تحليل سياسي ، قانوني، تأريخي ونقدي لتقرير لفريق عمل البحر الاحمر
النخب
الحلقة 148: تحليل سياسي وقانوني وتاريخي نقدي لتقرير:
“Eritrean Sovereignty and Ethiopia’s Quest for Red Sea Access”
The Red Sea Task Force: By EritreaFocus – March 28, 2025
التحليل السياسي والقانوني: ابسلاب ارتريا
المقدمة:
منذ أن نالت إرتريا استقلالها الكامل والمشرّع دوليًا في عام 1993، عقب نضال مسلح طويل وشرس ضد الاستعمار الإثيوبي، ودماء أبنائها لم تجف بعد من تراب الوطن، أعلنت للعالم أنها دولة ذات سيادة لا تقبل المساومة، ولا تُختزل في معبر، ولا تُختطف من التاريخ. ورغم وضوح القانون الدولي، وصراحة الخرائط، واعتراف الأمم المتحدة، لا تزال إثيوبيا، الجارة المهووسة بالأمجاد الزائفة، تلوّح بأطماعها القديمة وتحلم ببحر لم يعد لها، تارة باسم التاريخ، وتارة باسم الجغرافيا، وتارة أخرى باسم الإثنيات العابرة للحدود.
إن ما تفوّه به رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام برلمان بلاده في أكتوبر 2023، بوصفه البحر الأحمر “حدودًا طبيعية لإثيوبيا” و”مسألة وجودية”، ليس إلا امتدادًا لخطاب توسعي عنصري عدواني يضرب عرض الحائط بكل مواثيق القانون الدولي، ويهدد سلامة وسيادة إرتريا، ويبعث برسائل حرب إلى شعوب المنطقة، ويكشف عن نوايا استعمارية مدفونة تحت رماد إمبراطورية انقرضت.
والمؤسف بحق، أن التقرير الصادر عن “مجموعة البحر الأحمر” — الذي يفترض أنه دفاع علمي وقانوني عن السيادة الإرترية — قد تعثّر في لغته، وانكسر في منطقه، وسقط في محاولات توازن زائف، حينما قدّم قراءة غير متكافئة لمعادلة لا تقبل القسمة: بين دولة صاحبة سيادة، ودولة طامعة متغولة. لقد تهاون التقرير في تسمية الأمور بأسمائها، ولم يُسمّ العدوان عدوانًا، ولا الاستعمار استعمارًا، وترك الباب مواربًا أمام تسويات عبثية على حساب دماء الشهداء وحدود الأرض المقدسة.
ومن هنا، يأتي هذا المقال كصرخة واعية، ونداء قانوني، وتحليل سياسي، يضع النقاط على الحروف، ويخاطب النخب الإرترية والإثيوبية بلغة الحقيقة المجردة: لا مساومة على البحر، لا تفاوض على السيادة، ولا حياد في وجه الأطماع الاستعمارية المتستّرة باسم التعاون الإقليمي.
أولاً: أخطاء التقرير من الزاوية السياسية
- لغة دبلوماسية مائعة أمام خطاب عدواني:
التقرير يفتتح بانتقادات ناعمة لتصريحات آبي أحمد، ويستخدم عبارات مثل “ينبغي على إثيوبيا أن تتصالح مع سيادة إرتريا”، وهو خطأ فادح في الخطاب السياسي. فتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي لم تكن مجرد “موقف سياسي”، بل إعلان نوايا تهديدي يمهد لعدوان صريح على دولة عضو في الأمم المتحدة. - محاولة موازنة مصطنعة:
التقرير يسعى في نهايته إلى طرح “حلول وسط”، منها دعوة إرتريا للاعتراف بحق إثيوبيا في “العبور”، متجاهلاً أن هذا الحق موجود أصلاً ومكفول قانونًا بشرط المعاهدة الثنائية. لا حاجة إلى تنازلات لغوية توحي بتواطؤ ضمني أو تهدئة لا تستحقها إثيوبيا بعد خطابها التوسعي العدائي.
