حوار هادئ مع الأخ عبد الرحمن حول ما جاء في مقاله الواقعية السياسية والتغيير العمودي
بقلم / محمد عمر مسلم
يقوا الأخ عبد الرحمن الواقعية السياسية ( فالواقعية بالنسبة للفهم العملي هي أن تعمل في حدود الإمكانات وعدم القفز عليها, ورحم الله أمرء عرف قدر نفسه) وأنا معك في هذا الرأي،، ولا أرى خروجا للمعارضة عن الواقعية في منازلتها ومقارعتها للنظام فكل يعمل على شاكلته وفي دائرة وسعه وقدراته وخياراته، إذ لا حجر على أحد في ذلك،،، كما أنه ليس من الواقعية والموضوعية أن نفرض خيار واحد لمقاومة النظام ،،
قال الشيخ سعدي رحمه الله في تفسيره ( وجميع الأمور لا تصلح إلا بالحكمة، التي هي : وضع الأشياء مواضيعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام ) وأنا أقول لنضع منهج السلم في موضعه ومنهج القوة في موضعه، عند التعامل مع النظام حتى لا نكون كمن يضع الندى في موضع السيف، فلا نطلب من المعارضة الإحجام في زمن الإقدام والمواجهة ( ووضع الندى في موضع السيف بالعلا *** مضر كوضع السيف في موضع الندى ).
وقد اتخذت الحركة الإسلامية من الحوار نهجا وسبيلا للتواصل مع شعبها، ومن الحكمة والمجادلة بالحسنى أساسا ومنهجا لحوار مخالفيها ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم – الآية ) وقبلت في مجتمعها التمايز والتنوع والاختلاف كأية من آيات الله، وقبلت ورضيت ما يستتبع ذلك من اختلاف الثقافات والنظم والحضارات ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ) ( المائدة 48 ).
وقد تميزت الحركة الإسلامية بالوسطية في حربها وسلمها بل وفي أمورها كلها في الشهادة والحكم على الأفعال والأقوال، و في المستطاع وغير المستطاع من المطلوب شرعا، وبتلك الوسطية الخيرة حفظت مسيرتها المباركة من الغلو والإفراط والتفريط، فتارة تأخذ بالعزائم قدرة واستطاعة، وأخرى بالرخص والهدنة تدبيرا وحكمة، دون أن تفقد الأصالة في الوجهة والقصد، محققة بذلك وصف الوسطية في الأمة، فلم تتجاوز في مداها حدود الشرع، ولم تتجاوز وسعها في تحقيق المطلوب، ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا )، فهي تتعامل مع قضايا المجتمع بواقيعة أعم وأشمل وأبعد عن واقعية الانبطاح والاستسلام التي يروج لها البعض، وقيل عن جماع الوسطية، ( استقامة على الشرع، ويسر ورفع للحرج، وعدل في الشهادة والحكم) ، فتعامل الحركة الإسلامية مع قضايا مجتمعها بمنهجية وسطية طرحا ومعالجة بعيدا عن التطرف والغلو أكسبها الرضى والقبول والاحترام في الساحة الإرترية، ( هم وسط يرضى الأنام بحكمهم *** إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم )
إن من الواقعية عدم إسقاط تجارب لمجتمعات مغايرة على واقع المجتمع الإرتري دون تمييز أو دراسة لمجرد دعم رأي بعينه إذ الفارق كبير إذا تتبعنا سير وطبيعة الأحداث التي جرت في كل من الصين ، والاتحاد السوفييتي، وجمهورية جنوب أفريقيا وبينما يجري في إرتريا اليوم يقول الأخ عبد الرحمن ( وبالعودة الى شأننا الارتري فأن المتتبع لساحة المعارضة الارترية يلاحظ جليا بأن هنالك رأيين في ما يتعلق بوسائل النضال من أجل التغيير السياسي. هذا التباين في الرأي والنهج ليست له علاقة بمبدأ “محاورة نظام الهقدف إن جنح لها”، وانما هو بين من يؤمن باسقاط
