تقييم النظام الارتري خلال عام 2009 م
بقلم / محمد عمر مسلم
في دراسة أجراها مؤشر بيرتلسمان ( 1 ) عام 2008م شملت دولة إرتريا أثبتت استبدادية النظام الحاكم إذ حصل حسب معيار الديمقراطية ( على أقل من 4 ) كما حصل على ( أقل من 3 ) حسب نتيجة نقاط المؤشر الإداري ( 2 ) ، ومن أهم العوامل التي كرست الاستبدادية والدكتاتورية في إرتريا، غياب المؤسسات الديمقراطية، والتعددية السياسية، وغياب مؤسسات وهيئات المجتمع المدني، احتكار قومية التغرنيا للسلطة، وتهميش وحرمان القوميات الأخرى، انتهاك الحريات الخاصة والعامة، غياب القانون والقضاء المستقل، غياب الاندماج السياسي والاجتماعي في المجتمع بسبب السياسات الاقصائية والطائفية للنظام، عدم شرعية النظام الحاكم لكونه لم ينتخب ديمقراطيا، أما عوامل فشل التنمية الاقتصادية والبشرية كثيرة أهمها احتكار النشاط الاقتصادي من قبل القومية الحاكمة، ممثلة في قيادات النظام الحاكم، هدر الملكية الخاصة بسياسات المصادرة، عرقلة و محاربة الشركات الخاصة خاصة ما كان منها لأبناء المسلمين، عدم تساوي الفرص بين المواطنين في المجال الاقتصادي فهناك احتكار واضح للنشاط الاقتصادي من قبل القومية الحاكمة بينما وصل الأمر إلى السجن أو القتل لرجال أعمال مسلمين وإجبار بعضهم على مغادرة البلاد، فمثلا تقدم الكنائس القروض لقومية التغرنيا عبر النظام الحاكم الذي يقوم بتوفير خطابات الضمان البنكي لأبناء قوميته ليتملكوا الأراضي الزراعية بينما لا مقرض ولا ضامن للمسلمين، حتى يسهل انتزاع أراضيهم لتعطى لمن تحصل على القرض الكنسي والضمان الحكومي، وتحت ذريعة عجز المسلمين عن فلاحة وحماية أراضيهم قام النظام بنزع الأراضي الزراعية من مواطني إقليم القاش بركا وإقليم شمال البحر الأحمر وسلمها لعناصر حزبية من أسمرا والإقليم الجنوبي، كما سن النظام قوانين ملكية الأراضي الزراعية فيما يخدم سيطرة الحزب ( أي التغرنيا ) على جميع الأراضي الخصبة الواقعة حول مجاري الأنهار والأودية .
إن تردي الأوضاع الاقتصادية في ارتريا كان سببه السياسات الاقتصادية الخاطئة، والممارسات العدوانية والسياسات المتقلبة للنظام تجاه دول المنطقة، حيث أدى به ذلك إلى عزلة تضرر منها الشعب أكثر من النظام الحاكم، حيث استطاع النظام عبر وسائل مختلفة أن يوفر لنفسه ما يضمن له الاستمرار، أم الشعب لم يكن يوما ضمن أولويات واهتمامات النظام، فلقد مارس النظام التجارة غير المشروعة عبر الحدود، وجمع الإتاوات من المواطنين في بلاد المهجر، كما اعتمد على دخل مهرجانات التسول عابرة القارات، والمنح البترولية التي تقدمها بعض الدول التي تغطي حاجة النظام من الوقود لمدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، ولنا أن نتساءل لماذا قدمت تلك الدول من الوقود ما يكفي حاجة النظام الدكتاتوري فقط، وتجاهلت حاجة الشعب الإرتري من الوقود؟ هل كان وراء التجاهل النظام الدكتاتوري، أم كانت حسابات الدول المانحة؟ ومهما يكن الأمر فانه لا يخفى على الدول المانحة تداعيات أزمة الوقود على الشعب الإرتري، ومع ذلك قدمت حاجة النظام الدكتاتوري دون النظر والتأمل والالتفاتة إلى معانات الشعب الإرتري، ولعل وراء تجاهل الدول المانحة لمعانات الشعب الإرتري واهتمامها بالنظام الدكتاتوري، احتمالات ثلاث الخوف على استثماراتها داخل إرتريا، أو الخوف من تحريك معارضيها عبر الحدود، أو رغبة في إيجاد موطئ قدم في الجزر الإرترية الإستراتيجية.
