دبرصين أو دبريشن
فتحي عثمان
جاءت تصريحات دبرصين ولد مكئيل القيادي في الوياني محبطة أو عاكسة لإحباط كبير (دبريشن) من زميله حاكم الإقليم قيتاشو ردا وكذلك عبرت عن استياء من بعض بنود اتفاق بريتوريا للسلام.
ومما لا شك فيه أن الجزء الأخير من تصريحات دبرصين حول لقاءات ومحادثات مع (الشعبية) قد أحدثت بالمثل دبريشن أو (دبرسة) حادة في أوساط رافعي شعار السيادة الوطنية، والجيش خط أحمر، والمستبد العادل والذين صرحوا بأنهم على استعداد للقتال تحت راية اسياس دفاعاً عن الوطن ومن لف لفهم.
يمكن وصف تصريحات دبرصين، وإن جاءت في سياق صراع داخلي شرس، بأنها (أمينة) مهما كانت نوايا الرجل من إخراجها للعلن، والأمانة فيها أنها كانت شفافة لأن دبرصين يعي تماماً أن هناك الكثيرين في تيغراي ممن يفضلون الموت على مجرد الجلوس مع (الشعبية)، وهذه التصريحات بقدر ما هي شفافة فهي وبلا شك صادمة.
صادمة بشكل خاص للذين تعاملوا مع الحرب وأنهار الدماء التي أسالتها برغباتهم الدفينة وشجعوها كمباراة كرة قدم، ثم تفاجأوا أولاً بعدم تحقق هدف الحرب الذي أعلنوه (القضاء التام على الوياني) ثم اتفاق السلام في بريتوريا، وأخيرا هذه اللقاءات بين الأعداء الألداء رغم ما جرى بينهما من دماء وأشتعل بينهم من كراهية، ثم جاءت تصريحات دبرصين الأخيرة لتنسف آخر الرغبات والآمال العريضة.
المؤلم في تصريحات دبرصين ليس هو الجنوح للسلام والحوار حوله (إذ كان هذا ما يجب فعله قبل الخراب الكبير الذي أحدثه أفورقي والوياني معاً)، بل هو أسلوب أفورقي المنفرد والمتوحد في إدارة القضايا المصيرية للشعب الارتري من حرب وسلم حسب مكاسبه وخسائره الشخصية. فالرجل يقود الشعب في حلكات الظلام وهو الوحيد الذي يرتدي نظارات (رؤية ليلية) بينما يتخبط الجميع في الظلام، وهي سواقة أفضل منها بكثير “السواقة بالخلاء” في وضح النهار. وهذا الرجل لن يجنح إلى سلام ما لم يفتح له نفقاً لحرب أخرى ضد أعداء أخرين ومع شركاء آخرين كذلك، وهذا ما ستكشفه مقبلات الأيام.
المؤكد ومن التجربة أن أفورقي وفي عزفه النيروني المنفرد هذا يعتبر “زعيق ونعيق” المطبلين له إزعاجاً لا يطيق احتماله، إذ درج دوماً على صم أذنيه عنه.
إن كل تصرف من أفورقي يقود إلى حرب أو سلم ينطوي على “احتقار” كبير للشعب الارتري؛ فهذا الشعب لا يحق له معرفة كيف ولماذا يقاد إلى الحرب أو إلى السلم. لقد قلنا من قبل أن أفورقي وفي غمرة غبطته العارمة بالسلام مع شريكه السابق أبي أحمد في 2018 انه لو أعلن اتحاداً كاملاً وتاماً مع اثيوبيا حينها لما وجد من يعترض على تصرفه، ليس ذلك فحسب، بل لوجد مطبلين يهللون لخطوته “المباركة” بادعائهم بأن العالم يتجه نحو الوحدة والتكتل وأن الزعيم المتفرد تجاوز الحاضر لآفاق المستقبل العظيم للإقليم والقارة.
اليوم أيضا قد يخرج علينا نفس القوم أو آخرين ليقولوا لنا بأن قادة تيغراي أتوا إلى السلام مذعنين خاضعي الرقاب ومرغمين وأن البندقية الارترية الخارقة فعلت فعلها فيهم، وبالطبع لن يجيب علينا هؤلاء عندما نسأل “كيف” فهم لا يعرفون.
هؤلاء أن تحدثوا أو سكتوا سيان؛ فهم يكشفون عن أنفسهم أكثر مما يكشفون عن الراعي الذي يطبلون له. فإذا قام صحفي امريكي بكتابة كتاب عن دونالد ترامب يمجد فيه الرجل بالقول أن ترامب هو أول رجل يدخل مفاهيم إدارة المؤسسة والشركة إلى البيت الأبيض محققاً بذلك إنجازات اقتصادية وسياسية واجتماعية لم يحققها زعيم قبله مما جعل أمريكا “عظيمة مرة أخرى”، فإن هذ النوع من الكتب يكشف عن الكاتب أكثر مما يكشف عن ترامب الذي يتناوله.
وهذا هو حال التطبيل لأفورقي الذي تسقط ورقة التوت عن نواياه وتصرفاته يوماً بعد أخر لكن المطبلين، للأسف، في لجج يعمهون.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47194
أحدث النعليقات