جزء من سيرة المناضل محمد صالح همد
*تم نقلها من صفحة مولانا : عبد الله خيار
المناضل محمد صالح همد ولد في القاهرة من آب اريتري وأم مصرية درس كل مراحله الدراسية بمصر وأكمل تعليمه بدارسة الحقوق في جامعة القاهرة، رغم بعده عن اريتريا كان متمسكاً بهويته الاريترية وكان ملماً بالخلفية التاريخية لكل مكونات المجتمع الارتري وكان على دراية تامة بجغرافيا إرتريا ومناطقها وإنسانها دراية الخبير ببواطن الامور. رغم أنه لم يعيش في وطنه الا أن الوطن كان يعيش بداخله لذا كان من المناضلين الأوائل الذين ساهموا في تأسيس جبهة تحرير اريتريا، وفي هذا الصدد يقول عنه الناشط الحقوقي ياسين محمد عبد الله ” المناضل والمثقف والإنسان الكبير محمد صالح همد أحد مؤسسي جبهة التحرير الإريترية في القاهرة 1960 وهو عضو قيادتها التاريخية المجلس الأعلى أبان عقد الستينيات. يعد محمد صالح همد من أبرز المثقفين الإريتريين ومن أكثر المناضلين تجرداً ونكران ذات.. ستبقى ذكراه خالدة في ذاكرة شعبنا فقد أسهم إسهاماً كبيراً في تشكيل الوعي الوطني الإريتري وفي ترسيخ مسيرة الثورة الإريترية وتمكينها من تحقيق هدفها في الاستقلال الوطني”
البعض من أبناء هذا الجيل قد لا يعرف الكثير عن المناضل محمد صالح همد أو قد يكون البعض منهم لم يسمع به إطلاقاً، للفائدة العامة أُضيف هنا شهادتي عن هذا الرجل النبيل لأنني كنت من المحظوظين بمعاصرته ومعرفته عن قُرب، في عام 1993 عندما عُينت قاضياً بالمحكمة العليا اسمرا، كان المناضل محمد صالح همد قاضياً بالمحكمة العليا في الدائرة التجارية مع رفيقه القاضي إدريس همداي .
برغم عدم وجود معرفة شخصية بيني وبينه الا إنه استقبلني بكل الود والترحاب، وأكرمني كرماً حاتمياً فيّاضاً بأريحيته السمحة وقدم لي الكثير من النصح والإرشاد، تعلمت منه الكثير في مجال القانون لذا اعتبره أحد استاذتي، فهو موسوعة علمية ولديه الكثير من التجارب الثرة التي صقلته.
ليس سهلاً أن تجد الكلمات المناسبة لوصف المناضل محمد صالح همد فهو متحدث لبق، وفي نفس الوقت يجيد الاستماع الي من يُحدثه، ويجيد الكثير من اللغات العالمية، إلّا انه بالرغم من كل هذا الثراء الفكري كان متواضعاً لأبعد الحدود، وإنساناً بسيطاً للغاية، وكان يتميز بانه قارئٌ جيد وواسع المدارك والاطلاع، ومن الامور التي لفتت نظري فيه انه حينما يدعو شخص ما لزيارته في مكان إقامته فهو دوماً ينتظرك بكامل هندامه كأنّما لديه موعد عمل، وتعتبر الاناقة إحدى السمات الملازمة لشخصيته التي تنم عن ذوقه الرفيع في اختياراته. لم أر في حياتي شخصاً مهذباً بمستوى تهذيبه، قل ما يجود الزمان بأمثاله.
المناضل علي محمد صالح باعتباره واحد من المناضلين الذين عاصروا المناضل محمد صالح همد طلبت منه أن يحدثني عنه، وصفه قائلاً ” المناضل محمد صالح همد قبل تفرغه للجبهة كان مستشاراً قانونياً بوزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية في بداية ستينات القرن الماضي. ثم تقلّد العديد من المناصب في جبهة التحرير الاريترية، وبعد المؤتمر التنظيمي الثاني لجبهة تحرير إرتريا 1975 تولى الإشراف على الجهاز القضائي ، وهو رجل ذو كفاءة ومتمكن من اللغة العربية والانجليزية، برغم كفاءاته وثقافته العالية الا إنه كان انساناً عادياً متواضعاً وبسيطاً ومحب للجميع، تزوج همد من اريترية وأنجب منها ثلاث بنات وهن سارة محامية في بريطانيا، وسمر مدرسة في بريطانيا والصغرى سالي وهي طبيبة أنف وأذن وحنجرة في باريس”
هذه هي السمات التي يعرفها عنه الجميع، وإذا سألت أي شخص آخر عن المناضل همد لن يعطيك وصفاً آخر غير الوصف الذي قدمه لنا المناضل علي محمد صالح، وذلك لأنه واحد من الشخصيات التي يتفق حولها الناس، من خلال تعامله الراقي وسلوكه القويم وعطائه اللا محدود فهو كحامل المسك الكل يجتمع عنده ويلتف حوله.
بعد تحرير اريتريا في عام 1993 تم تعين المناضل همد قاضياً في المحكمة العليا باسمرا ولم يكن هذا التعين منصفاً له ولإمكانياته ومقدراته السياسية، فهو رجل سياسي في المقام الاول ويجيد التحدث بلباقة الديبلوماسيين، لذا كان يمكن الاستفادة منه حسب وجهة نظري في مجال العلاقات الخارجية أكثر منه كقاضي، خاصة وانه يمتلك علاقات واسعة مع الكثير من السياسيين العرب .
ما لا يعرفه الكثير من الناس ان همد خلال إقامته الطويلة باسمرا كان يزاول عمله من محل إقامته بإحدى فنادق اسمرا، لم يكن يملك بيتاً، ورغم ذلك لم يتذمر ولم يحتج، لذا كان رئيس المحكمة العليا طعمي بيني يكُن له تقديراً خاصاً، ودوماً كان يتحدث عنه بشكل يليق به وبإمكانياته وقدراته القانونية، ويقدر صبره على كل صعوبات الحياة التي كانت تواجهه لبعده عن اسرته.
أثناء أقامته في اسمرا تعرض المناضل همد لوعكة صحية أدت الي تدهور حالته الصحية بشكل ملحوظ، فتم نقله الي القاهرة مكان إقامة اسرته وتوفي بها بتاريخ 11 مايو 1994.
رحم الله المناضل محمد صالح همد بقدر ما قدم لهذا الوطن من نضالات ومساهمات مع غيره من المناضلين لإيصال صوت الثورة الاريترية الي المحافل الاقليمية باعتباره أحد مثقفي ومؤسسي الثورة الارترية. لقد رحل عن هذه الفانية فقيراً لا يملك شئياً الا عزة نفسه، ومحبة الناس له، وتاريخاً ناصعاً ملئ بالنزاهة ونكران الذات. التحية لزوجته وبناته ونتمنى لهن التوفيق في مسيرة الحياة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=46956
أحدث النعليقات