” تحليل إخباري” قراءات هادئة للتحولات المرتقبة في إرتريا
مركز الخليج GIC
21/11/2006
بكل الحسرة والألم نتابع مسلسل إهدار الحكومة الإرترية لفرص السلام المتاحة وانتهاجها سياسة (خروجنا من بادمي يعني إن الشمس سوف لن تشرق من جديد) التي تسببت في سكب جهد (الشعب الإرتري ) عرقاً ودماً ودموعاً وحياة كاملة ، وها هي تصر هذه الأيام على مواقفها السابقة وتطلق التصريحات تلو التصريحات مهدده ومتوعده ومنتقده للجهات الأممية مستبقة القرار الذي من المتوقع أن تصدره لجنة التحكيم الدولية حول الحدود خلال الأيام القادمة والذي سيكون فاصلا بعد أن أعطت فرصة كافية لتطبيق القرار السابق وهذا القرار المرتقب طبق أم لم يطبق ستخلى بموجبه لجنة التحكيم الدولية مسؤوليتها بوضع هذا الملف على طاولة مجلس الأمن الدولي وهذا الإجراء سوف لن يكون من صالح حكومة اسمرا على خلفية تاريخها السيئ مع الجهات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة واتهامها الدائم لها بالتبعية والاستعمارية وبأنها ملحقات للهيمنة والاستخبارات الغربية إلي جانب شنها بين الحين والأخر هجوما علي صاحبة اليد الطولي في مجلس الأمن الولايات المتحدة الأمريكية والتي عد استقالة وزير دفاعها دونالد رامسفيلد صفعة قوية للحكومة الإرترية حيث كانت هذه الوزارة هي الجهة الوحيدة التي تتعامل معها حكومة اسمرا ويزداد وضع اسمرا تعقيدا إذا علمنا أن وزير الدفاع القادم هو الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية الجهة التي طالما تعرضت لانتقادات لاذعة من الحكومة الإرترية , كما أن جماعات الضغط ذات التأثير المباشر علي مجلس الأمن مثل التجمعات الكنسية التي طالما تنعمت الحكومة الإرترية بدعمها تشهد هذه الأيام فتورا ملحوظا بعد الدعم والتعاطف الذي أبداه افورقي لمليشيات المحاكم الإسلامية في الصومال ، كل هذه الدلائل تشير أن وضع ملف الحدود أمام مجلس الأمن سوف لن يكون من صالح الحكومة الإرترية وان مسالة الحدود سوف تستمر في التعقيد والتصعيد ولن تحل إلا بتنازل أو بزوال احد النظامين .
نشوة الانتصار الدبلوماسي
ولا نعتقد أن تتنازل الحكومة الإرترية التي تعيش حاليا نشوة الانتصار الدبلوماسي كما يروج احد ابواق النظام في الخارج وذلك برعايتها لاتفاقية شرق السودان الذي توصل فيه الطرفان إلي تقسيم عادل للثروة والسلطة ،و في تقديرينا أن الأمر لا يجب أن يجلب مزيدا من الجدل حول كونه نصرا دبلوماسيا للحكومة الإرترية حتى لا يبدو السجال الوطني دائما في ما لا طائل فيه ، ومن الحكمة أن يعيد من يروج لهذه الترهات النظر في الدراما كلها من الزاوية المتعلقة بصناعة الهم الوطني , “هقدف” يعاني بصورة خطيرة للغاية من آلية تحديد الهم الوطني الذي انحصر في وجود أنظمة فاسدة في دول الجوار لابد من إسقاطها وهيمنة غربية من الخارج لابد من إحجام دورها وضاعت قضية الشعب الإرتري في الداخل تماما.. قضية شعب كامل يعيش في غرفة العناية المركزة.. قضية شعب يلاقي القهر