جرس انذار
المتتبع للعمل السياسي المعارض في السنوات الاخيرة يلاحظ عودة الصراع الارتري-الارتري الى المربع الأول، فترة الاربعينيات، متمثلا في الصراعات التي كانت دائرة داخل التحالف قبل مغادرة حزب الشعب له ثم تكررت تلك الصراعات في مؤتمر أواسا والتحالفات التي تمت فيه واشتدت حدتها بعد انفضاض المؤتمر حيث انصب عمل وتركيز اعضاء التحالف المسيطر على المجلس فى المطالبة باصرار بحل التحالف الديموقراطي بشكل خاص دون غيره من التجمعات السياسية والمدنية المماثلة، مثل الجبهة الديموقراطية والمنظمة الدولية لتحالف المنظمات المدنية. ولذا فالسؤال الذى يطرح نفسه بإلحاح هو: لماذا يستهدف التحالف الديموقراطي وحده؟ من خلال البحث عن الاجابة يتضح جليا ان مكون أساسي من المجتمع هو المستهدف من هذه المؤامرات حيث يتمثل عبر هذا الكيان بشكل اساسي وهذا ما جعل التحالف هدفا من اجل اقصاء واسكات صوت هذا الجزء من المجتمع والغاء حقوقه ودوره في عملية التغيير وبالتالي مشاركته في الثروة والسلطة بعد اسقاط النظام.
ان الهجمة المستعرة على التحالف لم يقتصر شنها على من هم خارجه من تنظيمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني بل ايضا ضمت بعض المكونات الكبساوية داخله. وعندما فشلت تلك الجهات في تحقيق اهدافها في حل التحالف طالبت وعملت بان لا يكون له اي دور في العملية السياسية وان لا يعقد اجتماعاته حسب لوائحه السابقة وان يعاد تشكيل هياكله القيادية على الرغم من ان تنفيذية التحالف لا تملك صلاحية اجراء تلك التغييرات المطلوبة. وبعد فشل تلك المخططات لعدم منطقيتها وعدم دستوريتها لا زال مسلسل التآمر مستمرا، حيث ان تلك القوى الان تحاول الدخول من باب جديد وهو انسحاب التنظيمات الكبساوية من التحالف لاضعاف دوره تماما وربما تشتيته بقدر ما امكن. هل نحن صراحة امام فرز كبسا- منخفضات؟ هل نحن امام اقصاء قوى اجتماعية بعينها من لعب اي دور في المعارضة كما هو الحال في الحكومة؟ ماذا اذن القوى المستهدفة فاعلة؟ سؤال مطلوب الاجابة عليه من قبل المعنيين بالأمر فقط.
وفي نفس الوقت نلاحظ، في تزامن لا يمكن ان يكون محض صدفة ، الهجمة الشرسة التي تشن على اكبر رمز وطني ارتبط اسمه بالكفاح المسلح الذي افضى في نهاية المطاف الى قيام الدولة الارترية ذات السيادة. ماذا يعني ذلك؟ هل يعني ان الكفاح المسلح الذي راح ضحيته آلاف الشهداء واحرقت بسببه عشرات القرى وشرد بسببه مئات الألوف ما كان الا عمل لعصابات خارجة عن القانون “شفتا” كما كانت تسميه الامبراطورية الاثيوبية البائدة ومن بعدها نظام الدرق المندحر وكل من كان يعمل متحالفا معهم ضد النضال الارتري.
ومن سخرية القدر أن يكون عميل الاستعمار ومن حمل السلاح ضد الوطن هو من يتجرأ على مهاجمة أكبر رمز للكفاح المسلح والذي حمل السلاح بشجاعة فى وجه أعتى امبراطورية في افريقيا متحديا العدد السكاني والخلفية التاريخية والثقافية والدعم السياسي والعسكري والمادي والاعلامي اللامحدود الذى كان يحظى به نظام اثيوبيا هيلي سلاسي الكهنوتي آنذاك.
