ج15 هل كانوا فعلا اصلاحيين ام كان كل منهم يغني لليلاه !! ؟؟
ان المأزق الذي ادخلتنا فيه تجربة المجموعة الهقدفية المتطرفة، واختيار القوى المعادية للحق الارتري لهم ليتم التحرير على أيدهم بعد ان غدا التحرير امرا لا مفر منه، قد خلطت الاوراق وجعلت المواطن الارتري لا يحصد الا الازمات التي كتمت عليه انفاسه، فما ان تمنى صادقا الخروج من أزمة ساقه ابو السوس الى أزمة أخطر منها، ليجعل اليأس يدب في أوصاله فيسهل عليه تنفيذ مخططاته ويحقق الهدف الذي حرم الشعب الارتري أصلاً عن ممارسة حقه بسببه، وهو مخطط يستهدف المنطقة كلها وليس الشعب الارتريين وحده.
كما اربكت هذه التجربة الشارع السياسي وخاصة التنظيمات خارج الشعبية، فاختفت تنظيمات وظهرت أخرى، وحدثت إنشقاقات أميبية في صفوف بعضها الاخر لتنتقل العدوى لاحقا الى صفوف الجدار الحديدي الذي بنته المجموعة الهقدفية نفسها. فقد بدأ الانشقاق على مستوى أفراد وأجهض بمجرد تفكير الأفراد في تجميع صفوفهم للانتقال الى العمل الجماعي المنظم . فتجربة الانشقاقات في هذا الجدار الهقدفي تستحق الدراسة والتمعن خاصة وان الناس احيانا تعطيها ما لم يكن لها وتلبسها مسحة وطنية الى درجة يتم فيها تسليم زمام المبادرة في المعارضة لمن يدعون الانتماء اليها. فالمجموعة الهقدفية الحاكمة هي وحدها حتى الان من يحدد القوى التي تعارضها بعد ان تمكنت من زرع بعض قادتها الذين خرجوا من ارتريا وهم يحملون في جيوبهم شيكات بالدولات الامريكية. لا احد يستطيع ان يؤكد غير هذا بعد ان سلمت التنظيمات التي عارضت النظام على مدى ثمانية عشر عاما الامر لهم وتخلت عن رصيدها النضالي والتاريخي لمن يدعون الانتماء الي مجموعتهم اي ج 15. وكأن هذه الفصائل كانت تعمل أجيرة عندهم، فمتى ما وصل أرباب العمل بعد قرابة 18 عاما سلموهم الجمل بما حمل. وبهذا التصرف نكون نحن المسلمون مؤتمنون وليس اصحاب حق، ولكن حتى الصدق والامانة التي هي من شيمنا لا يقدرها لنا الأخر حتى كقيمة انسانية في ممارسة عملنا الوطني. ولكن ماذا ترونا فاعلون لأن تاريخنا يكرر نفسه كل عشرة أعوام. فتأمل1972، 1982، 1992، 2001، 2009م كلها تواريخ اما اتخذنا فيها قرارات مصيرية مدمرة أو تنازلنا فيها عن طيب خاطر عن حقوقنا دون الحصول على ادنى مقابل لها. فالمعادلة في اساسها مختلة لان الوطان لا تبنى بتنازلات يقدمها طرف واحد كلما دفع به الطرف الأخر نحو حافة الهاوية.
وحتى لا يعتقد البعض منا مدفوعا بطيب سريرته وقلة زاده المعرفي، بأن “الاصلاحيين” الذين نتحدث عنهم هم كانوا يوما جزء من حركة الاصلاح الاسلامي الارتري او يتوهم فيعتقد بأنهم كانوا امتداد للحركات الاصلاحية التي شهدها التاريخ الانساني، نقول لهم اصحوا، فان من نعنيهم هنا هم الوزراء وكبار المسئوليين في الحكومة الهقدفية الذين تم اعتقالهم بتاريخ 18 سبتمبر 2001م لكونهم تجرأوا على كبيرهم. وقد قدمتهم بعض وسائل الاعلام فيما بعد ” كاصلاحيين” وتبعهم في ذلك بغوغائية كل من تحدث عنهم، مع ان مجموعات اخرى اكثر تنظيما سبقتهم الى هذا النوع من التحدي، ولكن لم يعرها الاعلام الغربي اهتماما لانهم لا ينتمون الى المجموعة الاثنية والثقافية التي تعنيهم.
وبالرغم من موجات الاعتقال التعسفية التي سبقت اعتقالهم وتعرض لها المئات من ابناء شعبنا خاصة في المنخفضات ، والذين لا يعرف شئ عن مصيرهم حتى الان، فان قناة التحالف لا تتوقف عن استفزاز مشاعرنا بعرض صورهم علينا كل يوم، وكان لا يوجد سجين غيرهم وكل قصص مأسينا تتلخص في سجنهم، أو الهدف هو القصاص لهم.
