حكــــايـــات مـــن بــــلادى

مرانتْ
الشيخ القائد
قصّة سجن… كفاح… وإختفاء
وأحداث أخرى…
الحلقة الأولى

بقلم: عبدالفــتّــاح ودّ الخليفة

بورتن – المملكة المتّحدة

khulafa20@yahoo.com  

 

أهدى هذه السّطور المتواضعة إلى روح شيخى ومعلّمى( محمّد مرانت منصور).. ولكلّ حبيس ضمير فى إرتريا….

ثمّ أهديها إلى الشّباب فى جنيف ولندن وملبورن والسويد والنرويج , بعد التحيّة والإجلال والعرفان ..إهديها إلى هؤلاء وأولئك جميعا , لأنّهم  وقفو أمام سفارات النّظام والسّاحات العامة , ليسمعو صوت المكمومين, والمكلومين, فى إرتريا و ليقولو كفى لقد طفح الكيل!!! 

عزيزى القارئ الكريم  أين ما كنت هذه هى المحاولة الثانية من محاولاتى لتوثيق أحداثا رأيتها بأم العين, أو سمعتها من أقرانى , أو ممّن رآ الشمس قبلى من الإخوة والأخوات , أو الآباء والأعمام أو الأمّهات والخالات, أضعها أمامك راجيا من الله العلىّ القدير, أن يوفّقنى فى نقل الصّورة كما ينبغى, وأن تشاركنى بالملاحظات, والتصحيح, لأن الأحداث تأريخ, والتأريخ ملك للجميع من صنعه ومن شاهده, ومن سمعه ومن كتبه ….

صانع الحدث اليوم والّذى أريد أن أغوص فى أغوار قصّته,وسجنه الأول والثانى, والثالث, والّذى لم يعد منه حتّى كتابة هذه الأسطر المتواضعة, هو رجل,إشترك و صنع وقاد جزء مهم من العمل الوطنى, والجبهجى فى قلب مدينة (كرن) وضواحيها,منذ منتصف الستينيات, وحتّى بداية الثمانينيات, من القرن الماضى  فكان, عنوانا للوطنيّة,ثّـابتا قنوعا  شجـاعا وملهما للصّـابرين والمناضلين وقلعة للنّضـال فى المدينة  شيخى  ومعلّمى: محمّد مرانت منصور إبن عنسبـا ورجل وازنتت الغيور …

كنّا فى الفصل الأول فى معهد كرن العتيق وكـانت الحصّة للقرآن الكريم وصاحبها المعلّم والمربى الكبير الأستـاذ الشيخ (محمّد إدريسـاى) وّتلتها حصّة (التوحيد) وكتاب الشيخ العقباوى وكان صاحبها الشيخ الصّامد والصّامت إلا عن ذكر الله (الحاج حامد).

 خرجت من الفصل مستأذنا المعلّم لقضاء الحاجة, وكــان يجب أن أمرّ بالفصلين الثانى والثالث لأنّ الفصل الأول كـان فى بداية المعهد الدينى الإسلامى والأقرب إلى المسجد ومدخل المعهد من نــاحية منزل العلامة الشيخ (قـاضى موسى عمرانولأن بيت الأدب فى الفناء الخارجى من الجهة الشرقية للمعهد والمطل على الجزء الشرقى والشمالى الشرقى من المدينة, ولأنّ المعهد والجامع مبنيان على تلْ يعلو فى  تدرّجه كلّ مـا إتجهنـا نحوهما  والحى المجـاور لهما(حلّت جـامع) أو كمـا كـان يسمّيهـا البعض حلّة (عد سيّد) من ذاك الفنــاء ترى كلّ حركة داخل البيوت والشوارع فى حلّت (عد عقب) والسجن الكبير وترى حرسه من الجهة الخلفية .. ترى الفقراء والمساكين وهم يقرعون الأبواب أو يردّدون كلمة(لا إله إلا الله محمّد رسول الله)   بلحن جميل أخّاذ راجين رحمة من ربّ رحيم ,وما تيسّر من صدقات وحسنات, من سكّان (عد عقب) و المدينة( الثّائرة) كرن (طعدا) الّتى ,ضربت أروع المثل  فى التعاضض والتراحم  والتكافل الإجتماعى المنقطع النّظير.

