تحليل استراتيجى ونقدى لمواقف وتكتيكات المعارضة الارترية ( 2 من 3 )

د. عبدالله جمع ادريس

3 سبتمبر 2012

 

   فى البدء اسمحوا لى أن احيى ذكرى انطلاق الثورة الارترية المجيدة فى الفاتح من سبتمبر التى هى مصدر فخرنا الأشم, وأترحم على القائد الشهيد – حامد ادريس عواتى- مفجّر الكفاح المسلح وصحبه الميامين, واحيّى كل شهداء ارتريا الاماجد.

  وأعود الى موضوع اليوم من حيث انتهينا فى الجزء الأول, حيث ذكرت أن قيادات المعارضة فشلت بحسب علم التخطيط, فتحديات الواقع السياسى لم يتم الاجابة عليها- على صعيد الممارسة- بالرغم من توفر الاطار النظرى, كما أن الفرص يتم اهدارها, أما المخاطر فلا خطط لمجابهتها.

   ان توفر الاطار النظرى للاجابة على التحديات لا يعفى المعارضة من ضعف الخطاب السياسى العام وارباكه للمتلقى, هذا وقد توصلت المعارضة الى وثائق ملزمة وتمثل مستوى عال من التفاهم على مستقبل البلاد بعد الديكتاتورية, وكانت البداية بميثاق التحالف الديمقراطى الارترى, ثم جاءت وثائق المؤتمر الوطنى للتغيير الديمقراطى لتجيب –نظريا- على سؤال كيف ستصبح ارتريا بعد (اسياس), والأهم من كل ذلك أنها ارتضت الحوار فيما بينها وسيلة حضارية لادارة الخلافات.

  ان الخطاب السياسى للمعارضة لا يخرج عن محاولة الاجابة عن التساؤلات التالية:

1) هل المشكلة فى ارتريا غياب الديمقراطية أم غياب العدالة؟

2) هل النظام عنصرى طائفى(كبساوى مقابل المنخفضات, حماسيناوى مقابل بقية الاقاليم, مسيحى مقابل الاسلام, ارثوذكسى مقابل الكنائس الاخرى) / اقصائى على اساس ثقافى (تغرنياوى على حساب العروبة والثقافات الارترية الاخرى) أم هو نظام فردى ديكتاتورى لا يفرق بين مكونات البلاد الا بحسب مصلحته؟

3) هل الأفضل أن تحكم ارتريا بنظام لامركزى ادارى ( تتوزع السلطات فيه بالقانون المشرّع من الحكومة) أم بنظام لامركزى دستورى ( تتوزع السلطات فيه بضمان الدستور)؟ ولا أحد يقول بالنظام المركزى- حسب علمى.

4) وهل النظام اللامركزى الدستورى ( الفيدرالية) على أساس جغرافى / اقليمى أم على أساس اثنى / قومى ؟

5) هل يتم التغيير بالوسائل السلمية ( التغيير الناعم) أم بكل الوسائل ( بما فى ذلك المقاومة العسكرية)؟

   وفى أى من الاسئلة أعلاه تفاصيل تستحضر الشياطين وتنزل لعنات البعض على البعض الاخر, وتوزّع الاتهامات المجانية وصكوك الوطنية جزافا.

   فى الماضى كان من الواضح أن الدعاية السياسية الفجّة تغلبت على الدعوة بالحكمة الى الأفضل والأصلح, لكن الحوار الذى انطلق وضع لبنات لسيادة الحكمة والمنطق, ونلحظ ( التنازلات ) العميقة من كل الأطراف عن ( خطوطها الحمراء) السابقة. البعض كان لا يختلف ( مبدئيا) مع النظام ويرى المشكلة فى وجود اسياس ويعمى أن يرى الخلل الكبير فى تكوين الدولة والظلم الفاضح على اساس دينى وجهوى واثنى انطلاقا من الانانية الطائفية والجهوية, وكانت قوى ترفض الجلوس الى التنظيمات (العلمانية), بل أنها (اتهمت) جهات اخرى بذلك ! وبالمقابل فان جهات كانت ترى رجعية القوى الاسلامية وضرورة اقصائها, والبعض يرفض الفكرة الفيدرالية مبدئيا, أو يرفض الاساس القومى والاثنى الذى تقوم عليه بعض التنظيمات, والبعض كان يتمايز على أساس ( جبهة / شعبية), وكان الأسوأ وجود قدر من العنصرية الاثنية والدينية و الثقافية ( على طريقة نحنان علامانان / ونقيضاتها) فى خطاب البعض…. الخ.

   قد تجاوزنا كل ذلك الى رحاب الوطن الذى يسع الجميع, ولكن مازالت مشكلة التشرزم التنظيمى قائمة مما يحد من ثقة الجماهير بالمعارضة. وذلك ناتج عن التفاوض الصفرى ( الذى لا يربح فيه أحد ) والذى يدور فى أوساط المعارضة. فما ضرورة وجود هذا الكم الهائل من تنظيمات تحمل برامج متطابقة, يمكن حصرها فى ثلاث أو اربع اتجاهات رئيسية بحسب الاجابة على الاسئلة السابقة.

