حرب البيانات بين قوى المعارضة الإرترية إلى أين ؟
مازال المشهد الإرتري المعارض تتجاذبه الأمواج بين الفرقاء في إستحقاقات عقد المؤتمر الثاني للمجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي ، بين من يدعو ويدفع إلى عقده في أسرع وقت ممكن بإعتباره إستحقاقا وطنيا للخروج من الجمود الذي أصابه في الفترة الماضية ، وبين من يختلق الأعذار والأسباب للعرقلة والتأجيل والتسويف بدون مبررات سوى هوى النفس . وشهدت الساحة السياسية الإرترية الأسابيع الماضية حرب البيانات بين الطرفين حيث أصدرت مجموعة 5+1 بياناً باللغة التقرينية ويأتي البيان في نفس اليوم الذي التقى فيه وفد مجموعة الـ 15 لتمهيد الحوار البيني عبر المبادرات ، ثم تبعه بيان توضيحي لمجموعة الــ 15 لتفنيد الاتهامات التي وردت في بيان مجموعة 5+1.
في خضم هذه الأحداث نشطت تنسيقية نيروبي (مدرخ) وعقدت لقاء في كندا ، وعبر بعض الناشطين والسياسيين عن انزعاجهم من هذا التحرك ، ربما ظناً منهم بأن مدرخ تسعى لسحب البساط من المجلس الوطني الإرتري لكي تحل محله ، وتعالت نبرة مطالبة مدرخ باعتذار للشعب الإرتري يفصل بين تاريخها الماضي مع النظام والتاريخ الجديد في معسكر المعارضة.
وبهذا الخصوص أود الإشارة إلى أن مدرخ تتحرك ضمن النسق السياسي العام ، ولكن لا تتفوق على المشهد دون غيرها سوى أن لديها علاقات مع بعض الدول أو المنظمات الدولية بحكم العمل السابق ، وربما تجد التمويل اللازم لأنشطتها. ويخطئ من يتصور أن مدرخ هي المؤهلة لقيادة العمل المعارض ، وأن جميع قوى المعارضة لا تستطيع ان تتحرك بدون مدرخ ، وأنها تحت رحمة مدرخ . صحيح مدرخ نظمت اجتماع نيروبي ، ولولا استجابة القوى السياسية بالحضور والمشاركة لفشل الاجتماع ، إذاً مدرخ بدون القوى السياسية الأخرى لا تستطيع أن تتحرك وتعمل بصورة فاعلة ، وهذا لا يعني عدم الاستفادة من إمكانيات مدرخ المتوفرة لها .
وفي تقديري المتواضع يجب أن نتعامل مع مدرخ باعتبارها كيانا إرتريا ، وقيادات إرترية كانوا نافذين في النظام الارتري ، وشهودا على جرائم النظام ، وإن عدم الكشف عن تلك الجرائم وما خفى منها يعزز لمن يقول بضرورة الاعتذار حتى تتبدد المخاوف والهواجس تجاه مدرخ . وشخصياً لست مع الاعتذار فقط وإنما مع المحاكمة أيضاً لمن تورطوا في ارتكاب جرائم ضد الشعب الإرتري ، ولكن هناك سؤال إذا كان كل من ارتكب خطأ فادحا مطلوب منه الاعتذار ، يجب أن نبدأ من قيادات جبهة التحرير بكل ألوان طيفها الذين أدخلوا الجيش الإرتري الجرار حينها في ثمانينات القرن الماضي ، وتم تسليمه للحكومة السودانية بقرار سياسي وليس بهزيمة عسكرية من الجبهة الشعبية هؤلاء أيضا مطالبون بالاعتذار. لأنهم بهذا القرار أعطوا الشرعية الميدانية وشرعية البندقية المقاتلة الوحيدة للجبهة الشعبية حصرياً ، الأمر الذي أدخل الشعب والوطن في دوامة الاستعباد والقهر والقتل والتنكيل والتشريد والسجن . وعجزت جبهة التحرير إدخال سرية واحدة عقب ذلك السيناريو الأسود ليس بسبب فقدان المقاتلين البواسل والقيادات العسكرية الجسورة التي كانت تبكي الدم بدل الدمع من المشاهد المخزية التي كانوا يعايشونها عند الحدود السودانية الإرترية ، وإنما بقرار سياسي لإنهاء الثورة الإرترية من الدول الاقليمية والدولية التي مارست الضغوط على تلك القيادات بالتخلي عن الساحة . هل يعقل لجبهة التحرير التي كانت تسيطرة على 80% من الأراضي الإرترية أن تنسحب منها بين عشية وضحاها لتحل محلها الجبهة الشعبية التي كانت الأقل منها عدةً وعتاداً؟؟؟ هذه القيادات مطلوب منها الاعتذار للشعب الإرتري . وكذلك قيادات المعارضة الإرترية مطلوب منها الاعتذار للشعب الارتري في عجزها لإدارة الخلافات البينية بين مكوناتها السياسية ، وأيضاً الإعلاميين والمثقفين والناشطين والمجتمع المدني وغيرهم . ثم نبدأ صفحة جديدة بعد هذا الإعتذار الجماعي للعمل بمسئولية وجدية في مقاومة النظام وإسقاطه وتخليص الشعب الإرتري منه .