وفى تلك اللّحظات من أجواء  المدينة وصمت الأوقات الصباحية وهدوءه فيها,  لا تسمع إلا أصوات  (طواحين الذرة) فى سوق السّـاحل وأصوات الضرب على الحديد فى سوق الحدّادين (سوق برّا)..  ولكن أذنى الّتى نشأت وترعرعت على سمـاع أصوات إطلاق النّـار بين كلّ فترة وأخرى لم تخنّى أيضـا هذه المرّة….

وقفت قليلا لأميّز بين أصوات الطّلق النّارية وصخب الضرب على الحديد القـادم (من سوق برّا).. وصرت أقدّم خطوة وأخّر أخرى,ثم أتوقف وأسترقّ السمع لأتبيّن مــا أسمع ..وتيقّنت أنّه إطلاق نار ….

و بالرّغم أنّنـا من الجيل الّذى رضع الخوف وعـاش فى طفولة رصيدها حرب ومعـارك نصحو من النوم بعد حلم مفجع فيه حربا ضروس تأكل كلّ أخضر ويابس,وأحيانا نحلم نهارا جهارا بمعركة لا وجود لها فى الواقع, وحينا  نصرخ  ونهرول  نحو البيوت والحوانيت من إنفجار إطار سيّارة,أو أىّ  صوت آخر يشابه صوت إطلاق نار , أو يفزعنا أحيانا صوت طائرة مروحيّة تتربّص بكلّ بريئ وطالب حقّ, وأحيانا تمطر جبلنا (أيتعبّر) أوراقا كلّها تهديد ووعيد, وصورا لأمريكان إختفو أو أختطفو,ويحادثنا منها أحدا من بنى جلدتنا بالتقرايت والتقرينية قائلا:(سمعوو… سمعوو… سمعوو وأتنسو شعب كرن…إمبراطور إتيوبيا هيلى سلاسى لبلكّم هلا إلوم نسوآم لهلوْ ولاد دولة أمريكا إقل  ناسآمم لهلّوأسّئولوم إقل لبلوسوم…إت إلن كلى أمعل إى أقبلو منى قبئْ إيتحيسكومنى لبلكّم هلاّ هيلى سلاسى بولوم… إلّى ودحنكم… سامع لهلاّ إقلاّ إى سمعا لأسئلْ) يقول الرّجل المتحدّث من الطائرة(أسمعو… إسمعو وعو يا شعب كرن, إمبراطور إثيوبيا هيلى سلاسى يقول لكم بلّغو أبناءكم إنّ الأمريكان المختطفين يجب أن يعودو فى خلال هذين اليومين وإلا سوف لن يحصل خير, هذا.. ومن سمع الخبر يبلغ من لم يسمع )…ونحن الأطفال  لا نعير الحديث كثير إهتمام نتسابق لتلقّى حزم الأوراق تلك لنرى ما بها,والأمّهات يولولن خوفا علينا,( أقبلو سلاح إي للكفو ديبكم) إرجعو حتّى لا يرموكم بالرّصاص!!!!!لا أحد منّا فكّر فى أن دّولة الإمبراطور بجلالتها وهيبتها أن ترجم أطفالا بالطائرات,وتسرق  ما بقى من براءة الطّفولة فى أطفال الحىّ (إيتعبّر) والمدينة عامّة , أو تحصد أرواحا لشيوخا ونساءا بالرّشاشات, لم يخطر ذالك ببالى ولا ببال أحد من أطفال (إيتعبّر)…حتّى كانت (عونا) وفزعة صلاة العيد فى نفس العام وقبل المذبحة بيوم أو يومين …

