمكّن من الحياة الخاصّة يؤدي دائماً إلى الإحترام (الرّدع) المتبادل ومن ثمّ التعايش المثالي. وبالعودة إلى ما يخصّنا في ذلك فإنّنا نجد أنّ الأمر أبسط ممّا نتصوّر، خاصّة في الوقت الذي تتنازع الساحة الكيانات الرافضة للإستمرار داخل الكيان الإرتري، والأخرى الإستئصالية، وخفت فيه صوت العقل وتلاشى المنطق، فإنّ حلّاً ينتزع الكروت الرّابحة من بين يدي تلكم الكيانات يكون بإقرار النّظام الفدرالي وتثبيت حق تقرير المصير لشعبنا إستناداً إلى الخرائط الإفتراضية التي قدمنا سلفاً في المقال السابق (إرتريا الفدرالية).
لن أقول لكم أنّ الخريطة المقترحة سليمة ولا تحيط بها بعض الشوائب، ولكنني أدّعي بأنها قد تكون خريطة أوّلية للأقاليم الفدرالية التي ستضم بداخلها مناطق للحكم الذاتي بموجب النظام الفدرالي المقترح. وأنّ الرؤية ستتضح أكثر حين نفكّر في مستقبل المنطقة بصفة عامة حيث التّداخل الجغرافي/ الديموغرافي، والذي كان سببا رئيساً (في حالة الفراغ السياسي الحاكم حالياً) لخروج تلكم المشاريع التي لا تلتقي ببعضها ومن ثمّ ساعية إلى حتمية إنهيار الكيان الإرتري وإختفائه كلّيةً.
ولا يسعني هنا إلّا أن أقول أنّ الحالة التي نراها بيننا هي ذات الحالة في جوارنا الجغرافي وإن تفاوتت حدّتها، وقد تمّ جلب الصراعات التاريخية من قبل كلّ الجهات المتصارعة (إن جاز التعبير) للإستشهاد بها في كلّ حالات العنفوان الجهوي السائد في إرتريا أو في الجوار الجغرافي الديموغرافي.
وعليه فإنّ مهمة سحب البساط من تحت تلكم الكيانات المفتّتة يُحتّم الإقرار بالواقع التاريخي والمتمثّل في أنّنا يمكن أن نلتقي بشكل أفضل ونتوحّد عن تراض وتوافق بيننا بناءاً على إقرار الحقّ في الحكم الذاتي وتثبيت حق تقرير المصير كضامن أساسي للوحدة القطرية للدولة الإرترية وللسّلم الإقليمي لكلّ دول الجوار الجغرافي – والتداخل الديموغرافي.
قد يسيء البعض منّا تقدير الأمور ونقول بأنّ تثبيت الحق في تقرير المصير إيذانٌ بالإنفصال أو تكريس له أو لهثٌ وراء دول أقّرته وأساءت التعامل معه، ولكن الأمر أهمّ وأكبر من ذلك بكثير فالتأكيد على ذلك يحقق سيادة القانون والإطمئنان على مطلقية الحريّة للشّعب الواحد وتثبيت حقّه في النظر في مصيره متى ما أحسّ أنّ هذه الشراكة تسبب له الإضطهاد والإستغلال والتعرّض لخصوصياته وموروثاته، ولذلك فإنّ أسباب نفورنا منه غير منطقية وتوحي بأنّنا ربما نكون قد اخترنا ان نعيش ((الوحدة القسرية!!))، علماً بأنّ شعبنا لم يناضل من أجل الإستقلال فحسب، حيث أنّ النضال في جوهره كان للتخلّص من الإستعمار ومن ثمّ الإستقلال وتأكيد الحقوق والخفاظ على الخصوصية، ومن أجل ذلك تمّ بذل أغلى الأثمان، إيماناً من شعبنا بأنّ حقّ تقرير المصير أصلٌ لا بد من التمسّك به لكافّة شعوب الأرض قاطبةً، ومن ثَمَّ نرى أنّ تثبيت هذا الحق ضمانٌ حقيقيٌّ لوحدة حقيقية نلتئم من خلالها في وطن واحد شرطه الأساسي الإحترام المتبادل والضمان المشترك للحقوق والتأكيد أيضا على الواجبات، يلي ذلك تبعات عدم الإلتزام بذلك والمتمثّلة في أن لا عيش مشتركاً مع من يجمع على تجاوز ذلك. وبناءً عليه يكون القول الفصل في إعطاء القوة في تحريك المياه الرّاكدة للشعوب بحيث تستطيع أن تعيش كيفما شاءت.