الهقدف بالعنف و من يدعو لجعل الهقدف جزء من الحل وارغامهم على هذا السبيل بالوسائل السلمية) أرنا همتك وأرغمهم وعندها سوف نتبعك ،،،
أخي الحبيب ظهر النظام يتسع للجميع ومجالات النضال من رحابتها وتنوعها تسع الجميع كل حسب وسعه وطاقته، وفي ذلك تنوع وتكامل وليس تضاد وتصادم كما تصور الأمر، فمن يحسن النضال السلمي فله ميدان يسعه، ومن يحسن النضال العسكري له ميدان يستوعبه ومن يحسن النضال السلمي والعسكري فلا حجر عليه، فلا تحجر واسعا في مسألة المقاومة والنضال، وفي اعتقادي أن كلا الأسلوبين يكملان بعضهما، فإذا لم نرقى إلى مستوى التكامل والتعاون في مواجهة النظام، فأقلها عزيزي نحترم خيارات بعضنا في النضال، لأن هذا أدعى للاحترام المتبادل، والألفة والتعاون بين أبناء الوطن الواحد،). يقول الأخ عبد الرحمن ( أعني بـ “الواقعية السياسية” التعامل في الشأن العام في حدود الامكانات الذاتية والموضوعية. مثلا يأخذ الكثيرون على منظمة سدري بأنها ضد العنف السياسي وتطرح علناً الخروج من الأزمة السياسية في ارتريا عبر النضال السلمي والحوار والتفاوض مع الهقدف ) أخي عبد الرحمن الفكرة وضحت ونحن في شوق لنراكم في الميدان العملي لتنفيذ رؤيتكم للنضال السلمي، فالناس ملوا الاستطراد في التنظير دون عمل، أرونا همتكم ونضالكم السلمي وحواركم ومفاوضاتكم مع هقدف لترغموهم على الحل السلمي، فالفكرة نضجت ووضحت بما فيه الكفاية، وبقي العمل الذي به تقيم الفكرة فاءن نجحت عمليا تبعناكم وإن لم تنجح كفينا شر الاستدراج والفشل والعاقل من اتعظ بغيره فهناك من سبقوكم في هذا المجال فأصبحوا لا يرى لهم أثر، وحتى نرى نتائج مشروعكم السلمي نقبل منك وصفنا بعيدين عن الواقعية السياسية التي تدعو إليها، ).
يقول الأخ عبد الرحمن ( فهنالك أيضاً مهام واضحة ومحددة لمنظمات المجتمع المدني. على سبيل المثال سدري كمنظمة مجتمع مدني لا يمكن أن تطرح نفسها كبديل لنظام الهقدف ولا يكون خطابها غير خطاب مطلبي تطالب النظام القائم في ارتريا (أمر واقع) بمطالب مشروعة, وفي سبيل هذا تناضل بالطرق السلمية في حدود مهام منظمات المجتمع المدني. فمن غير الواقعية أن يدعي أحد أنه ديمقراطي ومدني يناضل من أجل العدالة ثم يمارس ممارسات غير مدنية كالعنف السياسي والصدام العسكري وغير ديمقراطية كـ تخوين وإقصاء من يخالفونه في الرأي والنهج، وهو في كل الأحوال لا يملك لا أدوات التغيير العسكري ولا المدني ) أخي العزيز لم يطلب أحد من المنظمات المدنية أن تمارس عنفا سياسيا ولا صداما عسكريا مع النظام، بالمقابل ليس من حق منظمة حديثة التكوين أن تحاول فرض رؤيتها على تنظيمات سياسية ( لها قدم السبق والقدح المعلى في مقاومة النظام) لها من الحق ممارسة الأنشطة السياسية والعسكرية ضد النظام، كما أن تلك التنظيمات أدرى بحالها وإمكانياتها وما علينا إلا أن نحترم خياراتها ووسائلها في التغيير، وقولك ( لا يملك لا أدوات التغيير العسكري ولا المدني ) إن كنت تقصد تنظيمات المعارضة فأنت بهذا تقلل من دورها وشأنها وهنا تكون قد مارست الإقصاء في حقها.