إنّه منظر عجيب   !!! عندما أعود بالزّمن عقودا إلى الوراء!!! براءة أطفال تتحدّى جبروت الملك, لا يهابون الموت لسزاجتهم, ولكن السّازج الأكبر كان الإمبراطور وجنرالاته, وحاشيته الفاسدة,ومعاونيه من الإرتريين, يبحثون عن أمريكان أختطفو فى جبل (إيتعبّر)  كم من مرّة أتى إلينا أمريكان ولم نؤذهم بشيئ يأتون من معقلهم فى (جراند هوتيل) فى الجزء الغربى من المدينة وبالقرب من (فيروفيا) محطة السكك الحديدية, يتمنظرون على المدينة من علوّ حيّنا فى (أيتعبّر) يهابون طلوع الجبل ولكنّهم من حوافيه يلتقطون الصّور للمدينة!!لم يؤذهم أحد بل يحيّيهم البعض ممّن عرف بعضا من لغة (آل جون كندى) تسمع بعضهم يقول للأمريكان (هــاو آر يـو) فيردّ الأمريكان التّحية.. ولكن لا يفهم أحدنا حرفا واحدا ممّا قيل .. كان لهم أطفال مثلنا يأتون بهم إلى (إيتعبّر) ينظرون إلينا ويبتسمون ومثل البكم  الصمّ نستعمل لغة الإشارة أحيانا… يهبطون الأمريكان المدينة يشترون (مقاعد الجبان) وقلادات (السوميت) فى (سوق برّا) ولم يعترض  طريقهم أحد ونحن أطفال جبل (إيتعبّر) كنّا نشرّفهم فى قاعدتهم (قراند هوتيل) لا للتجسّس عليهم أو لمعرفة ما يدور فى تلك البناية الجميلة, ولكن لنشاهدهم وهم يلعبون الكرة الأمريكية أو لعبة (الهوكى) وأنشأ بعض صبيان الحىّ والمدينة علاقة حميمة معهم حتّى لقّب بأسماءهم, فأصبحت الأسماء (ياسين جون) و(عبدالعزيز كندى)..  وأتويوما إلينا فى جبلنا (إيتعبّر) ونحن نصطاد الجراد الّذى حجب الشمس عن المدينة ,نشويه حينا وننظمه فى  شرائح من (الزّعف) أحيانا أخرى..أتو بسيارة( لاندروفر) قويّة ومعم مترجم وخرجو على الحىّ  ذالك أول يوم تعلو فيه سيّارة حيّنا العتيق..وتقطع طريق السكك الحديدية وتقف على حافّة الجبل.. وعندما إتجهو نحونا.. لم نهرب لم نهرع ولن نفزع.. لأنّنا لم نعى من يريد بنا خيرا ومن يضمر لنا شرّا.. ولكن بحاسة طفل أمنّا شرّهم صوّرنا فى مواقف مختلفة وشكرونا ومضو إلى حيث سبيلهم وكافأونا إن وضعو صورنا ونحن نتقلّد أحزمة من شرائط الجراد.. فى صحفهم.حملها لنا إلى كرن أحد الأعمام ممّن له صلة بالحكومة والقاعدة الأمريكية (كانيو إسيشن)… ولذالك لم نضمر لهم شرّا ولم نختطفهم ولم يخيفهم أو يخفيهم أحدا فى( أيتعبّر) وفى المدينة… ولكنّ الملك وزبانيته  أصرّو على البحث عن الأمريكان فى أكواخ المواطنين الآمنين.. فى كوخ(عيربايت) الّتى تعيش فى حافة الجبل من عطاءات المحسنين فى الحىّ وفى قلب المدينة,,يبحثون عن أمريكان فى كوخ ( حلتو واويت ) والّتى تعيش فى الحىّ مع إبنتها من ضفر وتصفيف شعر النساء  بعد أن هجرت قريتها فى الضواحى لما أصابها من قحطِ فى الزّرع والضرع,وإنتقل ربّ الأسرة إلى الدار الآخرة والّتى قالت لإحدى بنات الحىّ: ميتو مى لبل هلا جانهوى) مذا يقول الملك(جانهوى) وماذا يريد؟

قالت لها الشّابة عرّيت:(هيلى سلاسى تو أميريكان بدو منى لبل هلا.. وإى أقبلو من قبئ… إي حيّس إكمنى لبل هلا) والمعنى: (أن الملك هيلى يقول أضاع أمريكان ويجب أن يعودو بسرعة وإلا سوف لن يحصل طيّب….)

