تقوربا ملحمة التاريخ
بقلم: أبو همد حريراي
تدور رحى الزمان وتطول الأيام وتبتعد بنا المسافات عن واقع الحدث ولكن الحديث ذو شجون عندما يكون عن مرحلة زمنية تحمل في عمقها التاريخي للشعب الإرتري أروع البطولات التي سجلها أبطال التاريخ الإرتري لتكون نبراسا لجيل المستقبل فهل إلى تتذكر الأجيال هذه الملحمة التاريخية التي شهدها رجال تعاهدوا الوطن وتعاهدوا المواطنين الحرية والحرية التي لا تتجزأ وهذا المطلب كان عصيا على المؤمنين بروح الوطن إذا ما تأملنا ماكان بحوزتهم من عتاد حربي عندما قرروا شأن وطنهم ولكنهم استسهلوا الصعب في ركوب المطايا ونيل الأمنيات واسترخصوا كل غال ونفيس في سبيل الوطن والمواطن وفي سبيل المستقبل الذي ينتظر الأجيال اللاحقة من أبناء إرتريا المستقبل.
فهل حفظت لهم الأجيال اللاحقة هذا التاريخ ؟ وهل مازال في ذاكرة التاريخ المدون المقروء أو المتناقل المسموع يوم تقوربا ؟ ما اعرفه أنا وما يعرفه المخلصين من أبناء الوطن إن التاريخ سجل طويل وإن الشعوب مكونات حياتها الثقافية مرتبطة بحلقات تاريخها وتاريخ الثورة الإرترية إذا ما قلت شهد أروع نقلة بطولية في مرحلة النضال بيوم تقوربا قد يوافقني الكثيرين وإن اختلف معي البعض في الكيفية والنوعية التي حدث في التطور التاريخي الثورة الإرترية .
ومهما يكن من أمر القراءة المتباينة لتاريخ الأحداث التي توالت بعد الفاتح من سبتمبر وماحدثت فيها من بطولات ومعارك ولكن تقوربا كانت ملحمة تاريخية خلد لها التاريخ الإرتري يوما يحتفل به في كل عام ليجددوا الذاكرة للشعب الإرتري الباسل الذي ما حاد يوما عن دعم ثورته التي غيرت مجرى الواقع الجغرافي الذي حلم به هيلي سلاسي والقوى الاجنبية التي سعت دوما لعرقلة مسيرة التحرير الإرتري ولكن صلابة أبناء هذا الوطن وإيمانهم بقضيتهم كان أكبر من طموح المستعمر البغيض فانطلقت الشرارة الأولي بقيادة البطل حامد إدريس عواتي الذي خلد التاريخ اسمه على جبين كل إرتري فخور بإرتريا وثورتها وقد كان القائد عواتي ورفاقه الأبطال إيمانهم بعدالة قضيتهم أكبر من سفاسف الحياة فقدموا لنا أروع البطولات التاريخية بداية من معركة أدال (كارمرويت) التي أعلن فيها إنطلاق الشرارة الأولى للكفاح المسلح من أجل الحرية والكرامة وقد كان سبتمبر من عام 1961 يوم الولادة الحقيقية لتاريخ الشعب الإرتري
وفي فجر المجيد أدال أسر المناضل الشهيد بيرق محمد بيرق الذي استشهد في سجنه في عام 1969م ولكن لم تتوقف معارك البطولات والفداء ولم يتوقف المناضلين عن البذل والعطاء لوطنهم.
