رحل (عـمّى حـامـد دنكلى…. رحل الأستـاذ)
قال ربُّ العزّة جلّ وعلا فى قرآنه الحكيم :
بسم الله الرّحمن الرّحيم
{ولنبلونّكم بشيئٍ من الخوفِ والجوع ونقصٍ في الأموال والأنْفس والثمرات وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنّا لله وإنا إليه راجعون ،أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون } صدق الله العظيم.
إنّـا للّه وإنّـا إليه راجـعـون)……
مســاء جمعة الأمس فى رابع ذى الحجّة عام 1413 هجرى الموافق التّاسع عشر من أكتوبر 2012 و فى تمام السّادسة والنّصف مساء بتوقيت (قرينتش ) وفى مستشفى (لندن) إنتقلت روح الأستاذ المعلّم (حامد على دنكلى ) إلى الرّحمن الرّحيم وإلى الجنّات النّعيم….
رحل الأستاذ حامد على دنكلى إلى الجنّة… رحل (عميد المغتربين) من دنيانا الفانية بعد صراع مع المرض…. صارع ولكنّه بالعادة لا يستسلم ولا يأنس الفراش ، فكان يتّكأ على عصاه حاضرا ،مباركا ، مواسيا ، ومعزّيا ، فى كلّ أفراح (لندن) وأتراحها….
كنت أودّ أن أتصل به هاتفيا كالعادة كما يفعل (إبنه) عبدالكريم ضرار على شيخ.. لأنّه كان لنا الكثير نحكيه عن حياته وتجاربه، وتأريخ إرتريا ، وحكاوى (ربْعتْ ) حيّه وتراث المدينة ، وعن والعبقرى (أبوبكر أشكّح) وعن الجيران و (آل مخلّف ) (جوزبّىى وجوليو وألبيرتو ) وعن الـ (فيشيو لابورى ) والعم صالح هبّاش ، وزيارات فنان السّودان (أحمد المصطفى ) و (محمّد وردى ) لإرتريا ولكرن ، وعن بلد غربتنا السّابقة ( هولاندا) ، وددْت أن أنقل إليه تحايا أصدقاءه من أمريكا ومن حيّه ومنشأه كرن…لأنهم دائما يسألون عنه وعن دنياه وصحته…
لجمنى الحدث ليس لأنّه قبل أسبوعين كان آخر عهدى به وجها لوجه، ولكنّى لُجمْتُ لأنّى لم أفى بوعدى.. ولم أوصل رسالتى!!!!! فلا أملك إلاّ أن أقول العذر والسّماح ، سماحة روحه الّتى فاضت إلى السّماء !!!! وكرمه الّذى جاوز كلّ كرم وكلّ عطاء ….
!! عافرت هاتفى النّقـّال لأفى بوعدى…أطلب رقمه عددا من المرّات …. ولكن صوته كان بعيد المنال..لأن الوعد الحقّ سبق وعدى ونفسى…، كنت أودّ أن أوصل تحايا أصدقاءه ، وأنقل له سؤوالهم ،وسلامهم وحبّهم الأخوىّ المشحون بعبق المدينة ،وذكريات الصّبا والطّفولة وأيام الشّباب التى تحدّاها الملك ، وعصابات الملك ،وعسكر الملك ، و(باندا ) تدلا عقبيت …فعدت إلى هاتف (إبنه البّار والوفىّ (طاهر أبوبكر ملاك ) ..علّى أوصل مرسالى … ولكن عفانى طاهر من الجهد حيث قال : لا سبيل للحديث الآنّ لأنّ الأستاذ (عمّى حامد ) صار بين يدىّ الله وفى سكرات الرّحيل….
قلت : سوف لن أقنط من رحمة الله لأن (الأستاذ حامد على دنكلى) علّمنا من صبره وحِكمه ، أنْ لا سـبيل للقنوط من رحمة الله … لم يفقد الأمل يوما …رغم العِللْ لأنّه من طراز الصّـابرين والمحتسبين والقانعين لأمر الله…
رحل (عمّى حامد)….
رحل الأب ، رحل سفر التأريخ، رحل ومعه أرشيف وحكايات زهرة المدائن ، وكلّ المدن (مصوّع- كرن- أسمرا- قلّوج- تسنى-عدّى قيّح )
رحل عمّى حامد الرّحيل الأخير … هذه المرّة لم يرحل ليعود مثل إرتحاله من كرن فى الخمسينيات بحكم المهنة حينها رحل ليعود…وعاد بعد سجن وصمود… عاشت المدينة فى قلبه وسلبت وجدانه، وزنقاتها أصبحت مفردات كلّ اللغات التى أجادها وتحدّث بها (تقرى –تقرنية- عربى.أمحرنية- إنجليزى- أيطالى)..
رجل (عمّى حامد)
رحل عمّى حامد من نفس المدينة التى إرتحل منها (عافة محمّد عافة بكت) والذّى كان ينقل لنا منه وعنه الحب والوصال وحسن الخصال كان يقول عندما يعود إلينا من (لندن) إلى (روتردام ) فى هولاندا : يا الله كم هى جميلة لندن!!! رأيت فيها (بيق بن) السّاعة التى كنت أسمع دقّاتها من مذياع خشبى فى أيّام صباى فى منزل (عمّى ) (عثمان ياقوت) ولاحقا فى مقهى (حمّد أسنّاى )…. ولكنّى نسيت أن أقول لكم أنّها جميلة لأن إخوة لكم أو نفرا منهم عملوا هناك حيّا (كرنيّا ) فيها …منهم (عبدو درار وجلال محمد صالح وعبد الرحمن سيد وإبراهيم محجّب، ومحمود محمد نور وغيرهم كثر….
