دقت طبول الحرب فأظهرت الفضائية أصحاب العمائم
الحسين على كرار
دقت ساعة الحرب ، فبعث النظام من الأقبية بمن كانوا في القبور ، بعمائمهم ورباباتهم ودوبيتهم الحماسية وسيوفهم ودروعهم وزغاريد نسائهم ، يصدحون ويهدرون ويتوعدون ، بأنهم محطمون الأعداء ، يعرفهم الأثيوبيون قبل غيرهم ، بأصوات وألحان تخترق الأثير ، عبر فضائية النظام ، ليسمعها كافة الشعب ، من كان منهم داخل البلاد أو خارجها ، وليسمع هذا الوعيد والتهديد ، نظام الوياني الضعيف ، وتلميذ ارتريا الناكر للجميل ملس زيناوي ، فنحن عسل لمن آخانا ، وسم ناقع لمن عادانا.
هذه هي الحرب ، وهذه هي التعبئة في الفضائية ، وأصحاب العمائم وقودها الحقيقيون ، لا بد من إخراجهم من قماقم الكهوف ، وإعدادهم نفسيا بهؤلاء المهرجين ، ليتقبلوها، لأن أصحاب الكاكي في أسمرا ، معظم شبابهم هرب : ثلاثون ألف في إسرائيل ، وثلاثون ألف آخرين في الطريق ، وضعفيهم ، وصلوا بلدان الضباب ، وبلد العم سام ، في زمن محدد وقريب ، ومن بقي منهم ، فهو من الكادر المقرب حامي النظام ، الذي لا يجوز التفريط فيه ، في مثل هذه الحروب ، وسيكون وقود هذه الحرب في جلهم ، من أبناء البادية ، من أصحاب العمائم ، الذين لا يعرفون طريق الهروب ، ولا يملكون تكاليف الهروب ، و ليست لهم ثقافة إدارة الظهر في المعارك الطاحنة ، خوفا من الأعداء ، وإذا هرب أحدهم ، وصل السودان ، وإذا طفش عاد ورجع ، وتكفي إلقاء كلمة حماسية واحدة ، لتعبئتهم وتحميسهم ، ولهذا أظهر النظام الممثلين ، بمظهر لائق ، عمائم وقمصان وثياب بيضاء ، وأحذية ، كلها بريق ، لا تعكس حالة الشعب ، ولا حالة الممثلين الفعلية ، التي تخفيها الفضائية ، حتى إذا سلطت أضواء كاميراتها ، لا تصيب بها ، إلا مبانيها الحكومية، الجميلة المزركشة المبنية لكادر التجرنية ، الذي يخشي النظام هروبه فيراضيه ، وتظهرها الفضائية كأنها للمواطن البسيط ، أو تسلط أضواءها ، على زنابيل الطماطم الحمراء والبصل والفلفل الأخضر ، في السواقي والشوارع ، دون تسليطها علي أصاحبها ، التي تعلم أن بروز البؤبؤ دفن منهم العيون ، ووجوههم أصبحت تجاعيد ، والشفاه أصابها الشقوق ونزيف الدم ، كل ذلك من شدة الجوع والضعف ، والقهر والخوف ، والبطش والعطش ، هؤلاء الدعائيون المساكين ، في أول وهلة ، بمظهرهم الخارجي الذي أخرجوهم به ، تظن الفرد منهم أنه جمال الوالي ، ملياردير السودان ، ورئيس نادي المريخ ، المساكين هؤلاء ، لا يملكون لا راتب ولا أجر ولا إعانة ولا إغاثة ولا إعاشة ولا مزرعة ولا ناقة ولا جمل ، وإن ملكوا بعضها ، ناصفوهم إياها بالضرائب ، أو صادروها ، هؤلاء الذين تقذفهم قساوة الحياة ، المفروضة عليهم بآلامها ، يوظفونهم الآن في خدمة يحتاجونها ، و هي الدعاية المطلوبة منهم للنظام ، والتعبئة للحرب التي يدق النظام طبولها ، وأحضروهم ليكونوا لهم عونا ، و تهيئة لحملات التجنيد الإجباري ، التي سيفرضونها قهرا ، علي الشعب الضعيف الفقير ، الذي وضعوه في المهملات ، ولكن لا بأس ، أن أحضروا لهم هذه الثياب الجميلة ، وأظهرهم جميعا بهذا المظهر اللائق ، لأن ذلك من حقهم ، أليس من يقومون بالدعاية ، يتقاضون أجورهم بالثواني ؟ أليس فرق الفن في ارتريا ، تستهلك ما لا يستهلكه الشعب من الغذاء؟ ولكن لماذا التركيز علي المنخفضات ، وشيوخ المنخفضات ، بهذه الباصات السياحية ، حتى الوصول إلي مطار أسمرا ، الذي قدّم (بضم القاف) لهم كإنجاز ، وهو من مخلفات الطليان ؟ لأنهم يعلمون أنهم يحتاجونهم للقتال ، كما أنهم يعلمون ، أنهم ظلموهم ، ويخافون بأسهم وتمردهم ، ولهذا يتبرءون من الظلم ، بإظهار المنجزات بلسان أصحابها ، ولكن إذا تركنا هذا الموضوع ، وتناولنا الحروب التي خاضتها اريتريا ، والتي تدق طبولها ، بإمكاننا أن نقول ، إنها حروب – ثلاثة – إذا استثنينا حروب الحدود ، مع اليمن ، وجيبوتي ، وحروب العدوان علي السودان، فالحرب الأولي: كانت حرب قومية ، خاضها الشعب الارتري بقوة ، وبكل ما يملك، لتحرير بلده ، ضد أثيوبيا الإمبراطور هيلي سلاسي ، وأثيوبيا منجستو هيلي ماريام ، وكان لها هدف واضح ومحدد ، وهو تحرير البلاد ، فكانت حرب مشروعة، ولهذا كانت التضحية فيها كبيرة ، وعن قناعة ، وحرب ثانية : يخوضها الشعب ، وهي حرب قومية ، ضد النظام الدكتاتوري المتسلط الجائر ، فالهدف منها واضح ومحدد ، وهو تحرير الإنسان من عبودية الفرد ودكتاتوريته ، وإعادة السيادة للشعب ، وهي حرب مشروعة ، ولهذا ستكون التضحية فيها كبيرة ، وعن قناعة ، والحرب الثالثة : هي الحرب مع أثيوبيا ملس زيناوي – حرب بادمي السابقة ، والحرب التي يدق النظام طبولها ، وهي حرب ليس لها هدف ، وغير مقنعة ، ويعتبرها الأثيوبيون غير التجرنية ، إنها حرب التجرنية ، ولا يريدون أن يموت أبنائهم فيها ، فيتحفظ التجراويون من خوضها ، وفي ارتريا كذلك ، يعتبرها الارتريون ، أنها حرب التجرنية ، لأنهم عندما كانوا في الوئام ، لم تكن لديهم مشكلة أو قضية ، اسمها بادمي ، وعندما اختلفوا في صراع السلطة ، أبرزوها ، فالحقيقة الأولي : هي وجود صراع بين أبناء القومية في الدولتين ، والحقيقة الثانية : أن أبناء القومية في كلا الدولتين ، وصلوا السلطة وحكموا ، والحقيقة الثالثة : أن قومية التجرنية في تجراي ، نجحت في حكم الدولة الأثيوبية وإدارتها ، بوضع أسس التعايش ، لجميع مواطنين الدولة ، وأقنعت مواطنيها ، بانجازات حقيقة علي الأرض ، وكسبت دول العالم بوضوح برامجها ، بينما فشلت قومية التجرنية في ارتريا ، في إدارة الدولة ، ووضع أسس التعايش مع بقية المكونات ، و فشلت كذلك في خلق علاقة توافق مع شقها التجراوي الكبير، بسبب الشعور بالعظمة وعدم التواضع ، ولذا نجد تجرنية أثيوبيا حسموا الصراع في صالحهم ، فحصلوا علي قيادة الدولة الإثيوبية داخليا ، وزعامة منطقة القرن الأفريقي إقليميا ، وما إرسال قواتهم إلي كل من الصومال وأبيي في السودان ، برضي القوي الدولية والإقليمية ، ما هو إلا اعتراف بدورهم ، ولهذا ليس في مصلحتهم ، خوض حرب تقام علي الحدود مع ارتريا ، وهم يملكون أوراق ، حتى داخل قومية التجرنية الارترية ، التي أرهقت نفسها ، بأخذها من الآخرين أكثر من حجمها ، ولهذا لا يتحمسون