والاضطهاد والتشريد والتعذيب والتنكيل مما ملأ في نفسه الرعب والخوف من كل ذي صلة بالوطن ، حاكما كان أو محكوما حتى وصل المرحلة التي تشابهت عليه الأشياء ولم يعد يفرق في التفكير بين الوطن و(هقدف) لان الأخير _كما يقولون صدقا _ استخدم الأول خنجرا في صدر الشعب حتى أصبح التحدث عن أوجاعه موجعا ، وبفواجع وطنه مفجعا ,ونأسف إن نقول انه في الوقت الذي تتداعى فيه المنظمات الطوعية لمساعدة الشعب الإرتري الذي يتضرع جوعا ويعاني من انعدام السلع الاستهلاكية وطابور الخبر اليومي خير دليل على ذلك نرى الحكومة الإرترية تنفق إنفاق من لا يخشى الفقر على تسليح ودعم حركات التمرد في دول الجوار ليتبقى في أرضنا مالا ينفع الناس واقعا وشرا مستطيرا ونراها تتحدث عن انتصار دبلوماسي كبير متناسية تماما هموم الوطن وغم المواطن ، ألم يكن من الأجدر للحكومة إن تدفع أموالها (التي جمعت من حر مال الشعب) في تحسين المستوى المعيشي والتقليل من مستوى الفقر وسد رمق هذا الشعب الجائع ، ألم يكن من الأجدر لو تفرغ “هقدف” لهم الوطن وغم المواطن بذات حرصه على استقرار امن دول الجوار . ولكن “هقدف” ومن خلفه أبواقه في الخارج يصر أن لا يضع الوطن و المواطن أكبر همه ولا جوهر قضيته ، ويغرق نفسه يوميا في شؤون دول الجوار، وفي بحر تلك الزوبعة تذوب قضايا الوطن الحقيقية و تغرق هموم المواطن الأصلية وتتبخر أصول الأشياء ويطفح على السطح مستقبل وطن ذي ملامح رمادية أقرب للسواد مما يعكس لنا مدى بعد المسافة بين الحكومة و الشعب الإرتري الذي ينتظر من حكومته مطرا في موسم الجفاف ، فالشعب الإرتري في وادي الأمل الكسير و الرجاء المتوجس ولكن حكومته في وادٍ غير زرع ولا أمل أو رجاء، والحل في نظرنا أن يعقد “هقدف” مؤتمره ويعيد سياساته ويتصالح مع نفسه أولا ومع شعبة ثانيا ويطلق الحريات وسراح السجناء و إلا فان إرتريا مقبلة على هاوية الانهيار الاقتصادي والسياسي .
السودان
وفيما يتعلق بالسودان وتطبيع علاقاته مع إرتريا فإننا نرى أن من حق الخرطوم أن تستثمر كل جهد يصب في خدمة مصالح شعبها ويهدف إلى ألمحافظه على أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها (ويا ليت تحذو اسمرا حذوها )، كما أن من حق السودان الشرعي أن يحل مشاكله بالوسائل السلمية في إطار تسوية شاملة تضمن وحدة السودان واستقراره وسيادته وسلامة أراضيه واستقلاله وفق عقد سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي عادل يتراضى عليه أهل السودان .
ونحن نؤمن أن التطبيع في النهاية سوف لن يكون إلا لمصلحة الشعب الإرتري حيث سوف يتمكن به من تمتين وشائج الترابط والتواصل الحضاري والثقافي مع الشعب السوداني الشقيق الذي أراد له نظام “هقدف” أن يكون معزولا عن محيطه العربي والإسلامي , كما نؤكد أن السودان لم يكن يوما مصدر قلق وإزعاج لحكومة اسمرا بقدر ما كانت اسمرا كذلك التي تبنت منذ منتصف التسعينات مشروع إسقاط حكومة السودان ثم تخلت عنه وتتبنى ألان مشروع إسقاط حكومة إثيوبيا .
