جحافل الظلام لابد أن تهرب وتتبدد…
بقلم : المهندس/ سليمان دارشح
14/11/2015م
منذ أن بزغ فجر الاستقلال وارتفع على السارية علم ارتريا بعد أن هبط علم المستعمر إلى الحضيض .. ومنذ أن تسلمت عشية الاستقلال حكومة الهقدف دفة الحكم في البلاد ، كنا نتوقع من هذه الحكومة أن تمد سواعد الرجال الأوفياء المخلصين لاجراء إصلاحات سياسية ضرورية ، مدخلاً للتعددية والديمقراطية ولكن هذه الحكومة لا تعرف غير لغة العنف والبقاء في سدة الحكم ، وطوال سنوات حكمها للبلاد لم تتغير سياساتها الخرقاء وتصرفاتها الحمقاء التي اتبعتها عن طريق فوهات البنادق للتتحكم وتتسلط وترهب وتخيف لغرض ما تُريده ومن يقفون معها ، بل صارت في درب الفساد وارتكاب بحق البلد وأهله الجرائم والإذلال والبهدلة يفوق ما ارتكبه المستعمر..
ولهذا منذ ذلك التاريخ البلاد تتعثر وتقع على وجهها وتنشق التراب بمناخيرها وتلتفت يائسة ، حائرة منهوكة القوة ، مضعضعة الأوصال والنفوس ، خائرة العزم ، مفتقدة الفعل.
وأيضاً منذ ذلك التاريخ ، والذي تعدى الربع قرن من الزمان ، ووجه الحياة الحقيقي على هذا البلد لم يذل هو هو ، نفس الوجه وبالرغم من بعض الاصباغ الباهتة وبعض الزينة الكاذبة التي وزعت هنا وهناك مع هذا الوجه لتجعله يبدو لامعاً .
ولكن .. وبقدر مابذل من جهد في توزيع الأصباغ ، وأضفاء الزينة وزيادة المسح والتلميع إلا أن البثور والدمامل التي تغطي هذا الوجه صعب أخفاؤها عن العين الحصيفة المدققة .
لقد تبدلت أشياء حول هذا البلد ولكنه هو هو لم يتبدل أو يتغير مثلما حاله قبل الاستقلال ، بل وقبل هذا القبيل.
ولهذا نستطيع القول: بلوى هذا البلد من البداية هي أن حكامه – الهقدف – أنهم تسلموا مقاليد الحكم في البلاد ولم يكن في اذهانهم وجنوبهم ترقد أفكار محددة وبرامج واضحة ، وتصور شامل ، ورؤى جلية يودون تحقيها لهذا البلد …
أنهم بصورة أدق سرقوا السلطة من أجل التسلط على رقاب الشعب وتحقيق مصالح شخصية كضيق أفقهم ، وبالتالي ضاعت السنوات من عمر هذا البلد وهو واقف مكانه .. ليس ذلك فحسب ، بل هؤلاء الحكام المحسوبين على الشعب الإرتري خطأ، يفكرون ويخططون خارج سرب الوطن ويديرون شئون الحكم وتصريف الأمور بعيداً عن المواطين الذين يتشدقون كذباً وزوراً ، أنهم يحكمون باسمهم ، كأن الأمر لا يعنيهم في قليل وأكثر !! لذلك انصرف عنهم المواطين وتركوهم يعيشون في عزلة مميتة وفي خوف خانق .. هؤلاء المحنطون يعيشون في عصر الحرية والديمقراطية والعلم بعقول وأفكار خلفها الزمن من ورائه قبل مئات السنين..
هؤلاء الجلادين قلوبهم المظلمة السوداء تئز بالحقد والكراهية لهذا البلد وشعبه الطيب المثابر الودود … سطوا هؤلاء الحكام الجهلة على الحكم بالعسكر الذين يمتطون الدبابات ويحملون الرشاش وخلال فترة حكمهم منذ فجر الاستقلال حتى الآن لم يمدوا البلاد بسواعد الرجال الأوفياء المخلصين ، ولم يعطوها من العزم والدفق ما يجعل خطاها تهرول لتلحق بالركب الإنساني الذي تقدم بالدول التي نالت استقلالها قبلها وبعدها والإنجاز الباهر الذي شمل العالم من حولها .
وايضاً عمل هؤلاء الحكام على تغييب وعي المواطنيين وسلبوا حيوتهم وحماسه وقتلوا نبضهم وبلدوا أحاسيسهم ليسهل لهم قيادتهم وسوقهم كالبهائم لتحقيق أغراضهم وغاياتهم ومراميهم .
ذهب هؤلاء الجلادين إلى ابعد من ذلك حنيما داسوا باحذيتهم النجسة على مكتسبات الثورة الإرترية التاريخية وسلبوا كرامة الشعب الإرتري وصادروا حرياته واستفزوا علناً مشاعره ومعتقداته الدينية وقضوا على كل القيم النبيلة ومكرام الأخلاق السمحة التي ظلوا يتوارثها من اسلافهم جيل بعد جيل ونشروا الرذيلة والفساد في البلاد.
