تشخيص حالة الاعلام الارتري المعارض والبحث عن نقاط تنسيقية بين وسائطه
بقلم: يوسف إبراهيم بوليسي
تحدثنا في الاسبوع الماضي عن وهن النظام وضعفه وبدء تهاوي اركانه واحدا تلو الآخر وقلنا ان المرحلة تتطلب رفع سقف التنسيق بين قوى المعارضة الارترية سواء في الداخل او الخارج الى اعلى درجاته بغرض الانقضاض على النظام. وحددنا المجالات التي ينبغي ان يطالها التنسيق وقلنا ان الحد الادنى منه يتحتم ان يشمل المجال السياسي والتعبوي، المجال الاعلامي والمجال الدبلوماسي.
اليوم سنناقش اهمية التنسيق في المجال الاعلامي بين قوى المعارضة من حيث ان الاعلام يشكل حجر الزاوية التي يعتمد عليها نجاح اي فعل سياسي مقاوم.
يفرض النظام سيطرته على المجتمع من خلال سيطرته على أجهزة الدولة (البيروقراطية الحكومية) و أدوات القمع (الجيش والشرطة) و من خلال قيادته للعملية الاقتصادية عبر ما يسمى بشركة البحر الاحمر. ويستخدم الإعلام عبر منهجية و آلية محكمة – ليمكّنه من بناء رأي عام متوافق مع توجهاته..
المعروف ان وسائل الإعلام أصبحت في المجتمع المعاصر تؤدي وظائف على درجة كبيرة من الأهمية، كتزويد أفراده بالأخبار والمعلومات، وتقديم التحليل والتفسير لهذه المعلومات، فضلا عن مهام اخرى ليست ذات اهمية في العمل الاعلامي الارتري المعارض.. وهذا التفاعل بين هذه الوسائل والمجتمع يسهم إسهامًا فعّالاً في تطوير هذا المجتمع، ويبشّر بميلاد الدولة العصرية المرتقبة، أي أن هذه الوسائل تستطيع تقديم أفضل الخدمات، الأمر الذي ييسر للجماهير أحسن فرص التعليم والمعرفة والالمام بقضايا وطنها وتطورات الاحداث به.
وفي الحالة الارترية… التي لم تشهد نموا طبيعيا للفعل الاعلامي وادواته بداخل الوطن، نتيجة لكبت النظام القمعي لافواه الناس وكبحه لجماح التعبير الحر بكل انواعه منذ استيلائه على زمام الامور بعد الاستقلال، نجد أن “الإعلام الحر” الذي اختار مقارعة النظام كان الاعلام المهاجر متمثلاً في المواقع الالكترونية والاذاعات ولاحقا وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والتوتير والبالتوك وغيرها، حيث ساهمت هذه الوسائل مجتمعة في تمكين الناس من التعبير عن أنفسهم بحرية واستقلال بعيدا عن تحكم النظام وتوجهاته.
و لو اعتبرنا إن الممارسة الاعلامية في هذه الوسائل ادت الى تطور الكثير من المفاهيم التي ظلت في ارث الثورة من المحاذير كاحترام الرأي والرأي الآخر والجلوس مع النقيض في الرأي والاستماع اليه، وكذا التطرق للكثير من المواضيع التي تخص المجتمع الارتري والتي كانت لفترات قصيرة من المحظورات والبحث عن حلول لها بهدف تقوية اللُحمة الوطنية على اسس سليمة وصحيحة، الا انها في المقابل ادت -اي الممارسة الاعلامية- الى ظهور بعض الجوانب السلبية التي لا تخدم المصلحة الوطنية كالتعدي على حقوق الاخرين دون وجه حق ومناقشة الافكار بالنظر لمن يروج لها وليس مناقشة محتوى الافكار في حد ذاتها، وكذا جنوح البعض الى استخدام هذه الوسائل الى التشهير بالاشخاص واثارة القضايا الانصرافية التي تلهي الناس عن القضايا الهامة التي ينبغي التركيز عليها في مقارعة النظام، فضلا عن غياب اهم رافد من روافد العمل الاعلامي الصادق والمتمثل في عدم تدوين أخلاقيات العمل الإعلامي ومواثيق الشرف و قواعد السلوك المهنية التي من المفترض ان تتحكم في التعامل مع التجاوزات التي تظهر هنا وهناك.