المعارضة الارترية
أما المعارضة الإرترية فكان عليها أن تستفيد من مناخ الفرص التي كانت مواتيه وتتجاوز قضاياها الجزئية إلي قضايا ذات بعد استراتيجي وسبق أن نوه مركز الخليج غير مره بأن على المعارضة تفعيل تنظيماتها وخلق آليات جديدة تجعلها قادرة على مواجهة التحديات السياسية في المنطقة لتكون مقبولة لدى القوى الإقليمية والدولية كبديل للنظام القائم وخلق أجهزة ومؤسسات تكون بداية لبناء الدولة الديموقراطية و تقديم أنموذج للمشاركة الحقيقية لمكونات الشعب الإرتري واقتسام السلطة كبرلمان في المنفى أو حكومة مؤقتة معترف بها من بعض الدول أو الإعلان عن مؤسسات ثابتة كبداية لدولة القانون والمؤسسات،ولكن للأسف أهدر الوقت في قضايا جزئية وانصبت بعض التنظيمات في تعبيد الطريق ونست الهدف الذي من اجله يجرى تعبيد ذلك الطريق وظلت لفترة من الزمن منكئفة علي الفرعيات ومتجاهلة الأساسيات لسنين عجاف ولدت التشتت التي غاب عنها الرشد والوعي والجهل بطرائق المعارضة الرشيدة ، وتم فيها تجريد تلك الأحزاب من مقومات البقاء وأعطوا الحزب الحاكم طول البقاء ومنحوه روح التطاول في البنيان , ورغم أيمانا العميق بان معارضة نظام” الهقدف” ليست محصورة بقوى سياسية معينة بقدر ما هي معارضة شعبية لكل صنوف الظلم الاضطهاد الواقع علي الشعب الإرتري وما نراه من حراك مدني وإعلامي كبير لجميع شرائح المجتمع الإرتري من جنوب أفريقيا إلي واشنطن إلا دليل على ذلك إلا إننا نقول على القوي السياسة أن تقف وقفة مع ألذات وقفة للتقييم والتقويم وان لا تكون أسيرة الماضي وعليها أن تتحرك برؤية جديدة لتقود زمام المبادرة .
إرتريا والأمم المتحدة
وفي سياق التطورات المتلاحقة يبدو أن إرتريا مقبلة على مزيد من المواجهات بحلول العام الجديد خصوصا مع الأمم المتحدة ورحيل امينها العام كوفي عنان الذي تعاطف بشكل ملحوظ مع معظم النزاعات في أفريقيا باستثناء قضية دارفور التي تسببت فيها الدعاية الغربية بتشكيل الصراع على انه بين عرب وأفارقة حيث لم يكن كوفي عنان موضوعيا في التعاطي مع قضية دارفور بقدر ما كان مع القضايا الأفريقية الأخرى خصوصا قضية الحدود بين إرتريا وإثيوبيا حيث أولاها اهتمام كبير وخاص ومارس مع إرتريا سياسة ضبط النفس كما أن فريق العمل الممسك بالملف لم يكونوا يرفعون تقارير كاملة عن انتهاكات الحكومة الإرترية والتي كانت تصل في بعض الأحيان إلي حد التجريح الشخصي لكوفي عنان وذلك باعتبار أنهم أفارقة
كما لم يكونوا يتعاملون بسياسة ردود الأفعال رغم كل الاعتداءات التي تعرضت لها الأمم المتحدة من حكومة اسمرا ابتداء من حظر الطيران وانتهاء باتهامها بالجاسوسية وذلك لاعتبارات خاصة ولكن برحيل عنان وقدوم الأمين العام الجديد ستكون حكومة اسمرا في مأزق حقيقي سيما وان القادم محسوب علي الولايات المتحدة ولن يكون متساهلا مثل خلفه مع إرتريا وإذا لم تحل إرتريا مشكلتها في عهد عنان فان الموقف مقبل علي مزيد من التعقيد ونظام “هقدف” مقبل علي مزيد من المواجهات مع الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40707
أحدث النعليقات