ثم ماذا فعل أبي بآلهتنا؟!
آخر ما ختمت به حديثي إليكم ضمن ((ماذا فعل سالنج بآلهتنا؟!)) أبدأ به اليوم.
فقد أشرت انّ إثيوبيا مقبلة على تغيير جذري، الخاسر الأكبر فيه ستكون مجموعات التقراي والرابح الأكبر فيه إن لم يكن دسالنج ومن خلاله الشعب الإثيوبي قبل تفتيته وتجزئته، فإنه سيكون لا جدال الشعب الإثيوبي وحده، فالأمر بحيثياته قد طرق باباً لا عودة من خلاله أبدًا. ونجمل من هذا أيضاً تأثراً مؤكّدا لكل منطقة القرن الإفريقي إيجاباً. وسيترتب عليه تغييرات جذرية.
وقد لا أشك في أنّ الكل مجمع على أن المنطقة تشهد مرحلة مختلفة تقودها إرهصات التحوّل الجذري في إثيوبيا (الجارة الكبرى للجميع). وقد بدأت هذه الإرهاصات بجملة واحدة وهي “أنّ الحزب الحاكم في إثيوبيا لم يعد متحكماً على أركانه الفاعلة” وأنّ البلاد التي أغرقوها في دوائر التشظي والإنقسام الحاد وانعدام ثقافة التسامح والتلاقي على المبادئ الأساسية التي كانت سائدة في الفترات السابقة (رغم الإضطهاد والتهميش الذي كانت تعاني منه بعض الفئات)، لم تكن تلك البلاد التي إدّعَو تحديثها ووضع نظام حكم حضاري لها متمثلا في النظام الفدرالي.
التقراي وصلوا إلى طريق مسدود بينهم وبين الإثيوبيين، وبين بعضهم البعض، وكذلك فعلوا مع حليفهم الإستراتيجي في الشمال (الهقدف). وربما يكونون قد حاولوا بلع اثيوبيا التي هي أكبر من ان تمر بحلقهم!!! وعليه لابد من توقع أي تصرف من أي نوع، ذات المتوقع ممن يعاني النّزع الأخير. وربما يكون ذلك بتفجير الأمر مجدّدا على الحدود الإرترية الإثيوبية، إذ أنّهم مازالوا المتحكّمين على السلاح في البلاد. وإن لم يكن ذلك فقد نجدهم يهرولون باتجاه ابنهم العاق، الحاكم في إرتريا، وتقديم تنازلات كبرى له بما في ذلك العودة إلى وضعية الخادم المطيع في يده كما كان حالهم إبان العمل الثوري والسنوات الخمس الأولى من حكمهم لإثيوبيا. أداتهم في تحقيق ذلك الأقاعز بكل أنواعهم سواء قادهم إلى ذلك تسفاطيون أو د. برخت أو منقريوس!!!
ولدى التقراي أيضاً خيار آخر، وهو تفجير إثيوبيا التي تقترب من الميلاد الجديد والعودة إلى الوحدة بصيغة أكثر ملاءمة وحداثة تحت راية ثورة دسالنج/أبي حيث تلقى تحركات هذه الثورة ترحيباً واسعا داخل إثيوبيا وخارجها بما في ذلك صقور الأمهرا الأقوياء في الولايات المتحدة الأميريكية الذين قاموا بتحرك واسع دعماً لهذا الحراك البادي على رأس السلطة في إثيوبيا.
وقد يتم إيجاز هذه الإحتمالية بصراع إثيوبيا الموحدة مع كيان التقراي حديث العهد بالإنتماء الإثيوبي (الجبهة الشعبية لتحرير تقراي) ولن يستغرق هذا الصراع كثيرا من الزمن إذا تفجر حيث القوة العسكرية وحدها لا تكفي وأنّ السّحر سينقلب على السّاحر، وستعود الثعابين إلى جحورها، وقد تتفجر ثورة يقوم بها شعب التقراي طلبا للتصالح التقراي مع الشعب الإثيوبي، الأمر الذي سيضع الأمور في نصابها ولن تسطوا الأقلية العنصرية بعد ذلك على مصير الشعب.