وفضلاً عن آحاد مكونات مدرخ هناك سؤال آخر يجب أن نجيب عليه بكل شفافية ، هل بعد زوال النظام الإرتري سوف نتعايش مع بقايا النظام أم لا ؟ وهل سوف نتخذ سياسة الاجتثاث أم التسامح والصفح ؟ هل سنطالب بترحيل أتباع إسياس إلى دول أخرى بعد سقوطه ؟
من الناحية العملية في تقديري إذا سلكنا هذا المسلك سوف نضيع الوقت والجهد ، ولا سيما الاعتذار لا يعفي من المحاكمة ، فبدلاً من ذلك ننطلق للعمل الجاد الذي يستوعب جميع الكيانات والشخصيات التي تعارض النظام بدون إستثناء لاستئصال الطاغية إسياس . وهناك قاعدة فقهية ( إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما) ، وإن مدار الفهم على جلب المصالح ودفع المفاسد هو أن الأصل في كل مصلحة تحقيقها وإيجادها ، وأن الأصل في كل مفسدة دفعها ومنع حصولها. فإذا تزاحمت مصلحتان بحيث لم يمكن تحصيلهما معا نُظر في ذلك إلى أعلى المصلحتين بتحصيلها وإن ترتب عليه إهدار المصلحة الأخرى التي هي دونها ، وإذا تزاحمت مفسدتان بحيث لم يمكن دفعهما معًا نظر في ذلك إلى أعلى المفسدتين بدفعها وإن ترتب عليه ارتكاب المفسدة الأخرى التي هي دونها. وهي تتمثل في التعاون مع من هرب من إسياس واستيعابهم مع معسكر المعارضة (التي هي الصغرى) لإسقاط الدكتاتور إسياس أفورقي (وهي المفسدة الكبرى ) .
وبعد إسقاط الدكتاتور نقوم بمحاكمة المجرمين بالعدل تحت العدالة الإنتقالية ، وهي مسار متكامل من الآليات والوسائل المعتمدة ، ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بكشف حقيقتها ، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها ، وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنية ، ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ، ويرسي ضمانات عدم تكرار الانتهاكات ، والانتقال من حالة الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان . وهنا لا بد من التوضيح أن العدالة الانتقالية تختلف عن العدالة التقليدية في كونها تُعنى بالفترات الانتقالية مثل: الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلح إلى حالة السلم ، أو الانتقال من حكم سياسي تسلطي إلى حالة الحكم الديمقراطي ، أو التحرر من احتلال أجنبي باستعادة أو تأسيس حكم محلي ، وكل هذه المراحل تواكبها في العادة بعض الإجراءات الإصلاحية الضرورية .
ولقد لاقت العدالة الانتقالية رواجاً كبيراً في العديد من البلدان منذ الثلاثين سنة الماضية فقط ، وذلك بالرغم من قدم فكرة العدالة الانتقالية ، على سبيل المثال : في السنة الثامنة من الهجرة عند فتح مكة خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم كفار قريش قائلا : ( يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم؟ ) ، قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال: ( فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه : { لا تثريب عليكم اليوم }(يوسف:92)، اذهبوا فأنتم الطلقاء) .