وأكثر من ذلك قالوا بكل وقاحة وأستفزاز للشعب الإرتري من لم يعجبه هذا الوضع المأساوي فذاك هو البحر فليشربوا منه أو يلقوا بأنفسهم فيه !! لا مأتم يقام أو عزاء يقدم !!
أنه لامر فظيع ، ومؤلم ؛ بل حارق على القلب والوجدان يرى المرء بلد مثل ارتريا الذي خاض أطول ثورة مسلحة في القرن العشرين والتي كانت حالة فريدة في تاريخ ثورات الشعوب المناضلة من أجل استقلالها والذي كان يأمل لها التقدم والتحضر والرقي ،للاسف الشديد يقع كل هذه السنين في ايدي هؤلاء الحكام الجائرين ليعبثوا فيه فساداً وضلالاً ويتحكموا في مصائره وشئونه ويخربوا ويدمروا كل شئ جميل فيه ويجهضوا كل آمال وطموحات تمد بصرها إلى المستقبل المشرق.
فاليوم في ظل هذه الأوضاع المتردية آن الأوان أن يقف الشعب الأرتري وقفة رجل واحد ليقول لنظام الهقدف كفى أرحل إلى غير رجعة وغير ماسوف عليه ، ويقولوا ايضاً لهؤلاء الظالمين الذين يعيشون بعيداً عن آلام ومعانات شعبهم هنا اليوم ألف عواتي وكبيري يحملون الهم ويشدون الوثا ق لإنبلاج الفجر بعد ليل طويل كحل الاجفان بالحزن العميق ، ويقولوا بصوت مدوي هنا اليوم الألاف من يعزفون أنشودة الفرح القريب ويرسمون في خارطة الوطن سنابل القمح الوفير .. وهنا اليوم الألاف من يمضون بصدق وثبات في الطريق ينشدون العزة والكرامة والسؤدد لهذا البلد…
أيها التاريخ اشهد
واستعيد
ها هنا في موطني
شعب عنيد
شعب ارد العيش في أعلى القمم
واراد أعداء الحياة له الذلة والهوان
وضعوه في قفص كبير
لا تحده حدود
قذفوه للارزاء
في تية الوجود
ولكن شعبي لم ينم
أو ييأس
بل ظل يقظاً
يعد النجم
يفتل في حبال الصبر
يترقب الغد
لابد للغد من شروق
مهما استطال الليل
واحتلك الظلام
ومهما تناهى الأمل
وابتعد الرجاء
مهما خيوط اليأس
قد نسجت خِباء
في خِباء
وصفوة القول : لايأس مع الحياة ، فاليوم نظام الهقدف يعيش أنفاقه الأخيرة ويتخبط يميناً وشمالاً ، وبلغ الصراع بين اقطابه المتصارعة في المناصب والامتيازات ذروته ، كما تؤكد المصادر الموثوقة من الداخل بأن هنالك إنفكاك وتمرد في أداة بطشه المؤسسة العسكرية والأمنية فضلاً عن إنعدام ابسط مستلزمات الحياة في البلاد ، بالاضافة إلى الضغط المتصاعد من المعارضة الأرترية لتحجيم نظامه المتهالك ، وكل ذلك يعطي مؤشرات أن تباشير الفجر لابد أن تطل وتهل .. وأن جحافل الظلام – الهقدف – لابد أن تهرب وتتبدد .. ولابد أن يعود البلد بإذن الله تعالى إلى حكم أهلها الحقيقين .. وساعتها ستذف طبول النصر العظيم وتتعالى ذغاريد الفرح في كل ربوع إرتريا إذاناً بعهد ، عهد يستعيد فيه الشعب عزته وكرامته ومجده التليد.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=35877
جزاك الله الاستاذ دارشح على المقال المتفائل (تفاءلوا خيرا تجدوه) وهو كلام جميل إلا إني اختلف معك في جزئية بسيطة في الشكل ولكن كبيرة في المضمون حين قلت : (أن حكامه – الهقدف – أنهم تسلموا مقاليد الحكم في البلاد ولم يكن في اذهانهم وجنوبهم ترقد أفكار محددة وبرامج واضحة ، وتصور شامل ، ورؤى جلية يودون تحقيها لهذا البلد..)
هؤلاء كان في جعبتهم الكثير من النوايا والبرامج المبيتة لقد افصحوا عن بعضها والبعض الآخر افصح عنه تصرفاتهم وأعمالهم حتى بدا اليوم وبشكل صارخ ماهية هذا النظام الذي يحمل اقبح صنوف الطائفية ويمارس أسوأ صنوف الإذلال والقهر ضد المواطنين الذين هم خارج طائفته والنتائج الكارثية واضحة للعيان ماثلة امام الكل إلا ان مكر الله لا غالب له مهما برعوا في المكر لأنه سبحانه هو خير الماكرين.