حقيقة الدور الإرتري في الصومال : عمر الخطيب
لندن (القدس العربي) – سقوط مئات القتلى والجرحى وتشريد عشرات الالاف في المعارك الاخيرة في مقديشو وغيرها من المدن الصومالية يؤكد تبخر الآمال بقدرة الرئيس شيخ شريف شيخ احمد على تهدئة الوضع في البلاد بعد توافق اقليمي دولي انتهى به الى سدة الرئاسة.
توافق شذ عنه بعض منتسبي المحاكم الاسلامية الذين سارعوا بتشكيل الحزب الاسلامي وقبلها جماعة الشباب المجاهدين، ثم الانتقال الى العمل المسلح بعد حديث طويل عن امكانية المصالحة لكن سقف الشروط المرتفع للمعارضة والقاضي بخروج قوات حفظ السلام الافريقية حال دون التوصل للاتفاق المطلوب. اقليميا شذت ارتيريا عن التوافق الذي اوصل الرئيس شريف للحكم وان آثر غيرها من القوى الاقليمية والدولية التحرك على الخطين في انتظار ما ستؤول اليه تطورات المستقبل المنظور. دخلت اسمرة بثقلها في الصراع الحالي ما حدا بمنظمة الايغاد والاتحاد الافريقي للطلب من مجلس الامن الدولي بفرض عقوبات صارمة على نظام الرئيس أفورقي. النفي الارتيري بعدم التدخل في الصومال لم يقنع احدا خاصة وان المعارك اندلعت وتوسعت رقعتها وازدادت ضرواتها بمجرد عودة الشيخ حسن طاهر اويس من منفاه الارتيري وتزعمه شخصيا الكيان السياسي المعارض للرئيس شريف وتعهده بمواصلة القتال حتى خروج القوات الافريقية من الصومال. لا يخفي اويس سر علاقته مع اسمرة التي وصفها بالصديق فيما وصف اثيوبيا بالعدو الذي خرج من الباب قبل اربعة اشهر ساحبا قواته التي اسقطت حكم المحاكم الاسلامية عام 2006ليعود عبر نافذة الرئيس الحالي. اذن الصومال يدفع جانبا من مستحقات العداء التاريخي بين ارتيريا واثيوبيا، مؤكد انه دفع الكثير في السنوات السابقة، لكن الوضع يختلف في هذه المرحلة بعد ان تشعبت الازمة الصومالية وتجاوزت حيز ما يسمى الحرب على الارهاب الى تهديد التجارة العالمية عبر عمليات القرصنة، وكل هذه المهددات تجعل من قيام سلطة مركزية قوية في البلاد امرا في غاية الضرورة. منذ تفكك الدولة المركزية في الصومال عام 1991 والبلاد تحولت الى ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية والمحلية بالطبع. وبالعودة لطبيعة الدور الارتيري في الصومال فلابد من الاشارة للنهج المركزي الذي اتبعته ارتيريا منذ استقللالها عام 1993 الا وهو العمل على اختراق شبكة العلاقات الاثيوبية في المنطقة والتأثير في اتجاهاتها ونتائجها بقدر المستطاع، وادماج كل هذا في صميم سياستها الخارجية وتجاذباتها مع دول مثل السودان وجيوبتي واليمن. الغزو الاثيوبي للصومال مثل فرصة ذهبية اغتنمتها اسمرة فدعمت المحاكم الاسلامية وغيرها من تنظيمات المعارضة الاسلامية لتخوض حرب عصابات مفتوحة ضد الاثيوبيين تكللت بخروجهم من البلاد في كانون الثاني (يناير) الماضي. انضمام اثيوبيا بل وتشجيعها لصلح جيبوتي الذي اسفر عن انتخاب شيخ شريف رئيسا وتشكيل حكومة صومالية تحظى بدعم المجتمع الدولي، لم يرق لاسمرة، فالصلح لم يكن ممكنا لولا رفع المجتمع الدولي لا سيما امريكا واوروبا اعتراضهما على تولي مؤسس المحاكم الاسلامية للرئاسة. هنا دخلت ارتيريا على الخط مدفوعة بحساباتها الخاصة ووجدت ضالتها في الحزب الاسلامي وحركة الشباب المجاهدين بل انها اوصلت شيخ حسن طاهر اويس لرئاسة الحزب بعد تنازل الدكتور عمر ايمان له عن المنصب. ساءت علاقات اسمرة مع واشنطن بالتزامن مع التحسن المضطرد في علاقات الولايات المتحدة واثيوبيا، وعنى ذلك انفتاح لعبة التحالفات في المنطقة على اوسع نطاق، فدخلت اسرائيل صاحبة العلاقات الجيدة مع ارتيريا، ودخلت الجماعات السلفية لدعم المعارضة السلفية في البلاد ولا ننسى مختلف اجهزة المخابرات الاقليمية والدولية التي تنشط في البلاد. استمرار المعارك بين اصدقاء الامس واعداء اليوم في مقديشو ينذر بمزيد من الفوضى ليس في الاراضي الصومالية وحسب بل مياهها الاقليمية التي اصبحت مرتعا للقرصنة والقراصنة. تبدو اسمرة اكثر اطمئنانا لاجادتها فنون اللعبة في المنطقة خاصة في ظل انعدام الخيارات امام داعمي الرئيس شريف، والضعف الواضح في تجهيزات واداء قوات حفظ السلام الافريقية. فهل يترك العالم فرقاء هذه المرحلة من تاريخ الازمة الصومالية يحسمون صراعهم عبر فوهة البندقية وبالاعتماد على ذات الشبكة من الممولين والداعمين، ام انه سيتدخل بقوة ليخاطب جذور المشكلة التي هي ليست صومالية في المجمل، فالادوار الاقليمية المتقاطعة والمتحالفة مع نظيرتها الدولية طالما اذكت الصراع في هذا البلد الجريح، ما يجعل من ضبطها اولوية لا تدانيها اولوية.
المصدر: صحيفة القدس العربي
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41194
أحدث النعليقات