جرأة .. البوح بالمشاعر ( سلسلة 2 )
متابعة لما طرحناه من الأسئلة حول الشخصية الذكورية المتسلطة في البيئة الشرقية عامة والعربية على وجه الخصوص، حيث كانت توأد الفتيات خوفا ً من العار وبعد أن هلَّ نور الإسلام وجاء الفرقان مخاطبا ً ( يا أيها الناس) ولم يقل يا أيها الرجال. هنا تساوت الناس ذكورا ً وإناثاً فالخطاب كان موحدا ً .
وانطلاقا ً من هذا الخطاب نناقش البيئة الشرقية حيث كنا في المرحلة الابتدائية في مدارس مختلطة لا أحد ينتبه إليك إن كنت صبيا ً أم بنتا ً بل يسألونك فقط : إن كنت مجتهداً أم لا؟!
وبعد انتقالنا إلى المرحلة الأخرى جاء بعض الملتحين برأيٍ متنفذٍ يقول على البنات الجلوس في المقاعد الخلفية من الصف. ولم يعترض أحداً عليه، لا من أولياء الأمور ولا من الطلبة وفُسر الأمر على أنها تعليمات من مربي فاضل.
وبعد انتقالنا للمرحلة الثانوية جاء الملتحون وغير الملتحين وطالبوا باسم الدين أن يفصل الذكور عن الإناث ليس في فصول مختلطة فحسب بل تعداه الأمر إلى مدارس مختلفة وبعد وصولنا إلى الجامعة تحول الأمر إلى سياسة واضحة المعالم حيث الطالبات محجبات وغير المحجبات وظهر طرف ثالث بحجاب مع نقاب ( منقبات ) .
وهذا النموذج الذي نتحدث عنه معاش في سائر مناطق البيئة الشرقية والعربية على وجه الخصوص شباب بسراويل قصيرة ( بناطيل ) حالقي الشوارب ومطلقي اللحى يذهبون ويقبلون في مجموعات متناسقة متجانسة متحابة.. التحية بينهم السلام عليكم والتمتمات والنمنمات باسم الدين .
وهنا لا اعتراض، فالدين لله والبيئة المجتمعية للجميع ونحن نناقش السلوك العام في البيئة العربية أو الشرقية بصفة عامة – والمجتمع العربي دائماً متسامح وفرح والتدين في البيئة الشرقية وسطي بشكل عام ومن هنا على هذه البيئة المتسامحة وسطية الأيمان والقناعة أن تمنح النصف الأخر من هذا المجتمع الحق الكامل لنيل الحقوق وممارسة شعائره دون خوف أو تدخل بإيمانه وطاعته دون تطرف يؤدي إلى تمزيق البيئة المجتمعية أو إلى حالة نفور إذا كانت هذه الأنثى تعيش خارج البيئة الشرقية ( وخير مثال ما نشاهده في الغرب والجدل والقوانين التي تتحدث عن النقاب ومنعه ) .
فالدين يهذب النفس ويتمم الأخلاق ويقوِّم السلوك ويؤنسن المعاملة فالسؤال المطروح :
هل النقاب من الدين؟ وهل النقاب من العقيدة؟
ولماذا تختلط الناس ذكورا ً وإناثاً في موسم الحج أمام الله وفي بيت الله الحرام وتقرباً إلى الله إيمانا وطاعة يلتمسون العفو ويطلبون المغفرة من رب العالمين . كاشفي الوجوه مجتمعين في مكان واحد لا فرق بين ذكر وأنثى في أي منسك من مناسك الحج.
وما زال البعض منا يرفض الاختلاط في المدارس أو الجامعات طلباً للعلم لبناء بيئة سليمة معافاة ( دون تعليق )
فالمرأة هذا المخلوق اللطيف الذي يؤنس كل مكان يتواجد فيه ويخلق الدفء والبهجة في شرايين البيئة التي يعيش فيها فهي ليست نصف المجتمع فحسب بل المجتمع كله وهي التي ولدت نصفه وربت وعاشرت النصف الآخر وبالرغم من ذلك يرى البعض أنها للمتعة وللشهوة فقط، فيتزوج مثنى وثلاثة دون توفر الشروط الموجبة (العدل) لهذا الزواج ومنهم من يرخص ويحرض على تعدد الزوجات دون حاجة ماسة للزواج الثاني أو الثالث ناهيك عن ما ملكت أيمانهم و( الأيات التي تبين ذلك في العدل )
فهل هذا من الدين …..؟!
أم من البيئة الشرقية ………..؟!
أم من صنع البشر ………………….؟!