من هنا على العمل الاعلامي الارتري المعارض ان يسعى الى التنسيق في الآتي:
1- خلق آلية اعلامية وطنية تعتمد على الكفاءات الاعلامية والسعي بتدخل مدروس للمشاركة مع أصحاب “الأصوات الحرة”، الذين لا يمتهنون بالضرورة مهن إعلامية، ولكن لديهم محتوى ورسالة يريدون مخاطبة الرأي العام بها، على صياغة سردياتهم المستقلة، جنبا إلى جنب مع آليات تنظيم العمل الجماعي والتنسيق التعبوي والدبلوماسي.
2- خلق بيئة لتبادل وتشارك المهارات والممارسات الجيدة، بيئة داعمة على التعبير الحر وخلق المساحات الحرة وبالتالي كسر احتكار السرد لاصحاب المواقع والاسهام في ارساء ركائز الاعلام البناء والمسئول.
3- تحديد الاولويات والتركيز عليها والتعبئة الشاملة في كل الوسائل على بلورتها وغرسها بين الجماهير مما يساعد على الاسراع في التخلص من النظام.
4- تداول ونشر ابجديات اخلاقيات المهنة ووضع ميثاق شرف ينظم العمل الاعلامي المعارض وبالتالي خلق ارضية صلبة للاعلام الحر المنشود بعد اسقاط النظام وزواله.
5- الابتعاد عن المهاترات والتعدي على الاشخاص لمجرد الاختلاف مع ارائهم، والبحث عن عوامل التقريب لبلوغ حد ادنى من الاتفاق على المسائل الوطنية بين قوى المعارضة الارترية.
6- العمل على تأسيس اتحاد للصحفيين في المهجر يرسي دعائم اساسية لتنظيم العمل الاعلامي وخلق ارضية قوية للممارسة الاعلامية المسئولة والبحث عن وسائط معينة تسعي الى التنسيق في طرح القضايا الهامة وتدعيم الثوابت
المهم هنا هو كيفية استثمار معطيات هذه الوسائل، وتلافي السلبيات التي تنجم عنها والتي قد تضعف من إيجابيتها، لتتحمل مسؤولياتها في الإعلام والتعليم والتثقيف، وذلك انطلاقًا من المكانة الكبيرة التي تحتلها وسائل الإعلام كواحدة من أهم روافد تشكيل الفكر وبناء الرأي العام والدفع بالعمل الاعلامي المعارض الى الامام.
والإعلام بهذا يصبح المظلة التي تتحمل مسؤولية تحقيق الأمن والسلام الاجتماعي، بعد أن تحوّل إلى أداة مسؤولة يجب أن تعمل بوعي من أجل الحرية، العدل، التنمية والتثقيف، وحل الصراعات الاجتماعية، بأسلوب حضاري، وتربية المجتمع على المبادئ الوطنية وبث الروح فيها، وإعلاء القيم المكتسبة ابان الثورة وبالتالي الولوج بالمجتمع الى مرحلة ما بعد سقوط النظام وتطمينه بالامن والامان اللذان سيسودان في تلك المرحلة . وواجبنا الآن أن ننبه إلى أهمية هذا الدور، وذلك من خـــلال تقديم كل جديــد يقـوم على التنـوع ويتســم بالمصداقية.
وهذا يعني أنه لابد من التنسيق بين الوسائل المباشرة وغير المباشرة، لتحقيق الغايات المستهدفة، بل يجب أن تتناغم وتتوافق جميعها لكي تؤدي كل واحدة منها المسؤولية المنوطة بها في هذه المرحلـــة، فلا يمكن الاستغناء بالوسائل الإلكترونية الحديثة عن الوسائل التقليدية القديمة، فلكل منها دور محدد، ومجال معين، ووقت معلوم، فإذا كان الاتصال المواجهي أكثر قدرة على الاستمالة والإقناع، فإن الاتصال الجماهيري أكثر قدرة على التبليغ والانتشار.
ختاما هذه نقاط مطروحة للنقاش وهي مجرد افكار قابلة للتعديل والاستزادة … المهم هو البدء في التنسيق الاعلامي الذي سيؤدي بالضرورة الى دفع التنسيق بين القوى السياسية الارترية في مختلف المجالات.
ولك المجد يا شعبي يا قاهر الظلام
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=31759
أحدث النعليقات