إثيوبيا الحقيقية فقد انطلقت وحزمت أمرها لتأخذ زمام المبادرة بإنهاء العبث التقراوي حين دعا دسالنج الشعب الإثيوبي الى تسلّم زمام المبادرة وحث شبابه على وجه الخصوص بالتحرك، ومن ثم يتم العمل الذي كان يرمز إليه بتحرك إثيوبي شامل، وستكون الغلبة للشارع الإثيوبي كما أسلفنا في الحديث السابق. وقد بدأت عملية تحطيم الأصنام بحديث قوي لأبي أحمد حيث يقول أننا لا نحتمل السطوة الأمنية بعد ذلك ولن يكون لدينا من يعاني التعذيب في السجون ولن نستمر في إرهاب الدولة الذي تمارسه الأجهزة الأمنية على المعتقلين السياسيين. وذلك في محضر رده على تساؤل من برلمانية تقراوية التي كانت تصر على اهمية السطوة الأمنية. وعليه فإنّ إثيوبيا الكتلة الموحدة قادمة دون سطوة فئة ما على اي فئة اخرى؛ ربما أداتها في ذلك الدستور والقانون كما يتحدث رمزها الجديد الشاب “أبي أحمد“.
أما إرتريّاً، فلا شك أنّ أبي أحمد فقد تلقف الجزرة الكبرى التي ألقيت له من أصحاب المصالح الإستراتيجية والإمكانيات المالية الكبرى لتثبيت الإستقرار في المنطقة وتسهيل سبل تحقيق اجنداتهم فيها، نقول بذلك (وهو أحوج ما يكون إلى تلك الجزرة الضخمة) ومن ثم تقدم بمبادرته التي تلقاها إساياس (الذي هو الآخر لا يستبعد تلقيه جزرة مماثلة) بالترحاب، وستعود المكنة إلى الدوران بين النظامين وذلك بفرض واقع جديد تتطلبه مصالح الكبار. ولا شك أنّنا نحن الضحايا كما ظللنا دائماً، وقد سقطت ورقة التوت التي كنا نغطي بها اخفاقاتنا وعدم قدرتنا على الإستفادة من الأوضاع التي ظلت مأزومة بين النظامين لعقدين من الزمن.
وبما أن الواقع أمرّ من أن نغسله بالدعاية المدفوعة من غضبنا وابتآسنا من حالنا، وادعائنا بأن كل شيء على ما يرام وأن إثيوبيا لن تتخلص منا لصالح النظام، فإننا نعيد ذات الإسطوانة البلهاء. فآلهتنا التي صنعناها وابتدعنا وجودها تغطيةً لفشلنا في عدم القدرة على مواجهة النظام سياسيا واعلاميا لم تعد قادرة على الصمود أمام مصالح الدولة الإثيوبية التي تحاول العودة إلى مجدها. ثم أنّهم خبروا مدى استعدادنا للعمل الميداني الجاد وتأكدوا من أنّنا اقدر ما نكون على الحرب الكلامية البينية ولا شيء غيرها، ولم تقم (النخب السياسية، وليس التحرك الشعبي الذي أتى مؤخراً) طوال هذه الفترة بأيّ تحرك سياسي فعلي يؤثر على مسار النّظام ناهيك عن أن نقدر على مواجهته في الميادين الأخرى وصولاً لسقوطه.
بالعودة إلى الشأن الإثيوبي فإن دولة الكراهية المتبادلة بين مكوناتها التي أنشأها التقراي في إثيوبيا لم يعد لها مكان، وأن زمن الأورومي لا يتسوق إلا في سوق الأوروموا ولا يتعامل الامع الاوروموا، والأمهري كذلك وكل مكونات الشعب الإثيوبي على ذات النهج، هذا عهد قد ولّى ولن يعود. وأن رياح التغيير تهبّ على إثيوبيا وكلّ المنطقة بأسرها بما في ذلك إرتريا الذي لن يصمد نظامها كثيراً أمام القادم، ولكننا لا ندري ماذا سيكون البديل المقنع حيث تنعدم الرؤية في هذا الإتجاه.
بشرى بركت
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=43216
أحدث النعليقات