قالت (واويت ): وهتوم لأمريكان من نسأيّوم؟ من أخذ الأمريكان؟؟

تقول لها (عرّيت ) ولاد جبهة إمبل مى قبئو!!!( ربّما يكون أخذوهم شباب الجبهة)

قالت(واويت ): (أمريكان ولاد كندى بعلا عشاين طعادى مى ودونا إلّوم هيّ إمبل شرناى كافلونا.. أفو نسأوم  إلا لاتو سنيت إى كون)… تقول واويت(أمريكان أبناء كندى صاحب الجرابات البيضاء.. ماذا فعل بنا هؤلاء كانو كريمين معنا أعطونا الشعير…لا لا هذا عمل غير سليم…)*1

طائرات الملك كانت تبحث عن أمريكان فى كوخ (( يبّا هاجولى) المائل للسقوط فى حىّ عد تكليس فى الجبل الإسطورة…والّذى  طلب منه أهل الحىّ مرّة أن يتزوّج, لينجب بنينا وبناتا له ولأهل الحىّ ولأرتريا… قال : ببساطته و ببراءته  المتدفّقة إنسانية ومروءة إبن بلد ( مى إقل أبلعوم) (كيف سوف أعولهم) قال له الآباء حينها لا تأكل هم فى ذالك فنحن لها!!!! وإنّ (أبو الخيرات) فى الحىّ يقول لك أبشر بالخير سوف أجد لك عملا فى الفرم أو فى العصارة, والخالة( أم شيخ الجبل) سوف تطلب لك الدّعاء من إبن (المرغنى الختم) ليدعو لك بالذرّية الصالحة… قال (يبّا هاجولى) حينها عندما لم يجد مخرجا من الورطة : بطيبته الّتى تشبه حالة مزيج بين الطّيبة والغفلة لدرجة الغيبوبة :( أنا هدى لكن جانهوى كم فقرا من عد.. وفقيروما إى ريّم) قال:(سوف أتزوج ولكن عندما يرحل الإمبراطور من إرتريا.. ورحيله ليس ببعيد..) هكذا تمنّى (يبّا هـاجولى ) ولكنّه تزوّج  إتماما لسنّة الحياة ونزولا عند رغبة أهل الحىّ,كم وجدنا (يبّا هاجولى ) فرحا مسرورا فى أيّام العيد, ونحن نجلب له (ربعيات الذّرة) واجب زكاة الفطر عندما نبعث من الآباء لنوصلها له, نجده وقد إرتدى, سروالا أنظف, وجلبابا أهداه له أحد الآباء وفى رأسه طاقية مخصوص للعيد, وفى ذاك اليوم من أيّام السنة يلبس  (يبّا هاجولى ) حذاءاه (الشدّة) إتماما لفرحة العيد عوضا عن رجلين حافيتين على مدار العام, وعندما يهديه الآباء حذاءا يقول: (كين بولو منيّ أنا لبيس إسئن قنفلى إقرى لحامم إتى) والمعنى: أنّه لا يحبذ لبس الحذاء لأنه يسبّب له ألما فى إبهام رجله, وبذالك عندما يلبس  (يبّا هاجولى) حذاءه الشدّة هو علامة من علامات العيد السّعيد ومباهجه فى الحىّ, ولكن تزوّج (يبّا هاجولى ) وتقبّل الله فأله ورحل الملك,ورزق  بنينا وبناتا وعند بزوغ فجر الحريّة,ذهبت مع أهل الحىّ إلى منزل (يبّا هـاجولى) فى (إيتعبّر) لتعزيته فى أحد أبناءه الّذى توفى فى معركة (توقان) على الحدود السّودانية مع المجاهدين الإرتريين لأنّه كان من ضمن قوات الحكومة الإرتريّة.