وفي هذا الإطار كنا قد تناولنا ببعض من التفصيل في مقال سابق في موقع فرجت تحت عنوان ( مثلّث العفر ) في تأكيدٍ لاهمية تثبيت هذا الحق وضرورة التنسيق الدّقيق مع الجوار الإقليمي مما سيساعد على الحفاظ على الخارطة الجغرافية لدول المنطقة مع التأكيد على حقوق الشعوب في تقرير مصيرها متى ما أقرّته كلّ الدول كمبدأ حاكم بناءاً على إتفاقيات تشمل كلّ الدّول المعنية وبما لا يضرّ بمصالح وواقع دولة لصالح أخرى.
وقد كانت لنا بعض المقترحات في ذات المقال نورد منها بعض الإقتباسات:-
- يتضمن هذا المقترح إيجاد كيانات متداخلة بين الاقاليم الإرترية والأخرى الموازية لها في دول الجوار بحيث يتمّ إيجاد نظام ما يؤكّد على خصوصية كلّ شعب والتأكيد على تواصله ثقافيّاً وإداريا مع من ينتمي إليهم عبر الحدود كأن يتمتع مثلّث العفر بحكم ذاتي مشترك مع الحفاظ على السيادة الإقليمية لكل دولة ووفق شروط ونُظُم تتفق عليها هذه الدّول ويكون للمواطن العفري حق الحركة الكاملة في كامل الإقليم، وسيضمن هذا المُقترح المصالح الكُبرى للدّول الثّلاث إثيوبيا وإرتريا وجيبوتي، بحيث يتم إيجاد كيان تكاملي يحقّق من خلاله كلّ طرف ما يطمح فيه من مصالح استراتيجية. وقد يكون لكل من الأقاليم الثلاث وتداخلات عبر دول الجوار ذات الحلول بذات المنطق.
- الخريطة الإفتراضية في المقال السابق نقدّمها الآن بامتدادات إقليمية ستوصلنا إلى الرؤية المقترحة والتي ستلجم صراعات المصالح الصغيرة كما كان الحال في صراع بادمي وأزمة الحدود مع جيبوتي والأخرى المتوقعة يوما ما مع السّودان بحكم الخرائط المتحرّكة (ذات الحدود المتنقّلة) للمستعمرات الإنجليزية.
الخريطة الإفتراضية (02)
- السعي للحلول المؤقتة القائمة على التهدئة ليوم أو إثنين لا يكفي، وأنّ الحلول الجذرية هي أصل المقترحات التي نرجوا منكم المساهمة بها.
- حق تقرير المصير المثبت في إطار هذه الخرائط سيتطلب بالضرورة التوافق بين هذه الدّول في كلّ تفاصيله وأنظمة العمل فيها في إطار كيانات تكاملية عابرة للحدود ومن ثم الرّقابة الشعبية العابرة للحدود والتي ستنهي كلّ اسباب الهيمنة مع وجود قوة الرّدع المتمثّلة في الحق المثبّت في تقرير المصير.
- بناءاً على هذا الطّرح العادل نحقّق الإحترام المتبادل، وندرء شرور الهيمنة، ونعمّق الرّقابة الشعبية حيث سيتمكّن جمهور الشعوب من ضبط كلّ شيء حتى الحدود والسيادة الإقليمية،
- رُبّما أتي ذلك بحل مستقبلي لكلّ الإقليم بحيث يكون نموذجاً لما حوله من مشاريع الفوضى الدّائمة.
- نقطة أخرى نودّ الإشارة إليها هي أنّ الأسئلة المطروحة في ذهن كلّ منّا سنجد بجانبها ردود ومقترحات رائعة ستتفتق بها أذهاننا طالما أقررنا بأنّنا لا نسعى إلى الحلول التقليدية.
- أخيراً نودّ أن نؤكّد أنّ الحكام وخاصّة الظالمون منهم لا يحتملون سماع ذلك لأنّ هذ الأمر سيضبط إيقاع العمل العام ومن ثمّ لن تكون لهم أدنى فرصة للهيمنة.