واستمر الكفاح المسلح وعادوا الكرة على العدو في سبتمبر في معركة أومال هتريت يوم 20/ 9 / 1961م وفيها أستشهد المناضل عبدُ محمد فايد وبهذا لقب في تاريخ الكفاح المسلح بأول شهيد للثورة الإرترية وتوالت بعده صفحات التاريخ لتدون الأسماء وتسابق الأبطال من أجل الاستشهاد في معارك البطولة والكرامة فحدثت معركة آمنايت القاش 15/ 11/ 1961م والتي اسر فيها المناضل الشهيد همد إيرا الذي مازال يذكرنا بشجاعة الرعيل عندما قال مقولته الخالدة والشهيرة في سلامة القائد الشهيد عواتي ” يمكنكم أن تجدوا العشرات من أمثالي ولكن من الصعب أن نجد مثلك يا حامد “
وبهذه الروح البطولية الفذة سطروا لنا تاريخا أشبه ما يكون بالحروب البطولية التي كانت تخوضها القائل العربية من الحفاظ على كبريائها في الجاهلية وتوالت الأيام وتوالت المعارك فجاءت معركة هناق هنجر في فبراير 1962م قدم فيها أبطال التاريخ الإرتري التضحيات الجسام وهزموا فيها أركان الجيش الإثيوبي الغاشم . وبعد خروجهم من هذه المعركة التي انتصروا فيها بدأ صيتهم لدى العدو يشتد وصوتهم عند المواطن يهز ويجلجل المشاعر وبدأت الأعناق تشرأب لسماع صوت الرصاص
وجاءت معركة بلا قندا التي دارت رحاها بتاريخ 30/ 3 / 1962م وهي المعركة التي أستشهد فيها المناضلان أحمد محمد إبراهيم قبة وأحمد فكاك الذين تركا أثرا كبيرا في نفوس المقاتلين ولكنهما لم يكونا آخر شهيدين ولم يثني عزم الأبطال استشهادهما فساروا على درب الاستشهاد واجدا تلو الآخر ولم يثنيهم عن مسيرة النضال الوطني موت شهيد أو جرح فارس من الفوارس وكأن الزمان يتوعدهم بمعركة فاصلة تكون قاصمة الظهر للعدو الأثيوبي في قلاع تقوربا ولكن سبقتها معركتي باب جنقرين وهيكوتا .
وسجل المعارك والفداء كان من أحب الأشياء للمقاتلين ولم يثني عزمهم على القتال استشهاد الشهي عواتي الذي كتموا أمره عن المواطنين سنين عدة حتى لا تضعف عزيمة المقاتلين وكما قال المناضل البطل والأب الفارس أبورجيلة في رسالته المفتوحة إلى أبناء الشعب الإرتري وهو يسرد التاريخ والتاريخ البطولي للرعيل الأول أنهم كانوا على أمانة وسرية تامة على أسرار الثورة فقال “أقسمنا أن نجعل هذا الخبر سرا يمنع البوح به حتى يقوى ساعد الثورة وقد بر رجال الرعيل بهذا القسم المهيب واستمرت مسيرة القتال تحت قيادة محمد إدريس حاج والذي أستشهد هو الآخر وهو يقود معركة عنسبا فخلفه في القيادة بابكر محمد إدريس والذي أصيب هو الآخر بمرض الملاريا واستشهد تحت وطأته في مدينة القضارف “
واستمرت مسيرت البطولة التاريخية التي تواعدت الأبطال بملحمة التاريخ الإرتري في تقوربا التي استبسل فيها أبطال إرتريا مع قلة عتادهم وعددهم وقدموا لنا أروع ملحمة تاريخية نسجلها في دفاتر التاريخ لأبنائنا في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم وتقوربا التي استهان بها نظام أفورقي الفاشستي ليست معركة وهمية ولكنها معركة بطولية سجلها رواد التاريخ بدمائهم الذكية ولم يتوانوا في سبيل الوطن يوما ومهما بذلنا في ذكراهم فإننا لانفيهم حقهم ولكن كل ما نطلبه من أبناء إرتريا أن يشهدوا لهم بهذه الملحمة الكبرى التي لم يكن لها مثيل على جبين التاريخ الإرتري والثورة في نشأتها وتطورها فتقوربا التي نمجدها اليوم ليست هي آخر معركة حدثة في البطولات الإرترية ولكنها تمثل لتاريخ الثورة مرحلة انتقالية عصيبة وقد حدث في ظروف كانت فيه الثورة بأمس الحاجة إلى الرجال والعتاد ولكن روح الفداء التي كان يتمتع بها أبطالنا كانت أقوى وأكبر من طموح المستعمرين وأبطالنا كانوا يحملون في قلوبهم الإيمان بعدالة قضيتهم وكانوا يحملون في قلوبهم إيمانا منهم بشعبهم الذي كان يتأمل فيهم مستقبل الوطن للوطن الحر والمواطن السعيد .وإذا كان من جميل نحفظه لهم فهو أن نسجل أسماءهم بأحرف من نور ومداد من ذهب حتى تكون في بريف لمعانها على مرّ التاريخ .
