حكومات المنفى الإرترية: مهزلة تتكرر أم مؤامرة لإضاعة القضية؟

النخب:
الحلقة 126: حكومات المنفى الإرترية: مهزلة تتكرر أم مؤامرة لإضاعة القضية؟

التحليل السياسي: ابسلاب ارتريا

مقدمة: من عبث الحكومات المؤقتة إلى سراب حكومات المنفى

لا تزال المعارضة الإرترية تعاني من أزمات عميقة في بنيتها وتوجهاتها، لكن الأسوأ هو تلك المهزلة المتكررة التي تُسمى ”حكومة المنفى”، والتي تظهر بين الحين والآخر كأنها الحل السحري لإنهاء حكم الديكتاتور، ثم تختفي بعد أن تكون قد شتّتت الصفوف وأهدرت الوقت والجهود.

اليوم، نواجه نسخة جديدة من هذه المسرحية، السيد: بهدوراي، المسجل في الولايات المتحدة، قيادة “الحكومة الإرترية في المهجر”. لكنها ليست سوى كيان هزيل بلا دستور، بلا خارطة طريق، بلا رؤية، وبلا إجماع شعبي أو حتى توافق بين فصائل المعارضة.

الأسوأ من ذلك، أن هذه “الحكومة” مدعومة من إثيوبيا، إقليم تيغراي، جهات محسوبة على حمدان دقلو، جماعات انفصالية من شرق السودان، وحكومات معارضة سودانية في المنفى! والسؤال المحوري هنا: هل هذه حكومة إرترية فعلًا، أم مجرد أداة بيد قوى إقليمية تسعى لاستغلال موقع ارتريا الجيواستراتيجي على البحر الأحمر؟

حكومة على الورق: لا شرعية، لا دستور، لا مشروع

أي حكومة – حتى في المنفى – تحتاج إلى إطار قانوني واضح، يتمثل في دستور، خارطة طريق، وبرنامج سياسي متكامل يعكس تطلعات الشعب الإرتري. لكن هذه “الحكومة المؤقتة” لا تمتلك شيئًا من ذلك. لا توجد أدبيات بالعربية، ولا حتى ترجمة محترمة، بل مجرد شعارات شفوية تُلقى عبر تيك توك، فيسبوك، واجتماعات زووم!

إذا كانت هذه “الحكومة” غير قادرة حتى على صياغة وثائق رسمية، فكيف يمكن لها أن تدير بلدًا معقدًا مثل إرتريا؟ كيف يمكن للشعب أن يثق في مجموعة تعتمد فقط على الخطابات الشعبوية بدلاً من البرامج العملية؟

من المستفيد من هذه المسرحيات السياسية؟

ما نشهده اليوم ليس سوى تكرار للمهزلة التي شهدناها في الماضي، حيث يُعلن كل بضعة أعوام عن “حكومة في المنفى”، ثم تختفي دون أثر، بعد أن تكون قد لعبت دورها في تشتيت الصفوف وإضعاف المعارضة الحقيقية.

لكن من المستفيد من كل هذا؟ الجواب واضح:

  1. إثيوبيا وإقليم تيغراي: يسعون لاستخدام أي كيان إرتري معارض كورقة ضغط ضد النظام الإرتري، ولتوسيع نفوذهم في المنطقة، خصوصًا مع أطماعهم المستمرة في البحر الأحمر.
  2. القوى الإقليمية الأخرى: بعض الجهات في السودان، خاصة تلك المحسوبة على حمدان دقلو أو الانفصاليين في شرق السودان، لها مصالح في إبقاء المعارضة الإرترية ضعيفة وممزقة.
  3. أصحاب المصالح الشخصية: الذين يستغلون هذه الفوضى للوصول إلى أموال الدعم، أو للحصول على منصب وهمي تحت مسمى “رئيس حكومة المنفى”.

السؤال الأهم: أين الشعب الإرتري من كل هذا؟ لماذا يتم استخدام قضيتنا كورقة بيد الآخرين؟

المعارضة داخل المعارضة: الانقسام المستمر

بدلاً من أن تسعى المعارضة إلى التوحد خلف مشروع وطني متكامل، نجد أن كل فصيل يبحث عن مصلحته الضيقة. لم تنجح “حكومات المنفي” في تحقيق أي نوع من التوافق بين فصائل المعارضة، بل زادت من حالة الانقسام والتشرذم.

ما الفرق بين “الحكومة المؤقتة” و”حكومات المنفى” السابقة؟ لا شيء!
نفس الأسلوب، نفس الأخطاء، نفس النهايات الفاشلة.

التأثير الكارثي على الشعب الإرتري

هذه المهزلة السياسية لها انعكاسات خطيرة على الشعب الإرتري، منها:

  • قانونياً: لا تمتلك هذه “الحكومة” أي اعتراف دولي، مما يجعلها مجرد كيان وهمي لا قيمة له في السياسة الدولية.
  • سياسياً: تزيد من حالة الفوضى داخل المعارضة، مما يُضعف أي جهود جدية لإحداث تغيير حقيقي.
  • اقتصادياً: تُهدر موارد المعارضة المحدودة في مشاريع خيالية، بدلًا من توظيفها في دعم الشعب الإرتري في الداخل.
  • ثقافياً: لا يوجد أي تمثيل حقيقي لمكونات المجتمع الإرتري، ولا حتى اهتمام بإنتاج أدبيات رسمية بلغات البلاد.
  • اجتماعياً: استمرار هذه المسرحيات يجعل الشعب الإرتري أضحوكة في أعين العالم، حيث أصبح من السهل على أي شخص أن يُعلن نفسه “رئيسًا لحكومة المنفى” ويبدأ في إصدار البيانات الفارغة في مواقع التواصل الاجتماعي.

إثيوبيا والمخطط الجيواستراتيجي: من يحكم ارتريا؟

من الواضح أن إثيوبيا وإقليم تيغراي يلعبان دورًا محوريًا في دعم هذه “الحكومة المؤقتة”، لكن ليس حبًا في الإرتريين، بل ضمن مخطط استراتيجي للسيطرة على البحر الأحمر.

إثيوبيا تبحث عن منفذ بحري بأي ثمن، ومن خلال دعم حكومات منفى إرترية ضعيفة، فإنها تبني نفوذًا طويل الأمد على مستقبل البلاد، تمامًا كما فعلت في الماضي.

إذا لم تستيقظ المعارضة الإرترية من هذا العبث، فإن المستقبل سيكون أكثر ظلامًا، وستظل إرتريا رهينة لمصالح القوى الإقليمية والدولية.

الخاتمة: كفى عبثًا، حان وقت العمل الحقيقي

لقد آن الأوان لأن يتوقف هذا العبث السياسي. الشعب الإرتري لا يحتاج إلى المزيد من الحكومات الورقية، ولا إلى رؤساء على الفيسبوك، ولا إلى اجتماعات زووم مليئة بالشعارات الجوفاء.

ما يحتاجه الشعب هو قيادة وطنية حقيقية، تمتلك مشروعًا واضحًا، وتعمل من الداخل والخارج، بعيدًا عن المصالح الشخصية والتدخلات الأجنبية.

ارتريا ليست لعبة، وشعبها يستحق أفضل من هذه المهزلة المتكررة.

إلى اللقاء في الحلقة القادمة، …….

ابسلاب ارتريا


روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47483

نشرت بواسطة في فبراير 26 2025 في صفحة آبسلاب ارتريا. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. يمكنك ترك رد او اقتفاء الردود بواسطة

رد على التعليق

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010