وهل ترضى أن تكون أختك أو أمك أو ابنتك في هذا الموقف أي أن تكون للمتعة أو للشهوة ومكانها البيت وليس لها دور في المجتمع. ينحصر دورها فقط في خدمة أسرتها كآلة بشرية: غسالة طباخة ولادة تنضح حليباً وتطيع زوجاً لا تستطيع مشاركته في رأي أو مشورة.
وهل ترضى بأن تضرب ابنتك من قبل زوجها بحجة أنها لم تقم بالواجب
وهل ترضى أن تجبر أختك بالزواج من شخص هي لا تريد الزواج منه أو لا تريده ولكن الأهل يريدونه ؟؟؟؟
فهل المضروبة والمظلومة أو المجبورة سئلت بأي ذنب أجبرت؟؟
فهل هذا من الدين أم من البيئة أم من صنع البشر ويحق لنا أن نختلف عليه وفيه ونناقشه حتى نصل إلى البيئة السليمة. ومن منكم لم يتمنى أن تكون الشابة اليمنية ( توكل كرمان ) أخته أو بنته أو قريبة له هذه الفتاة العربية الفصيحة المحتشمة في لباسها المتنورة في عقلها العظيمة الشامخة وهي واقفة أمام ممثلي الأمم المتحدة وعلى شاشات كل تلفزيونات العالم وهي تتسلم جائزة نوبل للسلام ليس فرحاَ بهذه الجائزة بل فرحاً وافتخاراً بتلك المرأة العربية التي شرفت الجميع في البيئة العربية والشرقية معا ً ولم يكن مكانها عقر دارها بل كان مقر الأمم المتحدة وهي تخاطب ممثلي الأمم وتخبرهم بمطالب شعبها في ( الحرية والعدالة ) فمبارك لتوكل كرمان وأتمنى لنساء العرب أن يجعلهن ربي من أخوات توكل .
ونحن نعيش في عصر الربيع العربي ممارسات سلوكية جديدة تبشر بتكوين بيئة مجتمعية جديدة بالشارع العام والذي بدوره يؤسس للمزاج العام في عملية التنشئة للجيل الجديد والذي سوف يتبنى ويجيز القوانين والدساتير التي تنادي بالحرية والعدل وحقوق المرأة .
فالعلم هوة السلاح الذي يجب على الشباب أن يتسلحوا به كي يبنوا مجتمعاً متطوراً وبلاداً مزدهرة تتطلع نحو مستقبل واعد وتقبل الرأي والرأي الآخر حتى ولو كان لا يتمازج مع ما نؤمن به أو نعمل عليه فالاختلاف في الطروحات والأفكار لا يفسد المجتمع بل يجعله أكثر قوة ومناعة ووحدة في ظل التنوع العرقي والفكري والمعتقد!.
فمن هنا لا أطرح التخلي عن الدين أو محاربة التدين كما حدث في الغرب إبان الثورة الصناعية فذاك كانت له أسبابه والصراع بين القساوسة ورجال الثورة كان على أشده في تلك الفترة فالكنيسة كانت تهيمن على الإنسان وعقل الإنسان وهذا ما رفضه أصحاب الثورة.. القساوسة كانوا يرون في الثورة عدواً يسلبهم سلطانهم ولكن الغلبة في النهاية للعقل وذهبت سكوك الغفران دون رجعة ونجحت الثورة الصناعية وقدمت كل هذه الإنجازات والمنتجات التي تنتفع منها البشرية جمعاء .
ولكن تركوا لنا تفككاً أسرياً ومجتمعاً دون تواصل حقيقي بين أفراده.. الغاية فيه هي الفردية وكم أكسب؟ ( البراغماتية ) في كل شيء حتى بين الابن وأمه وأبيه أي حياة محشر دنيوية ونتيجة لذلك المجتمع الغربي يعيش حالة من الفناء الدنيوي أي عدم الإنجاب وأصبح الهرم البنيوي مقلوباً وهذا عكس المجتمع الشرقي الذي يعيش حالة من التكاثر والنمو الهرمي بشكل سليم من حيث الكادر البشري وهذا بفضل وجود الرحمة والتراحم بين الناس ولكن العقل العربي توقف عن الإبداع والإنتاج والأسباب كثيرة منها
أنظمة الحكم – علاقات الإنتاج – عملية التنشئة
ولكن بعد ثورة الربيع العربي يجب أن نبدأ البداية الصحيحة والمستقبل والعمل والإنتاج والإبداع فالوازع الديني دافع لمنع ارتكاب الظلم ورفع المظالم والمجتمع الشرقي متسامح والأمة تملك كل المقومات ……….
الصحفي : محمد نور وسوك
.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=18869
أحدث النعليقات