وقد ذكرني بها المناضل البطل قائد معركة تقوربا أبورجيلة متعه الله بالصحة والعافية عندما أو ردها في رسالته المفتوحة ومن الواجب أن أذكرهم وأنا أتحدث عن ملحمتهم وملحمة التاريخ وهم : 1ـ آدم إدريس فوجاج 2ـ عثمان عافه إدريس همد 3ـ إدريس محمد على 4ـ عثمان محمد على أفاددا 5 ـ أحمد محمد عبد الله عنتر 6 ـ الحسن حريراي حاج همد 7ـ محمد عبد الله ود همبول 8 ـ الناظر إدريس محمد على دافؤت (ناظر القعوداب ) 9 ـ شريف شربوت 10 ـ إسماعيل كنا 11ـ عثمان محمد الحسن 12 ـ لباب محمد لباب 13 ـ عثمان محمد نور 14 ـ الحسين إدريس محمد شريف 15 ـ صالح نور 16 ـ على إدريس جمع خير 17 ـ همد صالح أكد 18ـ محمود عمر محمود .
وليت الأب المناضل أبو رجيلة يعيد رسائله في كل يوم حتى تعي الأجيال تاريخ الثورة وتحفظ تاريخ الأبطال من الرعيل الأول الذين كانوا نبراسا ونموذجا في المروءة والأخلاق قبل أن يدنس الوطن بشرذمة شريرة لا أخلاق لها سوى تهلكة المواطنين وما يحملون لهذا الوطن سوى الشر والحروب والدمار وهم يدعون أنهم يبنون وقد أفسدوا المجتمع برمته حتى وصل الأمر ليس إلى زوالهم فحسب بل إلى الهجرة والفرار من الوطن تاركين خلفهم أغلى ما يملكون من ذرية وأرض فهل يكون الوطن وطن إذا ضاقت بأهله وقديما كنا نسمع قول الشعراء :
لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
ولعمري ما ضاق بنا الوطن ولكن ضيقوا على شعبنا حرية الكلمة وصوت الحق وحرموا المواطن من أبسط حقوقه المعنوية وهي أن يعبر عن ذاته وعن وطنه وحرموا المواطن من الإصلاح بل وشرعوا لـه قوانين للفساد عبر وسائل إعلامهم المزيف الذي أصبح عارا ودمارا على المجتمع الإرتري وأشهروا ثقافة لا يعرفها المجتمع الإرتري بكل ألوان طيفه المختلفة فهل بقى للمواطن بعد هذا أي سبيل للبقاء في أرض الوطن ؟؟
ولكن أقول وأنا أذكر تقربا الملحمة والبطولة : ليست الكلمات كافية في ذكراهم ولكنها تجدد أسماءهم على الأسماع فيحفظها الأبناء وتغيظ من كان يبغض تاريخ الثورة وتاريخ النضال ونحن إذ نذكر شهداء تقوربا نترحم على كل المناضلين البواسل الذين صمدوا في ساحة النضال إلى يوم الاستقلال ونحي كل الشرفاء الذين يعتزون بحرية شعبهم ووطنهم وإذا كان لابد من كلمة تقال لشهداء تقوربا فلا نقول إلا لكم الجنة ولنا الدار ولكنها الدار التي يعيش فيها المواطن الإرتري حرا كريما عزيزا بوطنه وعزيزا بإرتريته التي لاتشوبها شائبة ونحن على دربكم سائرون ولا ننسى أسرى النظام القمعي الذي أصاب وطننا ونحن نذكر تقوربا ونقول لهم نحن على وعد ووعدنا حق وشعبنا أقسم ألا يحيد عن مبادئ العدالة والقصاص من الظالمين .
عاشت جبهة التحرير الإرترية .
وعاشت ذكرى الرعيل في قلوب الأجيال الصامدة .
وعاش الشعب الإرتري حرا كريما.
والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8196
أحدث النعليقات