رحل (عمّى حامد) …
إرتحل وتجوّل (الأستاذ) فى كلّ بقاع إرتريا معلّما وإداريّا مر’ة إلى تسنى ، وأخرى إلى أغردات وعدى قيح و قلّوج ، ودقّى شحاى ، وآخرها كانت أسمرا و (كمسارياتو حماسين ) قبل الخروج الكبير من كلّ الوطن ….عرف إرتريا شعوبها وقبائلها ، أعيانها وقضاتها ، ومشائخها ، وإداريّيها…… كلّ أمسية نقضيها فى منزله إن بدأها (بقلعة القاش العالية) (بارنتو) يذكر المارد الأسمر( العقيد قبرى قال) وجسمه المتضخّم وقامته القصيرة ، شريك الملك فى قتل الأطفال والنســاء وسالب أرض الفقراء والمساكين من أهلنا فى القاش يقول: (قبرى قال ) كان خادم الملك وأىّ ملك ذاك؟؟؟؟ ملك الكلاب والشعوذة و الأساطير (رأس تفرّى مكنّن)… فهو سيّده ، وولىّ نعمته عاد معه ورافقه من حدود السّودان مع إثيوبيا إلى (أديس أببا) عابرا بلاد (الإنقسنا) فى أرض خيرات النّيل العظيم… يوم عاد من بريطانيا
رحل (عمّى حامد)….
رحل عمّى حامد ولم يكمل بعد قصة إرتحال الأسرة من كرن إلى (قلّوج) لم يكمل لى ولأطفالى (قصّة) جبل حامد.. ووقف فى منتصف (قصة وادى سابوناى)…
لا زلت أرثى (عمّى حامد) بحروفى ودموعى.. وأستغفر ربّى لأفى بوعدى له ولكلّ كبار أهلى وتراث بلدى.. الّذين إمتحنتهم الدّنيا بكلّ نوائبها ولكنهم يردّدون فى كلّ مصيبة قول الله (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)….
رحل (عمّى حامد) فحيّرنى برحيله كيف أكمل ما تبقّى من حكاويه لأطفالى وصغارى ولكن مصيبتى الكبرى كيف أحكى لهم آخر قصصه (قصّة الرّحيل الأخير)…
نعم كيف سوف أحكى ؟؟؟
لست خائفا من أن يرى صغارى حزنى ودمعى… ولكن مصيبتى فى أنّى لم أنقل لهم آخر هداياه وآخر تحياه !!!!
رحل (عمّى حامد) فرحلت وتناثرت مفكّرتى ودفتر ذكرياتى ومناقب أسرتى…
كان يرى فيه بعضا من (الكرنيون ) بإختلاف مشاربهم ودياناتهم صورة من (ريكو فكاردى ) لبياض بشرته ، وفى تقواه صورة من قدماء الشيوخ ورموز الشّموخ ،القاضى موسى والقاضى أبوبكر… وكلّ الكرام…
كان الأستاذ (حامد على دنكلى )أبا لكلّ الإرتريين ولكلّ الشّباب فى هولاندا…وفى مدينة غربته (روتردام)…حتّى ناطقى التقرنية من أسمرا كانو ينادونه بـ (عمّى حامد ) يستمعون إلى حكاويه وقصصه عن أسمرا وعن كلّ (كبسا) بإهتمام زائد لمعرفته بأسرارها وخفاياها،ويجدو ن معه تأريخ وقصص آباءهم وأعمامهم ما لم يسمعوه وعرفوه من قبل…
لم تفت على (عمّى حامد) يوما واحدا دون أن يتابع فيها أخبار بلده إرتريا عبر الـ (B b c يقرأ فى الصباح الباكر كلّ الصحف العربية والأجنبية ، وإن وجد شيئا يتعلّق بإرتريا يصوّره وينقله إلينا..إحتفظ بكثير من كتب تأريخ إرتريا قلّ ما توجد مع أى مهتم ومتابع…
رحل (عمّى حامد) … ولكن سوف تفتقده أسرته الصغيرة (آل دنكلى) وسوف يفتقده أحفاده ، وأحبابه الكثر وفى كلّ الشّتات فى أصقاع المعمورة الزّائلة والزّائفة….
نعزّى فى هذا المقام حرمه وأبناؤه (طاهر أبوبكر ملاّك ،ثريّا وعبدالحكيم وعبالقادر وكمال) كما نعزّى أبناء إخوته (محمّد نور وحمّد ومحمّد على..(عمر وعبدالرّحمن).
اللهمّ أرحم (الأستاذ حامد على دنكلى ) وأدخله الجنّة مع السابقين المقرّبين,لأنه من عبــادك الصّالحين وللخير فــاعلين,وأرزقه الفردوس يــا أكرم الأكرمين,وأجعل أهله وذرّيته وزويه ومحبيه من الصّابرين.
أبناءك:
عبدالكريم ضرار …وعبدالفتّاح ودّ الخليفة
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26623
أحدث النعليقات