ومن سخرية الاقدار ان يكون البعض من ج 15 ابطال حقيقيين لمعظم الجرائم التي كانت ترتكب بحق شعبنا. ومع قلة حيلتنا كمواطنين عاديين نشعر بأسى شديد في ان يقدم لنا تلفاز التحالف بعض المجرميين على انهم ابرياء وضحايا بعد كل الجرائم التي ارتكبوها، لمجرد تعرضهم لعقاب على يد سيدهم، حتى وان كان هذا العقاب على طريقتهم. فهل يدرك التلفاز المعارض مغزى عرض الصور التي ينتقيها ويكرر عرضها كل يوم، وكأن سجون النظام لا تستضيف غير هؤلاء !!!
فما هذه السذاجة والسطحية وابتزال الامور من قبل قوة سياسية كان يفترض ان تضطلع بدور المدافع عن حقوق الشعب وان تقتص له من كل المجرمين بعيدا عن المجاملات الفارغة، ام ان حتى هذا التلفاز هو أيضا من الأشياء التي أؤتمنا عليها، لندرك بأن التحالف هو مجرد ستار يتخفى خلفه أخرون.
فمن منا لا يعرف بطرس سلمون وجرائمه وتعصبه وكراهيته المفرطة للمسلمين ؟ الم يكن بطرس سلمون هو الذي ابعد عدد من الشباب المسلم عن مواقعهم الادارية والتنفيذية التي كانو يتولونها في وزارة الدفاع والخارجية وبطريقة مكشوفة عندما اصبح وزيرا للثروة السمكية، وحولهم من فاعلين الى مجرد متفرجين في العمل؟ الم يكن بطرس سلمون هو الذي كان يقيل افرادا من مناصبهم عندما يأتي احد اقاربه من اديس ابابا ليحل محلهم؟ والكل يعرف كيف جعل اهله يستفيدون الى ابعد حد من المنح الدراسية خارج البلاد وداخلها، وحول وزارة الدفاع الى وزارة حماسيناوية.
وربما قلة هم الذين لا يعرفون الدور المحوري والقذر للسيد بطرس سلمون في عمليات التصفيات الجسدية وعمليات القتل الجماعي التي مورست في الميدان إبان الثورة، وحتى في المدن السودانية !!!!
فلما لا تكون لنا وقفة مع الذات، فللمواطن عيون وأذان وعقل يوازن بين الامور، فمصيبتنا تكمن في اننا متى ما يتولى احدنا السلطة يتحول الى حمل وديع، على عكس الطرف الاخر الذي يتظاهر في منتهى الوداعة والبساطة والنزاهة الى ان يتولى سلطة فيتحول فجأة الى وحش كاسر دفاعا عن مكاسب يعتقد بانه حققها ” بسرواله ” ام جلبابه لا ادري على حد قول المناضل السجين عقبي ابرها.
ومن حق اي مواطن عادي من امثالي ان يتساءل فيما اذا كان هناك ما يجمع بين افراد مجموعة 15 من رؤى وافكار او برنامج عمل مشترك؟
ومن غير المؤكد كيف تجمعت هذه المجموعة، ولكن المؤكد هو انها من افرازات الهزيمة التي ” جعلت الشمس تشرق على الشعب الارتري من الغرب ” ، ابان الحملتين الثانية والثالثة في اخر حرب مع اثيوبيا.
فالحرب كانت قد انتهت عمليا لمن يدرك معنى الحرب باحتلال اثيوبيا لمنطقة بادمي ابان الحملة الثانية عام 1999م، وفشلت كل محاولات استعادتها بالقوة وبإشراف اسياس شخصيا. وكان هنالك من يشعر بان الامر قد بلغ مستوى يصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور إذا تمادت ارتريا في الحرب اكثر من هذا؟ وهذا ما اشار اليه هيلي درع في احدى مقابلاته، عندما قال : لولا تدخل الرئيس ابو تفليقة ، كنا قد تعرض للانهيار التام” ” تطلاقينا نيرنا”. فان تعددت الاسباب بين الذاتي والعام الا ان عدد من هؤلاء كان على خلاف غير معلن مع السيد اسياس حتى قبل اندلاع الحرب مع اثيوبيا.
فعلاقات السيد محمود شريفو وبطرس سلمون مثلا لم تكن على ما يرام بل كان يشوبها نوع من الفتور ابان الحرب مع اثيوبيا وقبلها، وجراء هذا كان شريفو يقييم لفترة غير قليلة مع احد اصدقاءه خارج البلاد، ولم يحضر احتلال اثيوبيا لبادمي عام 1999م. فقد انتقل حينها من السعودية الى لندن، ومنها عاد الى ارتريا عبر السعودية بعد غياب ربما قرابة الستة اشهر.واصبح موضوع الانتخابات الاقليمية وصياغة قانون خاص بها النقطة المفصلية التي انتهزها الرجل للتخلص منه.
