“تحليل أخباري” الإبداع في خلق الأزمات (ومن شابه أباه فما ظلم)
الخرطوم – مركز “الخليج” للدراسات والإعلام بالقرن الأفريقي 13/6/2005
انتهت الأزمة التي فجرتها الحكومة الإرترية في أبوجا في اليومين الماضيين والتي كانت قد تسببت في تعليق المفاوضات بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور، حيث استأنفت في أبوجا يوم الجمعة الماضي بعد توقف لها دام ستة أشهر، ويواجه سالم أحمد سالم مبعوث الأمم المتحدة ورئيس مفاوضات أبوجا لعنة النظام الإرتري الذي طارد سالم على مدى سنوات طويلة، وكان رئيس النظام الإرتري قد فاجأ سالم في قمة القاهرة في العام 1993م بهجوم عنيف للمنظمة الإفريقية ولم يكن أمام سالم سوى أن ترك رئيس النظام بمواصلة هجومه على المنظمة والقادة الأفارقة. ومن ثم توسط سالم بين نظام أسمرا والخرطوم بعد قطع العلاقات الدبلوماسية وقام بمساعي بين إرتريا وجيبوتي لحل الخلاف بينهما. وثم بوساطة بين إرتريا وإثيوبيا ضمن رؤساء زيمبابوي ورواندا وبوركينافاسو وجيبوتي وفشلت مهمتهم في العام 1998م ثم تلتها مساعي مماثلة من المنظمة الإفريقية برئاسة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة توجت باتفاقية سلام بين إرتريا وإثيوبيا في عام 2000م. اشرف عليها سالم أحمد سالم الذي تولى رئاسة المنظمة الإفريقية لأكثر من 15 عاما. إلا أن الحكومة الإرترية اتهمته بالانحياز إلي جانب إثيوبيا.
وتكمن معاناة سالم مع نظام أسمرا الذي تحولت إلي عقدة لسالم بعد ان أصبحت إرتريا الغائب والحاضر في أزمة دارفور وتسببت في تعليق المفاوضات التي تغلب عليها سالم بحكمته وهو الخبير في شأن سياسات النظام. وأوجد مخرج لها عندما تم الاتفاق في مفاوضات جانبية قادها سالم بين الحكومة ومعارضيها، حول مشاركة إرتريا التي لم تنطبق عليها صفة الوسيط بعد أن قدمت الحكومة السودانية دلائل متكاملة بأنها شريك رئيسي لحركتي التمرد في دارفور. الذين تمسكوا بمشاركة إرتريا باعتبارها حليف أساسي وقف بجانبهم. وتوصل الوسطاء إلى حل من شأنه أن يضمن إستمرارية المفاوضات ويحفظ ماء وجه الطرفين وذلك بأن تشارك إرتريا كمستشار لحركتي دارفور. وبهذا فاز النظام الإرتري بشهادة المناكفة التي تميز بها على مدى العشر سنوات الماضية متسبباً في أزمات كثيرة بالإقليم. وتخصص في نسف عمليات السلام في السودان أكثر من مرة وكان أخرها انهيار المفاوضات بين الحكومة والتجمع بالقاهرة. مما نتج عنها التوتر في علاقات النظام مع طرابلس والقاهرة.
