تقوربا … أم المعارك وميلاد النصر !؟
عمر جابر عمر
فى حيا ة الشعوب مواقف ومشاهد ومعارك تشكل جزءا من الذاكرة الجمعية لتلك الأمم حيث يحتفلون بها ويستعيدون أحداثها سواء كانت مفرحة أو مليئة بالأحزان .
منذ أكثر من ربع قرن كنت فى مؤتمر أ تحاد الطلاب العالمى فى ( براغ ) ممثلا لأتحاد طلبة أرتريا وتلقيت دعوة من أ تحاد طلبة الأتحاد السوفيتى لحضور أحتفال ( وطنى ) . وعندما سألت عن المناسبة قيل لى : منذ مأ ئتى عام ( قرنين من الزمان ) تم أ غراق باخرة معادية حاولت الهجوم على الشواطىء الروسية !؟ الأ مريكان يحتفلون ويذكرون حتى اليوم معركة ( بيرل هاربر ) والتى كانت سببا فى دخولهم الحرب العالمية الثانية والفيتناميون يحتفلون بمعركة ( ديان بيان فو ) ومصر تحتفل بمعركة ( العبور ) !! فى تاريخ الثورة الأرترية هناك معارك عسكرية كبيرة وحاسمة فى حجمها وفى الخسائر التى لحقت بالعدو … معارك تحرير المدن .. معارك مصوع ونادو أز ..ودقى أمحرى ..الخ لكن تقوربا كانت ( أم المعارك ) بلا جدال .. لماذا ؟ عودة الى الوراء… من مفاخر وأ بداعات جيل الآباء .. الكتلة الأستقلالية – ذلك الحراك السياسى والجماهيرى والذى تصدى لكل المؤامرات الأقليمية والدولية ورفع شعار ( الأستقلال ) عاليا – لكن المؤامرات الدولية أجهضت المشروع الوطنى وتم ألحاق أرتريا بأثيوبيا. ثم كانت جبهة التحرير الأرترية والتى أعادت بعث المشروع الوطنى لكن بوسيلة جديدة هى : الكفاح المسلح.
لقد واجهت جبهة التحرير الأرترية فى سنواتها الأولى حصارا أعلاميا ودبلوماسيا خارجيا كبيرا وعزلة جماهيرية داخلية خاصة فى المرتفعات الأرترية . لكن وللتاريخ قامت الجبهة بأتخاذ خطوات فى غاية الذكاء السياسى والحنكة الدبلوماسية لكسر ذلك الطوق الأعلامى والدبلوماسى وكسب الجماهير … أدركت أ ثيوبيا أن تدويل القضية وخروجها عن دائرة الحركة الداخلية ليس فى مصلحتها لذا أستخدمت الأوراق المحلية لأظهار الصراع وكأنه صراع داخلى ! بدأت بالبرلمان ودفعت الأعضاء للتصويت على الأ نضمام والعودة الى ( الأم ) أثيوبيا ! ثم أستخدمت الشرطة الأرترية ( البوليس ) لمطاردة ( الشفتا ) حتى تقول للعالم أنها مشاكل داخلية تخص الأرتريين وحدهم !؟ – لكن للتاريخ قامت جبهة التحرير بأتخاذ خطوات أدت الى أجهاض المخطط الأثيوبى .
!- قامت بحملة لأ قناع رجال البوليس بأنهم أبناء الشعب الأرترى وأن مكانهم هو مع أخوتهم فى الثورة . نجحت الحملة وأنضم المئات من رجال الشرطة بأسلحتهم الى الثوار.
2- بالنسبة لأعضا ء البرلمان الأتصال بهم فردا فردا ومحاولة أ قناعهم بترك قطار الأحتلال ونجحت المحاولات مع بعضهم بمن فيهم رئيس الوزراء ورئيس حزب أندنت السابق ( تدلا بايرو ) ولم تنجح مع آخرين فتمت تصفيتهم.