كان للفشل الاقتصادي في إرتريا انعكاسات سلبية على حياة الشعب ما جعله يكابد الفقر والفاقة والمرض ومن مظاهر ذلك انتشار المجاعة في عموم الأقاليم دون استثناء ما دفع 60% من سكانها بالنزوح إلى إقليم القاش بركا حيث بلغ تعداد سكان الإقليم 900ألف نسمة بزيادة 30% عن سكان الإقليم، كما أن ( 74 ) طفلا ماتوا بسبب المجاعة في قرية واحدة وقد حاول النظام إخفاء تلك الجريمة ( المجاعة )، انتشار التسول في المدن بصورة ملفتة خاصة في العاصمة ما دفع النظام إلى ملاحقة من أخرجهم الجوع إلى الطرقات والشوارع بحثا عن لقمة تبقيهم على قيد الحياة، كان حري بالنظام معالجة الأسباب الحقيقة لمشكلات الفقر والتسول بدلا من مطاردة واعتقال من أخرجهم الفقر والجوع من بيوتهم، لكنه أراد من ذلك إخفاء معالم الجريمة التي كانت نتيجة لسياساته الاقتصادية الفاشلة، ومن المفارقات العجيبة أن يطل علينا رأس النظام عبر الفضائيات لينفي شبح المجاعة الذي يتهدد الشعب الإرتري، ولعل دافع النفي رغبة النظام في محاصرة الشعب بالجوع والفقر والفاقة والمرض حتى لا يقوى على مقاومته، احتكار التجارة من قبل أجهزة الحزب الحاكم خاصة الاستيراد والتصدير وتجارة المواشي، ومن الأمثلة على ذلك إجبار المواطنين لبيع محاصيلهم الزراعية ومواشيهم بأسعار زهيدة لأجهزة النظام التجارية، فمثلا حدد لسعر الماعز 300نقفة أي ما يعادل 20جنيه سوداني بينما لو ترك الأمر للعرض والطلب في البيع والشراء، لتراوح سعر الماعز من 70 الى100جنيه أي ما يعادل 1100-1500نقفة، تفشي الغلاء وانعدام المواد الغذائية إذ وصل سعر جوال الذرة مبلغ 200جنيه سوداني في ظل تدني دخل المواطنين ما دفع الكثيرين للتسول في الشوارع والطرقات، عدم توفر العملة الصعبة كان سبب عجز النظام عن شراء كميات كافية من الوقود تفي بحاجة البلاد، ومن تداعيات أزمة الوقود على حياة الناس اليومية، أن قلت تنقلاتهم بين المدن والقرى فتعطلت مصالحهم وساء معاشهم ما جعل البعض يستعمل الدواب في تنقلاته بين القرى والمدن، والشركة الوحيدة المحتكرة للمواصلات والمملوكة للحزب الحاكم ( حرات ) سجلت عجزا بنسبة 75% عن توفير حاجة الناس من المواصلات، بسبب الفساد الإداري والمالي الذي عشعش فيها وفرخ, فشل المشروعات الزراعية التي وضع النظام فيها أمالا عريضة كالتصدير للخارج وقبل ذلك تلبية حاجة البلاد من المنتجات الزراعية، فالذي حدث فشل تلك المشاريع في تلبية احتياجات البلاد من المنتجات الزراعية، وبالتالي ذهبت أحلام وأمال النظام التي بناها على تلك المشاريع أدراج الرياح، وقد أرجع النظام أسباب الفشل إلى عدة أمور منها قلة الأمطار، وشح المعدات الزراعية، وعدم توفر قطع الغيار، وأهم تلك المشاريع مشروع همبول لزراعة الخضر والسكر، ومشروع سد قرصت لزراعة الموالح والخضر والذرة، ومشروع قلوج للزراعة المطرية، ومشروع علي قدر.
من مظاهر الفساد الاقتصادي والإداري، انتشار الفساد الإداري والمالي والرشوة في أجهزة النظام، ما جعل النظام يقوم ببعض الاعتقالات لعناصره في مديرية أغردات منهم مدير المديرية ومسؤول الحزب في المديرية ومدير مديرية منصورة ومدير مديرية أعالي القاش بتهمة الفساد المالي، وقد تحدث النظام عن تلك الاعتقالات أمام الشعب وقال أنها تأتي في سياق مكافحته للفساد الإداري والمالي، لكن الشارع العام يتحدث عن فساد الكبار من القادة مثل رأس مرخ الذي سرق الملايين من أموال الشعب ولم يحاسبه أحد، والعديد من الجنرالات الفاسدين الذين نهبوا أمولا طائلة وعقارات كثيرة وهم معروفون لد الشعب، وما قام به النظام من اعتقالات كان لذر الرماد في العيون لأسباب لم تعد خافية على الشعب، تعاون الأجهزة الأمنية والعسكرية مع المهربين، لتهريب البضائع والبشر على حد سواء، مقابل مبالغ مالية حيث يتم تهريب الشخصية المهمة بمبلغ 5000دولار، ارتفاع معدل التضخم حيث صار الأعلى بين دول العالم أكثر من 30% عندما كان سعر صرف الدولار 21نقفة أما اليوم وقد بلغ السعر أكثر من ( 50 ) نقفة فحتما ستزيد نسبة التضخم، التعطيل شبه التام للموانئ الإرترية حيث لم يستقبل ميناء مصوع خلال عام كامل أكثر من 100سفينة أغلبها بغرض المرور وليس لتفريغ الحمولة، بعد الفشل الذر يع في إدارة الاقتصاد الوطني باع النظام مصنع البيرة وملحقاته إلى ايطاليا، و فندق إنتر كونتننتال في اسمرا إلي دولة قطر، وفندق البحر الأحمر في مصوع لدولة الإمارات، ومشروع علي قدر إلى الصين.
