حصاد ثلاثين عاما من الهجرة الى أستراليا
لقد عقد التضامن ندوته الاولى ضمن سلسلة من لقاءاته التي يزعم عقدها تباعا، والتي سوف تصب في مجملها لمعالجة القضايا الجوهرية التي مرت بها الجالية الاريترية عبر تلك الحقبة من عمرها في استراليا “ملبورن”، متناولة ما اكتسبته من تلك الهجرة من الجوانب الإيجابية, وعلى الكفّة الأخرى ما خسرته من مرورها بالأحداث السلبية.
وكان محدّثنا في هذا اللقاء الاول هو الاخ الفاضل “ادريس اسناي ” فاستهل قائلا:- من خلال متابعتنا المستمرة وجدنا من الصعب جدا اجراء تقييم اوليّ او اعداد رسم بياني او حتى وضع نسبة مئوية حصرية خلال عمرها يبين مستوى الحصاد الذي حققته الجالية في هذا العمر من الزمن. ولكن باختصار شديد نقول: لقد افتقدنا آلية لهذا الحصر الذي يبين مكامن القوة والضعف في هذا العمر.
ان هذا اللقاء التفاكري يهدف للوقوف امام التحديات التي أعاقت الجالية في نشاطها المجتمعي والسياسي، ولكن احقاقا للحق لابد لنا ان نعرج على السنوات الاولى من عمر الجالية التي شهدت أنشطه كثيرة من المستوى الاجتماعي والسياسي.
ويعزو هذا النشاط وجود فئة نخبوية كانت تقود ذلك النشاط. وفي مجملها يمكن أن تنعت تلك السنوات بأنها كانت ذهبية، فقد شهدت أحداثاً تاريخية عظيمة تمثلت في التحرير الكامل للتراب الاريتري بعد نضال استمر ثلاثين عاما من التضحيات، وبذل فيه الغالي والنفيس. وقد تلاه الاستفتاء لإعطاء السمة القانونية للدولة الارترية الفتية، وقال الشعب نعم للاستقلال عبر صناديق الاقتراع مما أدى الى استحقاق اريتريا الاستقلال الكامل ورفع علمها بين الام في مقر الام المتحدة لكي تكون دولة ذات سيادة كاملة ومعترف بها دوليا. ثم تتابعت فعاليات هذه الجالية في كل الانشطة الوطنية وكان ارتباطها بوطنها قويا وعندما جاءت مفوضية الدستور لمناقشة بنوده وبعد مناقشة الدستور رفعت الجالية مذكرة توضح فيها البنود التي يجب تعديلها. ولكن للاسف لم يرَ كل هذا الجهد النور ولم يُمارس في ارض الواقع، بل طويت صفحاته في مكتب الطاغية اسياس وتم إخراج الدستور في اغلب بنوده مفصلا على مقاسه ولتحقيق أهدافه الانعزالية.
وبالرغم من جميع هذه الاخفاقات النفسية، فقد استمرت الجالية في البذل والعطاء، متفاعلة مع المعطيات السياسة في البلاد. وكان حسها الوطني عاليا، فكان لهذا العطاء المتواصل مردوده الايجابي على أفراد الجالية وهنا في ارض المهجر. لكن للأسف الشديد، ذلك الزخم من التضحيات بدأ يتوارى عن الساحة العامة، وبدأت الجالية بالإنكفاء والإنحسار، مقصية نفسها ذاتيا.
وفي هذا اللقاء التفاكري نحاول ان نبحث في عجالة عن الاسباب والعوامل التي دفعت الجالية الى الغياب عن دورها ومسؤلياتها تجاه شعبها ووطنها وعن مصالح افرادها في داخلها, والنظر في دوافع هذا الانحسار والتفكك والتغيب والتشرذم الذاتي الذي ادى بدوره الى التقوقع؛ كل في محارته والسباحة في محيط مخاطها؛ أسئلة وعلامات استفهام كثيرة تحتاج الى أجوبة!
وبالرغم من هذا الضبابية فى الرؤيا والإحباط النفسي والهروب الى الامام, هناك بصيص امل ينبعث من فئة مستنيرة وتحمل لواء المسؤولية، متمسكة بمبادئها آملة بأنها سوف تنال كل حقوقها من بين فكي المغتصب رغم كيد الكائدين وتآمر المرجفين, وان سبحت ضد التيار وهذا هو ديدن كل وطني لم يدنس بالذاتية.
هناك عدة نقاط علينا التعريج عليها عبر هذه السانحة من الزمن وسوف نلخصها في عدة محاور.
المحور الاول:- المحور المجتمعي
المحور الثاني:- المحور السياسي
المحور الثالث:- المحور الرياضي
المحور الرابع:- المحور الثقافي
المحور الخامس:- المحور الاكادمي
اولا المحور المجتمعي:- ويعني بالنشاط الاجتماعي للجالية فقد انعدمت او ربما قلت الانشطة في فعاليات الانشطة الاخرى.
القصور:
– انعدام الانشطة الجتماعية والترفيهية للجالية.
-غياب الأمسيات الادبية الفنية
-غياب مشاركة الشباب والشابات في الفعاليات المختلفة.
المحور السياسي:-
ترجع اهمية هذا المحور في انه يمثل الاطار السياسي والوطني الذي يشكل للفرد هويته السياسية والوطنية.
في هذا المحور –
– تم غياب الهوية الاساسية للجالية الاريترية.