يقول الأخ عبد الرحمن ( أولا لابد من الإقرار بأن استخدام “العنف” دفاعا عن النفس أو رفعا للظلم هو مشروع في حالة توفرت له الشروط كـ مخاطر الإبادة الجماعية وغيرها من المهددات للسلم والأمن الأهلي ووجود قوة وطنية تستطيع ضبط ممارساتها وضمان عدم خروج “العنف” المتبادل من السيطرة وأن لا يتم تبديل ديكتاتورية عسكرتارية بأخرى مثيلة لها) الدفاع عن النفس حق مشروع، لكني لم أكن أعلم أن هذا الحق لا يمارس إلا بتوفر شروط، فهل يعقل أن يطلب من المجني عليه عدم الدفاع عن نفسه حتى تلوح في الأفق بوادر إبادة جماعية ويضمن وجود قوة وطنية لضبط إيقاع العنف حتى لا يخرج عن دائرة السيطرة ؟ منطق عجيب، كيف يقال للناس لا تقاوموا حتى
تستوفوا الشروط والضمانات اللازمة لذلك، حتى وإن ذبحتم مثل النعاج وانتهكت أعراضكم وصودرت أراضيكم وحيل بينكم وبين حقوقكم والحياة الكريمة،،، أما إذا كنت تقصد بقولك ( وأن لا يتم تبديل ديكتاتورية عسكرتارية بأخرى مثيلة لها) التنظيمات المقاومة فحكمك سابق لأوانه لأنها لم تصل بعد لسدة الحكم ولم تجرب بعد في ممارسة السلطة، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، وفي تقديري في كل الأحول لن تكون أسوأ إن لم تكن أفضل وأحسن من النظام الطائفي، فتفاءل أخي بالخير تجده وتجنب إصدار الأحكام المسبقة،،،
يقول الأخ عبد الرحمن ( الحركات والجماعات التي تنتهج العنف السياسي في إرتريا غير موحدة و غير مجربة في ممارسة إدارة الدولة والديمقراطية،) وأنا أقول حتى أصحاب الأسلوب السلمي ليسوا موحدين ولا مجربين في إدارة الدولة والديمقراطية إذا فالحال من بعضه وما فيش أحد أحسن من أحد، وكل يدعي وصلا بالديمقراطية ولم يجرب ولم يمارس الديمقراطية فلا تتعجل بإصدار الأحكام النهائية على مخالفيك ) أما قولك ( بمعنى آخر ليس كل معارض للهقدف أو كل من يدعي النضال من أجل العدالة والديمقراطية هو عادل وديمقراطي) كلام جميل أوافقك عليه فالمحك الحقيقي هو التجربة، وإلا فحتى الجبهة الشعبية سمت نفسها حزب العدالة والديمقراطية ،،، ولكن أنظر كيف تحكم البلاد والعباد يقول الأخ عبد الرحمن ( عناصر هذه الجماعات “المقاتلة” لا تتبع عقيدة قتالية وسياسية موحدة مما يجعل فرص التصادم بينها أكبر في حالة زوال كابوس الهقدف والفراغ في السلطة) ما دامت الدعوى وضع فرضيات، فلماذا لا نفترض التقاء المعارضة المقاومة على ميثاق وطني جامع في حالة زوال كابوس الهقدف، الذي حملك على هذه الفرضية هو موقفك السلبي من العمل العسكري ضد النظام لذلك أطلقت على المناضلين والمجاهدين مسمى جماعات تقليلا من دورهم وتقليلا من شأنهم بل جعلتهم الخطر الأكبر الذي سيهدد أمن واستقرار البلاد بعد زوال النظام، وأنا أقول لك ناصحا لا يليق برجل مثلك أن يصدر أحكاما لا تستند على حقائق وإنما سندها الوحيد خواطر وهواجس نفسية، ثم ماذا سيكون موقفك لو سجلت المعارضة المقاتلة الباسلة موقفا وطنيا مشرفا خلاف ما ذهبت إليه؟ أخي أحسن الظن بمن حمل السلاح في وجه الطاغية،،، فمثلي ومثلك نقارع النظام ونحن آمنون بين أهلينا وهؤلاء الأبطال يخاطرون بأنفسهم من أجلنا جميعا، لذلك علينا أن نحفظ لهم قدرهم ومكانتهم ونحسن بهم الظن فهم أصدق مني ومنك إذ أتبعوا القول بالعمل ومثلي ومثلك مع الخوالف ننظر ونصدر الأحكام فيما سيحدث في قابلات الأيام،، وهذا وربي ليس من شيم الكرام وأنت منهم بلا شك،، ) يقول الأخ عبد الرحمن ( إن قوة الأنظمة الديكتاتورية تكمن في العنف واستخدام السلاح. العنف السياسي هو السلاح الوحيد الذي يحسنون استغلاله وبالتالي مواجهتهم بنفس هذا السلاح يعطيهم المزيد من المبررات لإبقاء البلاد في حالة طوارئ مستديمة وممارسة مزيد من البطش والتهميش بالمواطنين، ) الأنظمة القمعية لا تحتاج إلا مبررات فهي قائمة بالعنف وعلى العنف وبدونه لا وجود لها، فلو فكرت الشعوب بمنطقك هذا لبقت الأنظمة الدكتاتورية القمعية دون مقاومة، ولكن تجارب الشعوب تؤكد مقاومة الأنظمة القمعية مهما كلفها ذلك، لأن للحرية والحياة الكريمة أثمان غالية ،، ومن الحقائق العلمية التي يستأنس بها في هذا المقام أن لكل عنف عنف مضاد مساوي له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه،، فلا تطلب ما يخالف نواميس الكون والحياة، فاءن كان الدافع وراء ذلك عجزا أوثقلا في النفس، فدع يعمل من لا يرى في نفسه ذلك ولا تثبطه ،،
يقول الأخ عبد الرحمن ( العنف السياسي بين أبناء الوطن الواحد يترك أثار سلبية في النسيج السياسي والاجتماعي ويجعل التحول الى الديمقراطية أكثر صعوبة, لأن المعركة هنا ليست بين حاكم
أجنبي وقوى تحرر وطني. آثار مثل هكذا اقتتال يصعب محوها وفي الغالب قد تؤدي الى ضعف وانهيار الدولة ما بعد زوال الدكتاتورية ) قل هذا الكلام للنظام الذي يمارس العنف السياسي ضد الشعب، فالمقاومة أو المعارضة لم تبدأ العنف السياسي حبا أو رغبة فيه وإنما كان من باب ممارسة حق الدفاع عن النفس، عندما أوصد النظام في وجهها جميع السبل للحلول السلمية وأبقى على سبيل العنف السياسي، فسلكته المعارضة وهي له كارهة ومبغضة رغبة في الخلاص من قبضة النظام القمعي،، ثم لماذا لا ترفع منظمتكم هذا الاقتراح الجيد إلى النظام وتشرح له عواقب ومضار العنف السياسي لعله يسمع ثم يقبل منها وبهذا تكونوا قدمتم خدمة كبيرة لشعبكم ؟ يقول الأخ عبد الرحمن ( في خلاصة القول أن نظام الهقدف وأسياس لا يعيران أي اهتمام للحوار ولا يمارسان إلا لغة العنف ) أخي عبد الرحمن أنت ختمت مقالك بالرأي السديد، ما دام هذا هو حال النظام كيف تريد أن تجري معه حوارا وتفاوضا ؟.
يقول الأخ عبد الرحمن ( التعاطي مع هكذا نظام يكون من خلال كسب المعركة الأخلاقية أولا بسحب بساط الوطنية والشرعية من تحت أقدامه ومحاصرته في زاوية ضيقة بالإستمرار في النهج السلمي والتصالحي ومخاطبة الهقدفيين وعناصر الأمن والجيش لكسبهم الى صف الشعب والوطن. كلما ازدادت ثقتنا بالطرح السلمي والتصالحي زادت امكانية تحقيق احدى النصريين) أخي العزيز كفانا تنظيرا ننتظر من منظمتك ومنك شخصيا خطوات عملية على أرض الواقع حتى يكون لطرحك هذا مصداقية، لذلك ننتظر منك في المرات القادمة عرض خطوات عملية قامت بها منظمة سدري لكسب المعركة أخلاقيا ولمحاصرة النظام في زاوية ضيقة، مع أنني أخشى أن يحشركم هو ليس في زاوية ولكن في حفرة تحت الأرض، أليس من حقنا أن نخاف عليكم من نظام لا يعرف من لغات الحوار والتفاوض إلا لغة العنف ) أما قولك ( إما جنح النظام الى الحوار وتسليم السلطة الى الشعب واما الوقوع في مزيد من العزلة وفقدانه للشرعية ) أخي العزيز النظام لا تعنيه الشرعية في شيء ولو كان يقلقه أمر الشرعية لما استمر حتى الآن، الشرعية التي تعنيه شرعية القبضة الحديدية وهذه ملك يمنه، أخي عبد الرحمن أتمنى من كل قلبي أن يكون رأيك هذا واقعا يمشي على الأرض، ولك تقديري واحترامي.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38589
أحدث النعليقات