الوضع الأمني والعسكري، في الماضي عرف النظام بقبضة حديدية لا ترحم ما جعل الشعب يتجنب الحديث عنه ولو تلميحا، تلك القبضة أصابها الوهن والترهل ولم تعد تحكم القبض كسابق عهدها، ما جعل الناس يتحدثون علنا عن عيوب وإخفاقات وجرائم النظام دون خوف أو وجل منه، فالكيل قد طفح والغول قد هرم، ومن مظاهر تراخي ووهن قبضة النظام الأمنية المشاهد التالية:
ظاهرة انعدام الثقة بين المسؤولين الأمنيين، كثرة المعتقلين في أوساط ضباط الجيش والأمن والشرطة،عقب العمليات العسكرية للمقاومة /كثرة المرتشين في أوساط الأجهزة الأمنية الذين يبيعون السجناء إلى ذويهم بمبالغ مالية، ويسهلون عمليات تهريب لكبار الشخصيات الحكومية وأسرهم خارج ارتريا ( ضباط،، طيارون، إعلاميون) /محاولتان لاغتيال أفور قي من داخل المؤسسة الأمنية / كثرة المشاكل بين جهازي الأمن والشرطة ما اطر النظام إلى دمجهما /سحب جميع نقاط التفتيش والأمن من الطرقات إثر شكوك في أنها أصبحت بؤرا للاختراقات الأمنية والاقتصادية، ما جعل النظام يكتفي بنقطة واحدة في مدخل كل مدينة /كثرة الاشتباكات بين أفراد الجيش، كما حدث في عصب أكثر من مرة وفي قلوج، وفي ويعا /الهروب الجماعي للمجندين من المعسكرات كما حصل في معسكر ويعا في مارس 2009حيث هرب 1500 متدرب /التمرد المستمر داخل الفرق العسكرية كما حدث في الفرقة ( 37 ) والفرقة (21) والفرقة ( 525 ) / تقليل العدد في الوحدات العسكرية، وتحويل الفصيلة إلى مجموعة / خلال عام 2009م لم يدخل المؤسسة العسكرية سلاح جديد خلاف ما قدمته إيران عدد من المدفعية الثقيلة والصواريخ متوسطة المدى، وعدد 12 قطعة بحرية / الميزانية العسكرية للنظام تبلغ 500 مليون دولار تساهم دولة قطر 200مليون دولار وبقية الميزانية البالغة 300مليون دولار تغطيها إسرائيل كما تشير بعض التقارير.
شهدت البلاد موجات من الهروب إلى دول الجوار وهي في تصاعد مستمر بسبب سياسات القمع والكبت التي يمارسها النظام ضد الشعب إضافة إلى سوء الأحوال المعيشية، والفئة الأكثر هروبا وتضررا هي فئة الشباب وقد قدرت بعض المصادر عدد الهاربين من جحيم النظام إلى كل من السودان وإثيوبيا واليمن وإسرائيل وأوربا بأكثر من ( 83 ألف ) ، وقد قدر عدد اللاجئين في إثيوبيا حتى نهاية عام 2008 م ( 32 ألف ) ويوجد وفي إسرائيل ( 8500 ) حسب ما ذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وقد أكد تقرير للكنيست زيادة عدد اللاجئين الإرتريين في إسرائيل منذ بداية العام الحالي بنسبة 40% عن العام الماضي، وهناك العديد من الهاربين ممن مات غرقا أو عطشا أو افترسته الذئاب أو قتل رميا بالرصاص على يد النظام.
( 1 ) يقيس مؤشر بيرتلسمان وضع التحول الديمقراطي والاقتصادي في الدول.
( 2) ( مؤشر بيرتلسمان للتحول الديمقراطي 2008 ) كتاب صادر عن مؤسسة بيرتلسمان مترجم من قبل مركز الخليج للأبحاث .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=3831
أحدث النعليقات