تفكيك النسيان (4)

بقلم : محمد اسماعيل هنقلا

تتكون أسرة محمد عثما هنقلا ، من ابراهيم كبير الأسرة وعبدالله في الوسط وعبد الرحمن اخر العنقود ، وهذا الأخير شملته حملة التجنيد الإجباري ، أما عبدالله خرج من حلحل مع بعض شباب المنطقة قاصدا العلم وقبل ان يصل منطقة الخلاوي ، لحق به أخيه إبراهيم . وعندما رأى عبدالله قدوم ابراهيم الي المكان , عرف ان مسار سير رحلة العلم ,خلاص توقف في هذه المحطة . رحب عبدالله وجماعته بإبراهيم , وضيفوه من الزاد الذي معهم …. وممازحا احد أفراد الجماعة ضمن سياق الدردشة قال له : ان شاء الله تنضم الي قافلة الرحلة يا ابراهيم , مبتسما قال :-ان شاءالله خير .

بعدما أخذ قسطا من الراحة ،طلب ابراهيم الانفراد بأخيه عبدالله بعد ان استأذن من الجماعة ..وعلي الانفراد ناقش ابراهيم مشكلته مع عبدالله ، مخاطبا مشاعره،وفي النهاية طلب منه العدول عن الرحلة ،و ردد له قائلا حتى يكون مقتنعا : – عبد الرحمن اخذوه الطليان الي العسكرية وأنت كذلك تركت الدار ، ياخي ،أنا لوحدي ، لا أستطيع ان حمل كل تلك الأعباء ،الزارعة ،والرعي ،ارجوك ارجع وقدر ظروفي ،وظروف الأهل.
عبدالله جالس تحت ظلال الاحترام ،ومن تحت هذا الظلال ،يستمع الي كلام أخيه إبراهيم ،وفي الأخير وافق ،دون اي احتجاج .ومن طبع عبدالله انه في الأغلب لا يعاند أخيه وبقية أفراد الاهل . وقطع مسيرة السيره، ورجع مع أخيه بعد ان ودع صديقه عبدالله عجيل وبقية الأصدقاء ، الذين تحركوا من حلحل قاصدين العلم ، وصديقه عبدالله عجيل اكمل مشوار الطريق والتعليم وأصبح قاضيا .
كنت في زيارة الي مدينة تسني مع خالي وعمي في نفس الوقت محمدعلي هنقلا وكانت الزيارة في اجازة مدرسية ،كنت ادرس في مدرسة أم سفري في قرية عواض .
محمدعلي هنقلا كان له دكان ومن ضمن الرواد كان عمنا عبدالله عجيل وبعد أيام من وصولي قصدت الدكان ووجدت القاضي عبدالله عجيل في المكان .رجل جالس على الكرس ،لابس جلابية وسروال وعمة ويضع شال حول عنقه , ومحمدعلي واقف خلف طاولة خشبية المحملة بميزان نحاسي وعيارات الاوزان. وكانا يتناقشان في أمور دينية واعتقد مصدر النقاش ينبع من الكتاب الذي كان في يد القاضي عبدالله عجيل ،كتاب غلافه قديم يشبه الكتب الكلاسيكية من حيث نوع الغلاف . هذا فقط ما أتذكره من الكتاب . وبعد ان سلمت عليهما ،سألني خالي محمد علي هنقلا كيف تسني معاك ،هل احببتها ،أم ،لا : نعم حتى الان كل شئ في تسني تمام . الرد كان يحمل في داخله نوع من المجاملة …
تسني كانت تعاني كبقية المدن الارتيريا من متاعب اقتصادية نتيجة ضعف التواصل مع المدن الأخرى باستثناء كسلا ،وهذا انعكس بدوره في اغتيال نشاط وحيوية المدينة ،و من أهل المدينة من يغادر المكان ، غالبا لا يعود .
وكما مارس سياسة الأرض المحروقة العدو الإثيوبي ،في الريف الارتيري . نفس سياسة العدو نراها في هذه الفترة ، وبأسلوب مختلف ، حيث تتعرض المدن الي النزيف الاجتماعي والاقتصادي ،نتيجة مضيقات الجيش الإثيوبي للشعب .