اما بطرس سلمون الرجل الطموح والقذر في ان معا، والذي لم يكن ليرى في نفسه غير البديل الشرعي لسيده اسياس، قد بدأت خلافاته مع الرجل منذ وقت مبكر. حيث شكلت المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس الاثيوبي السابق منقستو هيلي ماريام في زمبابوي، والتي انفق عليها الرجلان اسياس وبطرس ملايين الدولارات الامريكية، واعتبارها معركة بطولية خاصة بهما ، مناسبة لاحداث نوع من عدم الثقة في علاقاتهم مع الحكومة الاثيوبية. حيث حاولت ارتريا التنسل من الجريمة ونسبها الي اثيوبيا، ولكن وجود احد السائقين المقربين من بطرس ضمن العتقلين كان دليلا كافيا على تأكيد تورطهم في العملية.
وبما ان قوانين واعراف السيد ابو السوس تقتضي الاستفادة من اي مناسبة مهما كانت طبيعتها، سواء أكانت نجاحا أم فشلا فانه لابد من ضحايا، فيستغل الظرف للتخلص ممن يبدأ التشكك في نواياهم. فكانت هذه فرصة لابعاده عن جهازي الامن والدفاع الذين كثيرا ما استغلهما في عمليات قذرة ضد رفاقه ومن يعتقد بانهم منافسيه او عقبة في طريقه، ظناً منه بأنه يمهد السبيل لنفسه نحو كرسي الخلافة. ولكن طموحه اعماه كما اعمى سيده عن حقيقة ان للسوس اب وهو سيده ابو السوس الذي علمه كيف يقتل ويختلق المبررات للقتل، فاخلاقياتهم لا تؤمن الا بالقتل وسيلة لحل اي خلاف مهما كان نوعه، حتى وان كان منشأه مجرد شك في النوايا، او خوف غريزي.
وعندما تأكدت الهزيمة بدأ البعض يتجرأ على الرجل ليحملوه الفشل في قيادة اللعبة ولا نقول المعركة فللاخيرة رجال يحتضنهم الثرى، وما ترتب على هذه الهزيمة من هزائم مادية ومعنوية، خاصة وان هنالك اخطاء استراتيجية وقرارات خطيرة كانت تتخذ دون علم المعنين الاساسيين في اللعبة من عمليات سحب للجيش والادارات من مناطق الى اخرى او حتى انسحاب من اقاليم بكاملها.
فالعناصر الثلاثة الاساسية شريفو وبطرس ودرع كانوا قد بدأو عمليات استغطاب داخل المجموعة نفسها بدل من حسم قضية القيادة فيما بينهم، ومن كان حولهم او يتعاطف معهم كان يدرك بان شريفو قد يكون واجهة مناسبة الى حين ليؤول الامر حتما بعدها الى بطرس سلمون وهو اسوأ بديل لسيده على الاطلاق للجميع، لما يتميز به من تعصب ديني واقليمي وان تخفى تحت عباءة العلمانية، ويتبعه في ذلك وزير الاعلام والتعليم السابق براخي. وكان هذا سببا كافيا الى حد ما لاقناع عدد من انجروا خلفهم او تعاطفوا معهم الى حين للتراجع والتخلي عنهم.
ومن الغريب جدا فان بعضهم كان يرى حتى مجرد اثارة بعض القضايا من العيار الخفيف وتوجيه النقد بطريقة مهذبة لابي السوس انجاز غير عادي. هكذا رباهم الملعم. فعدم الثقة فيما بينهم، وهدرهم للوقت على قلته، في انتقاء الالفاظ والمواضيع المناسبة، لنشرها في الصحف المحلية دون تنسيق فيما بينهم اضاع فرص التفاهم و العمل المشترك فيما بينهم.
فقد اظهروا حرصا شديدا وخوفا مبالغاً فيه، من الوقوع في اخطاء لفظية واثارة موضوعات يخشون ان تثير غضب سيدهم، ولهذا كانوا يحرصون على عدم اجراء مقابلات صحفية مباشرة حتى لا ينزلق لسان احدهم فيزأر الاسد، فدأبوا على تقديم ارائهم مكتوبة للصحف المحلية.
فلنوجز الموضوع، بقولنا ان ج15 لم تكن مجموعة متجانسة يجمع بينها الهدف بل جمعت بينهم مشاكل في العمل، واخرون مشاكل شخصية، فحاولوا التذاكي ليعطوها طابعا وطنيا أو هكذا قدمهم الاعلام لنا، فحاولوا تبني بعض المطالب لمجرد الخداع. ولكن ما ان فكروا في الجلوس معا ليتدارسوا الامر ويفكروا فيما يمكن عمله ساقهم الرجل الى المصير الذي كانوا ينتظرونه وبذلك سبق السيف العزل.
فعجبا لهذه الدنيا تجعلك يوما اسدا تفرض على الناس قانون الغاب وتزرع الرعب في النفوس، وما ان تنتهي مهمتك على مسرحها تنقلب عليك وتجعلك حملا وديعاً فتصبح لقمة صائغة لمن لا يرحم من وحوش هذه الارض.
لسان الدين عثمان
2010/2/25
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=2111
أحدث النعليقات