ثانياً: انتقادات قانونية حاسمة من وجهة نظر القانون الدولي للبحار
- إثيوبيا لا تمتلك أي “حق طبيعي” في البحر الأحمر:
القانون الدولي للبحار واضح وصريح. المادة 125 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) تمنح الدول الحبيسة “حق الوصول إلى البحر عبر أراضي الدول المجاورة”، لكن بشرط وجود اتفاق ثنائي وبما لا يضر بسيادة الدولة الساحلية. وبالتالي، لا وجود قانوني لمطالب إثيوبيا بـ”حق تاريخي” أو “حدود طبيعية”. - انتهاك إثيوبيا لميثاق الأمم المتحدة:
تصريحات آبي أحمد تشكل تهديدًا مباشرًا باستخدام القوة، وهو ما يتناقض مع المادة 2 (الفقرة 4) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر أي تهديد أو استخدام للقوة ضد سلامة أراضي أي دولة. تقرير المجموعة لم يسلّط الضوء بقوة على هذه المخالفة القانونية الدولية، بل اكتفى بعبارات مجاملة ضعيفة. - تجاهل جريمة الضم والاحتلال السابق:
التقرير يتعامل مع التاريخ كما لو أنه خلاف حدودي طبيعي، ويتجنب تسليط الضوء على الجريمة الكبرى: الضم غير الشرعي لإريتريا من قبل إثيوبيا عام 1962. هذا التجاهل يشوه الحقائق ويقلل من حجم الجرح السيادي التاريخي الذي لم يُعالج إلا بالكفاح المسلح والاستقلال بالدم.
ثالثاً: أخطاء في التحليل التاريخي والجغرافي
- التضخيم غير المبرر لدور “التراث المشترك”:
فتح باب الحديث عن “التراث المشترك منذ عهد مملكة أكسوم” هو محاولة خبيثة قد تُستغل لاحقًا من قبل القوميين الإثيوبيين لترويج فكرة أن إرتريا كانت دومًا جزءًا من إثيوبيا. التاريخ لا يُستخدم لتشريع الاستعمار، والحدود ترسمها الإرادة الشعبية والاستقلال السياسي، لا الأساطير الإمبراطورية القديمة. - إعطاء شرعية ضمنية للحجج الإثنية (قضية العفر):
التقرير يناقش حجج إثيوبيا المتعلقة بوجود شعب العفر على ضفتي الحدود، لكنه لم يدحضها بشكل صارم كما يجب. تواجد عرقيات على طرفي الحدود لا يعطي لأي دولة الحق في المطالبة بالأراضي. لو اعتمدنا هذا المنطق لأصبحت إفريقيا كلها في حالة فوضى حدودية.
رابعاً: تجاهل الكارثة الأخلاقية والرمزية
- إثيوبيا دولة معتدية تاريخيًا:
التقرير يتعامل مع إثيوبيا كطرف “متحاور”، بينما الحقيقة أنها دولة مارست احتلالًا دام أكثر من ثلاثة عقود، ارتكبت خلالها فظائع ضد الشعب الإرتري. كان الأجدر تذكير النخب الإثيوبية بأن مطالبهم اليوم هي امتداد لسياسة الاستعمار الإمبراطوري المهين الذي رفضته إرتريا ودفعت ضده أثماناً باهظة.
2.خطر تسويق التقرير دوليًا بهذا الشكل:
بهذه اللغة “المتوازنة”، قد يُستخدم التقرير لاحقًا كوثيقة تفاوض لإثيوبيا، لتبرير مطالبها في المحافل الدولية. وهو أمر بالغ الخطورة ويستوجب من الوطنيين الإرتريين إصدار رد توضيحي فوري بلغة قانونية وسياسية صارمة.
الخاتمة:
الرد الإرتري لا يجب أن يكون خجولًا، ولا دبلوماسيًا باردًا، لأن ما يجري ليس خلافًا حدوديًا بسيطًا بل محاولة لإعادة كتابة التاريخ وتفخيخ المستقبل. على النخب الإرترية أن تُدرك أن إثيوبيا لا تزال ترى إريتريا مجرد شريط ساحلي ضائع، لا دولة مستقلة كاملة السيادة.
والرسالة إلى النخب الإثيوبية واضحة:
انزعوا عنكم عباءة الاستعمار، وتخلّوا عن أطماع البحر، فلن تعودوا إليه إلا سائحين، أو عبر اتفاقيات تنظمها السيادة الإرترية فقط لا غير.
المراجع القانونية والسياسية:
- اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، 1982 (UNCLOS)، المادة 125.
- ميثاق الأمم المتحدة، المادة 2، الفقرة 4.
- مبادئ “أوتي بوسيديتيس” (Uti Possidetis Juris)، 1964، منظمة الوحدة الإفريقية.
- قرارات الأمم المتحدة بشأن استقلال إرتريا، وخاصة قرار الجمعية العامة 47/230 عام 1993.

إلى اللقاء في الحلقة القادمة، …….
ابسلاب ارتريا
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47521