3- كان الهدف هو جر الجيش الأثيويى الى القتال مباشرة حتى يعترف العالم أنه أحتلال أجنبى. ولما ضاقت الحلقات حول النظام الأثيوبى ورأى فشل البوليس والكوماندوس فى قمع الثورة لم يكن أمامه الا أنقاذ حكمه ومحاولة القضاء على الثورة … خطط وأعد وأستعد لمعركة ( تقوربا ) وذلك ما كانت تنتظره الثورة ! كان بأمكان الثوار الأنسحاب من المنطقة وتفادى المعركة ولكن الى متى ؟ ذلك هو التحدى الذى كانوا ينتظرونه طويلا – لم تكن موازين القوة العسكرية متساوية ولكنها كانت مواجهة أرادة بقاء ووجود مقابل فناء وأبادة .أما أن تكون الثورة وتواصل مسيرتها أو ينكسر عودها وتتبعثر قواها الى الأبد …
لم يكن أ مام الثوار غير النصر ولم يكن فى مقدور جيش الأحتلال أن يفعل شيئا لأنه كان يسير عكس الريح وضد التاريخ.ومن هنا كانت مفصلية معركة تقوربا ومن هنا أصبحت علامة فارقة فى تاريخ الثورة الأرترية — كانت نقطة التحول الى ( تدويل ) القضية وأ عتراف النظام الأثيوبى بأنه يواجه ثورة شعب ! أنها رمز لأنتصار أرادة شعب وليس معركة عسكرية تقليدية تستخدم فيها خطط وتكتيكات وأسلحة متطورة وحديثة … لايمكن الحكم على معركة تقوربا بنتائجها العسكرية المباشرة على الأرض ( أكثر من ثمانين قتيلا من قوات الأحتلال وعشرات الجرحى ) ولا بحجم خسائر الثوار ( ثمانية عشر شهيدا) ولكن من خلال الهزيمة النفسية الكبرى التى لحقت بالعدو وبالمقابل الروح المعنوية العالية التى حلق بها الثوار بعد المعركة وأدركوا منذ ذلك اليوم أن العدو ( نمر من ورق ) وأن النصر قادم . نعم لم يكن بين قيادات تلك المعركة من درس فى أ كاديمية عسكرية ولم يكن بينهم من تعامل مع مواقع أسفيرية أو هواتف نقالة أو خارطة ميدان! كانوا ينظرون الى المستقبل ويحملون الأمل والوعد الحق … لم يفكروا فى أنفسهم والعيش الجسدى لكنهم فكروا فى ألأبناء والأحفاد وماذا سيقولون عنهم …فكروا فى الخلود والسمو الروحى وقد نالوا ما أرادوا وأعطوا ما وعدوا !!
تلك كانت ( تقوربا ) وتلك كانت معانيها ورمزيتها ومن هنا أستحقت أن تكون أم المعارك وميلاد النصر لأن بعدها توالت هزائم العدو وأرتفع صوت الثورة أقليميا ودوليا وأنهار جيش الأحتلال وفر هاربا ودخل الجيش الشعبى الى أسمرا.
سيظل يوم الخا مس عشر من ما رس 1964 محفورا فى الذاكرة الأرترية وستخلده الأ جيال عرفانا بالجميل وأ ستذكارا لرجال أشتروا المجد وضحوا بحياتهم من أجل كرامة وعزة شعبهم. هنيئا لشعبنا بذلك النصر وأن شعبا صنع مثل ذلك الأ عجاز لقادر على تصحيح مسيرته وتحقيق كل أهدافه البعيدة والقريبة والكاملة. وأن أحفاد هؤلاء الرجال لقادرون على أقتلاع وتحطيم أسوار الدكتاتورية وبناء دولتهم الديمقراطية – دولة العدالة والمساواة.
كان الله فى عون الشعب الأرترى
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=21402
أحدث النعليقات