  لم لا تتجه القوى التى ترى خصوصية معينة فى طرحها الى انشاء منظمة مدنية للدفاع عن فكرتها بدلا من اقحام تلك الفكرة فى الصراع السياسى؟

    مثلا القوى الاسلامية يمكنها انشاء هيئات للدعوة الاسلامية ونشر أفكارها واجتهاداتها من خلال المنابر الاعلامية المختلفة, لتمكين الدين والفهم الدينى الصحيح فى اوساط الشعب, بدلا من رفع الشعارات الدينية مثل تطبيق الشريعة من دون ايضاح كيفية ذلك, وما هى الشريعة وهل تتوفر الشروط الموضوعية والشرعية لتطبيقها,وهل نطبقها تدريجيا بدءا من الاحوال الشخصية, وما موقع غير المسلمين فى الدولة وهل تطبق فى الاقاليم ذات الأغلبية غير المسلمة, وما معنى الالتزام بالدولة المدنية الذى اقرته كل القوى الاسلامية.. الخ, وأنا ارى أن الأولى هو العمل الاسلامى فى مجال الدعوة وتمسك المسلمين بدينهم ووحدتهم مثلهم مثل المسيحيين, وأن يعمل الجميع فى الاطار الوطنى كشركاء فى التغيير الديمقراطى والتنمية والسلام والدفاع عن الحريات واقامة العدل والمساواة, والشعب الارترى شعب متدين لن يفرّط فى حقوقه الدينية والثقافية.

   ولم لا يتجه أصحاب الفكرة الفيدرالية الى انشاء مركز أو معهد للدراسات الفيدرالية (أول من طرح الفكرة الفيدرالية هو المناضل برحتو متعه الله بالصحة) – وعدد التنظيمات التى تدعوا لها أكثر من نصف المعارضة, خاصة وان الفكرة تجد قبولا متزايدا, ولا ضرورة لقيام هذا العدد من التنظيمات السياسية التى تدندن حول الفكرة.

   ولم لا يكتفى حاملو (رسالة) جبهة التحرير الارترية بالعمل على توثيق النضال العظيم للجبهة, وعلى تكريم قدامى المناضلين بشتى السبل وما الى ذلك من العمل الاجتماعى والفكرى. وبالمثل لحاملى (رسالة) الجبهة الشعبية أو قوات التحرير الشعبية. ولم لا تتجه القوى المحسوبة بشكل أو اخر الى تلك التجارب الى الالتقاء فى تنظيم سياسى يلمّ شعثها.

   ولم لا نقيم شبكة لمنظمات حقوق الانسان (أى انسان) ونوحد الجهود فى هذا الصدد, ولا نخلط الحقوق الاساسية بالهواجس والمواقف الشخصية والجهوية والطائفية…الخ. وكل صاحب قضية انسانية يمكنه اشراك كل ابناء الوطن فى همه ولا يحتاج الى اقامة تنظيم (سياسى), وعجبت أن رئيس (تنظيم) يعلن فى أول اجتماع للمجلس الوطنى الارترى للتغيير الديمقراطى أنه ليس سياسيا!, ولكن كل همه هو رسالة تعليم الاجيال فى ارتريا!! وقس على ذلك اقامة تنظيم للدفاع عن حق قومية فى الاعلان عن نفسها ورفع مظالمها – ونحن مع هذا الحق- مثل حزب النهضة ,وجبهة العفر, وجبهة الكوناما, والساهو والبلين والنارا, وربما هناك محاولات اخرى –أقول يمكن لهؤلاء أو غيرهم أن يدافعوا عن مواقفهم من خلال تنظيم وطنى ارترى يعترف بتلك الحقوق, والأولى أن تتجه تلك التنظيمات الى الانضمام الى بعضها البعض أو الى غيرها من المنظمات الوطنية.

    ولم يصرّ
القوميون على تخويفنا من المستقبل فى بلادنا برفع شعار تقرير المصير للقوميات, وترجمته المنطقية هى الانفصال عن الوطن الأم على أساس قومى, فلم تقم فى التاريخ حركة قومية بالنداء الى ذلك الشعار الا وعينها على وطن لقوميتها.

   هذا, ومن ثم ننطلق لاقامة جبهة وطنية عريضة تقوم على المبادئ المتفق عليها, أو على الأكثر ثلاث أو اربع جبهات يتم التنسيق بينها فى اطار المجلس الوطنى للتغيير الديمقراطى.

    ومن الناحية الاخرى, كيف يمكن أن نتبادل الأدوار بين دعاة التغيير السلمى ودعاة المقاومة والمجابهة. مع أهمية كلا الطرحين. وفى هذا الجانب فأن المثبّطين يشيعون أن كلا الطرفين غير قادرين على القيام بتطبيق دعوتهما على الواقع, بالرغم من الشواهد التى تؤكد فرص كلا الطرفين لو احسنا استغلالها. بل أقول ان المشكلة فى تردد كليهما فى تفعيل الامور باتجاه ما يدعون اليه.

   ان الشعب الارترى لن يتفاعل مع شعارات المعارضة ما لم تتحول الى دعوات صادقة وفق خطاب سياسى لبق ولمّاح وشامل, دون اقحام الشعارات والتناقضات المربكة, والافكار المتعجلة, والمتقوقعة, وغير العقلانية.

 

  Aidris70@hotmail.com

تحليل استراتيجى ونقدى لمواقف وتكتيكات المعارضة الارترية – ( 1 من 3 ) »

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25596

نشرت بواسطة في سبتمبر 3 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010