الشاهد من هذه الواقعة أن الرسول صل الله عليه وسلم قد قابل الإساءات التي صدرت عن أهل قريش بالعفو ، لكن لم يحصل ذلك إلا بعد إبرام مصالحة معهم وليس تستراً عن الأفعال المشينة التي اقترفوها. ( وإذا تم ترجمتها في واقعنا الحالي فهي العدالة الانتقالية بامتياز والله أعلم ).
من الضروري معرفة المحكوم فيه على حقيقته ، وإن معرفة ما يدخل فيه وما لا يدخل فيه يقتضي المعرفة الجيدة بالواقع ومكوناته ، وبالأشياء وأوصافها ، وبالأفعال وأسبابها وآثارها , ومن دون هذا يمكن أن يقع تنزيل الأحكام على غير ما وضعت له ، أو على أكثر مما وضعت له ، أو على أقل مما وضعت له ، ويمكن أن يقع تعطيل الحكم مع وجود محله ومناطه.
جزئية اعتذار مدرخ التي ندندن حولها كثيراً في تقديري تستدعي النظر في التفريق بين القناعات التي نحملها ونريد تطبيقها وبين الواقع الذي نعيشه بكل تعقيداته .
وللأسف لدينا نحن المعارضين كما عند النظام النفسية الإقصائية للآخر ، وهذه الصفة يجب أن نبتعد عنها ، وأن نتميز عن النظام في سلوكنا قولا وعملا ، ولا سيما ونحن ننشد إقامة دولة القانون والعدالة والحكم الرشيد ، يجب ان نعترف بالآخر ونحترم الآخر ، ونعمل على إرساء مبدأ حكم القانون على الجميع بدون فرز .
مطلوب أن نقييم دولة العدل والقانون والحكم الرشيد في قلوبنا وسلوكنا وتصرفاتنا قبل إقامتها على الأرض ،
يقول الله تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).
بقلم: أبوالحارث المهاجر
abualharrith@gmail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37117
الشكر أجزله للأستاذ أبوالحارث المهاجر وفي الحقيقة نتفق او نختلف مع هذا الكاتب ولكن صاحب قلم وانا شخصين اتابع مقالاته باستمرار. والتحليل الذي تقدم به يعتبر تحليل عميق جداً اذا تم فهمه في سياقه التحليلي والسياسي بعيداً عن التحزب.
أخي Adel Deremle كاتب المقال لم يستثني الإسلاميين من المحاسبة عندما طالب جميع قوى المعارضة الإرترية بالإعتذار وأيضاً الوصف الذي تفضل به بالرجعي عندما تقول(فجيل اليوم ليست له هذه العقلية او النظرة الرجعية للامس بل نشأوا فى عهد الدولة واكتوا) وللإنصاف كاتب المقال تحدث عن المجرمين جميعاً ومحاكمة التاريخ الأسود لتلك القيادات سواء كانت في مرحلة الثورة او الدولة لا فرق هو المطلوب. وحسب فهمي لتعليقك تريد ان تعفي قيادات جبهة التحرير من المحاكمة بمحاكمة قيادات الجبهة الشعبية في ابان الدولة وقطعا نريد ان نحاكمهم في تاريخهم الاسود في الثورة والدولة. وكما اننا نريد المحاكمة التاريخية للجبهة الشعبية كذلك جبهة التحرير يجب ان تحاكم قياداتها الموجودة في ممارساتهم السابقة!! وأنا أيضا شاب مثلك عشت وترعرعت في السيطرة الميدانية للجبهة الشعبية وثم مرحلة الدولة ولكن فهمي الجميع يجب ان يحاكموا لاننا نحصد الان اخطأ السابقين. أخي العزيز ارجو ان تناقش الموضوع بموضوعية بدل ان تزج الإسلاميين تارة وحزب بعينه تارةً اخرى وفي اعتقادي هذا دليل ضعف النقاش ان تزج بالاخرين. اما الاسلاميين الذيين تتحدث عنهم والامراض التي اشرت اليها من صنعها وكان يمارسها في ارض الواقع قبل ظهور الاسلاميين في الساحة السياسية هم جبهة التحرير وقياداتها فلماذا تحمل الاسلاميين الممارسات القبلية والاقليمية دون غيرهم؟