هل نحن امام اعادة كتابة التاريخ بالمقلوب بحيث يعتبر من كان عميلا اثيوبيا في مختلف مراحل الصراع الارتري الاثيوبي مناضلا، ومن كان مع مشروع الاستقلال في مختلف مراحله ابتداء من فترة تقرير المصير مرورا بتأسيس حركة التحرير الارترية ثم تفجير الكفاح المسلح بقيادة الشهيد حامد ادريس عواتي يعتبر قاطع طريق وشفتا؟ كيف تستقيم هذه المعادلة ؟ أليس كان من الاجدر ان يعتذر من كان متغيبا عن النضال ومن قاتل ضده تحت مختلف المسميات من كوماندوس وجواسسيس ومليشات ..الخ بدلا من التعدي على الرموز الوطنية والنضالية؟ أليس من حق القوى التي تحملت وحدها عبء النضال في مراحله الاولى ان تطالب باعادة الاعتبار على ما تعرضت له من افتراء وتهجم على رموزها وتاريخها النضالي؟
لا بد من الاشارة الى دور تنفيذية المجلس الوطني وتقاعسها في التعامل مع موضوع التهجم على رمز الكفاح المسلح الشهيد القائد حامد ادريس عواتي ضد الاستعمار الاثيوبي حيث انها وقفت عاجزة ولم تستطع ان تدين هذه الهجمة الشرسة وهناك عدد من التنظيمات المكونة للمجلس تعاطفت مع قرناليوس تحت حجج واهية الامر الذي لا يبشر بأي موقف افضل للمجلس في اجتماعه القادم نحو اتخاذ القرار المناسب في هذا الشان. اذن ماذا سيكون موقف القوى التي تنتمي الى هذا الارث من التاريخ النضالي في حالة فشل المجلس فى ادانة قرناليوس؟ وماذا سيكون مصير المجلس؟ هل سيكون ممثلا فقط لتلك القوى التي تتعاطف مع قرناليوس وتتوافق مع ما جاء ببيانه المشئوم ؟
فيما يتعلق بالدولة المضيفة، لا اعتقد بأن اثيوبيا ستكرر ما قامت به في السابق من تحالف تم فيه اقصاء قوى اجتماعية بعينها عن طريق تمكين الجبهة الشعبية من الانفراد بالساحة (والذي أقرت اثيوبيا بخطئه أخيرا) حيث انه من مصلحة اثيوبيا وجود نظام سياسي فى إرتريا يمثل كافة مكونات شعبه ويحترم شعبه وجيرانه، ولا يمكن ان يتأتى ذلك عن طريق اقصاء جزء اساسي من المكونات الارترية وظلمه، خاصة وان اسلوب الاقصاء جرب في السابق ولم يوجد الاستقرار الدائم لا لارتريا ولا لاثيوبيا.
في الختام بما ان ارتريا في مفترق طرق وكل مكون من المكونات اصبح يعمل لمصالحه فقط دون النظر الى المصالح المشتركة لجميع المكونات ، فعلى ابناء عواتي – كما وصفهم قرناليوس – أن ينظروا في الامر بجدية ويقوموا باعادة صياغة خياراتهم بعيدا عن العواطف التي لازمت هذا المكون منذ تاسيس الكيان الارتري مثل اعتبار اننا فقط المسؤولين من وحدة الشعب ومن الحفاظ على النسيج الارتري حيث ان عملية الحفاظ على النسيج هي مسئولية جماعية مشتركة وتحتاج الى رغبة وجهد جميع المكونات وليس رغبة طرف واحد بعينه، خاصة وان ذلك الطرف غير مرغوب فيه ويتحالف الجميع ضده ولا يحترم دوره ولا تاريخه النضالي.
ولا يفوتني ان اعبر باننا نعتز بان يطلق علينا ابناء عواتي الذي نفخر به حيث انه صانع التاريخ النضالي البطولي في ارتريا ، ويستحق كل من قدم روحه وماله ووقته من ابناء وبنات المكونات الارترية المختلفة في سبيل النضال أن يحظى بشرف الإنتساب إلى عواتي في حين انه لا يشرف عواتي أن ينسب اليه أي عميل.
نوراي محمد أسناي
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=27206
أحدث النعليقات