    هكذا كانو (حكّام شوا) يطعنون فى الظلّ والفيل أمامهم….ناسين ومتناسيين أنّ من نازلهم كان فى أدال وتقوروبا,وطهرا,وهمبول,ودم بلاس,وطيعو, وبدّا,ودبر سلا,وديعوت, وقمهوت,  وفى كلّ وادى وتلْ فى الحبيبة إرتريا, ولكنهم يرمون دائما إلى إخافة النّساء, والأطفال, وكلّ الشعب الآمن, ليصرخ ويسمع صوته لأبناءه الأبطال فى الأدغال, ليرمو السّلاح ويستسلمو ويطلبون العفو والغفران,من الملك المفدّى(جانهوى) وعربيده الأصلع صاحب الرأس الصغير(أسرت كـاسا) ,,, ولكن المحاولة لم تؤْتى أُكلها, لأن الأوراق الّتى أمطرتنا بها طائراتهم,كانت مرتعا مناسبا لروث البهائم, فى جبل (قطّيتاى) وتغوّطت عليها القطط والكلاب فى جبل (إيتعبّر)  وكانت غذاء الغفلة لحميروأغنام جبل ووادى(قبسى)… امّا نحن الأطفال السّزج حملناها إلى الآباء ولم ندرى ما بها, ولكن كوفئنا بالزّجر والتوبيخ, ونظر الآباء لتلك الأراق الجميلة بألوانها المختلفة وفيها صور من يبحث عنهم( جانهوى, وأسرات) نظر إليها الآباء بإزدراء وتحقير يوحى بأنّ الآباء الصّامتون المؤمنون يعرفون كلّ الأشياء, ويتابعون ما يجرى,لأن الأحداث سجال فى المدينة بين(الإمبراطور, والثوّار) وينتقل صداها إلى كلّ بيت وكلّ حانوت,تنتقل من شارع الصّاغة إلى (سوق قنّافو) ومن مقهى(قهوة بيجوك) إلى مقهى (قهوة أجّاك)  الأحداث وأخبارها تمشى ولها قدمان فى المدينة ولكنها تعرف طريقها تتأفف من المخبرين والوصوليين والخونة, وبعد صلاة العشاء فى مسجد الحىّ يتحدّث الآباء بحذر وبأصوات منخفضة للغاية, ولكنّنا نحسّ بفرحهم ولا  نجد تفسيرا للفرح فى الوقت الذى وبّخنا فيه لجلبنا (أوراق الإمبراطور) من الجبل!!!!! ولكن دائما حاسّة الطفل السّادسة, وكلمة عابرة  من أحد الأعمام توضّح ما خفى, فرحتهم وقبطتهم سببها  أن الثورة والثوّار أصبحو فى  مرحلة تخيف  الإمبراطور وتهزّ  أركان عرشه لقد قبض على (جانهوى)….  لقد قبض على (جانهوى)…. من يده الّتى توجعه,  ….. وإستكسر البعض على الأراق تلك, حتّى أن يلفّ بها حاجياته, لأنها أودع من ذالك بكثير!!!!

 وإستمرّ  إطلاق النّار!!!!   قلتُ فى نفسى أتيقّن أكثر وأكثر حتّى لا تكون أيضا تلك الّتى تطلق لقتل الكلاب الضّالة والّتى يقوم بهـا  رجـال (المنوشيبيو)– (البلدية)   وبالذات فى جبلنا  (جبل إيتعبّر)