بشرى بركت
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41844
اخي بشرى احترم كل جهدك ومساهماتك .. وحتى تكون هذه الإسهامات فاعلة وغير مكررة يجب ان تبدأ من حيث انتهى الآخرون وبهذا تكون قراءة تراكمية ومفيدة…. فان مفهوم الفيدرالية كحل قدمها الاستاذ علي برحتو .. والاخوة في الحركة الفيدرالية تبنوا الفكرة وطوروها ، وينشطون اليوم في ساحة المعارضة من اجل تعزيز المفهوم الفيدرالي كحل مناسب للإشكالية القائمة ..و المفروض تبدأ قراءتك من هناك حتى تكون تجاوزية وليس مكررة …اما بخصوص القانون الدولي يا اخي انت تتحدث بلغة زمن الحرب الباردة .. حاليا لا يوجد قانون دولي نحن عايشين زمن الرأسمالية المتوحشة التي تنتهك السيادة تحت مفهوم تصدير الحريات .. واخيرا اي قراءة اذا لم تبدا من القراءة التي سبقتها على شكل حوار نقدي او توافقي لم تكن القراءة تجاوزية بل تكون تكرار ممل
استاذي الكريم محمد اسماعيل هنقلا
بما اننا نسعى للتأكيد على المبدأ بشقه النظري وأن واقعنا يؤكد على ان كل شيء محل نزاع بساحتنا السياسية وانت لا شك تكون قد عايشت تلك الفترات وترسباتها ومازلت تعيش تبعاتها الى يومنا هذا. ومن هذا المنطلق كانت المحاولة باتجاه عدم تقديم فرصة لمن يقرأ القراءة التصنيفية الموجهة ومن ثم تسحب على الفكرة كل ترسبات الماضي بشخوصه ونجاحاتهم واخفاقاتهم ومن ثم تتناثر عناصر العمل في اروقة الماضي في وقت نفكر فيه للخروج من اخفاقات تلك المرحلة التي اودت بنا الى ما نحن فيه اليوم.
نقطة اخرى ربما كان لها دور رءيسي وهي ان الفكرة التي نرغب ان تكون عابرة للحدود قد تكون الاولوية فيها لمراجع من نوع مختلف.
نقطة اخيرة هي ان القانون الدولي سيظل قانونا حاكما حتى يأتي البديل المناسب له وان الهيمنة التي نعيش اليوم ليست الا تجاوزات في حق القانون والوثايق التي تستند اليه..
مرة اخرى.. سعيد بحضورك
ولك كل شكري وامتناني
العزيز / بشرى .. حتى يعطي جهدك ثماره أرجو ان تنتمي الي الحركة الفيدرالية ، لان كل افكارك تصب في تعزيز دور مفهوم النظام الفيدرالي .. والتنظير مع الممارسة يجعل المشروع اقرب الي الواقع ،وأرجو ان تنطلق من تلك الارضيّة حتى يجد التنظير للمشروع مصداقية الطرح …وكذلك هذا الانتماء سوف يساعدك الي التحرر والحضور الفاعل ..لأن جرأ ت الطرح يحتاج الي جرأت الحضور
استاذي الكريم هنقلا
اشكرك على بليغ الحرص والاهتمام هذا، فنحن أحوج ما تكون إلى ناصح مخلص مثلكم.
وتفضل بقبول شكري وتقديري
اخى بشرى مع احترامى لكتاباتك وجهدك المبذول فيها ولكن هذه الخرائط هى خرائط لا تتجاوز الأمنيات والأحلام .
وحتى فكرة الفيدرالية وتقرير المصير هى دعاوى لاتستند لواقع ولاتخدمها المجتمعات ..
المجتمع الذى يسعى لتحقيق الفيدرالية او لتثبيت حق المصير اين هو الان موقعه من الإعراب .
من المفترض ان نجتهد فى توحيد الرؤية والجهد لإزالة النظام.
وأن الخرائط التى تقسم الأرض دون أن يكون لها اى حق تاريخى هى مجرد احلام لا تستحق حتى مناقشتها ..
عزيزي محمد رمضان ..
اوافقك الرأي أن الحالة غاية في القتامة وأن العمل العام الارتري عامة والمعارض منه خاصة يعاني من ضعف وهوان. وهذا له سببين:
اولهما تقوقع كل منا في كيان ما رآه يوما يمثله وهو متمسك به حتى بعد انهياره واندثاره تماما ، مما تسسب في ان ذاك الفرد ظل يراوح مكانه لاربعة عقود قاسية، وانتج ذلك مجتمعا ضعيفا تفضلت بالاشارة اليه.
ثانيهما غياب الفكر المنفتح الذي لا تحده طموحات كوادر العصور السحيقة ومفاهيم تجاوزتها الازمنة ومن ثم علينا يالتفكير بغير منطق الماضي الاليم ثم ان هذه القراءات لها ضرورة للخروج الى آفاق ارحب.. مع العلم بان اسقاط النظام في حد ذاته ليس الهدف الرءيسي بل انما الهدف الاسمى هو ابداله بالنظام التوافقي الذي يرتضيه الكل وتسترد من خلاله الحقوق وتثبت مباديء تردع اي ظلم مستقبلي.. وهذه الرؤية هي محور الحديث اعلاه
ولك كل شكري وتقديري
ب.ب