كثيرا ، في دعم المعارضة الارترية ، التي في معظمها ، تتكون من غير التجرنية ، وهم وحلفاهم الغربيون ، متحفظون من دعمها ماديا وسياسيا ، وربما لهم طبختهم خارج إطار المعارضة الحالية ، التي يعتبرونها إسلامية ، ولا يضمنون ولاءها ، بل يعتبرونها وسيلة ضغط علي النظام ، فيؤجلون الحسم ، حتى يؤهلوا ، من يأمنونهم من التجرنية ، بينما يختلف الوضع ، لدي تجرنية ارتريا الحاكمون ، فهم يريدون الحرب ويفتعلون أسبابها ، من أجل بقاء نظامهم ، والهروب من التبعية والرضوخ قوميا للتجراي ، ولهذا تعمل دولة التجرنية الارترية ، في حرب تحريك ، والخروج من الجمود ، الذي أدي إلي انهيار نظامهم المحاصر ، الذي فقد عمقه الغربي ، ورفض عمق الثورة الارترية العربي الإسلامي ، كذالك قيادة التجرنية في أثيوبيا ، نجحت باستقطاب رؤؤس الأموال الأجنبية ، باستثمارات ضخمة ، خاصة من دول الخليج ، ذات الفائض المالي الهائل ، ولكن نظام التجرنية في ارتريا ، أعتبرها أموالا إسلامية ، وأنها ستغير من وضعه الداخلي ، فأعلن أنه في غني عنها ، لهذا تربع نظامهم ، علي عرش دولة مفلسة ومحاصرة ، نصف شعبها لاجئ ، ونصفها الآخر جائع ، وقصص القهر والسجون ، والمفقودين والشهداء ، تعصف باركان نظامهم ، وللمخرج من هذا المأزق ، يدق الدكتاتور طبول الحرب ، التي سيكون وقودها الأساسيين ، أبناء المنخفضات التائهين ، الذين لا يملكون ، القائد الذي يلتفون حوله ، فمن كان من أبنائهم ، في داخل نظام التجرنية ، فهو خانع وخاضع ، ومن كان منهم في المعارضة ، خارج النظام ، فهو ضائع وجائع ، والموت ينتظرهم ، بالجوع والحرب والمرض والجهل ، لا تتذكرهم دولة التجرنية ، إلا عندما تكون حاجتها الضرورية إليهم ، فتخرجهم هزيلين ضعفاء ، بهذا الشكل المستهجن في الدعاية ، لإنجازات لم يصنعها لهم حكام التجرنية ، علي واقع الأرض ، بل مسحوا هويتهم الثقافية ، وغيروا أشكال مدنهم الديموغرافية ، واستولوا علي أراضهم الزراعية ، وأرهبوهم بالبطش والجوع ، وتركوهم مطية خانعة ، لا تملك قوت يومها ، فما بال أن تدافع عن نفسها ، واليوم يعبئونهم للحرب ، وسينفذون عليهم ، ويجندوهم جبرا ، لحرب ثمنها غالي في المال والأنفس ، دفاعا عن نظام التجرنية الطاغي ، الذي لم يرحمهم في يوم من الأيام ، وإنهم سيموتون ، ليس دفاعا عن ارتريا الوطن ، التي ضحوا من أجلها ، بل دفاعا عن نظام التجرنية الطاغي ، فهم طحنوا المنخفضات وفرموها وقشروها ، في السلم ، والآن يضعونها أمام الحقائق المرة بحربهم المصنوعة ، فإما أنت خائن ، وإما أن تضع يدك علي أيديهم ، وتدخل هذا الحريق الذي أشعلوه ، فإذا كانت هزيمة ، مصيبتها علي الجميع ، وإن كان نصرا ، فإنجازاته وتأريخه ومكتسباته وسلطته وثروته ، لهم ، لأنهم هم الذين صنعوه ، وأنت ما عليك ، إلا أن تذهب إلي قريتك وعشك وبداوتك ومواشيك ، لأن الحضارة لهم ، هذه هي الحقيقة المرة ، ولذلك نسأل هل المنخفضات الارترية ، أصبحت رجل ارتريا المريض ، بعد أن فقدت قادتها العظماء ؟.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=20862
أحدث النعليقات