ومن الطلقة الأولى نخرج لمتـابعة الإغتيـال المنظّمة من (أبوى مبرهتو) ومجموعته (المنشيبيو) للكلاب الضّالة وأحيـانـا كثيرة.. لا تكون ضـالّة بل آمنة وأليفة ولها من يعولها, و الجبل الأسطورة, كان مرتعها ومرعاها, ومسقاها,ولكن قيل لنا عواءها فى قمّة جبل (إيتعبر) أزعج مضاجع الحرّاس(قوّة كمندوس وطور سراويت مختلطة) الّذين يأتون من( الفورتو) لحراسة المدينة, ولكن كلاب الحىّ الأمينة تلك ترفع أصواتها بالعواء عند قدومهم بعد صلاة المغرب إلى الحىّ والجبل, وعند مغادرتهم   عند آذان الفجر , يعرفهم الكلّ فى الحىّ من أصوات(أجهزة الإتصال) الّتى يحملونها والّتى تعطى أصواتا تشبه أصوات الفاكس ساعة الإرسال أو الأصوات التى تنطلق من مذياع معطّل أو فقد محطّة الإرسال,أو نعرفهم فى الحىّ  وقت السّهى من (طقطقات) ما يحملون من حديد وآلات حرب على ظهورهم وجنوبهم,وأكتافهم, ولكن لمن لم يرهف السّمع, الكلاب الّتى تحمى الحىّ من الغرباء تنذر  بساعة قدومهم, وتبشّر بساعة رحيلهم, قبيل آذان الفجر الأوّل أو بعده بقليل,وبعد التأكد من رحيلهم من الحىّ وقمّة الجبل, يتوافد الآباء على مسجد الحىّ لأداء صلاة الفجر, ولأنّنا لا نملك شيئا من أمرنا و (أبوى مبرهتو) مأمور ومـا على المأمور إلا التنفيذ نحزن فقط  على كثير من كلاب آمنة فى الحى وللجيران أعدمت بلا رحمة وبلا زنبوبعد إنسحـاب ال (منيشيبيو)2* من الجبل نهرع إليه بحثـا عن شهداء الكلاب الّذين سقطو , ولكن (أبوى مبرهتو) كـان عليه أن  يأتى بظروف الطّلق  الفارغة إلى البلدية..لأنّه يحاسب على ما أطلق و مـا تبقى منها,  ونسـاعده أحيـانـا كثيرة فى جمعهـا بأحجـامهـا الكبيرة تلك سهلة لتجدهـا فى ثنـايا وجحور ذاك الجبل الأسطورة.

وعاد يسمع إطلاق النّار بكثافة  ومن أسلحة مختلفة يحْبس حينا ثمّ يعود ثانية!!!!!

وتلك بداية قصّتى للحلقة الثانية.. وحتى ألقاك عزيزى القارئ فى حلقتى الثانية قريبا إنشاء الله أتركك فى سلام وأمان….

 

توضيح :

1- كانت فى بداية الستينيات تأتى إلى إرتريا مساعدات أمريكية توزّعها الحكومة الإثيوبية على الشعب الإرترى وهى عبارة عن جرابات بيضاء جميلة مرسوم عليها (تمثال الحرّيه) فى إطار العلم الأمريكى بنجومه  تحوى الدقيق الأبيض ,وذالك لأغراء الشّعب الإرترى ليترك الثورة وليسجد ويركع لملك الملوك(هيلى).. ولا أدرى من أين جاء الإعتقاد بأن تلك الجرابات كان يرسلها رئيس أمريكا (كندى)… وعندما قتل (كندى).. أصبحت الجرابات وكندى مقولة لأهل كرن.. حين يريدون أن يقولون( أنّ الشئ المضى وفات لا يعاد ) فيقولون بالتقرايت( إيتركبا كندى… بعلّ عشاين طعادى) والمعنى:(أن كندى صاحب الجرابات البيضاء قد مضى وسوف لن يعود)

2- المنيشيبيو(كلمة إيطالية) تعنى (البلدية) وإعتاد النّاس على إطلاق نفس الإسم على رجال البلدية بالزىّ الرّسمى.  

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=12533

نشرت بواسطة في أبريل 4 2011 في صفحة المنبر الحر, سجناء الرأي. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010