وسجل نظام أسمرا تحفظات على اتفاقية السلام في نيروبي وخلق أزمة داخل التجمع انتهت بطرد عبد العزيز خالد رئيس قوات التحالف السودانية من أسمرا. كما تفنن في خلق أزمات أخرى داخل التجمع السوداني المعارض وعمل على تصعيد الخلاف بين الحكومة وحركتي دارفور. وكشفت عنها مفاوضات ابوجا التي أكدت للعالم مدى تورط النظام في تأجيج الأوضاع في السودان. وأكد وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل بدء المفاوضات التي تعثرت بسبب مشاركة إرتريا، وكشف مصطفى عن مشاركة إرتريا بدون توجيه دعوة لها من الاتحاد الأفريقي، ووجه مصطفى أعنف انتقادات إلى الحكومة الإرترية وحملها مسئولية تعليق الاجتماعات في أبوجا، وقال إن الحكومة السودانية قبلت بأن تشارك إرتريا ليس كوسيط بل ضمن مقاعد حركتي التمرد بصفة مستشار لهم، مشيراً إن الحكومة السودانية فوجئت بمشاركة إرتريا ضمن الوسطاء . وقال اسماعيل الذي كان يتحدث لقناة الجزيرة في برامج أخباري حصاد اليوم مساء يوم الأحد إن منح اريتريا دور الوسيط في ابوجا سيكون امرا غير مقبول، لأن اريتريا ليست محايدة، وليس لها حدود مع دارفور، خلافا لتشاد وليبيا ومصر، وليست “.عضوا فاعلا في الاتحاد الافريقي كنيجيريا وجنوب افريقيا او بلدان اخرى”.واكد ان “اريتريا ليست جهة محايدة وليست جاره لدارفور. ونصح إرتريا أن تهتم بحل مشاكلها الداخلية من “الأفضل للوفد الاريتري أن يعود لبلاده باعتبار ان فاقد الشي لا يعطيه” مذكرا في نفس الوقت بان “اريتريا تعيش مشكلات كثيرة عليها الاهتمام بهذه المشكلات، وترك الاتحاد الافريقي يمارس دوره حتى تنتقل المفاوضات إلى خطوات متقدمة. وقال إن إرتريا قاطعت كل القمم الأفريقية، واتهمت الاتحاد الأفريقي بأنه منظمة فاشلة، واستغرب مصطفى من السياسيات المتطفلة للحكومة الإرترية التي تحشر نفسها في الشأن السوداني وإن الحكومة السودانية تعتبر الحكومة الإرترية الشريك والمتآمر الأول على عملية الاستقرار والسلام في السودان وليست مؤهلة بأن تلعب دور الوسيط، لقد فصلت لنفسها دور المخرب ولا تستطيع أن تلعب دور المصلح، وإن الوسطاء تم تحديدهم في قمة أديس أبابا في يوليو 2004 وهي نفس القمة التي تغيبت عنها إرتريا ولا يمكن القبول بأي دولة أخرى إلا بموافقة الجانب السوداني.
وفي الاتجاه المعاكس اتهمت إرتريا الحكومة السودانية وحملتها بعرقلة مفاوضات ابوجا
واتهم السفير الاريتري في نيجيريا دانيال يوهانس الحكومة السودانية بعرقلة المفاوضات بين متمردي دارفور والحكومة السودانية التي استؤنفت رسميا الجمعة الماضية في ابوجا تحت اشراف الاتحاد الافريقي.
وقال السفير الاريتري في تصريح صحافي “الامر ليس جديدا:ان الحكومة السودانية اصبحت اليوم عقبة امام السلام. فهي هددت بالانسحاب من المفاوضات في حال بقينا نحن، وتصر على ابعادنا في الوقت الذي يريد سكان دارفور مشاركتنا”.وتابع السفير “ان مشاركتنا في هذه المفاوضات تقررت في طرابلس خلال قمة الرؤساء الافارقة بحضور اولوسيغون اوباسانجو(الرئيس الدوري للاتحاد الافريقي) ومعمر القذافي وخصوصا الرئيس عمر البشير. لذلك قررنا ارسال بعثة عالية المستوى الى مفاوضات ابوجا”. وتابع السفير الاريتري “خلال الافتتاح الجميع شكروا اريتريا على مشاركتها في جهود السلام باستثناء حكومة السودان. ان الخرطوم تتهمنا بدعم المتمردين، لقد اعتدنا على مثل هذه الاتهامات، مضيفا “ان اريتريا أتت بدعوة وتحظى بتقدير الشعب السوداني، وقال إن إرتريا ستواصل جهودها من اجل السلام في دارفور، وذكر إن بلاده شريك أساسي لعملية السلام في السودان سواء قبلت الحكومة أو رفضتها . واضاف “ان المشكلة ليست من جانبنا بل من جانب الحكومة السودانية . فيما قال السفير السوداني في نيجيريا عبد الرحيم الخليل ان “اريتريا لم تكن تشارك في المفاوضات السابقة. ونحن نطالب فقط بالالتزام بمسار العملية”.