كانت الحركة بين المدن تتم من مدة الي أخرى عبر قافلة سيارات ترافقها عربات الجيش الإثيوبي،خوفا من الثوار ، وبرغم أخذ الحيطة والحذر ،كانت الضربة تأتيهم . ولهذا وصول البضاعة وكذالك تنقل الناس كانت تواجههم صعوبة، نتيجة حرب التحرير الدائرة ، لاشئ اكثر ثقلا من تلك الحالة على أهل مدينة ، تقاسمت معهم هذه الحالة أيام معدودات فقط ،ثم غادرت المدينة الي مكان الأمن والأمان من حيث اتيت . وبعد مدة ليس بقصيرة من هذه الزيارة ،أهل المدينة أيضا ،كلما سمحت لهم الفرصة بدأوا يغادرون الي اماكن آمنة إنغاذاً لأرواحهم .ثمة تم تحرير مدينة تسني من قبل جبهة التحرير …ضمن حملة التحرير التي شملت تحرير مدن ارتيريا الأخرى …
وعندما رأي الحديث الودي بيني وبين محمد علي هنقلا . بحكم معرفته بالأهل سال عمي عبدالله من هذا الولد ؟ . اخبره محمد علي هنقلا ،من أنا أكون .
وعندما عرف تحدث عن تاريخ وقصة رحلتهم هو و عبدالله من اجل العلم ،وكيف ان ابراهيم والد محمد علي هنقلا ، لحق بهم في منتصف الطريق ورجع أخيه عبدالله بعد حوار طويل .
وهكذا تعرفت على عمنا عبدالله عجيل وحكاية مغادرته حلحل وهو وصديقه عبدالله هنقلا .
صحيح عاد عبدالله إرضاءا لأخيه ،لكن برغم من عودته لم يمكث فترة طويله مع الأهل .
هو أيضا لحق بمصير أخيه عبدالرحمن، ومصير بقية ابناء ارتيريا ،الذين زج بهم الإيطاليين في كل معارك المستعمرات الإيطالية .
ومع نهاية الحرب وهزيمة الإيطاليين عاد عبدالله وأخوه عبدالرحمن وبقية ابناء آل هنقلا ،بمافيهم والدي إسماعيل ،واخيه محمد إبراهيم ،عادوا بسلام الي ديارهم ..ومارسوا حياتهم الريفية، الرعي والزراعة ،اكثر نشاطاً وانتاجا من السابق ،التي انقطعوا عنها بسبب العسكرية مع الطليان … أما والدي كان طويل القامة نحيف الجسد ،لا تفارق يده عصا مزخرفة ،الا ،اثناء ذهابه الي المزرعة يستبدلها بعصا أخرى غليظة ومعها فأس وطورية . انه متحدث لبق يجذب أنتباه من يحاوره .
لاحقا التحق بوظيفة صغيرة ببلدية كرن …لكن لم ينقطع عن حياة الريف في موسم الزراعة كان يقوم بكل الأنشطة التي تتطلبها الزراعة ،حرث الأرض ،وعندما ينبت الزرع يقوم بتنظيفها من الحشائش الضارة ،ويحصد ماجادت به الأرض .وكانت هناك عادة وهي مرة في سنة كان يجلب بقرة حلوبة من الأبقار الموجودة ضمن أبقار الأسرة التي ترعي على حسب الموسم مرة تجاه عنسبا ،،ومرة تذهب تجاه بركا .ويتم إرجاعها الي القطيع ،واستبدالها ببقرة اخرى حلوبة

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=46045

نشرت بواسطة في ديسمبر 1 2021 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010