التحيه لكاتب المقال نتفق او نختلف تبقى مصلحة الوطن هي المقصد والغايه حسب ظنى , ما اود الاشارة اليه هو ان مبدا الاعتذار لايجب ان يقتصر على مدرخ او من على شاكلتها كما تفضلت او جبهه التحرير الارترية بل على جميع الكيانات المعارضة اليوم ومنها الكيانات الاسلامية والتى ضمن اطارها المحدد مارست كذلك الكثير من السلوكيات بل الممارسات التى تلتقى والنظام فى الكثير من المخرجات والمحصلة كما نراه ناقسامات قبلية وجهوية بل حتى فكرية برغم ادعاء ان الاسلام هو مصدر هذه الكيانات وعليه فى حالة البحث عن الماضى سوف تجد الجميع ضمن قائمة الاهتام وليست الاعتذار , فيما يخص مدرخ وحتى هذه اللحظات لم ارى او اسمع اي كيان ارترى معارض طالب اعضاها لااعتذار لهذا الشعب المكلوم بل هرولت نحوها فى اول منعطف حقيقي مع البعض من افراد عصابة الهقدف والذين حتى هذه اللحظة لا تجد لهم اى محددات واضحة او كيان محدد او رائ قاطع نحو عصابة الهقدف وموقفهم منها ومن القضايا المصيرية فى البلاد (الارض , السلطة , الثروة ) غير تلك الشعرات الرنانة والتى حتى الان يصدح بها النظام وهو على يقين بانه على صواب .. اذا ما هو الفرق بن الاتنثن (الهقدف, مدرخ) , وعليه تمت مطالبات الاعتذار جميعها من ابناء هذا الشعب وفى غالبيتهم من الشباب الذى لا يختذن ازمة تاريخية كما فعل الكاتب اعلاه نحو جبهة التحرير , فجيل اليوم ليست له هذه العقلية او النظرة الرجعية للامس بل نشأوا فى عهد الدولة واكتوا بنيرانها وعذاباتها ولا يرون غريمهم الا عبر هذا النظام الطائفي واعوانه وكل من خدم ذات يوم ضمنه فلماذا تريدون مصادر هذه الرغبة الجامحة نحو المطالبة بالاعتذار وهو اضعف الايمان فى هذه المرحلة , ولماذا يتصدر البعض من كوادر الحزب السلامي تحديد للدفاع عن هؤلاء القتلة والمجرمين سؤال فعلا يستحق التوقف عنده ؟!!!
. مودتى .
تحياتي الحارة للمهاجر
التعامل مع الكل والسعي للم الشمل شيء إيجابي ولكن هذا السعي الماراثوني يحتاج إلى دراسة هذه العقول التي نلهث ورائها فمثلا: إذا كانت هذه العقول لا تؤمن بالآخر ليشاركها في الحكم فماذا يفيد اللهث ورائها؟
التعامل مع هؤلاء بالاضافة إلى السعي الماراثوني يجب التفكير بجدية في استخدام أساليب أخرى لإخراجهم من العملية السياسية وذلك بصناعة تناظيم موازية لهم من العناصر المستقيمة والمخلصة والمستعدة للتعايش مع الآخرين تحت دولة القانون والعدالة
ينبغي التفكير بشكل جدي في سحب البساط من تحت أقدام هؤلاء المتعصبون وذلك بصناعة تناظيم موازية لهم من عناصر محترمة ومقبولة لدي المسيحيين والمكونات الارترية الأخرى
لعمر الله أنتم أسوء حالا من النظام الحاكم في أسمرا، كل هذا التنازع وأنتم لا زلتم في المهجر وفي المنفى ما ذا ستفعلون بالشعب والوطن إذا مكن الله لكم.
وإني من ههنا أنقل صورة عن الشعب الإرتري أنه لا مرحبا بكم فأنتم في نظر الشعب لستم مجموعة تقتات باسم الشعب وقضيته ولم نر لأي فصيل من هذه المعارضات (المهاترات) من ينصر قضية الشعب، سواء كان ذلك فصيل قومي أو ديني أو حتى مناطقي.
فبقاء الشعب تحت وطأة أسايس لربما أرحم له من تنازعات وشقاقتكم المفضوحة.
يارب هيأ لهذا الشعب من يرد إليه هيبته ويخصله من هذا النظام من غير جماعات المهاترة الإرترية الحالية.