تناقلت وكالات الأنباء العالمية تصريحات سفير نظام أسمرا الذي ينطبق عليه مثل (من شابه أباه ما خاب) وفي هذه السطور نملك القارئ خلفية السفير الذي يعكس بصورة واضحة ما وصلت إليه الدبلوماسية الإرترية من انهيار. حيث يعتبر دانئيل يوهانس من الدبلوماسيين الذين لا يلتزمون بقواعد وسلوك الدبلوماسي. الرصيد المؤهل له بأن يكون سفيرا هو ولاءه المحسوب للرئيس الإرتري. وهو ليس من الحرس القديم في الجبهة الشعبية ولا من مجموعة (وارساي يكألو) ولم يكن مقاتلاً فقط كان من الطلاب الملتزمين بخط الجبهة الشعبية إبان معركة التحرير، ونشط في إطار ما يعرف بالمنظمات الجماهيرية. وكان أول ظهور له على الساحة السياسية في العام 1992م بعد الاستقلال حيث عين قنصلا عاما في باريس وبرز أكثر خلال تصريحاته من هناك التي تعاقبت مع زيارة الرئيس الإرتري العلاجية إلي إسرائيل حيث طلب من مجموعة الإعلام العربي في باريس لمؤتمر صحفي للدفاع عن الرئيس حيث شن هجوما واسعا على الدول العربية خلال المؤتمر الصحفي لاستنكار الدول العربية زيارة رئيس النظام إلي إسرائيل وأنكر دانئيل الدعم العربي للثورة الإرترية. فبدلا من أن يكحلها عماها.
وأحدث أزمة كبيرة في العلاقات الإرترية العربية وتصدى له حينها الصحفي محمد طه توكل في عدة مقالات في صحيفة الشرق القطرية. وانتقد تصريحات دانئيل التي وصفها بتصريحات أشبه ما تكون من القائد الثوري في نيكارجوا دانئيل أورتيغا في أمريكا اللاتينية وهو يجهل كلياً العلاقة التاريخية بين إرتريا والعالم العربي الذي قدم دعم اللا محدود وإرتريا إبان معركة حرب التحرير.
واشار توكل أن دانئيل ربما تحدث عن الثورة في نيكارجوا وليس في إرتريا. ونشرت حينها في الصحيفة القطرية تصريحات عدد من المسئولين الإرتريين التي تعبر عن عمق عن العلاقات التي تربط العرب بإرتريا منهم وزير الخارجية الإرتري حينذاك محمود شريفو ومسئول الدائرة العربية بالخارجية الإرترية والسفير الإرتري الغير المقيم في قطر حينها محمد عمر محمود ، وفندوا ما صرح به دانئيل وقتها متسبباً في أزمة مما اضطرت وزارة الخارجية أن ترسل إليه رسالة تحذره من عدم التحدث والتصريح في العلاقات العربية الإرترية مما جعلت دائنيل أن يقدم اعتذاره وحمل مترجم اللغة العربية مسئولية ما حدث.
كما تسبب في أزمة حادة بين أسمرا وباريس على إثرها تم سحبه وعين خلفاً للسفير الإرتري حينها في جيبوتي عبد الله أدم الذي عين حاكم لإقليم دنكاليا. كما أن فترته التي قضاها في جيبوتي لم تفلح فقد أدت إلي تدهور العلاقات الجيبوتية الإرترية ووصلت إلي أدنى مستوياتها فيما كانت فضائحه الأخرى التي تفوق فضائح أي دبلوماسي إرتري في الخارج الحديث الشاغل لطاقم السفارة وقام بعملية إعفاءات وفصل بعد الموظفين وخلق حالة من التوتر فاقت سخونة العلاقة التي توترت على خلفية النزاع بين إرتريا وإثيوبيا، وساهم دانئيل (بصب الزيت على النار) وانتهت بسحبه إلي اسمرا ليعين بعد أن كان في منصب سفيرا إلي نائب السفير الإرتري بنيجيريا والتي شهدت سفارتها انضمام الدبلوماسيين بالكامل إلي معسكر المعارضة عدا دانئيل وإحدى موظفات السفارة. وكان ابرز من انضم إلي المعارضة منهم السفير أدحنوم قبري ماريام. على إثرها عين سفير إرتريا في نيجيريا إلا أنه تسبب في خلق الأزمات حيث كذب مؤخرا تصريحات وزير خارجية الدولة المستضيفة له نيجيريا الذي أشار إلي طلب إرتريا للرئيس النيجيري بالتوسط بين أسمرا وأديس أبابا وقال دانئيل أن هذا لا أساس له من الصحة. وقال ان الرئيس الإرتري لم يطلب أصلا وساطة الرئيس النيجيري بينه وبين إثيوبيا.
إلا أن أخر أزمة يفتعلها دانئيل كانت أزمة مفاوضات أبوجا بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور بعد ان قام بتوجيه انتقادات الغربية والعنيفة على الحكومة السودانية بعد أن ظهرت بودار خلاف حول التمثيل الإرتري في المفاوضات التي انتهت بأن تكون إرتريا مستشاراً لحركتي دارفور.
هذا هو نموذج الدبلوماسية الإرترية في الخارج التي ينطبق عليها القول (ومن شابه أباه فما ظلم)
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=4576
أحدث النعليقات