– عدم الوقوف بقوة ضد ممارسة النظام في اريتريا.
– البحث عن بدائل سياسية خارج اطار الوطن الذي جسدته تجربة الثورة الاريترية.
– العزوف عن المشاركة في العملية السياسية.
5:الاحتفال بمعركة تقوربا التاريخية التي حولت مسار الثورة.
6:الاحتفال بشهداء الثورة الارترية.
المحور الرياضي:-
-تراجع الانشطة الرياضية الفردية والجماعية بمختلف مسمياتها.
-احياء الفرق الرياضية
-تكوين فرقة السلة\الدراجات\السباحة…الخ
-تكوين اتحاد رياضي يقيم كل الانشطة الرياضية للجالية.
المحور الثقافي:-
-المسرح\الرسم\النحت\الموسيقى\التصوير الضوئي\الغناء\الاناشيد الوطنية ممثلة في التراث الاريتري بكل انواعه المختلفة.
-انخفاض معدل التعليم الجامعي وما فوق الجامعي للافراد، وخاصة الذكور.
-عزوف غالبية الشباب عن الالتحاق بالجامعات والمعاهد واتجاههم الى الاعمال الهامشية.
-اقبال الغالبية من الشباب الى المعاهد المتوسطه وذلك لتعثرهم في تحصيلهم العلمي الثانوي في الدراسة.
-ترك البعض الدراسة في المرحلة الثانوية “10-12” نظرا لتطلب النظام التعليمي الأسترالي جهودا حثيثة من قبل الأهل بالإضافة الى تأثير أقران السوء.
هذا وقد ادلوا السادة الحضور بارائهم ومداخلاتهم التي أثرت اللقاء واضافت له محاور جديدة يمكن ادراجها ضمن المحاور السابقة وكان من بينها الاثار السلبية التي ترتبت على الأسرة الاريترية من جراء لجوئها الى استراليا. وبدأت تعاني منها اغلب الاسر ان لم نقل كلها، والسبب في ذلك غياب رب الأسرة.
والشيء المألوف في غالب الاسر الاريترية هو ان دور الوالد في تربية الأبناء أمر جوهري ومؤثر، الا أن واقع لجوئنا في أستراليا جعل للمرأة الارترية دورا لم يكن مألوفا لديها من قبل. فالام كانت تقوم بالمشاركة احيانا وليس دوما فكانت تنوط هذا الدور لزوجها وتهتم بجوانب اخرى، الا أن غياب الوالد ترك هذه الوظيفة للأم. فهي تربي ابناءها وتتابع تعليمهم، فالابناء ليسوا هم نفس الابناء! ولا المدارس نفس المدراس التي عهدناها! ولا المجتمع هو نفس المجتمع! اضف الى ذلك القوانين التي تقف مع الابناء في المدارس والتربية فلا تستطيع ان تواجه وتربي كما تشاء ولكن وفق القوانين الموضوعة هنا التي لا يمكن تجاوزها. ثم بعد ذلك كله يحدها عدم وجود المعين وإمكانية تعليمها للأولاد، كما أن عدم تمكنها من اللغة الإنجليزية يضاعف الصعاب والعقبات. وإن الابناء يستغلون كل ذلك الا ما رحم ربك! فتجد الام الحبل ينحل من يدها والعقد ينفرط من بين اصابعها رويدا رويدا وحبة تلو الاخرى وعاطفة الامومة تطغى عليها ويفشل الابناء في دراستهم ويتلقفهم المجتمع المنفتح.
وعندما يعود الوالد يجد البون واسعا بينه وبين ابنائه، فلا ابناؤه ابناؤه، فالقانون يحميهم ولا الزوجة هي الزوجة التي عاش معها ردحا من العمر، فالاراء اختلفت والمطامع تباينت ولو اراد ان ينظم حبات العقد التي انفرطت حباته لا يستطيع.
وهكذا تضيع الاسرة بين حلم الاسرة المتفائل المخضر, وواقع اليوم البائس المصفر، فتضيع الاسرة بأحلامها وآمالها وأمانيها في مستنقع المجتمع الغربي المنفتح, فلا هي كسبت الابناء ولا حققت الاحلام.
وليس هذا واقع كل الاسر فلا الخير يعم ولا الشر يخص, بعض الاسر حققت احلامها وامانيها او هي في ذلك الطريق فحافظت على ابنائها من الضياع المجتمعي وكل له ثمن. وهكذا هو ديدن الحياة، هكذا جبلت بالثنائية المتقابلة: الخير يقابله الشر والرحمة تقابلها القسوة والنجاح يقابله الفشل والقوة يقابلها العنف….. الخ
فالغرب ليس هو الخلاص واكسير الحياة بما فيه من سبل رغد العيش والتمتع بكل الحقوق الانسانية والحريات والامن والامان,لكنه بالمقابل باب مشرّع فيه كل سبل الضياع دون قيد او شرط تحت نصوص قانونية وهي الحرية الفردية ما دامت لا تتعدى حقوق الآخرين.
فالحفاظ على الابناء وفلذات الاكباد شيء مقدس وواجب يحتمه الوازع الديني والضمير الانساني والواجب الوطني والغريزة الذاتية التي غرزت في ضمير وقلب كل والد ووالدة.
ولنا عودة في سلسلة لقاءتنا القادمة وحتى ذلك الحين لكم التحية والسلام.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=35782
أحدث النعليقات